4 تحوّلات لـ«جبهة الإسناد»... ولبنان يخشى المرحلة الخامسة

إسرائيل تسعى لفرض معادلة عسكرية جديدة تعيد سكان مستوطنات الشمال

دخان يتصاعد في شمال إسرائيل جراء انفجارات بعد إطلاق صواريخ من جنوب لبنان (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد في شمال إسرائيل جراء انفجارات بعد إطلاق صواريخ من جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

4 تحوّلات لـ«جبهة الإسناد»... ولبنان يخشى المرحلة الخامسة

دخان يتصاعد في شمال إسرائيل جراء انفجارات بعد إطلاق صواريخ من جنوب لبنان (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد في شمال إسرائيل جراء انفجارات بعد إطلاق صواريخ من جنوب لبنان (أ.ف.ب)

العمليات الأمنية والعسكرية الأخيرة التي نفَّذتها إسرائيل في لبنان، سواءً تفجير شبكة الاتصال الخاصّة بـ«البيجر» والأجهزة اللاسلكية، أو اغتيال عدد من القادة العسكريين والأمنيين على رأسهم إبراهيم عقيل، خلطت أوراق الحرب بين «حزب الله» وإسرائيل، وحوّلت «جبهة الإسناد» مع غزّة إلى حرب استنزاف في لبنان، خصوصاً أن التطورات التي شهدتها الجبهة منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 حتى اليوم، جاءت من خارج حسابات الحزب، الذي اعترف أمينه العام حسن نصر الله بأنه «تلقى ضربات كبيرة وقويّة ومؤلمة».

تبدّلت عناوين المعركة لدى الطرفين. فـ«حزب الله» الذي فتح الجبهة على وقع الضربات المحدودة وعمليات «الإشغال»، تجنّب إلى حدّ كبير كسر قواعد الاشتباك، وكان يعتقد، وفق خبراء، أن إسرائيل «لن تغامر في عمليات كبيرة»، وأنه قادر على إرساء «توازن الردع» معها، قبل أن يفاجأ بأن الأخيرة استفادت من تفوقها التكنولوجي ونفّذت عمليات «اغتيال نظيفة» طالت عدداً من قادته الميدانيين من دون أن توسّع عملياتها.

نهج تدميري

ورأى الخبير العسكري والاستراتيجي العميد الركن (المتقاعد) الدكتور حسن جوني، أن «التورّط في حرب غزّة كان يحتّم على إسرائيل ألّا تفتح جبهة أخرى، بل تُبقي وضع الجبهة الشمالية على ستاتيكو العمليات المحدودة والاغتيالات الممنهجة لكوادر وعناصر (حزب الله) إلى أن تنتهي جبهة غزّة، فتعاملت مع الحزب وفق الواقع الميداني». وأكد جوني لـ«الشرق الأوسط» أنه «مع تطوّر عمليات الحزب واستهداف مستوطنات الشمال وتهجير أكثر من 100 ألف مستوطن، لجأت قوات الاحتلال إلى نهج تدميري لمناطق الجنوب، وترافق ذلك مع ضغوط سياسية ودبلوماسية على الحكومة اللبنانية و(حزب الله) وإرغامه على تطبيق القرار 1701، لكن مع انسداد أفق الحل السياسي الذي ترافق مع السيطرة شبه التامة على قطاع غزّة، حوّل جيش الاحتلال اهتمامه إلى الجبهة مع لبنان وتغيّرت عناوين المعركة لديه».

وأشار جوني إلى أن «عنوان المعركة مع لبنان بات إعادة سكان مستوطنات الشمال إلى منازلهم، الذي أدخلته القيادة الإسرائيلية في صميم الحرب. ونتنياهو يرى أن الوقت بات ملائماً له بعد تقدّمه عسكرياً في غزّة وإصابة (حماس) بشلل كبير».

وبقدر ما حاولت إسرائيل، ومعها الوسطاء الدوليون، فكّ الارتباط ما بين جبهتي غزّة وجنوب لبنان، أدار الجيش الإسرائيلي معركته على الجبهتين وفق مقتضيات كلّ منهما، لكنه ذهب بعيداً عندما استهدف عمق الضاحية الجنوبية باغتيال القيادي في «حماس» صالح العاروري، ثمّ القائد العسكري الأول للحزب فؤاد شكر، وأخيراً اغتيال القيادي الأبرز إبراهيم عقيل وعدد من رفاقه قادة «كتيبة الرضوان».

