إسرائيل تنجح في تفكيك شبكة اتصالات «حزب الله»... وتضيّق خياراته

3 انتكاسات منذ بدء «حرب إسناد غزة»

عناصر من الجيش اللبناني و«حزب الله» أمام مستشفى الجامعة الأميركية ببيروت الذي نقل إليه مصابون في «تفجيرات البيجر»... (إ.ب.أ)
عناصر من الجيش اللبناني و«حزب الله» أمام مستشفى الجامعة الأميركية ببيروت الذي نقل إليه مصابون في «تفجيرات البيجر»... (إ.ب.أ)
TT

إسرائيل تنجح في تفكيك شبكة اتصالات «حزب الله»... وتضيّق خياراته

عناصر من الجيش اللبناني و«حزب الله» أمام مستشفى الجامعة الأميركية ببيروت الذي نقل إليه مصابون في «تفجيرات البيجر»... (إ.ب.أ)
عناصر من الجيش اللبناني و«حزب الله» أمام مستشفى الجامعة الأميركية ببيروت الذي نقل إليه مصابون في «تفجيرات البيجر»... (إ.ب.أ)

تشكّل شبكةُ الاتصالات الخاصة بـ«حزب الله» سلاحَه الأهم بعد الصواريخ والمسيّرات، بوصفها الوسيلة الأكبر فاعلية للتواصل بين غرفة عمليات القيادة والعناصر المرابطة على الجبهة الجنوبية في مواجهة إسرائيل؛ لإدارة المعركة والعمليات الميدانية.

لكنّ هذه الشبكة تعرضّت لثلاث انتكاسات منذ بداية «جبهة إسناد غزّة»، وجاءت عملية تفجير آلاف أجهزة الـ«بيجر» ضربةً قويّةً لقدرات «الحزب»؛ إنْ لجهة «إصابة المئات من قادته وكوادره وإعطابهم»، وفق توصيف مصادر مقرّبة من «الحزب»، وإنْ لجهة «خسارة وسيلة الاتصال التي عدّها أكثر أماناً، ويحتاج بعدها إلى وقت لإيجاد البدائل» لها، وفق تقدير الخبراء في قطاع الاتصالات.

وعندما فتح «حزب الله» جبهة الجنوب في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، كانت قيادته تدرك أن إسرائيل تمتلك تفوقاً عسكرياً، خصوصاً في سلاح الجوّ، لكنّ الترسانة الصاروخية وآلاف المسيّرات التي يمتلكها كافية لإرساء توازن ردع معها. إلّا إنه لم يتوقّع أن الجيش الإسرائيلي متفوّق في التكنولوجيا والتقنيات الحديثة؛ بما فيها الذكاء الاصطناعي، إلى هذا الحدّ؛ إذ سرعان ما اكتشف «الحزب» اختراق العدو الهاتف الجوّال، الذي كان سبباً في اغتيال عشرات القادة الميدانيين، مما دفع بأمينه العام حسن نصر الله إلى وصف هذا الهاتف بـ«العميل الأول»، ودعا إلى التخلّص منه بسرعة، واستبدال وسيلة أخرى به.

من الهاتف الجوال إلى «الإنترنت»

بعد الهاتف الجوّال، لجأ الحزب إلى شبكة الإنترنت، عبر اعتماده تقنية الـ«واي فاي»، ليتبيّن أن الإسرائيلي نجح في اختراقها وتعقّب أي مسؤول عسكري استخدمها لتجري ملاحقته عبر المسيّرات واغتياله، مما استدعى العودة إلى الشبكة السلكية الخاصّة به، التي يعتقد أنها تعرضت للاختراق أيضاً.

المتتبع تطورات الحرب في جنوب لبنان، وعمليات الاغتيال، يدرك أنها حرب التفوق التقني والتكنولوجي لدى الجيش الإسرائيلي. ويؤكد مصدر مقرّب من «حزب الله» أنه عندما «تخلّى (الحزب) عن وسائل الاتصال الخاصة بالهاتف الجوال أو شبكة الإنترنت، تقلّصت إلى حدّ كبير عمليات الاغتيال التي طالت كوادره وقادته». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «أجهزة (البيجر) شكلت وسيلة اتصال آمنة، قبل أن تقع المفاجأة وتنفذ إسرائيل اغتيالات جماعية وبالآلاف»، مشيراً إلى أن «(الحزب مهما امتلك من ترسانة أسلحة كبيرة ومتطورة، فإن هذه الترسانة تفقد فاعليتها بغياب سلاح الإشارة الذي يدير المعركة على الأرض».

