تساؤلات لبنانية عن انكفاء إيراني «مُريب» خلال الحرب الإسرائيلية

هل بدأت طهران مرحلة المقايضة مع واشنطن على حساب أذرُعها؟

دخان يتصاعد جرّاء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (رويترز)
دخان يتصاعد جرّاء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (رويترز)
TT

تساؤلات لبنانية عن انكفاء إيراني «مُريب» خلال الحرب الإسرائيلية

دخان يتصاعد جرّاء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (رويترز)
دخان يتصاعد جرّاء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (رويترز)

بينما ترفع إسرائيل من وتيرة عملياتها ضدّ «حزب الله»، وتستهدف مواقع استراتيجية، وتعمل بشكل ممنهج على تصفية قياداته، وتحويل لبنان إلى ساحة حربٍ حقيقية، يسجَّل تراجُع إيران عن هذه المواجهة، وجنوحها نحو ترتيب أوراقها السياسية مع الولايات المتحدة والغرب، وفق محلِّلين سياسيين لبنانيين.

ويستدلّون على ذلك بما صرَّح به المرشد الأعلى علي خامنئي عن «تراجُع تكتيكي» في الرّد على استهداف إسرائيل للمصالح الإيرانية، وصرْف النظر عن الانتقام لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنيّة في عمق طهران، وكذلك يستشهدون بما أعلنه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من أن بلاده مستعدّة لإجراء محادثات حول ملفها النووي في نيويورك.

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (د.ب.أ)

وتضاربت قراءات الخبراء حول أبعاد السياسة الإيرانية الجديدة، وما إذا كانت دخلت فعلاً مرحلة المقايضة على أذرُعها العسكرية في المنطقة، مقابل مكاسب سياسية تُحقّقها على طاولة المفاوضات، أم أن العلاقة العقائدية بين إيران و«حزب الله» عصيّة على الانفكاك.

سعيد: «حزب الله» متروك لقَدره

وأشار رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، النائب اللبناني السابق فارس سعيد، إلى أن «المشهد الذي نراه في غزّة منذ أشهر يتكرّر الآن في لبنان»، مشيراً إلى أن «الأيام المقبلة ستُبيّن ما إذا كانت إيران تقود محور المقاومة في وجه إسرائيل، أم أنها تحارب تل أبيب عبر حلفائها، بينما هي مهتمّة بالتفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية».

وقال سعيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «يتبيّن يوماً بعد يوم أن المنخرطين في أذرُع إيران بالمنطقة هم الذين يموتون بمواجهة إسرائيل، من أجل تحسين ظروف مفاوضات طهران مع واشنطن»، ملاحِظاً أن «اللبنانيين يشعرون اليوم بأن (حزب الله) الذي كان يتغنّى بأنه مدعوم من إيران، وأن طعامه وشرابه وأمواله وأسلحته من طهران، يخوض الآن المعركة وحيداً، وكأنه متروك لقَدره، بينما تنشغل إيران بترتيب ملفاتها مع الغرب».

الصائغ: إيران لن تتخلّى عن الحزب

بقاء إيران خارج المعركة الإسرائيلية الأشرس على لبنان منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لا يعني تخلّي طهران عن «حزب الله» بأي حال من الأحوال، على حدّ تعبير الباحث في الشؤون الجيوسياسية زياد الصّائغ، الذي رأى أن «القول بانفكاك عَقد البنوّة والأبوّة بين (حزب الله) وإيران يُعدّ تبسيطاً ساذجاً؛ إذ هي أيديولوجية غيبيّة تجمع بينهما، إلى حدّ انسحاب هذه الأيديولوجيّة على مستويات عملانيّة فائقة التعقيد».

ودعا الصائغ في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى «وجوب وعي أنّ رهاناً مماثلاً، هو مثيلٌ لرهانِ لَبْنَنة هذا الخيار أو ذاك، ما أدّى بكل الخيارات إلى دمار انتحاري شامل»، مشدّداً على أن «انفكاك هذا العقد يطول أطراف حلف الأقليّات الذين اجتمعوا على مدى عقود لتدمير لبنان والحالة العربية بنَفَسِها الحضاري، وهذا ما جعل إيران وإسرائيل في مربّع المصلحة الموضوعيّة المتقاطعة. من هنا دخلت الأولى إلى الشرق الأوسط بأذرُع لم تُقِم وزناً للإنسان ومنطق الدولة، بقدر الانقضاض على هذَين المكونَين الحضارييْن اللذَين يؤمّنان حكم القانون، ويثبّتان مفهومَي الأمن القومي والأمان الإنساني».

