طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة إسرائيل، خلال تصويت على قرار حظي بغالبية كبيرة، الأربعاء، بإنهاء «وجودها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة» خلال 12 شهراً.
وتستبق هذا التصويت بغالبية 124 صوتاً مقابل اعتراض 14 دولة فقط وامتناع 43 دولة عن التصويت مما يظهر عزلة إسرائيل وداعمتها الرئيسية الولايات المتحدة عن بقية مكونات المجتمع الدولي، الاجتماعات الرفيعة المستوى للدورة السنوية التاسعة والسبعين للمنظمة الدولية الأسبوع المقبل في نيويورك، حين يتوافد زعماء العالم للمشاركة في النقاشات حول أبرز الأزمات الدولية، ومنها الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والحرب التي شارفت على إنهاء عامها الأول في غزة وأخطار اشتعال حرب إقليمية كبرى في الشرق الأوسط.
ومن المقرر أن يلقي الرئيس الأميركي جو بايدن كلمة على منصة الجمعية العامة الثلاثاء المقبل. وكذلك يتحدث كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس في اليوم ذاته، الخميس المقبل، لمخاطبة بقية الزعماء من الدول الـ193 الأعضاء في المنظمة الدولية.
محكمة العدل
ويرحب القرار بالرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في 19 يوليو (تموز) الماضي، والذي يؤكد أن «استمرار وجود إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني»، مضيفاً أن إسرائيل «ملزمة بإنهاء هذا الوجود غير القانوني بأسرع ما يمكن، والوقف الفوري لكل النشاطات الاستيطانية الجديدة وإجلاء جميع المستوطنين من الأرض الفلسطينية المحتلة». ويعد «كل الدول ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشئ عن هذا الوجود غير القانوني»، و«على الأمم المتحدة، وخاصة الجمعية العامة التي طلبت الفتوى ومجلس الأمن، النظر في سبل وإجراءات إنهاء وجود إسرائيل غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة بأسرع ما يمكن».
ويطالب القرار إسرائيل بـ«وضع حد من دون إبطاء لوجودها غير القانوني» في الأراضي الفلسطينية «خلال 12 شهراً حداً أقصى ابتداء من (تاريخ) تبني هذا القرار»، علماً أن الصياغة الأولى للنص كانت تحدد مهلة ستة أشهر فقط. كذلك يطالب القرار بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية ووقف بناء المستوطنات الجديدة وإعادة الأراضي والأملاك التي صادرتها الدولة العبرية والسماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين. كما يدعو الدول الأعضاء إلى اتخاذ تدابير من أجل وقف تصدير الأسلحة لإسرائيل في حال كانت هناك أسباب «معقولة» للاعتقاد بأنها قد تستخدم في الأراضي الفلسطينية، وفرض عقوبات على أشخاص يساهمون في «الإبقاء على وجود إسرائيل غير القانوني» في الأراضي المحتلة.
وهذا القرار هو الأول الذي تقدمه السلطة الفلسطينية رسمياً منذ حصولها على حقوق وامتيازات إضافية هذا الشهر بما في ذلك مقعد بين أعضاء الأمم المتحدة في قاعة الجمعية العامة والحق في اقتراح مشاريع قرارات. وتبنته المجموعات العربية والإسلامية وعدم الانحياز بشكل كامل.
أميركا والسعودية
وضغطت الولايات المتحدة قبل التصويت ولكن من دون جدوى تذكر من أجل إقناع بقية الدول الأعضاء بالتصويت ضد النص الذي وصفته المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد بأنه أحادي، مكررة معارضة واشنطن أي تدابير أحادية تقوض احتمالات حل الدولتين. ورأت أن تبني القرار «يفسر بشكل انتقائي جوهر رأي محكمة العدل الدولية»، مضيفة أن القرار يعزز «الفكرة الخاطئة بأن تبنّي نص هنا في نيويورك يمكن أن يحل بطريقة ما، أحد أكثر التحديات الدبلوماسية المزمنة تعقيداً في عصرنا».
وأكد نظيرها السعودي عبد العزيز الواصل أن «فتوى محكمة العدل الدولية جاءت متسقة مع ما يؤمن به المجتمع الدولي تجاه الحق الفلسطيني»، مؤكداً أن «المجتمع الدولي – ممثلاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة – مطالب بأن يقر بضرورة احترام هذا الرأي، بل ومطالب أيضاً بأن يراقب تنفيذ ما تضمنه من التزامات على الجانب الإسرائيلي». وشدد على «ضرورة القيام بخطوات عملية وذات صدقية للوصول إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية».
ومع أن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية غير ملزم، لكنه يحمل ثقلاً بموجب القانون الدولي ويمكن أن يضعف الدعم لإسرائيل. كما أن قرار الجمعية العامة غير ملزم، ولكنه يحمل ثقلاً سياسياً. ولا يوجد حق النقض «الفيتو» في الجمعية العامة، بخلاف الحال في مجلس الأمن حيث تحظى الدول الخمس الدائمة العضوية: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا، بهذا الامتياز.
فلسطين وإسرائيل
وخلال مناقشة مشروع القرار، قال المندوب الفلسطيني الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور إن «لكل دولة صوتاً، والعالم يراقبنا. من فضلكم قفوا على الجانب الصحيح من التاريخ. مع القانون الدولي. مع الحرية. مع السلام». وفي تذمر من عجز المجتمع الدولي عن وقف مأساة الفلسطينيين، تساءل: «كم من الفلسطينيين ينبغي أن يُقتلوا قبل أن يحدث أخيراً تغيير لوقف هذه اللاإنسانية؟».
في المقابل، انتقد المندوب الإسرائيلي داني دانون الجمعية العامة لإخفاقها في التنديد بهجوم «حماس» ضد إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مما أدى إلى حرب غزة التي لا تزال مستعرة. وإذ رفض القرار، قال إن «هذا القرار هو إرهاب دبلوماسي، باستخدام أدوات الدبلوماسية ليس لبناء الجسور ولكن لتدميرها». وعدّ «الذين يساهمون في هذه المهزلة ليسوا مجرد متفرجين» بل هم «متعاونون، وكل صوت داعم لهذه المهزلة يغذي العنف ويشجع الذين ينبذون السلام».
وكانت الجمعية العامة طالبت في 27 أكتوبر بهدنة إنسانية فورية في غزة بأكثرية 120 صوتاً. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، صوتت 153 دولة لصالح المطالبة بوقف إنساني فوري لإطلاق النار. وفي مايو (أيار)، قدمت الجمعية دعماً كبيراً لكنه رمزي للفلسطينيين، إذ اعتبرت بـ143 صوتاً مؤيداً مقابل معارضة تسعة أصوات وامتناع 25 عن التصويت، أن لهم الحق في عضوية كاملة في الأمم المتحدة، وهو ما تعرقله الولايات المتحدة.