اللاسلكي ليس حلاً

وعمّا إذا كانت الأجهزة اللاسلكية تشكل خياراً أخيراً أمام «الحزب» لاستخدامها إلى حين إيجاد الوسائل الأكثر تطوراً وفاعلية، رأى المصدر أنه «من المستحيل إدارة معركة أو حرب واسعة عبر الأجهزة اللاسلكية؛ لأكثر من سبب، أهمها أن قدرة إرسال هذه الأجهزة لا تتعدى مئات الأمتار، كما أن هذه الأجهزة تتعرض للتشويش، وعامل الطقس يلعب دوراً في فاعليتها أو رداءتها، كما أن هذه الأجهزة سهلة الاختراق من قبل العدو القادر على كشف موجتها واعتراض كل المحادثات التي تجري عبرها».

المسّ بسلاح الإشارة أو شبكة الاتصالات الخاصة بـ«حزب الله» يشكل حساسية بالغة لديه، بدليل أنه عندما اتخذت الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة قراراً في 5 مايو (أيار) 2008 بتفكيك شبكة الاتصالات الخاصة بالحزب التي كان يمددها في بيروت وجبل لبنان والبقاع، لم يتردد «الحزب» في تنفيذ انقلابه العسكري، فكان اجتياح بيروت عسكرياً في 7 مايو، ولم يخرج من الشارع إلّا بعد سحب الحكومة قرارها، وحصوله على الثلث المعطل داخل الحكومة عبر «اتفاق الدوحة»، الذي كرّس «الحزب» وصيّاً على قرارات الدولة الاستراتيجية.

خيارات محدودة وصعبة

كلّ المعلومات تفيد بأن «الحزب» بدأ يبحث عن وسائل أو وسيلة اتصال تعوّضه عن اختراق أجهزة «البيجر» وتفجيرها، لكنّ الخيارات تبدو محدودة جداً حتى الآن.

ويرى الخبير في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، رولان أبي نجم، أن «خيارات (الحزب) باتت صعبة لإيجاد وسيلة اتصالات تعوضه خسارته». وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الحزب» فقد 3 مرات 3 وسائل اتصال منذ بداية الحرب مع إسرائيل (في 8 أكتوبر الماضي): الأولى مع اكتشافه الخرق الإسرائيلي للهاتف الجوال. والثانية عند اختراق الشبكة الداخلية للحزب (وايرد) الذي اكتشفه مع اغتيال القيادي فؤاد شكر وما ذكرته وسائل إعلام غربية وعبرية بأن شكر تلقى اتصالاً طلب منه الانتقال من الطابق الثالث إلى الطابق السابع حيث اغتيل بقصف صاروخي، وهذا يعني أن إسرائيل سيطرت على الشبكة الداخلية».

ولم يكن نظام «البيجر» الأكثر نجاحاً لدى «الحزب»، لكنه الأقل خطراً لجهة الاختراق وتعقب الكوادر. ويعدّ رولان أبي نجم أن «لجوء (الحزب) إلى هذا الجهاز كان البديل الأقلّ ضرراً، بصفته لا يحتوي قاعدة معلومات يمكن اختراقها، ولا يشكل خطراً على حامليه، كما أنه لا يمكن تحديد مكان الشخص الذي يحمل هذا الجهاز، بخلاف الهاتف الجوال وشبكة الإنترنت»، عادّاً أن ما وقع «يشكل أزمة كبيرة لـ(حزب الله)؛ أولاً على صعيد خسارة العناصر الذين أصيبوا في هذه التفجيرات. ثانياً أنه يشكل أزمة تقنية وأزمة ثقة، خصوصاً أن (الحزب) لا يشتري هذه الأجهزة من الأسواق العادية، بل لديه مصادره الخاصة التي يستورد عبرها الأجهزة، وهي الوسيلة نفسها التي يستورد عبرها الأسلحة والتقنيات والأجهزة الخاصة به، وهذا يخلق أزمة ثقة مع المورّد».

