تدابير مشددة لـ«حزب الله» للحد من اغتيال عناصره وقادته

الاختراقات والتقنيات الإسرائيلية تسهم في نجاحها

عنصر بالصليب الأحمر اللبناني بجانب سيارة قيادي بـ«حماس» اغتالته مسيّرة إسرائيلية في مدينة صيدا جنوب لبنان (أ.ف.ب)
عنصر بالصليب الأحمر اللبناني بجانب سيارة قيادي بـ«حماس» اغتالته مسيّرة إسرائيلية في مدينة صيدا جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

تدابير مشددة لـ«حزب الله» للحد من اغتيال عناصره وقادته

عنصر بالصليب الأحمر اللبناني بجانب سيارة قيادي بـ«حماس» اغتالته مسيّرة إسرائيلية في مدينة صيدا جنوب لبنان (أ.ف.ب)
عنصر بالصليب الأحمر اللبناني بجانب سيارة قيادي بـ«حماس» اغتالته مسيّرة إسرائيلية في مدينة صيدا جنوب لبنان (أ.ف.ب)

يتخذ «حزب الله» منذ فترة تدابير وإجراءات داخلية جديدة للحد من عمليات الاغتيال التي تنفّذها مُسيرات إسرائيلية ضد عناصره وقيادييه في أثناء تنقلهم من موقع إلى آخر، أو في أثناء وجودهم في نقاط معينة.

فبعد عملية اغتيال القيادي الكبير في الحزب فؤاد شكر، في أغسطس (آب) الماضي، ركزت تل أبيب على عمليات قصف مستودعات وشاحنات أسلحة وعلى المناطق والأحراج جنوب نهر الليطاني، وتراجعت إلى حدٍّ ما عمليات استهداف شخصيات معينة في أثناء تنقلها بسياراتها وعلى درَّاجاتها النارية، وإن كانت هذه العمليات لم تتوقف تماماً.

ابتكارات تكتيكية

وردّ خبراء هذا التراجع إلى تدابير مشددة اتخذها الحزب، مرتبطة بتنقل العناصر والقادة بشكل أساسي.

مشيّعون يتجمعون خلال جنازة للقائد العسكري بـ«حزب الله» فؤاد شكر الذي قُتل في غارة إسرائيلية بالضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

وأشار الخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد إلياس حنا، إلى أنه «بعد أشهر من الحرب، بات (حزب الله) وإسرائيل يتعلمان بعضهما من بعض، ويتخذان احتياطات مستقاة من التجربة والدروس التي تعلماها». ولفت حنا في تصريح لــ«الشرق الأوسط» إلى أنه «رغم ذلك لا يمكن للحزب الاستغناء عن تنقل عناصره وقيادييه، خصوصاً أنه لا يعتمد، مثل حركة (حماس)، على الأنفاق في تحركاته، مما يجعل احتمالات استهداف عناصره بعمليات اغتيال أكبر».

وأوضح حنا أنه «عادةً، مع انطلاق المعركة، تكون الخسائر أكبر مقارنةً بمنتصف المعركة، إضافةً إلى أن (حزب الله) لجأ إلى ابتكارات تكتيكية للتصدي لعمليات الاغتيال، من بينها توقيف الجواسيس وإعادة بناء المنظومة المحيطة».

مشكلة العملاء

بدوره، يتحدث العميد المتقاعد جورج نادر، عن مشكلة العملاء، مشيراً إلى أن «الحد من عمليات الاغتيال يكون بالحد من التحرك، كما بعدم استخدام الهاتف الخلوي، الذي يُمنع عناصر وقياديو الحزب من استخدامه».

مُسيّرة إسرائيلية مسلّحة تُحلق فوق قرى جنوب لبنان (إعلام «حزب الله»)

ويرى نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «المشكلة أصلاً ليست تكنولوجيّة فقط، إذ صحيح أن تل أبيب قادرة على تحديد بصمة العين والصوت وتنفيذ عمليات الاغتيال على أساسهما، لكن المشكلة مرتبطة أيضاً، وبشكل أساسي، بالعنصر البشري الذي تستخدمه إسرائيل»، مضيفاً: «شئنا أم أبينا، بيئة (حزب الله) مخترقة، وهناك عملاء يحددون موعد تنقل العناصر والقيادات التي يتم اغتيالها، ولم يتبين حتى الساعة ما الذي يقوم به (حزب الله) ليحد من هذه الظاهرة داخل بيئته».

مُسعفون يتحلقون حول سيارة استهدفتها مُسيّرة إسرائيلية في مدينة صيدا بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

ويرجح نادر أن يكون تراجع نسبة عمليات الاغتيال مرتبطاً بـ«انشغالات أو حسابات إسرائيلية معينة، لكن ما هو مؤكَّد أن تل أبيب لن تتردد في أي لحظة في تنفيذ أي عملية اغتيال حتى لو توقف إطلاق النار».

