في قطاع غزة المدمر... إحصاء ضحايا الحرب يشكل تحدياً حقيقياً

فلسطينيون يتفقدون الأضرار التي لحقت بمخيم المغازي للاجئين بعد غارة إسرائيلية في 25 ديسمبر 2023 وسط معارك مستمرة بين إسرائيل وحركة «حماس» (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتفقدون الأضرار التي لحقت بمخيم المغازي للاجئين بعد غارة إسرائيلية في 25 ديسمبر 2023 وسط معارك مستمرة بين إسرائيل وحركة «حماس» (أ.ف.ب)
TT

في قطاع غزة المدمر... إحصاء ضحايا الحرب يشكل تحدياً حقيقياً

فلسطينيون يتفقدون الأضرار التي لحقت بمخيم المغازي للاجئين بعد غارة إسرائيلية في 25 ديسمبر 2023 وسط معارك مستمرة بين إسرائيل وحركة «حماس» (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتفقدون الأضرار التي لحقت بمخيم المغازي للاجئين بعد غارة إسرائيلية في 25 ديسمبر 2023 وسط معارك مستمرة بين إسرائيل وحركة «حماس» (أ.ف.ب)

يشكّل إحصاء الضحايا تحدّياً حقيقياً يومياً في قطاع غزة الذي يتعرّض للقصف منذ قرابة السنة والذي تحوّل جزء كبير منه إلى دمار، ما يثير أسئلة بشأن الطريقة التي تعتمدها وزارة الصحة التابعة لحركة «حماس» لتحديد حصيلة القتلى التي تكاد تصل إلى 42 ألفاً.

بحسب مراسلي «وكالة الصحافة الفرنسية» الذين زاروا مستشفيات غزة مرّات عدّة، يتمّ التعرّف على الرفات إمّا من خلال أغراض عُثر عليها معه وإما عبر أحد الأقارب.

بعد ذلك، يتمّ إدخال المعلومات الشخصية للقتيل في قاعدة بيانات محوسبة تابعة لوزارة الصحة في قطاع غزة، تتضمّن اسم المتوفّى وجنسه وتاريخ ميلاده ورقم بطاقة هويته.

وعندما لا يتمّ التعرّف على الجثث، إن بسبب تشوّهها أو احتراقها، أو لأنّ أحداً لا يأتي للمطالبة بها في ظلّ مقتل عائلات بأكملها في بعض الأحيان في ضربة واحدة، يقوم مقدّمو الرعاية الصحية بتسجيلها بأرقام، وفقاً لأكبر قدر ممكن من المعلومات التي تمكّنوا من جمعها.

وفي إطار هذه المعلومات، يتمّ تصوير أيّ مجوهرات أو ساعات أو هواتف محمولة أو علامات خلقية على أنّها أدلّة. وقد شهد مراسلا «الصحافة الفرنسية» تقديم مؤسسات صحية معلومات بهذا الصدد إلى نظام وزارة الصحة.

سجلّ مركزي

وشرحت وزارة الصحة في غزة في عدد من البيانات الصادرة عنها، تفاصيل العملية المتّبعة لإعداد حصيلة الضحايا.

بالنسبة للمستشفيات الحكومية التابعة لإدارة حركة «حماس» التي تتولّى السلطة في قطاع غزة منذ عام 2007، يتمّ إدخال «المعلومات الشخصية ورقم هوية» كلّ فلسطيني قُتل في أثناء الحرب في قاعدة بيانات المستشفى المحوسبة، بعد وصول الجثة أو بعد وفاة المصابين، وفقاً للوزارة. بعد ذلك، يتمّ نقل هذه البيانات «يومياً» إلى «السجل المركزي للشهداء» التابع للوزارة.

أمّا بالنسبة إلى القتلى الذين ينقلون إلى مستشفيات خاصّة، فإنّ المعلومات الشخصية حولهم تُسجّل في استمارة تُرسل «خلال 24» ساعة إلى الوزارة لدمجها في قاعدة البيانات المركزية.

ويتولّى «مركز المعلومات»، وهو جهاز خاص بالوزارة، مسؤولية التحقّق من المعلومات المقدّمة من المستشفيات «الحكومية» والخاصّة «للتأكّد من عدم احتوائها على تكرار أو أخطاء»، قبل تسجيل الأسماء في قاعدة البيانات.