ويسود الاعتقاد في الشارع اللبناني بأن انكفاء إيران أو غيابها عن الأحداث الخطيرة التي شهدها لبنان، بدءاً من تفجيرات أجهزة الاتصالات، مروراً بقصف الضاحية الجنوبية، واغتيال القادة البارزين في «كتيبة الرضوان»، وصولاً إلى تجاهُلها الغارات الإسرائيلية التي شملت مختلف الأراضي اللبنانية، يعني أنها تخلّت عن شعاراتها القديمة، وتركت الحزب واللبنانيين لقَدرهم.

القوى الإقليمية تستخدم الأطراف الداخلية

ورأى النائب السابق فارس سعيد أن القيادة الإيرانية «تحاول أن تنجو من هذه الحرب، وربما تُقايِض على رأس (حزب الله) في لبنان، والحوثي في اليمن، والحشد الشعبي في العراق».

وقال: «للأسف، ليست المرة الأولى التي يربط فيها فريق لبناني مصيره بجهة خارجية ويخسر الرهان»، مذكّراً بأنه «عندما قررت الحركة الوطنية (سبعينات القرن الماضي) ربط مصيرها بياسر عرفات (رئيس منظمة «فتح»)، وقرّر (الرئيس السوري الراحل) حافظ الأسد تصفية (فتح)، وبدأ باغتيال كمال جنبلاط، ومن ثم (الرئيس اللبناني المنتخب) بشير الجميل، لم يتمكن أبو عمار من حماية كمال جنبلاط، ولم يأتِ أحد من الخارج لإنقاذ بشير الجميل»، مضيفاً أن «القوة الإقليمية تستخدم الفريق الداخلي، وليس العكس، والوقائع اليوم تُثبت أن (حزب الله) هو من يتبع توجيهات طهران والحرس الثوري الإيراني، بعكس ما كان نصر الله يقوله من أنه هو مَن يقرّر، وإيران تسانده في المعركة».

ولم يكن للدور الإيراني أن يتعاظم إلى هذا الحدّ لولا تَماهي الدول العظمى مع هذا الدور.

نهاية حقبة التطرف

وأشار زياد الصّائغ إلى أن «الغرب غطّى هذا الدور لعقود، وها هي شعوب المنطقة تدفع ثمن هذا الغطاء الخبيث، ولن ينجو هو من ذلك أيضاً»، ويختم الصائغ: «دخلنا حقبة إنهاء التطرف الجامع بين الأيديولوجيّة القومية والدوغماتيّة الدينية، وأفضل تعبير عنها إسرائيل وإيران، في وقت لا بدّ للعالم العربي من قيادة مسار قيام دولة فلسطين، ولا بدّ لـ(حزب الله) من استعادة حقائق التاريخ والجغرافيا من بوابة الهوية اللبنانية الجامعة، تحت سقف تطبيق الدستور، والالتزام بسيادة الدولة الحصرية، فهناك الخلاص».


مقالات ذات صلة

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال زيارته وزارة الدفاع (حسابه عبر منصة إكس)

ميقاتي: اللبنانيون مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي مسيّرة إسرائيليّة من نوع (هرمز 450)

«حزب الله» يعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450» فوق الطيبة

أعلنت جماعة حزب الله اللبنانية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، أنها أسقطت مسيرة إسرائيلية بصاروخ أرض-جو في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (هرمز 450)
المشرق العربي عناصر من خدمة الطوارئ الإسرائيلية في مكان سقوط مقذوف في حيفا أطلق من لبنان (رويترز)

الجيش الإسرائيلي: سقوط صواريخ أطلقها «حزب الله» على حيفا وتضرر كنيس

أعلن الجيش الإسرائيلي تضرر كنيس في «هجوم صاروخي كبير» شنه «حزب الله» اللبناني على مدينة حيفا (شمال غرب)؛ ما أسفر عن إصابة شخصين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.