معادلة جديدة

وتحدّث مدير «مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر عن تنقّل المواجهات في جنوب لبنان على أربع مراحل، معتبراً أن إسرائيل «بقيت في الأيام الأولى التي تلت عملية طوفان الأقصى» تحت تأثير الصدمة، وترددت في الدخول إلى قطاع غزّة، وهذا ما أعطى (حزب الله) هامشاً من المناورة على الجبهة اللبنانية التي سمَّاها جبهة إشغال ومساندة».

وأوضح نادر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المرحلة الثانية بدأت مع ارتفاع وتيرة المعارك في شمال القطاع وتكثيف الضغط على (حماس)، ومن ثمّ السيطرة على شمال القطاع وجنوبه والدخول إلى رفح واحتلال محور فيلادلفيا، وهذه المرحلة ترافقت مع رفع وتيرة التدمير الإسرائيلي في جنوب لبنان وتكثيف الاغتيالات في صفوف الحزب لإضعافه، وإجباره على تطبيق القرار 1701 والانسحاب إلى شمالي مجرى نهر الليطاني».

وأضاف: «أصبحنا الآن في المرحلة الرابعة التي بدأت مع نقل إسرائيل قواتها من غزّة إلى الشمال، ومعها وضع بنيامين نتنياهو معادلة عسكرية جديدة، عنوانها إعادة الأمن إلى سكان الجليل وعودة النازحين إلى بيوتهم».

«ربط الجبهتين»

لكن كلّ هذه التغيّرات لم تدفع «حزب الله» إلى التخلّي عن شعاره بربط الجبهتين. وهنا ذكّر العميد جوني الذي شغل منصب قائد كليّة الأركان في الجيش اللبناني، بأن الحزب «وضع هدفاً استراتيجياً لجبهة المساندة ولم يتخلّ عنه بعد، ويتمثل في وقف الحرب على غزّة، لكنّه لم يرغب في تطوير الصراع وجرّ لبنان إلى هذه الحرب، من خلال ضبط استخدام الأسلحة والاستهدافات والردود التي لم يلجأ فيها إلى أسلحة استراتيجية حتى في أكثر اللحظات حرجاً، لكن إسرائيل ابتزته واستغلت عدم رغبته في الذهاب إلى الحرب مراعاةً للوضع اللبناني الصعب للغاية، رغم أنه طوّر عملياته في الفترة الأخيرة واستهدف مستوطنات ومواقع عسكرية جديدة»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «حرب غزّة وجبهة لبنان بدأتا على توقيت (رئيس حركة حماس) يحيى السنوار، وليس أي طرفٍ آخر، وبناءً عليه شنّت إسرائيل الحرب على غزّة بهدفين معلنين هما تحرير الأسرى والقضاء على حركة (حماس)، لكن الهدف الحقيقي والخفي هو تدمير قطاع غزّة وإعادة احتلاله وقتل أكبر عدد من الفلسطينيين».

دخان يتصاعد فوق الضاحية الجنوبية لبيروت بعد الغارة الإسرائيلية (أ.ف.ب)

صحيح أن القصف الصاروخي للحزب تخطّى مواقع الجيش الإسرائيلي في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلّة، وكشف عن مسيرات الـ«هدهد» التي صوّرت مواقع عسكرية ونقاطاً استراتيجية، لكنّه يتجنّب ضرب منشآت مدنية واستراتيجية إسرائيلية.

لا حل إلا باتفاق سياسي

ورأى نادر أنه «مقابل عبور إسرائيل المراحل الأربع، لا يزال (حزب الله) عند المرحلة الأولى، أي وحدة الساحات، وربط جبهة الجنوب بوقف النار في غزّة»، مشدداً على أنه «رغم الخسائر التي يتكبدها الحزب، فإنه يبحث عن ذريعة لوقف الحرب، وهو أبقى الباب مفتوحاً أمام الحلّ السياسي، وهذا ما عبّر عنه خطاب وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب، الذي أعلن أمام مجلس الأمن الدولي أن لبنان مستعدّ لتنفيذ القرار 1701، لكن لا نعرف وفق أي شروط».

