التحرك في الظلام: وثائق إسرائيلية مسربة تكشف استراتيجية المعركة في الأنفاق

صورة وزعها الجيش الإسرائيلي لمدخل أحد أنفاق حركة «حماس» بقطاع غزة في أبريل الماضي (أ.ف.ب)
صورة وزعها الجيش الإسرائيلي لمدخل أحد أنفاق حركة «حماس» بقطاع غزة في أبريل الماضي (أ.ف.ب)
TT

التحرك في الظلام: وثائق إسرائيلية مسربة تكشف استراتيجية المعركة في الأنفاق

صورة وزعها الجيش الإسرائيلي لمدخل أحد أنفاق حركة «حماس» بقطاع غزة في أبريل الماضي (أ.ف.ب)
صورة وزعها الجيش الإسرائيلي لمدخل أحد أنفاق حركة «حماس» بقطاع غزة في أبريل الماضي (أ.ف.ب)

كشفت وثائق مسربة، تم الاستيلاء عليها من قبل القوات الإسرائيلية، عن تفاصيل استراتيجية «حماس» المعقدة للقتال تحت الأرض، والتي طورتها الجماعة على مدار سنوات.

تهدف هذه الاستراتيجية إلى الصمود أمام الهجمات الإسرائيلية، وتحقيق أقصى فعالية قتالية، من خلال شبكة واسعة من الأنفاق المنتشرة تحت قطاع غزة.

وتظهر الوثائق التي تمت مراجعتها من قبل صحيفة «نيويورك تايمز»، أن حركة «حماس» لم تكتفِ ببناء شبكة أنفاق واسعة فحسب؛ بل قامت أيضاً بتحصين هذه الأنفاق بأبواب انفجارية مصممة خصيصاً لحمايتها من الضربات الجوية والهجمات البرية الإسرائيلية.

جنديان إسرائيليان داخل أحد الأنفاق في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وتضمنت الخطة الإنفاق على هذه التحصينات بمبالغ كبيرة؛ حيث وافق يحيى السنوار، قائد حركة «حماس» في قطاع غزة، على تخصيص 225 ألف دولار لتركيب هذه الأبواب، قبل عام واحد فقط من الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر (تشرين الأول).

ويقدم دليل «حماس» للقتال تحت الأرض تعليمات دقيقة لمقاتليها، حول كيفية التحرك في الظلام، وإطلاق النار بكفاءة في الممرات الضيقة، وتجنب اكتشافهم من قبل القوات الإسرائيلية.

كما توضح الوثائق أن قادة المعركة كانوا يتلقون تعليمات بتحديد الوقت بدقة، وصولاً إلى الثانية، لضمان تنقل المقاتلين بين النقاط المختلفة في الشبكة المعقدة.

نفق لـ«حماس» في خان يونس... الأنفاق كانت تضم أيضاً مقاسم اتصالات لتسهيل التواصل الآمن بين قادة الحركة (أ.ف.ب)

ورغم معرفة إسرائيل بوجود هذه الأنفاق، فإن حجم وتعقيد الشبكة التي تُعرف بـ«مترو غزة» فاجأ القوات الإسرائيلية.

وقدرت إسرائيل في بداية الحرب أن طول الشبكة يصل إلى 250 ميلاً؛ لكنها تعتقد الآن أنها تمتد لنحو ضعف هذا الطول. هذا التعقيد جعل من الصعب على الجيش الإسرائيلي تحقيق هدفه في تفكيك حركة «حماس».

وتوضح الوثائق أيضاً كيف تستغل «حماس» هذه الأنفاق؛ ليس فقط للاختباء؛ بل ولشن هجمات مفاجئة، وتفجير متفجرات عن بعد، وإدارة الحرب بشكل فعال من تحت الأرض. هذه الاستراتيجية التي تعتمد على تكتيكات الهجوم والتراجع، أعاقت تقدم الجيش الإسرائيلي وأطالت أمد الصراع.

وعلى الرغم من هذه التحصينات والأنفاق المعقدة، تمكن الجيش الإسرائيلي من تدمير أجزاء كبيرة من الشبكة، وقتل كثيراً من مقاتلي «حماس»؛ لكن العملية لا تزال مستمرة، وتُظهر تحديات كبيرة تواجهها القوات الإسرائيلية في حرب تحت الأرض تدار بأساليب غير تقليدية، وباستخدام تقنيات متقدمة.