شبكة سلكية تحت الأرض

وعن البدائل التي يمكن أن يلجأ إليها، يوضح أبي نجم أن «مشكلة وسائل الاتصال لا تقف عند (الحزب) وحده، بل عند كلّ الدول التي لا تصنّع هذه الأجهزة»، عادّاً أن «(الحزب) ربما يلجأ إلى تمديد شبكة اتصالات سلكية تحت الأرض؛ لأنه يصعب عليه من الآن فصاعداً استخدام تقنية الـ(وايرلِس)، لكن تمديد مثل هذه الشبكة يحتاج وقتاً طويلاً، والعمل على توصيلها يتطلب ظروفاً آمنة، وهذه الظروف غير متاحة حالياً، كما أن إنجازها يستغرق أشهراً، في وقت بات فيه بحاجة لإيجاد بدائل سريعة»، لافتاً إلى أنه «لا شيء يضمن عدم اختراق إسرائيل شبكة اتصالات جديدة؛ ولو كانت سلكيّة».


مقالات ذات صلة

السفارات تتريّث بإجلاء رعاياها... مطار بيروت يعمل بأدنى طاقته

المشرق العربي عناصر من الصليب الأحمر في موقع استهدفته غارات إسرائيلية في بلدة شبعا بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

السفارات تتريّث بإجلاء رعاياها... مطار بيروت يعمل بأدنى طاقته

تتريث السفارات الأجنبية في لبنان بإجلاء رعاياها من البلاد رغم الحرب التي تتصاعد وتيرتها، وتعمّق القصف الإسرائيلي على 5 محافظات لبنانية.

يوسف دياب (بيروت)
تحليل إخباري لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)

تحليل إخباري كيف سيتصرف «حزب الله» وهل يتفلّت نتنياهو من الضغط الأميركي؟

يتوقف بدء سريان المفاعيل السياسية للنداء الأميركي - الفرنسي، المدعوم أوروبياً وعربياً، على الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على بنيامين نتنياهو.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي سوريون ولبنانيون على معبر المصنع بين لبنان وسوريا هرباً من القصف الإسرائيلي (الشرق الأوسط)

إسرائيل تقطع رحلة الهروب إلى سوريا بقصف المعابر الحدودية

قطعت الغارات الإسرائيلية طرق العبور من لبنان إلى سوريا، بقصف أربعة معابر حدودية في شمال شرقي البلاد، بعد أربعة أيام من حركة نزوح لافتة باتجاه سوريا.

حسين درويش (بعلبك (لبنان))
المشرق العربي سوريون ولبنانيون على معبر المصنع بين لبنان وسوريا هرباً من القصف الإسرائيلي (الشرق الأوسط) play-circle 02:57

النازحون السوريون يعانون جحيم حرب جديدة

أوضاع صعبة يعيشها آلاف السوريين الذين اضطروا مجدداً للهرب من مخيمات كانت تؤويهم في مناطق الجنوب اللبناني والبقاع بعد قرار إسرائيل توسعة الحرب على لبنان.

بولا أسطيح (بيروت)
أوروبا إحدى ضحايا انفجارات أجهزة البيجر على نقالة خارج المركز الطبي بالجامعة الأميركية في بيروت (رويترز)

النرويج تُصدر طلباً دولياً للبحث عن شخص على صلة بـ«أجهزة بيجر حزب الله»

قالت الشرطة النرويجية، الخميس، إنها أصدرت طلباً دولياً للبحث عن رجل نرويجي من أصل هندي، مرتبط ببيع أجهزة البيجر التي يستخدمها «حزب الله» وانفجرت الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (أوسلو)

شعبية نتنياهو ترتفع بفضل الحرب ضد «حزب الله»

دمار جرّاء الغارات الإسرائيلية على السكسكية بجنوب لبنان (رويترز)
دمار جرّاء الغارات الإسرائيلية على السكسكية بجنوب لبنان (رويترز)
TT

شعبية نتنياهو ترتفع بفضل الحرب ضد «حزب الله»

دمار جرّاء الغارات الإسرائيلية على السكسكية بجنوب لبنان (رويترز)
دمار جرّاء الغارات الإسرائيلية على السكسكية بجنوب لبنان (رويترز)

أظهر الاستطلاع الأسبوعي للرأي العام في إسرائيل، الذي تجريه صحيفة «معاريف» العبرية، واستطلاع آخر تجريه قناة «آي 24» (I 24)؛ أن حزب «الليكود»، برئاسة بنيامين نتنياهو، سيفوز بـ25 مقعداً في «الكنيست» إذا أُجريت الانتخابات اليوم. ويعني ذلك أن الحزب يحقّق تقدماً في نتائجه المتوقعة، وذلك بفضل النجاحات التي يراها الإسرائيليون في إدارته للحرب على لبنان.