الوحدة 8200

في المقابل، يرجّح العميد المتقاعد منير شحادة، المنسق السابق للحكومة اللبنانية لدى قوات «يونيفيل»، أن يكون تراجع عمليات الاغتيال مرتبطاً بـ«نجاح المقاومة بقصف الوحدة 8200، وهي العقل المدبر للمخابرات الإسرائيلية، مما أدى لإصابتها بأضرار كبيرة منعتها من استكمال عمليات الاغتيال وحدّت من قدراتها». ولفت شحادة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى «تدابير معينة اتخذتها المقاومة أيضاً، بعد التجارب التي مرت بها، لتفادي عمليات الاغتيال».

ويعزو شحادة تمكن إسرائيل من تنفيذ كثير من هذه العمليات في المرحلة الماضية إلى «امتلاكها تقنيات عالية للتجسس وجمع معلومات عن كوادر وقادة المقاومة، إضافةً إلى أنه عندما بدأت حرب سوريا وذهبت المقاومة للقتال هناك، بدأت إسرائيل تجمع المعلومات عن القادة والمقاتلين، وأصبحت لديها داتا كبيرة عنهم».

ويرى شحادة أن «امتلاك إسرائيل تقنيات عالية للتجسس من أقمار اصطناعية بطائرات تتجسس على بصمات الصوت والوجه، هو سبب أساسي لنجاح عمليات الاغتيال».

توجيهات داخلية

أما الكاتب والباحث السياسي، المقرب من «حزب الله»، الدكتور قاسم قصير، فيرى أنه «من الواضح أن الحزب أمام معركة صعبة في مواجهة العدو الإسرائيلي منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول)، وهو يخوض حرباً إلكترونية وأمنية وعسكرية، وعمد إلى اتخاذ العديد من الخطوات الميدانية والإجراءات العملية والتوجيهات الداخلية لمواجهة عمليات الاغتيال»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «رغم صعوبة المعركة، فقد تقلصت عمليات الاغتيال، لكن الحزب لا يكشف عمّا يجري ولا يقدم معلومات عن كيفية المواجهة لأن المعركة مستمرة».


مقالات ذات صلة

إسرائيل تتوسَّع لبنانياً في «الوقت الضائع»

المشرق العربي الحدود اللبنانية - الإسرائيلية (رويترز)

إسرائيل تتوسَّع لبنانياً في «الوقت الضائع»

سعت إسرائيل، أمس (الجمعة)، إلى التوسّع داخل لبنان فيما يمكن وصفه بـ«الوقت الضائع»، بانتظار بدء لجنة المراقبة عملها لتنفيذ اتفاق وقف النار الذي بدأ تنفيذه.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص ماكرون يرسم مجدداً خريطة طريق لمساعدة لبنان

خاص ماكرون يرسم مجدداً خريطة طريق لمساعدة لبنان

ملف لبنان على طاولة المباحثات بين الرئيس ماكرون والأمير محمد بن سلمان، ويدعو لوقف كافة انتهاكات اتفاق وقف النار وانتخاب «فوري» لرئيس الجمهورية.

ميشال أبونجم (باريس)
الخليج الطائرة السعودية الإغاثية حملت مواد غذائية وطبية وإيوائية (واس)

قوافل الإغاثة السعودية تواصل التدفق إلى لبنان

واصلت قوافل الإغاثة السعودية التدفق إلى لبنان، إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج رجل يُلوّح بعَلم لبنان بمدينة صيدا في حين يتجه النازحون إلى منازلهم بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

السعودية ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

أعربت وزارة الخارجية السعودية عن ترحيب المملكة بوقف إطلاق النار في لبنان.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي طفل يقف بالقرب من المراتب بينما يحزم النازحون أمتعتهم للعودة إلى قراهم بجنوب لبنان في ملجأ بصيدا (رويترز) play-circle 00:52

بري: نطوي مرحلة تاريخية كانت الأخطر على لبنان

قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إن الحرب مع إسرائيل مثّلت «مرحلة تاريخية كانت الأخطر» التي يمر بها لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

سوريا: نزوح جماعي يواكب تقدم فصائل مسلحة نحو حلب

عناصر من الفصائل المسلحة السورية يوم الجمعة على مشارف حلب الغربية في سوريا (أ.ب)
عناصر من الفصائل المسلحة السورية يوم الجمعة على مشارف حلب الغربية في سوريا (أ.ب)
TT

سوريا: نزوح جماعي يواكب تقدم فصائل مسلحة نحو حلب

عناصر من الفصائل المسلحة السورية يوم الجمعة على مشارف حلب الغربية في سوريا (أ.ب)
عناصر من الفصائل المسلحة السورية يوم الجمعة على مشارف حلب الغربية في سوريا (أ.ب)

دفعت التطورات العسكرية شمال غربي سوريا وتحديداً في مدينة حلب وريفها الغربي، الآلاف إلى حركة نزوح جماعية كبيرة، تعددت وجهاتها بين أحياء وسط مدينة حلب الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية بدمشق وشمال غربي إدلب على الحدود مع تركيا، ومناطق أخرى آمنة.