إضافة إلى ذلك، تدعو السلطات أهالي قطاع غزّة إلى الإبلاغ عن مقتل أحد الأقرباء عبر موقع وزارة الصحة التي تستخدم هذه البيانات لإجراء عمليات التحقّق.

ويعمل في هذه الوزارة موظفون حكوميون تابعون لكلّ من السلطة الفلسطينية التي يقع مقرّها الرئيسي في رام الله ولحركة «حماس».

علاقة قوية

وأظهر تحقيق أجرته منظمة «إيروورز» (Airwars) غير الحكومية المتخصّصة في تأثير الحروب على المدنيين والتي قامت بتحليل نحو ثلاثة آلاف اسم لأشخاص قُتلوا، «علاقة قوية بين البيانات الرسمية... وما أفاد به مدنيون فلسطينيون على الإنترنت؛ إذ 75 في المائة من الأسماء المعلنة عبر الإنترنت موجودة في قائمة وزارة الصحة».

من جهة أخرى، أشارت المنظمة إلى أنه مع تقدّم الحرب، أصبحت إحصاءات الوزارة «أقل دقّة»، لافتة إلى أن الأضرار التي لحقت بالنظام الصحي جعلت المهمّة أكثر صعوبة.

على سبيل المثال، من بين 400 جهاز كومبيوتر في مستشفى ناصر الذي يعدّ إحدى آخر المؤسسات الصحية العاملة جزئياً في جنوب قطاع غزة، لا يعمل سوى 50 جهازاً، وفق ما أوضح مدير المستشفى عاطف الحوت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ورغم أنّ السلطات الإسرائيلية تشكّك بإحصاءات «حماس» التي لا تفصل عدد القتلى المدنيين من المقاتلين، وترى أنّه تمّ التلاعب بهذه الأرقام، فإن الجيش ورئيس الحكومة لا يشككان في حجم الخسائر الإجمالية.

في غزة، أعلنت وزارة الصحة التابعة لـ«حماس»، الأربعاء، «ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 41495 شهيداً و95006 مصابين منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي».

وتشير تقديرات المكتب الإعلامي التابع لحركة «حماس» إلى أن نحو 70 في المائة من القتلى هم من النساء والأطفال.

في إسرائيل، أسفر الهجوم غير المسبوق الذي نفّذته حركة «حماس» في السابع من أكتوبر 2023 عن مقتل 1205 أشخاص غالبيتهم من المدنيين، وفقاً لتعداد أجرته «وكالة الصحافة الفرنسية» بالاستناد إلى بيانات رسمية إسرائيلية.

مثير للجدل أحياناً

وقوبلت الحصيلة الصادرة عن وزارة الصحة التابعة لـ«حماس» في بعض الأحيان بالتشكيك، لا سيما مثلاً من الرئيس الأميركي جو بايدن في بداية الحرب.

لكن بايدن أشار في مارس (آذار) الماضي إلى مقتل «آلاف وآلاف» من المدنيين، من دون التعليق أكثر من ذلك على صحّة إحصاءات الوزارة.

وتستند غالبية المنظمات الدولية والعديد من الوكالات التابعة للأمم المتحدة إلى الحصيلة الصادرة عن وزارة الصحة في قطاع غزة في بياناتها وتقاريرها، لا سيما منها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، لافتة إلى أنها إحصاءات ذات مصداقية.

في نهاية أكتوبر، قال المفوّض العام لـ«الأونروا» فيليب لازاريني، «في الماضي، كانت الإحصاءات المتعلّقة بجولات الصراع الخمس أو الست في قطاع غزة تعدّ ذات مصداقية. لم يشكّك أحد على الإطلاق بهذه البيانات».


مقالات ذات صلة

بايدن: اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» سيدخل حيز التنفيذ صباح الغد

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

بايدن: اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» سيدخل حيز التنفيذ صباح الغد

أكّد الرئيس الأميركي جو بايدن اليوم (الثلاثاء) على أن التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» في لبنان «نبأ سار وبداية جديدة للبنان».

