ميقاتي يراهن على عدم ربط «حزب الله» جنوب لبنان بغزة

رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي (رئاسة الحكومة)
رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي (رئاسة الحكومة)
TT

ميقاتي يراهن على عدم ربط «حزب الله» جنوب لبنان بغزة

رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي (رئاسة الحكومة)
رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي (رئاسة الحكومة)

لم يفقد لبنان الأمل بإعادة ترجيح كِفّة الخيار الدبلوماسي على الحل العسكري الذي يدخل الآن في مرحلة غير مسبوقة بمواصلة إسرائيل اجتياحها الجوي للمدن والبلدات الواقعة في عمق الجنوب والبقاع الغربي والأوسط والشمالي، على طول الخط الممتد من رأس الناقورة إلى سلسلة الجبال الشرقية؛ وهذا ما شجع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على التوجه إلى نيويورك للمشاركة في الاجتماعات الدولية للجمعية العامة للأمم المتحدة التي يتصدر وقف النار بين إسرائيل و«حزب الله» جدول أعمالها بصفته بنداً طارئاً لعل المشاورات تؤدي إلى إطلاق مبادرة لخفض منسوب التوتر الذي بلغ ذروته منذ يوم الاثنين، وصولاً إلى وضع آلية بكفالة دولية تسمح بوقف تدريجي للتصعيد؛ تمهيداً لتهيئة الظروف الأمنية والسياسية لتطبيق القرار الدولي 1701 بكل مندرجاته بما يسمح بعودة النازحين على جانبي الحدود إلى أماكن سكنهم.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر وزارية رفيعة أن ميقاتي حسم أمره في الساعات الماضية وقرر التوجه إلى نيويورك، بخلاف قراره الذي كان اتخذه بعدم السفر وتكليف وزير الخارجية عبد الله بوحبيب الإنابة عنه في متابعته لأعمال الدورة العادية للأمم المتحدة.

وقالت المصادر الوزارية إن عاملَيْن أمليا على ميقاتي السفر إلى نيويورك، الأول يتعلق بتلقيه اتصالات فرنسية ارتأت ضرورة حضوره على عجل للانخراط في الجهود الأممية الرامية لإطلاق مبادرة دولية لنزع فتيل التفجير الذي بلغ ذروته في الساعات الأخيرة، وينذر بتوسعة الحرب لتشمل الإقليم.

ولفتت إلى أن العامل الآخر الذي حثّه على ضرورة السفر يكمن في ارتفاع أعداد النازحين الذين لم يقتصروا على البلدات الجنوبية والضاحية الجنوبية لبيروت، وإنما امتدوا إلى مدن وقرى بقاعية مشمولة بالاجتياح الجوي الإسرائيلي، وبلغ تعدادهم مئات الألوف، وبات يصعب على الدولة تأمين أماكن لإيوائهم واستيعابهم، خصوصاً أن حجم النزوح يتزايد.

وكشفت المصادر الوزارية عن أنه لم يكن من خيار أمام ميقاتي سوى التوجه إلى نيويورك لحث المجتمع الدولي للتدخل، ليس للجم الاجتياح الجوي الإسرائيلي، الذي تلازم هذه المرة مع مواصلة تل أبيب تنفيذ سياسة الأرض المحروقة وتدمير البيوت والمؤسسات على نحو لا يقتصر على البلدات الواقعة في نطاق جنوب الليطاني، وإنما بدأت تستهدف تلك الواقعة في شمال الليطاني وصولاً إلى مشارف مدينة صيدا، وقالت إنه استبق سفره بدعوته دول القرار للضغط على إسرائيل لمنعها من تحويل الجنوب والبقاع الذي تقيم فيه أغلبية شيعية مناطق لا تصلح للسكن، من دون أن تلقى دعوته التجاوب المطلوب الذي بقي متواضعاً، لا، بل خجولاً.

ورأت أن إسرائيل بدأت اجتياحها الجوي ولديها تصميم لتحويل الليطاني بشقيه الجنوبي والشمالي أرض حفرة نفرة خالية من سكانها، وقالت إن شعور الجنوبيين ومعهم البقاعيون بأنهم متروكون للقضاء والقدر أخذ يتزايد، ولا بد من حث المجتمع الدولي للتدخل لإعادة الهدوء إلى بلداتهم وقراهم.