وبدأت معارك عنيفة حول حلب بعدما تحركت فصائل مسلحة أبرزها «هيئة تحرير الشام» ومجموعات أخرى متحالفة معها تحت شعار علمية سموها «رد العدوان» بهدف السيطرة على المدينة وردت عليها قوات حكومية. والتطورات العسكرية اللافتة تأتي بعد نحو 4 سنوات من التهدئة شمال غربي سوريا بموجب تفاهمات سورية – تركية.

ودفعت التعزيزات والغارات والمعارك، مدنيين إلى النزوح، وحذرت الأمم المتحدة، الجمعة، من أن الاشتباكات أجبرت أكثر من 14 ألف شخص على مغادرة من منازلهم. فيما قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن القسم الغربي من مدينة حلب يشهد حركة نزوح كبيرة باتجاه المناطق الشرقية أو خارج المدينة.

وأفاد المرصد، مساء الجمعة، بأن «هيئة تحرير الشام» على مشارف حلب بعدما سيطرت على 55 قرية وبلدة وتلة استراتيجية تقع إما في أطراف حلب الغربية أو في ريف حلب الجنوبي على طريق دمشق – حلب الدولي، الذي انــقـطـع بشكل كامل منذ يوم الخميس.

وبالنسبة للنازحين، فقد بات الخروج مرتكزاً على طريق خناصر الواقع جنوب غربي حلب باتجاه البادية السورية.

ومع ازدياد تهديدات الفصائل المسلحة للقوات الحكومية والميليشيات الرديفة التابعة لإيران و«حزب الله»، أكدت مصادر «نزوح عشرات العائلات خلال اليومين الماضيين من ريف حلب نحو شمال غربي إدلب عند الحدود مع تركيا، حيث أقاموا في خيام مؤقتة في نزوح يعد الثالث لسكان تلك المناطق منذ اندلاع الحرب في سوريا».

وقالت مصادر أهلية في حلب لـ«الشرق الأوسط» إنه تم إخلاء السكن الجامعي في مدينة حلب بعد تعرضه للقصف ومقتل أربعة طلاب وإصابة طالبين آخرين، حيث توجه الطلاب كُل إلى محافظته.

وبثت وسائل إعلام رسمية سورية، صوراً للدمار الذي لحق بالسكن الجامعي، وقال التلفزيون الرسمي إن «أربعة مدنيين قتلوا من جراء قصف الفصائل المسلحة على المدينة الجامعية»، لكن الفصائل المسلحة نفت استهداف المدينة الجامعية، متهمة القوات الحكومية بذلك بهدف إخلائه وتحويله إلى ثكنه عسكرية».

وشهدت أحياء الحمدانية والفرقان وجمعية الزهراء وحلب الجديدة حركة نزوح كبيرة يوم الجمعة، باتجاه أحياء وسط المدينة مع تصاعد حدة الاشتباكات ووصول الجماعات المسلحة إلى مشارف المدينة.

وشرح مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن، أن «هيئة تحرير الشام» والفصائل المتحالفة معها تريد السيطرة على مدينة سراقب الحيوية، وكذلك طريق «حلب – دمشق»، وطريق «حلب – اللاذقية» الدوليين.

ويقدر عبد الرحمن أن «كل المكتسبات التي حققتها القوات الحكومية والميليشيات الرديفة التابعة لإيران و(حزب الله) خلال السنوات الخمس الماضية في مناطق سيطرتها في محافظة حلب (ستنتهي) وسيعود الوضع إلى ما كان عليه أواخر عام 2019». أي قبل التهدئة التركية – الروسية عام 2020.

وأعلنت الفصائل المسلحة المعارضة في الشمال دخولها أول أحياء مدينة حلب والسيطرة على مركز البحوث العلمية في حي حلب الجديدة، وقالت وسائل إعلام داعمة للفصائل المسلحة إنها «سيطرت على أحياء حلب الجديدة والحمدانية، و3000 شقة غرب مدينة حلب، وباتت على بعد 2 كم عن وسط مدينة حلب».

لكن صحيفة «الوطن» السورية المقربة من الحكومة بدمشق نقلت في وقت سابق عن مصادر أهلية في حلب نفيها سيطرة الفصائل المسلحة المعارضة على بلدة المنصورة ومركز البحوث العلمية غرب حلب الجديدة بريف حلب الغربي

وسجل «المرصد السوري» مقتل نحو 254 شخصاً خلال الأيام الثلاثة منذ بدء هجوم «رد العدوان» الذي أطلقته الفصائل المسلحة غرب حلب، بينهم 24 مدنياً و 144 من «هيئة تحرير الشام» والفصائل الحليفة لها، ونحو 86 من القوات الحكومية والميليشيات الرديفة. مشيراً إلى أن القوات الحكومية تتركز في مدينة حلب فيما يتوزع على الجبهات في الريف الميليشيات الرديفة التابعة لإيران وإلى حد ما «حزب الله» الذي تقلص دوره بشكل كبير في شمال سوريا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.