وفي الوقت الذي تستمر فيه المعارك، تبقى الأنفاق سلاحاً استراتيجياً حيوياً لـ«حماس»، مما يجعل من الصعب تحقيق نهاية سريعة لهذا الصراع الذي أضاف بعداً جديداً للحرب في قطاع غزة.


مقالات ذات صلة

حيوانات قطاع غزة الأليفة تشارك الغزيين المصير (صور)

المشرق العربي جراحة لقطط مصابة من الحرب في غزة (الشرق الأوسط) play-circle 10:55

حيوانات قطاع غزة الأليفة تشارك الغزيين المصير (صور)

منذ بداية الحرب، قُتل عدد لا يحصى من الحيوانات الأليفة في منازل هُدمت فوق رؤوس ساكنيها، في الشوارع وحدائق الحيوانات، بينما خدم الحظ حيوانات أخرى.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي شاحنة مساعدات لغزة في مرفأ أشدود الإسرائيلي يوم 30 أغسطس الماضي (الجيش الإسرائيلي - رويترز)

جنود إسرائيليون يعتدون على سائقي شاحنات الإغاثة لأهل غزة

أفاد تقرير بأن جنوداً من جيش الاحتياط الإسرائيلي هاجموا سائقين فلسطينيين يعملون في منظمات إغاثية دولية خلال نقل مواد الإغاثة للمواطنين في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية الشرطة الإسرائيلية في تل أبيب تعتقل الأحد متظاهراً من بين عائلة وأنصار الرهائن الإسرائيليين في غزة (د.ب.أ)

الشرطة الإسرائيلية تشدد قبضتها ضد المتظاهرين

قادة الاحتجاج على رفض التوصل لصفقة يتحدثون عن أن «بصمات بن غفير باتت واضحة والقمع الذي مورس ضد العرب يصل إلى اليهود».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي وزير الدفاع البريطاني جون هيلي في «10 داونينغ ستريت» اليوم الثلاثاء (رويترز)

بريطانيا تدافع عن قرارها تعليق تراخيص تصدير أسلحة لإسرائيل

دافع وزير الدفاع البريطاني، جون هيلي، عن قرار حكومة كير ستارمر العمالية تعليق 30 من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية جانب من استقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لنظيره التركي رجب طيب إردوغان في القاهرة يوم 14 فبراير الماضي (الرئاسة التركية)

الإعلام التركي يبدي اهتماماً واسعاً بزيارة السيسي المرتقبة لأنقرة

تحظى الزيارة المرتقبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتركيا بترقب كبير واهتمام واسع، عبَّرت عنه وسائل الإعلام التركية على مختلف توجهاتها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

حيوانات قطاع غزة الأليفة تشارك الغزيين المصير (صور)

TT

حيوانات قطاع غزة الأليفة تشارك الغزيين المصير (صور)

توعية سكان غزة بالاهتمام بالحيوانات الأليفة (سلالة فيسبوك)
توعية سكان غزة بالاهتمام بالحيوانات الأليفة (سلالة فيسبوك)

لم تسلم الحيوانات الأليفة، كما البشر في غزة، من الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع منذ ما يقرب 11 شهراً، ومثل السكان هناك، عانت الحيوانات القتل والتدمير والنزوح والجوع، والصدمات النفسية أيضاً.

منذ بداية الحرب، قُتل عدد لا يحصى من الحيوانات الأليفة في منازل هدمت فوق رؤوس ساكنيها، وفي الشوارع وحدائق الحيوانات، بينما خدم الحظ حيوانات أخرى. وفي حين يحاول الغزيون النجاة بحياتهم، فإن أصحاب هذه الحيوانات يبذلون جهداً لإنقاذ حياتها هي أيضاً.

يقول أحمد أبو شبيطة، من سكان مخيم جباليا شمال قطاع غزة، الذي اضطر في شهر مايو (أيار) الماضي، إلى مغادرة منزل عائلته تاركاً خلفه قطته الوحيدة، إنه منذ عاد بعد 20 يوماً إلى منزله، لم تفارقه القطة حتى أثناء نومه.

