خبراء: الحزام الأمني في لبنان مشروع إسرائيلي صعب التحقق

لا يحل المشكلة وتكلفته قد تكون باهظة

تظهر هذه الصورة الملتقطة من إسرائيل على طول الحدود مع جنوب لبنان دخاناً يتصاعد فوق قرية الوزاني اللبنانية في أثناء القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)
تظهر هذه الصورة الملتقطة من إسرائيل على طول الحدود مع جنوب لبنان دخاناً يتصاعد فوق قرية الوزاني اللبنانية في أثناء القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)
TT

خبراء: الحزام الأمني في لبنان مشروع إسرائيلي صعب التحقق

تظهر هذه الصورة الملتقطة من إسرائيل على طول الحدود مع جنوب لبنان دخاناً يتصاعد فوق قرية الوزاني اللبنانية في أثناء القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)
تظهر هذه الصورة الملتقطة من إسرائيل على طول الحدود مع جنوب لبنان دخاناً يتصاعد فوق قرية الوزاني اللبنانية في أثناء القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

لم يتعاط «حزب الله» اللبناني طوال الفترة الماضية بجدية مع ما كان يُشاع عن نية إسرائيل تنفيذ اجتياح بري للبنان لإبعاد قوات «الرضوان»، وهي قوات النخبة في «الحزب»، عن الحدود الإسرائيلية، إلا أن ما كُشف في الساعات الماضية عن توصية تقدم بها قائد اللواء الشمالي في الجيش الإسرائيلي الجنرال أوري غوردين إلى رئاسة الأركان، يقترح فيها احتلال مقطع من الجنوب اللبناني وتحويله إلى حزام أمني يمنع نشاط «حزب الله»، ويضمن عودة آمنة لسكان البلدات الشمالية النازحين، جعل الموضوع محور نقاش وأخذ ورد في الداخل اللبناني.

ويرى رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري- أنيجما» رياض قهوجي، أن «الطرف الإسرائيلي يعمل منذ فترة على تحقيق حزام أمني عند الحدود اللبنانية، من خلال السعي لتفريغ القرى الحدودية من سكانها. لكن هذا الأمر لا يحل المشكلة الإسرائيلية، إنما يحل جزءاً منها، بحيث إنه يمنع خطر التسلل، أي قيام (حزب الله) بما يشبه السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، ويطمئن نوعاً ما المستوطنين. لكن هكذا منطقة لا تحل إطلاقاً المشكلة الإسرائيلية المرتبطة بإطلاق الصواريخ والمسيّرات التي تصل لعمق إسرائيل».

ويرى قهوجي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «حزاماً أمنياً داخل الأراضي اللبنانية يعني تغيير القرار الدولي 1701، على أساس أننا نتحدث عن احتلال دائم، وهذا لا شك يعقّد الأمور ولا يحلها. من هنا يأتي كلام المبعوث الأميركي آموس هوكستين لجهة أنه إذا كانت الإشكالية بإبعاد (حزب الله) عن الحدود، فبالإمكان حل هذا الموضوع دبلوماسياً، ولكن يفترض أن تتوقف أولاً الحرب في غزة للمضي قدماً بالمفاوضات الدبلوماسية مع الحزب لإخلاء هذه المنطقة». ويضيف: «لكن لأسباب باتت معروفة، فإن نتنياهو يرفض وقف الحرب، ولذلك يعرقل اتفاق الهدنة في غزة، ويتجه لتوسعة القتال على الجبهة الشمالية».

ويوضح قهوجي أن «قيادة الجيش الإسرائيلي، من جهتها، ترفض عملية محدودة في لبنان، لأنها لن تؤدي الغرض منها. كما أنها تعارض أي عملية واسعة ضد لبنان قبل الانتهاء من حرب غزة، لأنها غير قادرة على خوض حروب استنزاف على أكثر من جبهة. فما يتطلع له الجيش الإسرائيلي أبعد من إبعاد (حزب الله) عن الحدود، فهو يطمح لإضعاف قدرات الحزب وتدمير إنفاقه، كما أنه يسعى لاستراتيجية واضحة للحرب كما لاستراتيجية الخروج منها، وإلا فإننا نكون نتحدث عن الدخول في المجهول».