لكن ضمان تدخل المجتمع الدولي يفتح الباب أمام السؤال عن رد فعل «حزب الله» في حال أن المبادرة الدولية تنطلق من بند أساسي للتوصل إلى وقف النار ينص على فك ارتباطه بمساندته «حماس» للعودة بالوضع في الجنوب إلى ما كان عليه قبل أن يقرّر في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي انخراطه في إشغاله إسرائيل دعماً لقطاع غزة.

في هذا السياق، يُفترض بميقاتي أن يكون قد استمزج رأي رئيس المجلس النيابي نبيه بري وقيادة «حزب الله» في هذا الخصوص، قبل أن يقرر التوجه إلى نيويورك لتزخيم الجهود الدولية للتوصل اليوم قبل الغد إلى وقف للنار؛ لأن من دون إقناع الحزب بوجوب فصل جنوب لبنان عن قطاع غزة عبثاً يحاول، ليس لأن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو يشترط إلزام الحزب في هذا الشأن، وإنما لأن الغلبة الدولية ترى أن لا جدوى من إنضاج مبادرة لوقف النار ما لم تكن قاعدتها فصل جنوب لبنان عن غزة.

ويقول مصدر سياسي بارز لـ«الشرق الأوسط»، لسنا في وارد حشر «حزب الله» في الزاوية على خلفية الطلب منه فك ارتباطه بغزة، وإنما لأننا نريد أن نتساعد لئلا يلتحق البلد به في الصعود إليها وعندها ننزلق جميعاً نحو المجهول.

ويؤكد المصدر بأننا لا نتوخى إحراج «حزب الله» بمطالبتنا إياه بأن يتصرف بواقعية بمقدار ما أن فك ارتباطه بغزة من شأنه أن يعيد الهدوء إلى الجنوب، شرط أن يتعهد المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لإلزامها التقيد بحرفية البنود الواردة في المبادرة، في حال أدت الاتصالات إلى التوافق عليها والاستجابة لتطبيقها على وجه السرعة، لئلا يصيبها ما أصاب المبادرات الدولية والعربية الهادفة للتوصل إلى وقف النار في غزة من تعثر، ما أبقى عليها في حالة مراوحة. وقال إن قيادة الحزب تقف حالياً أمام خيار لا ثاني له يتطلب منها اتخاذ موقف شجاع وجريء لإبطال الذرائع التي تتلطى وراءها إسرائيل وهي تمعن في عدوانها على لبنان وسط صمت دولي يُفترض أن ينقلب رأساً على عقب لمصلحة عودة الهدوء إليه، وذلك بفك ربط الجنوب بغزة.

ويشدد على ضرورة توفير «كفالة» دولية لضمان التطبيق الفوري للمبادرة. وسأل: هل يبادر «حزب الله» للانفتاح على الجهود الدولية ولا يبرر لإسرائيل تماديها في عدوانها؟ أم أنه سيحاول كسب الوقت؟ مع أن لا مصلحة له بالاستعصاء على الإرادة الدولية لوقف الحرب ولدى قيادته القدرة على استيعاب رد فعل محازبيه وجمهوره انطلاقاً من أنه في تنازله يحاكي ما يشبه الإجماع اللبناني الرافض إغراق لبنان في حرب مفتوحة لا يعرف متى تنتهي في ظل تمادي إسرائيل في عدوانها واستهدافها المدنيين، وتدميرها الحجر وتفريغها الجنوب والقسم الأكبر من البقاع من أهلهم من دون أن تلقى الردع الدولي المطلوب؟

ويلفت المصدر نفسه إلى أن انخراط الحزب في مساندته «حماس» يفتقد إلى حاضنة لبنانية من خارج الثنائي الشيعي، وأيضاً إلى تأييد دولي وإقليمي. وقال إن الحزب في حاجة إلى إجراء مراجعة جدية لاستخلاص العبر والنتائج بعيداً عن المكابرة في ضوء الموقف الإيراني المحكوم باستيعاب التأزم، بدءاً من الجنوب ليبقي على خطوط التواصل مفتوحة مع الولايات المتحدة الأميركية، وإلا، ألم يحن الوقت المناسب لترد طهران على اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية في عقر دار «الحرس الثوري» الإيراني؟ ويكاد يكون هذا السؤال لسان حال جمهور المقاومة الذي يجاهر بهذا السؤال، مستغرباً التأخر في الرد على اغتياله؟