قطة مصابة في غزة (الشرق الأوسط)

أضاف لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تركتها شعرت بأني تركت قطعة مني. لم أستطع تخيل أن تموت تحت القصف، كان مشهداً مرعباً بالنسبة لي. لكني وجدتها قد صمدت ونجت وعاشت على بعض الماء. احتضنتها بشدة، ومنذ ذلك الوقت نتقاسم كل شيء، الطعام، الماء وتنام بقربي».

تعيش قطة أبو شبيطة ما يعيشه هو ومن حوله، ساعة بساعة، ويروي كيف أنها تفزع معهم من أصوات القصف. يقول: «تشعر مثلنا تماماً. لكن يؤلمني أني لا أستطيع أن أخفف عنها».

مصير مجهول لمقهى القطط

ظاهرة الاهتمام بالحيوانات الأليفة، حديثة في غزة وازداد في السنوات الأخيرة، اهتمام الغزيين خصوصاً الشبان والشابات، بتربية الحيوانات الأليفة، (القطط وبعض أنواع الكلاب)، وهو أمر كان سابقاً غير مرغوب. وقد دفع ذلك سيدة غزية قبل الحرب بثلاثة أشهر، لافتتاح مقهى أطلقت عليه «مياو كافيه»، مخصص لمحبي القطط. لكن مع بداية الحرب، تضرر بشكل كبير، ولا يُعرف مصير صاحبته أو قططها.

عيادة بيطرية وسط خيام النزوح في غزة (الشرق الأوسط)

وإذا كان أبو شبيطة قرر أن ينجو بنفسه أولاً ثم ندم، فإن نيرمين حمدان من سكان حي الصطفاوي شمال قطاع غزة، رفضت النزوح من منزلها إلى أحد مراكز الإيواء وسط مدينة غزة، قبل 4 أشهر من دون «دوتي»، قطتها التي تعتني بها منذ سنوات.

قالت حمدان لـ«للشرق الأوسط»: «دوتي صاحبتي عاشت معي لحظاتي السعيدة والحزينة، لم أستطع تركها تواجه مصيرها وحدها، قررت أن يكون مصيرنا واحداً».

وأضافت: «هذه روح مثلي مثلها، وأنا متعلقة بها كما هي متعلقة بي، ولا تكاد تتركني في أي مكان أكون فيه».

مستويات الجوع في غزة «كارثية» (رويترز)

لا يوجد اليوم في قطاع غزة من يعتني بالحيوانات، وتكاد الجمعيات المتخصصة أن تختفي مع عدم قدرة العالم على حماية سكان غزة وإطعامهم. ويمكن ملاحظة أعداد أقل من الحيوانات في الشوارع، فهي إما قُتلت أو تشاهد هزيلة بفعل الجوع والحرب.

لم تنس مريم عوض، اللحظة التي وجدت فيها قطتها وابنتها الصغيرة في عداد الموتى بعد أن عادت إلى منزلها المتضرر في مدينة غزة، تقول لـ«لشرق الأوسط»: «حزنت كثيراً وشعرت بالذنب». اعتقدت أنها ستعود بعد ساعات أو أيام من طلب إسرائيل النزوح من مساكنهم في حي الصفطاوي؛ لذا تركت قطتها هناك، لم تعرف أن الأمر سيطول لنحو 3 أشهر.

منذ صُدمت بوفاة قطتها، تساعد مريم عوض صديقتها نيرمين حمدان في الاهتمام بقطتها الموجودة معهما في مركز الإيواء، وتبكي كلما حملتها. «أكثر ما أحزنني أنها ماتت مقتولة. كانت تنزف. كان الدم يملأ المكان»، قالت بتأثر.

ملجأ في رفح

من جهة أخرى، حمل كثير من الغزيين حيواناتهم معهم في رحلات النزوح الطويلة، من أقصى الشمال حتى أقصى الجنوب، وتكدس أكبر عدد ممكن من هذه الحيوانات في رفح بالجنوب؛ ما اضطر عائد نجم الطبيب والمختص البيطري، إلى افتتاح مخيم لإيواء هذه الحيوانات، بعدما كان بقاؤها في مخيمات النازحين أمراً صعباً ومعقداً.