احتلال بقعة محدودة

أما العميد المتقاعد جورج نادر، فيشير إلى أن «إعادة المستوطنين المهجرين من الشمال والذين يتجاوز عددهم نحو 150 ألف شخص إلى منازلهم، هدف أساسي للحكومة الإسرائيلية، خصوصاً بعدما بات هؤلاء يضغطون على نتنياهو، ويريدون العودة إلى المستوطنات»، معتبراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك عدة خيارات لإعادتهم، ومنها الاجتياح البري المقترح راهناً، والذي يؤيده نتنياهو، لكن الأسئلة التي تطرح نفسها: هل تستطيع إسرائيل تكبُّد التكلفة البشرية للاجتياح البري؟ وكيف سيكون شكل الاجتياح؟ وهل يهدف للوصول إلى نهر الليطاني وتحقيق الحلم الإسرائيلي القديم وإفراغ منطقة جنوب الليطاني من أهلها؟ وهل هو قادر على تحمل التبعات السياسية والدولية؟».

ولا يستبعد نادر أن «يحاول الجيش الإسرائيلي احتلال بقعة حدودية محدودة يستخدمها للتفاوض»، معتبراً أنه «خلال المهلة التي تفصلنا عن الانتخابات الأميركية، يعتقد نتنياهو، رغم الموقفين الأميركي والأوروبي الرافضين لاجتياح لبنان، أنه قادر على جر الإدارة الحالية في واشنطن لدعم وتغطية الاجتياح».

ويلفت نادر إلى أن «حزب الله» يستطيع براً أن يكبّد إسرائيل خسائر كبيرة، لكن الكلمة تبقى للقوة التدميرية لدى إسرائيل القادرة على تدمير كامل منطقة جنوب الليطاني، كما لديها القوة التكنولوجية لملاحقة أي هدف تريده أينما وُجد على الأراضي اللبنانية.

وكانت صحيفة «يسرائيل هيوم» اليمينية قد نقلت عن مصادر قولها إنها اطّلعت على توصية غوردين الذي يرى أن «الظروف مواتية، وتتيح للجيش القيام بمثل هذه الخطوة في غضون وقت غير طويل؛ فقد تمكن الجيش الإسرائيلي من قتل كثير من عناصر قوة الرضوان، وهي وحدة النخبة لـ(حزب الله) التي انتشرت بالقرب من الحدود، خلال 11 شهراً من المعارك، أو أنهم فروا شمالاً. والعمليات الإسرائيلية أدت إلى نزوح عدد كبير من السكان المدنيين من قرى جنوب لبنان، بحيث لم يبق فيها سوى 20 في المائة من السكان ممن كانوا يسكنون المنطقة قبل 7 أكتوبر. وانخفاض نسبة السكان بهذا الشكل سيسمح للجيش بتنفيذ هذه العملية ببساطة وسرعة أكثر».

وأشار إلى أن هدف هذه الخطوة هو إزالة التهديد وإبعاد قوات «حزب الله»، حتى لا تشكل تهديداً على سكان الشمال، بالإضافة إلى تشكيل رافعة للضغط من أجل التوصل إلى تسوية دائمة، وهذه الخطوة ستدفع «حزب الله» للتوصل إلى تسوية مقابل انسحاب الجيش من المنطقة.