وإلى أن تحسم طهران أمرها وتقرر الرد، فإنه سيبقى، أي الرد، كما يقول المصدر نفسه، تحت سقف السيطرة على نحو لا يزعزع الاستقرار في المنطقة، فهل يتوقف «حزب الله» أمام كل هذه المعطيات ويحسم أمره بتسهيل مهمة ميقاتي في نيويورك على قاعدة أن فك ارتباطه بغزة هو بمثابة رافعة للموقف اللبناني لحشر المجتمع الدولي ومطالبته بالتدخل الفوري لوقف الاجتياح الجوي الإسرائيلي للبنان الذي يمكن أن يكون البديل لعدم قيام تل أبيب باجتياح بري بكلفة هي في غنى عنها؟ في حين تغيب الساحات المنضوية تحت سقف محور الممانعة عن المواجهة وتترك الحزب وحيداً في مساندته «حماس».


مقالات ذات صلة

ضربة إسرائيلية في قلب بيروت... وتجدد الغارات على الضاحية الجنوبية

المشرق العربي موقع غارة إسرائيلية استهدفت قلب بيروت فجر اليوم (أ.ب)

ضربة إسرائيلية في قلب بيروت... وتجدد الغارات على الضاحية الجنوبية

سُمع دوي انفجارات عدة في العاصمة اللبنانية، فجر اليوم، مع دخول الحرب المفتوحة بين إسرائيل و«حزب الله» شهرها الثالث.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جندي من قوات «اليونيفيل» في برج مراقبة قرب قرية مارون الراس اللبنانية (إ.ب.أ)

إصابة 4 من جنود «اليونيفيل» الإيطاليين في لبنان وروما تُحمّل «حزب الله» المسؤولية

أصيب 4 جنود إيطاليين في هجوم على مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة بلبنان «اليونيفيل» ببلدة شمع جنوب لبنان، وفق ما أعلن مصدران حكوميان، الجمعة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عاملا صحة يعتنيان بمصابة جراء الحرب في أحد مستشفيات لبنان 15 يوليو 2024 (أ.ب)

الصحة العالمية: مقتل 226 عاملاً صحياً ومريضاً في لبنان منذ بدء حرب 7 أكتوبر

قالت منظمة الصحة العالمية، اليوم (الجمعة)، إن 226 عاملاً صحياً ومريضاً قُتلوا في لبنان، فيما أصيب 199 آخرون جراء الهجمات الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة 22 نوفمبر 2024 (أ.ب) play-circle 00:54

مقتل مدير مستشفى و6 من زملائه في قصف إسرائيلي على شرق لبنان

قُتل مدير مستشفى دار الأمل قرب بعلبك في شرق لبنان مع ستة من زملائه العاملين في المستشفى، الجمعة، في ضربة إسرائيلية استهدفت منزله.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

إسرائيل تملأ غياب هوكستين بالغارات والتوغلات

دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)
دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)
TT

إسرائيل تملأ غياب هوكستين بالغارات والتوغلات

دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)
دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)

تملأ إسرائيل غياب الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكستين الذي يحمل مبادرة أميركية لوقف إطلاق النار، بالغارات العنيفة، وتوسعة رقعة التوغل البري الذي وصل إلى مشارف مجرى نهر الليطاني، في محاولة لفصل النبطية عن قضاء مرجعيون.

وفيما انتقل هوكستين إلى واشنطن من دون الإدلاء بتصريحات حول زيارته إسرائيل، أكدت مصادر لبنانية لـ«الشرق الأوسط» أنَّ الموفد الأميركي «بقيَ على تواصل مع المفاوضين اللبنانيين»، مشيرة إلى أنَّ المحادثات لوقف النار «تتقدم ببطء، لكن بثبات في اتجاه إيجابي».

ميدانياً، وصلت القوات الإسرائيلية إلى بلدة ديرميماس، انطلاقاً من بلدة كفركلا، ما يعني أنَّها سارت على طريق لنحو 5 كيلومترات في العمق اللبناني، لتصل إلى مشارف الليطاني، بعد تمهيد ناري بالمدفعية وغارات جوية نفذتها طائرات حربية ومسيّرات. وقال «حزب الله»، في المقابل، إنَّه استهدف تلك القوات في النقاط التي وصلت إليها.

بالموازاة، كثفت إسرائيل غاراتها الجوية على ضاحية بيروت الجنوبية، واستهدفت الأحياء المسيحية المقابلة للضاحية في عين الرمانة والحدت، وهي خطوط التماس السابقة في الحرب اللبنانية، وذلك عقب إنذارات وجهها الجيش للسكان بإخلاء الأبنية.