علي بردى (واشنطن)
شؤون إقليمية الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده في اشتباكات بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك بشمال غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل أحد جنوده، اليوم (الثلاثاء)، في اشتباكات بشمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يعقد مؤتمراً صحافياً في ختام اجتماع وزراء خارجية «مجموعة السبع» في فيوجي بوسط إيطاليا في 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب) play-circle 01:03

بلينكن: محادثات اتفاق إطلاق النار في لبنان «في مراحلها الأخيرة»

أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الثلاثاء، أنّ الجهود الرامية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان «في مراحلها النهائية».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا وزير خارجية إيطاليا أنطونيو تاياني في مؤتمر صحافي بختام أعمال اجتماع وزراء «مجموعة السبع» في فيوجي الثلاثاء (أ.ف.ب)

«مجموعة السبع» لـ«حل دبلوماسي» في لبنان

أنهى وزراء خارجية «مجموعة السبع» اجتماعها الذي استمر يومين في فيوجي بإيطاليا، وقد بحثوا خلاله القضايا الساخنة في العالم.

«الشرق الأوسط» (روما)
المشرق العربي ضربات إسرائيلية تستهدف جسوراً في منطقة القصير قرب الحدود السورية - اللبنانية (المرصد السوري)

إسرائيل تقصف طرق إمداد لـ«حزب الله» في القصير السورية

اختارت إسرائيل وقت الذروة في منطقة القصير عند الحدود مع لبنان، لتعيد قصف المعابر التي سبق أن دمرتها بغارات.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل يشمل 3 مراحل تبدأ بانسحابات متزامنة

دمار في ضاحية بيروت الجنوبية حيث اغتيل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ف.ب)
دمار في ضاحية بيروت الجنوبية حيث اغتيل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ف.ب)
TT

اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل يشمل 3 مراحل تبدأ بانسحابات متزامنة

دمار في ضاحية بيروت الجنوبية حيث اغتيل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ف.ب)
دمار في ضاحية بيروت الجنوبية حيث اغتيل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ف.ب)

كشفت مصادر وثيقة الاطلاع على المفاوضات الجارية لهدنة الأيام الـ60 بين لبنان وإسرائيل عن أن الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، موافق على الخطوات التي تتخذها إدارة الرئيس جو بايدن لإخراج مقاتلي «حزب الله» وأسلحتهم من منطقة عمليات القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان «اليونيفيل» مقابل انسحاب القوات الإسرائيلية إلى ما وراء الخط الأزرق، على أن يترافق ذلك مع مفاوضات إضافية عبر الوسطاء الأميركيين.

وأفادت مصادر خاصة لـ«الشرق الأوسط» بأن «مباركة» ترمب لجهود بايدن حصلت خلال لقائهما في البيت الأبيض قبل أسبوعين.

وبينما سادت حالة الترقب للمواقف التي ستعلنها الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو والبيان المشترك «الوشيك» من بايدن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، علمت «الشرق الأوسط» أن اللجنة الخماسية التي تقودها الولايات المتحدة، وتضم أيضاً فرنسا بالإضافة إلى لبنان وإسرائيل و«اليونيفيل»، ستُشرف على تنفيذ عمليات إخلاء «حزب الله» من مناطق الجنوب «على 3 مراحل تتألف كل منها من 20 يوماً، على أن تبدأ الأولى من القطاع الغربي»، بما يشمل أيضاً انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق التي احتلتها في هذه المنطقة بموازاة انتشار معزز لقوات من الجيش اللبناني و«اليونيفيل». وتشمل المرحلة الثانية في الأيام الـ20 التالية بدء عمليات الإخلاء والانسحاب من مناطق القطاع الأوسط، وتُخصص الأيام الـ20 الأخيرة لتطبيق المبدأ نفسه في القطاع الشرقي. وسُربت معلومات إضافية عن أنه «لن يُسمح لسكان القرى الأمامية في جنوب لبنان بالعودة على الفور إلى هذه المناطق بانتظار اتخاذ إجراءات تحفظ سلامتهم، بالإضافة إلى التأكد من خلو هذه المناطق من أي مسلحين أو أسلحة تابعة لـ(حزب الله)». ولكن سيسمح بعودة السكان المدنيين الذين نزحوا مما يسمى بلدات وقرى الخط الثاني والثالث جنوب نهر الليطاني.