مقالات ذات صلة

هل يتمرد نتنياهو على واشنطن ويوسع عملياته في جنوب لبنان؟

شؤون إقليمية نتنياهو في قاعدة «رامات» بحيفا يوم 21 أغسطس 2024 (مكتب الإعلام الحكومي - د.ب.أ)

هل يتمرد نتنياهو على واشنطن ويوسع عملياته في جنوب لبنان؟

تهديد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بفتح جبهة جنوب لبنان على نطاق واسع يلقى معارضة أممية تتصدرها الولايات المتحدة الأميركية التي أبلغته موقفها.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي سيارة إسعاف تنقل جرحى إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت (إ.ب.أ)

«أكبر خرق أمني» يضرب «حزب الله» في لبنان وسوريا

نفّذت إسرائيل «أكبر خرق أمني» ضدّ «حزب الله» باستهدافها أجهزة اتصال لاسلكي يستخدمها عناصره ما أدى إلى سقوط حوالي 2800 إصابة و9 قتلى.

كارولين عاكوم
المشرق العربي مواطنون يتجمعون أمام مستشفى رفيق الحريري في بيروت حيث نُقل مئات الجرحى نتيجة الخرق الأمني الذي استهدف الأجهزة اللاسلكية لعناصر في «حزب الله» (رويترز)

رعب وصدمة في مناطق «حزب الله» واستنفار متواصل

تركت التفجيرات المتزامنة التي حدثت، بعد ظهر الثلاثاء، أجواءً من الصدمة سيطرت على مجمل اللبنانيين وعلى بيئة «حزب الله» بشكل أساسي.

بولا أسطيح
المشرق العربي عناصر في الجيش اللبناني ينفّذون طوقاً أمنياً أمام أحد المستشفيات في بيروت بعد الخرق الأمني الإسرائيلي الذي استهدف الأجهزة اللاسلكية التابعة لـ«حزب الله» (أ.ف.ب)

نتنياهو وغالانت في مقر تحت الأرض تحسباً لرد «حزب الله»

رغم أن إسرائيل لم تتبن عملية تفجير الأجهزة اللاسلكية التابعة لـ«حزب الله»، أكّدت مصادر سياسية وأمنية أن القيادة الإسرائيلية اتخذت احتياطات تحسباً لرد.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة (رويترز)

جلسة الخميس تحدد مصير سلامة وخمسة شهود قدموا إفاداتهم

يستكمل قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي يوم الخميس استجواب حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة على أن يجري مواجهة بينه وبين وكيل البنك المركزي ميشال تويني.

يوسف دياب (بيروت)

«أكبر خرق أمني» يضرب «حزب الله» في لبنان وسوريا

سيارة إسعاف تنقل جرحى إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت (إ.ب.أ)
سيارة إسعاف تنقل جرحى إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت (إ.ب.أ)
TT

«أكبر خرق أمني» يضرب «حزب الله» في لبنان وسوريا

سيارة إسعاف تنقل جرحى إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت (إ.ب.أ)
سيارة إسعاف تنقل جرحى إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت (إ.ب.أ)

أصيب «حزب الله» اللبناني بـ«أكبر خرق أمني» استهدف أجهزة اتصال لاسلكية يستخدمها عناصره ما أدى إلى إصابة نحو 2800 شخص و9 قتلى، في عدد من المناطق التي تعدُّ معاقل للحزب في لبنان وسوريا، بحيث فاقت قدرة المستشفيات على الاستيعاب.

وفي سوريا، أفادت وسائل إعلام سورية بإصابة العديد من عناصر «حزب الله» في سوريا، وتم نقلهم إلى المستشفى، بعد انفجار أجهزة اتصال كانوا يحملونها. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بوصول عدد من عناصر «حزب الله» اللبناني إلى المستشفيات في دمشق ومحافظة ريف دمشق، نتيجة تعرضهم لإصابات بعد انفجار أجهزة اتصال كانوا يحملونها.

وفي دمشق، انفجر جهاز اتصال داخل سيارة كانت تسير على الطريق قرب حي كفرسوسة في دمشق، بالتزامن مع انفجار عدة أجهزة أخرى في لبنان، نتيجة هجوم سيبراني إسرائيلي للمرة الأولى، استهدف أجهزة اتصال يستخدمها عناصر «حزب الله» اللبناني بشكل واسع في لبنان وسوريا.