وتخوّف نادر من أن «يدخل لبنان المرحلة الخامسة من الحرب، وأن تترجم إسرائيل تهديداتها بشنّ هجوم برّي على لبنان، وعندها لا أحد يستطيع أن يتنبّأ بالنتائج التي ستنتهي إليها هذه الحرب».

وإذا كانت أولوية الحكومة الإسرائيلية إعادة المدنيين إلى مستوطنات الشمال بالقوة، فإن ذلك لن يتحقق، وفق تقدير الخبير العسكري العميد حسن جوني، إلّا باتفاق سياسي، مؤكداً أنه «حتى لو نجح الجيش الإسرائيلي بفرض حزام أمني في الجنوب، فإن (حزب الله) قادر على الاستمرار بإطلاق الصواريخ من العمق اللبناني. وأضاف جوني أن إسرائيل ربما تسعى من خلال تسخين العمليات مع لبنان إلى الضغط على حكومة لبنان و(حزب الله) لجلب الجميع إلى مفاوضات برعاية دولية وفرض تطبيق القرار 1701، وهذا ما يمكن أن يقود إلى تسوية كبيرة في المنطقة».


مقالات ذات صلة

كيف سيتصرف «حزب الله» وهل يتفلّت نتنياهو من الضغط الأميركي؟

تحليل إخباري لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)

كيف سيتصرف «حزب الله» وهل يتفلّت نتنياهو من الضغط الأميركي؟

يتوقف بدء سريان المفاعيل السياسية للنداء الأميركي - الفرنسي، المدعوم أوروبياً وعربياً، على الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على بنيامين نتنياهو.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي سوريون ولبنانيون على معبر المصنع بين لبنان وسوريا هرباً من القصف الإسرائيلي (الشرق الأوسط)

إسرائيل تقطع رحلة الهروب إلى سوريا بقصف المعابر الحدودية

قطعت الغارات الإسرائيلية طرق العبور من لبنان إلى سوريا، بقصف أربعة معابر حدودية في شمال شرقي البلاد، بعد أربعة أيام من حركة نزوح لافتة باتجاه سوريا.

حسين درويش (بعلبك (لبنان))
المشرق العربي سوريون ولبنانيون على معبر المصنع بين لبنان وسوريا هرباً من القصف الإسرائيلي (الشرق الأوسط) play-circle 02:57

النازحون السوريون يعانون جحيم حرب جديدة

أوضاع صعبة يعيشها آلاف السوريين الذين اضطروا مجدداً للهرب من مخيمات كانت تؤويهم في مناطق الجنوب اللبناني والبقاع بعد قرار إسرائيل توسعة الحرب على لبنان.

بولا أسطيح (بيروت)
أوروبا إحدى ضحايا انفجارات أجهزة البيجر على نقالة خارج المركز الطبي بالجامعة الأميركية في بيروت (رويترز)

النرويج تُصدر طلباً دولياً للبحث عن شخص على صلة بـ«أجهزة بيجر حزب الله»

قالت الشرطة النرويجية، الخميس، إنها أصدرت طلباً دولياً للبحث عن رجل نرويجي من أصل هندي، مرتبط ببيع أجهزة البيجر التي يستخدمها «حزب الله» وانفجرت الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (أوسلو)
المشرق العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ف.ب)

الهدنة المؤقتة تلقى دعماً دولياً وعربياً… وتنتظر موافقة إسرائيل و«حزب الله»

وسط ضغوط عالمية لتنفيذ الاتفاق الأميركي - الفرنسي بشأن الهدنة بين إسرائيل و«حزب الله»، يسود ترقب لأقوال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وأفعاله.