عائد نجم الطبيب الذي يعتني بالحيوانات الأليفة مع فريقه في غزة (الشرق الأوسط)

يقول نجم لـ«الشرق الأوسط»: النازحون الذين اصطحبوا حيواناتهم الأليفة، لم يستطيعوا إبقاءها في خيامهم بسبب العدد الكبير داخلها من أفراد العائلات. حتى حدائق الحيوانات في رفح تحولت مراكز إيواء؛ لذا اضطررنا إلى تجهيز ملجأ صغير توضع فيه القطط والكلاب وغيرها من الحيوانات الأليفة.

وقد أشرف نجم مع مجموعة من زملائه على الملجأ الذي جرى بناؤه في أحد مراكز النزوح، وكان يقدم الرعاية والعلاج وحتى عمليات للحيوانات. وأكد نجم أن أكثر العمليات التي يضطر إلى القيام بها، هي جراحة لحيوانات تعرّضت للبتر أو لعمليات جراحية أخرى.

عيادة بيطرية مؤقتة للدكتور عائد نجم في رفح اضطر نقلها إلى دير البلح مع التهجير الإسرائيلي (الشرق الأوسط)

لكن الأمر لم يدم طويلاً، فانتقل نجم مع الملجأ والحيوانات إلى دير البلح بعد اقتحام رفح، وقام بفتح خيمة ميدانية متواضعة عيادةً طبية. ويعمل نجم على معالجة الحيوانات بما تيسر من أدوات وعلاج. يقول: «نلجأ لبدائل تقليدية منزلية بسيطة».

وإضافة إلى العمليات الجراحية، يهتم نجم ورفاقه بتقديم علاجات للحيوانات التي تعرّضت للصدمة، «الحيوانات تأثرت كما البشر في قطاع غزة بالصدمة نتيجة الحرب، اضطررنا إلى تطبيق برنامج كامل نُفذ في الولايات المتحدة للعلاج النفسي؛ لمساعدة الحيوانات الأليفة، وكان ذلك ناجحاً بعد دمجها مع النازحين والمواطنين». وأضاف: «لمسنا التأثير الإيجابي عليها».

مستلزمات للحيوانات الأليفة في غزة (الشرق الأوسط)

عيادة نجم واحدة بين عيادات أخرى قليلة، بعد أن دمّر القصف معظم العيادات في مناطق متفرقة من القطاع، إضافة إلى المستودعات والمحال المتخصصة لطعام وإكسسوارات الحيوانات الأليفة.

كان لدى نجم عيادة كبيرة في مدينة رفح. لكن وحتى قبل الحرب، كان عدد الأطباء البيطريين في غزة وعياداتهم قليلاً؛ نظراً لأن الاهتمام بالحيوانات بدأ منذ سنوات قليلة.

جمعية «سلالة» تعنى بالكلاب السائبة في غزة (موقع الجمعية)

وأقيمت بين عامي 2008 و2012 بعض حدائق الحيوانات، خصوصاً بعد تهريب الكثير منها عبر الأنفاق مع مصر قبل الحرب. كان يوجد في غزة ما لا يقل عن 8 حدائق للحيوانات تضم أنواعاً مختلفة غالبيتها من الأليفة، لكن هذه الحدائق خرجت بشكل شبه كامل عن الخدمة نتيجة أسباب مختلفة، منها العدوان الإسرائيلي المتكرر على القطاع.

وتحتضن مدينة رفح أكبر حديقة للحيوانات في قطاع غزة، وقد فقدت الكثير من حيواناتها نتيجة قصف طالها بشكل مباشر وكذلك في محيطها، بينما جرى إخلاء الكثير من الحيوانات إلى دير البلح وسط القطاع.

موت الأسود

وقال بعض المشرفين عن الحديقة لـ«الشرق الأوسط»: كان في تلك الحديقة 11 أسداً، منهم 5 لقوا حتفهم في الحرب نتيجة القصف المباشر أو لانعدام الطعام والرعاية الصحية، في حين تم إخلاء 3 من الأسود إلى دير البلح بعد اقتحام المدينة من قِبل الجيش الإسرائيلي، و3 أخرى بقيت هناك في ظروف غير مناسبة ولم يُعرف مصيرها حتى الآن، وسط محاولات من مؤسسات دولية مختصة بالحيوانات للوصول إليها. وبحسبهم، فإن حيوانات أخرى لقت حتفها نتيجة القصف وانعدام توفر الغذاء والدواء لها.