وبدأ الخرق الأمني عند حوالي الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر عبر تفجير محمول في يد شخص في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت لتتوالى «التفجيرات» في الوقت عينه في عدد من المناطق اللبنانية، وانتشرت صور ومقاطع فيديو تظهر عشرات الأشخاص المضرجين بالدم في الطرقات، في الضاحية الجنوبية والنبطية والجنوب والبقاع، ليعود بعدها «حزب الله» ويطلب من كل الذين يحملون «البايجرز» رميها، وتطلب قوى الأمني الداخلي من المواطنين إخلاء الطرق تسهيلاً لإسعاف المصابين ونقلهم إلى المستشفيات، كما طلبت قيادة الجيش من المواطنين عدم التجمع في الأماكن التي تشهد أحداثاً أمنية إفساحاً في المجال لوصول الطواقم الطبية.

متبرعون بالدم في خيمة نصبت في ضاحية بيروت الجنوبية لبيروت للمساعدة في معالجة المصابين (أ.ف.ب)

ونقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول في «حزب الله» قوله إن «تفجير أجهزة الاتصال يشكّل أكبر اختراق أمني حتى الآن»، كما نقلت الوكالة نفسها عن مصادر أمنية قولها إن «أجهزة الاتصال التي انفجرت هي أحدث شحنة زود (حزب الله) عناصره بها». بدورها، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصادر قريبة من «حزب الله» قولها إن «أجهزة الاتصال الجديدة مزودة ببطاريات ليثيوم، ويبدو أنها انفجرت نتيجة تسخين زائد».

وقالت «نيويورك تايمز» نقلاً عن مسؤولين مطلعين إنه «تمت برمجة الأجهزة لتصدر صوت تنبيه لعدة ثوان قبل أن تنفجر»، مشيرة إلى أن الهجوم استهدف مئات من أجهزة النداء التابعة لعناصر «حزب الله». وانتشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر لحظة انفجار الأجهزة في أيدي أشخاص في الطرقات والمحلات التجارية والمنازل، ما أدى إلى وقوع أضرار مادية.

«حزب الله»: تحقيق واسع النطاق

وبعد حوالي ثلاث ساعات على «الخرق الأمني»، أعلن «حزب الله» في بيان أولي، أنه «قرابة الساعة 03:30 من بعد ظهر يوم الثلاثاء انفجرت عدد ‏من أجهزة تلقي ‏الرسائل المعروفة بـ(البايجر)، والموجودة لدى عدد من العاملين في وحدات ومؤسسات (حزب الله) ‏المختلفة، وقد أدّت هذه الانفجارات الغامضة الأسباب حتى ‏الآن إلى استشهاد طفلة واثنين من الأخوة ‏وإصابة عدد كبير بجراح مختلفة».

‏وأشار إلى أن «الأجهزة المختصة في (حزب الله) تقوم حالياً بإجراء تحقيق واسع النطاق ‏أمنياً وعلمياً لمعرفة الأسباب ‏التي أدّت إلى تلك الانفجارات المتزامنة». وفي بيان ثانٍ عاد «حزب الله» وأعلن «أنه بعد التدقيق في كل الوقائع والمعطيات الراهنة فإنّنا نحمّل العدو الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذا العدوان الإجرامي...».

صورة وزعها المكتب الإعلامي لميقاتي خلال تقديمه التعزية بنجل النائب علي عمار

وأكد مجلس الوزراء اللبناني إدانته «هذا العدوان الإسرائيلي الإجرامي، الذي يشكل خرقاً خطيراً للسيادة اللبنانية وإجراماً موصوفاً بكل المقاييس»، مشدداً على أن الحكومة باشرت على الفور القيام بكل الاتصالات اللازمة مع الدول المعنية والأمم المتحدة لوضعها أمام مسؤولياتها حيال هذا الإجرام المتمادي. وقرر مجلس الوزراء إبقاء اجتماعاته مفتوحة لمواكبة ما يحصل.

وزار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي النائب علي عمار معزياً بنجله.