علي بردى (نيويورك)

مع ارتفاع أعداد النازحين... مطعم خيري في بيروت يكافح لمواكبة زيادة الطلب

متطوعون في منظمة «نيشن ستيشن» غير الربحية يقومون بإعداد وجبات طعام لتوزيعها (رويترز)
متطوعون في منظمة «نيشن ستيشن» غير الربحية يقومون بإعداد وجبات طعام لتوزيعها (رويترز)
TT

مع ارتفاع أعداد النازحين... مطعم خيري في بيروت يكافح لمواكبة زيادة الطلب

متطوعون في منظمة «نيشن ستيشن» غير الربحية يقومون بإعداد وجبات طعام لتوزيعها (رويترز)
متطوعون في منظمة «نيشن ستيشن» غير الربحية يقومون بإعداد وجبات طعام لتوزيعها (رويترز)

في مطبخ خيري بالعاصمة اللبنانية بيروت، ينخرط متطوعون بلا كلل في ملء عبوات للوجبات بالأرز والخضراوات بينما يقلب آخرون قدوراً ضخمة لطهي الطعام في محاولة لمواكبة زيادة ضخمة في الطلب من نازحين يفرون من الضربات الإسرائيلية.

وتقول جوزفين أبو عبدو، وهي طاهية وأحد مؤسسي «نيشن ستيشن» أو «محطة البلد»، إن هذا المطبخ الخيري يقدم 700 وجبة في اليوم، ويعمل بأقصى طاقته، لكنها علمت بعد ذلك أن هناك حاجة إلى ألف وجبة، بحسب «رويترز».

متطوعون يقطّعون الخضار لإعداد وجبات طعام في المطبخ الخيري في بيروت (رويترز)

تصف ما يمرون به بينما يسارع فريق المتطوعين من مختلف الأعمار ومن شتى أنحاء لبنان من حولها، في تعبئة الغذاء، وتضيف: «الصعوبات هي أننا لا نلحق، ونحس كأننا نقطة ببحر».

وتأسست «محطة البلد» لمساعدة المتضررين من انفجار مرفأ بيروت المروع الذي وقع في 2020، والفريق الذي كان مؤلفاً من خمسة أفراد فحسب، نما سريعاً ليصبح مكوناً من مائة بمرور الوقت.

يقدم المطعم بعض الأطباق اللبنانية التقليدية مثل الكوسة المحشوة بالأرز واللحم والبرغل والطماطم، بالإضافة إلى حساء الخضار وسلطة الملفوف.

جوزفين أبو عبدو من مؤسسي المطبخ الخيري تعد وجبات مع المتطوعين لتوزيعها على النازحين (رويترز)

وعندما اشتدت الضربات الإسرائيلية على لبنان يوم الاثنين مما اضطر نحو 40 ألفاً للنزوح إلى ملاجئ في غضون أيام، بدأ المتطوعون في طهي وتوزيع كميات إضافية من الطعام، دون أي تمويل إضافي، على الأماكن التي تؤوي نازحين، في استجابة طارئة للتطورات الأحدث.

وأوضحت جوزفين أننا «أول ما بدأنا، لم يكن لدينا تمويل. لبّينا فقط من العوائد التي نحصل عليها بالعادة؛ لأننا لسنا فقط مطبخاً اجتماعياً، بل نبيع أكلاً للناس المحتاجة. عملنا من المدخرات الصغيرة التي كانت لدينا أول 3 أيام، ولاحقاً كثير من الناس قدموا التبرعات».

وأضافت: «الآن التبرعات تغطينا يومين أو ثلاثة، ولنرى كل يوم بيومه».

وقتلت الهجمات الإسرائيلية أكثر من 600 شخص في لبنان منذ يوم الاثنين، مع تفاقم الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» المدعوم من إيران، إلى أسوأ مراحله منذ أكثر من 18 عاماً.

ويطلق «حزب الله» صواريخ على إسرائيل منذ ما يقرب من عام لدعم حليفته حركة «حماس» التي تقاتل إسرائيل في قطاع غزة.

متطوعون في منظمة «نيشن ستيشن» غير الربحية يرتبون وجبات الطعام التي سيتم توزيعها على للنازحين (رويترز)

ونزح عشرات الآلاف على جانبي الحدود بين إسرائيل ولبنان من منازلهم، وأعلنت إسرائيل أن عودة سكان المناطق الشمالية إلى ديارهم هي أحد أهدافها من الحرب.

وقالت مي عياش، وهي طاهية محترفة متطوعة في المطعم الخيري: «كلنا نحاول بأقصى طاقتنا لنشكل فارقاً ولو ضئيلاً للمساعدة. هذا أقل ما يمكن أن نقدمه، وللأسف اعتدنا على تلك الأوضاع».