لكن هذه النتائج تشير إلى أن «الليكود» ما زال بعيداً عن الأرقام التي تتيح له البقاء في الحكم وتشكيل حكومة. إذ إن الزيادة في عدد نوابه، مقارنة باستطلاعات الرأي السابقة، تأتي بالأساس على حساب حلفائه في اليمين. في المقابل، ما زال المعسكر المعارض له يحقّق نتائج أفضل. فقد أشار الاستطلاعان إلى أنه في حال تشكيل رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، حزباً جديداً وتحالفاً جديداً مع جهات أخرى فإنه سيكتسح المعركة ويحصل على ما يمكنه من هزم نتنياهو وتشكيل حكومة ذات أكثرية ساحقة.

ومع أن هذه النتائج تعبّر عن استمرار رغبة الإسرائيليين في التخلص من نتنياهو، إلا أن الارتفاع في شعبيته 4 مقاعد خلال الشهر الأخير تبثّ روح التفاؤل في صفوف حزبه ومعسكره. ويعتقد مناصرو نتنياهو أنه سيستطيع استعادة شعبيته ببطء، ولكن بثقة.

وحسب استطلاع «معاريف»، الذي أجراه معهد «لزار» للبحوث، وبمشاركة «Panel4All»، فإن المعسكر المؤيد لنتنياهو يهبط من 64 مقعداً حالياً إلى 53 مقعداً، فيما لو بقيت تركيبة الأحزاب كما هي.

بينما المعارضة ستحصل على 53 مقعداً، تُضاف إليها 10 مقاعد للأحزاب العربية (6 مقاعد لـ«تحالف الجبهة» بقيادة أيمن عودة و«الحركة العربية للتغيير» بقيادة أحمد الطيبي، و4 مقاعد لـ«الحركة الإسلامية» بقيادة منصور عباس). وفي هذه الحالة تستطيع المعارضة تشكيل حكومة، إذا غيّرت موقفها وقبلت تشكيل تحالف مع قائمة منصور عباس. وإذا لم تقبل، ولم تجد حليفاً لها من معسكر نتنياهو، فإن الانتخابات ستُعاد مرة أخرى، وسيبقى نتنياهو في الحكم لعدة شهور أخرى حتى تُجرى انتخابات جديدة.

وتشير نتائج استطلاع «آي 24» إلى نتائج شبيهة جداً.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم الجمعة (رويترز)

وقد جاء لافتاً للنظر جواب المواطنين الإسرائيليين عن السؤال حول رأيهم في وقف إطلاق النار. فحسب استطلاع «آي 24»، قال 63 في المائة من المستطلعين إنهم يؤيّدون استمرار القتال، و28 في المائة فقط يؤيّدون وقف إطلاق النار الذي قد يؤدي إلى تسوية في الشمال (مع لبنان)، و9 في المائة لا يوجد لديهم أي موقف.

وحسب استطلاع «معاريف» جاءت النتائج أكثر حدة؛ فقد أعرب 57 في المائة عن اعتقادهم أن على إسرائيل مواصلة الحرب على لبنان من خلال الغارات الجوية فقط، في حين عدّ 24 في المائة أن على إسرائيل شن اجتياح بري في لبنان، وقال 19 في المائة إن لا موقف لديهم. ويتبيّن من الاستطلاع أن 69 في المائة من ناخبي أحزاب المعارضة يؤيدون استمرار الغارات الجوية فقط على لبنان، في حين يؤيّد ذلك 48 في المائة من ناخبي أحزاب الائتلاف، مقابل 38 في المائة من هؤلاء الناخبين الذين يؤيّدون اجتياحاً برياً.

ويؤيّد 48 في المائة من الجمهور في إسرائيل استمرار الحرب على غزة، في حين يؤيّد 42 في المائة وقف الحرب والتوصل إلى اتفاق تبادل أسرى مع حركة «حماس»، ولم يعبر 10 في المائة عن موقفهم.

وقال 86 في المائة من ناخبي أحزاب الائتلاف اليميني الحاكم، إنهم يؤيّدون استمرار الحرب على غزة، في حين يفضّل 66 في المائة من ناخبي أحزاب المعارضة وقف الحرب واتفاق تبادل أسرى.

وقال 66 في المائة من الإسرائيليين إنهم يرفضون المبادرة الأميركية - الفرنسية لوقف إطلاق النار في لبنان. وقد بلغت هذه النسبة بين المواطنين اليهود 74 في المائة، لكن تأييد غالبية المواطنين العرب لهذه المبادرة خفّف من حدة هذا الرفض.