الرئيسان الأميركيان جو بايدن ودونالد ترمب خلال اجتماعهما في البيت الأبيض 13 نوفمبر الماضي (أ.ب)

بقاء اللجنة الثلاثية

وتوقع مصدر أن تضطلع الولايات المتحدة بـ«دور فاعل» في آلية المراقبة والتحقق من دون أن يوضح ما إذا كانت أي قوات أميركية ستشارك في هذه الجهود. ولكن يتوقع أن تقوم بريطانيا ودول أخرى بـ«جهود خاصة موازية للتحقق من وقف تدفق الأسلحة غير المشروعة في اتجاه لبنان». ولن تكون الآلية الخماسية بديلاً من اللجنة الثلاثية التي تشمل كلاً من لبنان وإسرائيل و«اليونيفيل».

وتعامل المسؤولون الأميركيون بحذر شديد مع «موجة التفاؤل» التي سادت خلال الساعات القليلة الماضية، آملين في «عدم الخروج عن المسار الإيجابي للمفاوضات بسبب التصعيد على الأرض».

ومن شأن اقتراح وقف النار، الذي توسط فيه دبلوماسيون أميركيون وفرنسيون أن يؤدي إلى إحلال الاستقرار في جنوب لبنان «إذا وفت كل الأطراف بالتزاماتها». غير أن العديد من الأسئلة حول الاقتراح لا تزال من دون إجابة، بما في ذلك كيفية ممارسة الجيش اللبناني سلطته على «حزب الله».

ونقلت صحيفة «واشنطن بوست»، عن دبلوماسي غربي مطلع على المحادثات، أن الجانبين مستعدان للموافقة على الاتفاق. لكنه «حض على توخي الحذر» بعدما «عشنا بالفعل لحظات كان فيها الاتفاق وشيكاً قبل اتخاذ خطوات تصعيدية كبيرة»، كما قال منسق الاتصالات الاستراتيجية لدى مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، مضيفاً أن المسؤولين الأميركيين «يعتقدون أن المسار يسير في اتجاه إيجابي للغاية».

الوسيط الأميركي آموس هوكستين (أ.ب)

قرار أممي جديد؟

وكانت «الشرق الأوسط» أول من نقل، الاثنين، عن مصادر واسعة الاطلاع أن الرئيسين الأميركي والفرنسي يستعدان لإعلان الهدنة بعد ظهور مؤشرات إلى «تفاؤل حذر» بإمكان نجاح الصيغة الأميركية لـ«وقف العمليات العدائية» بين لبنان وإسرائيل على أساس الإخلاء والانسحاب المتبادلين لمصلحة إعادة انتشار «اليونيفيل» والجيش اللبناني في المنطقة بإشراف «آلية مراقبة وتحقق» جديدة «تحدد بدقة كيفية تنفيذ القرار 1701 الذي أصدره مجلس الأمن عام 2006».

ويتوقع أن يصدر مجلس الأمن «قراراً جديداً يضع ختماً أممياً على الاتفاق الجديد» ويتضمن «لغة حازمة» حول الالتزامات الواردة في الاتفاق، من دون أن يشير إلى أنه سيكون بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يخوّل المجتمع الدولي اتخاذ «إجراءات قهرية» لتنفيذ ما ورد في القرار 1701.

ويتضمن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه انسحاب القوات الإسرائيلية إلى الحدود الدولية طبقاً لما ورد في القرار 1701، أي إلى حدود اتفاق الهدنة بين لبنان وإسرائيل في 23 مارس (آذار) 1948، على أن «تجري عملية إخلاء مقاتلي (حزب الله) وأسلحتهم من منطقة عمليات (اليونيفيل) طبقاً للقرار نفسه الذي ينص أيضاً على وجوب عدم وجود مسلحين أو أسلحة غير تابعين للدولة اللبنانية أو القوة الدولية على امتداد المنطقة بين الخط الأزرق وجنوب نهر الليطاني. وبالإضافة إلى التحقق من تنفيذ الاتفاق، ستبدأ محادثات للتوصل إلى تفاهمات إضافية على النقاط الحدودية الـ13 التي لا تزال عالقة بين لبنان وإسرائيل، بما فيها الانسحاب الإسرائيلي من الشطر الشمالي لبلدة الغجر والمنطقة المحاذية لها شمالاً. وينص الاتفاق على «وقف الانتهاكات من الطرفين» مع إعطاء كل منها «حق الدفاع عن النفس».