تبدو مهلة الأربعة أشهر قبل موعد إحالة قائد الجيش اللبناني، العماد جوزاف عون، إلى التقاعد في 10 يناير (كانون الثاني) المقبل، بعيدة ومريحة نسبياً، للبحث في خيارات ملء هذا الموقع الحساس، لكنها في الحسابات السياسية ضاغطة، مما دفع بعض القوى إلى طرح التمديد مرة أخرى لولاية عون وقادة الأجهزة الأمنية الأخرى على الطاولة، حتى لا يصل الأمر إلى الوقت القاتل الذي يُدخل قيادة الجيش والمؤسسات الأمنية في فراغ يصعب ملؤه بالإنابة.
وتتعدد الخيارات المطروحة لحلّ هذه الإشكالية في ظل استمرار الفراغ الرئاسي، انطلاقاً من أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وتنص «المادة 49» من الدستور على أنه هو من يزكّي اسم القائد ويتابع الأوضاع العسكرية معه، وهو ما يبدو أنه سيكون متعذراً مع انتهاء ولاية قائد الجيش واستمرار الخلافات السياسية.
وبين هذه الخيارات أن تتخذ الحكومة قراراً بالتمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، والمدير العام للأمن العام بالوكالة اللواء الياس البيسري، إلا إن هذا الأمر دونه عقبات سياسية. ورأى مصدر وزاري أن الحكومة «ليست بوارد فتح معركة جديدة، خصوصاً مع المسيحيين، ما دام المجلس النيابي قادراً على إنجاز هذه المهمّة».
وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» إن التمديد لقائد الجيش «يحتاج إلى اقتراح يقدّمه وزير الدفاع موريس سليم، والأخير لن يقدم على هذه الخطوة لسببين؛ الأول: خلافه المستحكم مع قائد الجيش، والثاني رفض رئيس التيار (الوطني الحرّ) النائب جبران باسيل هذا التمديد، باعتبار أن جوزاف عون لا يزال مرشحاً رئاسياً والتمديد له على رأس المؤسسة العسكرية يعزز فرص وصوله إلى الرئاسة».
ومع استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية والخشية من خسارة المسيحيين أهم منصب لهم في الدولة بعد خسارة موقع «حاكم مصرف لبنان»، ترددت معلومات مفادها بأن باسيل «لا يمانع التمديد لقائد الجيش هذه المرّة بخلاف المرة السابقة، حتى لا يتسلّم رئيس الأركان اللواء حسّان عودة (درزي) هذا المنصب»، إلا إن مصدراً في «التيار» أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن الأخير «لديه موقف مبدئي يتصل بانتظام عمل المؤسسات، وأن مؤسسة الجيش لا تقف عند شخص واحد».
وأكد المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن «المسألة لم تبحث بشكل جدّي من قبل قيادة (التيار)، ولا نزال عند الطرح الذي قدمناه قبل التمديد السابق بأنه في حال غياب القائد يتولّى رئيس الأركان مهمته، وفي حال عدم وجود رئيس أركان يتولى المسؤولية الضابط الأعلى درجة في المجلس العسكري». لكنّ المصدر استطرد قائلاً: «في حال حصل توافق سياسي كامل على تعيين قائد جديد للجيش ومجلس عسكري ضمن سلّة واحدة، فإن (التيار) لا يمانع، ومستعدّ ليشارك وزراؤه في مجلس الوزراء من أجل إقرار هذا التعيين»، لافتاً إلى أن «الوضع الاستثنائي، والخطر الإسرائيلي الذي يهدد الجنوب وكلّ لبنان، يفرضان مثل هذا التوافق السياسي على تعيينات على هذا المستوى».
وسبق للبرلمان اللبناني أن أقرّ قانوناً قبل نهاية العام الماضي مدد فيه سنّ التقاعد لقائد الجيش الذي كانت تُفترض إحالته إلى التقاعد في 10 يناير الماضي، وانسحب هذا التمديد على رؤساء الأجهزة الأمنية، وقد قوبل هذا التمديد باعتراض شديد من باسيل وكتلته النيابية، ويبدو أن هذا الواقع لا يزال على حاله؛ إذ أوضح مصدر متابع لهذا الملف أن «رئيس (التيار) يسعى بكل الطرق لقطع الطريق على التمديد للعماد جوزاف عون مرة جديدة». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن باسيل «قد يترك الأمور حتى الساعات الأخيرة من ولاية العماد عون ويطلب من وزير الدفاع (موريس سليم) توقيع مرسوم تعيين رئيس الأركان الجديد اللواء حسّان عودة ليحلّ مكان القائد»، لكن المصدر نفسه لفت إلى أن رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» السابق، وليد جنبلاط، «أبلغ من يعنيهم الأمر بأنه يرفض تسلّم رئيس الأركان مهام قائد الجيش».
ولا يزال اقتراح القانون المقدّم من كتلة «اللقاء الديمقراطي» (الاشتراكي) التي يرأسها النائب تيمور جنبلاط، الذي يطلب تمديد سنّ التقاعد لموظفي القطاع العام لسنتين إضافيتين، هو الأكثر قابلية للنقاش. وأعلن عضو الكتلة النائب بلال عبد الله (أحد النواب الموقعين على هذا الاقتراح) أن الكتلة «تقدمت باقتراحين؛ الأول يتعلّق بالتمديد لجميع ضبّاط ورتباء الأسلاك العسكرية والأمنية. والثاني للموظفين المدنيين». وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن الاقتراحين «يلبيان الحاجة الماسّة لاستمرار عمل المؤسسات؛ لأنه في الوقت الحاضر لا توجد تعيينات، ولا إمكانية لضخّ دم جديد في المؤسسات»، مشدداً على أن هذين الاقتراحين «يجب العمل بهما لفترة زمنية معينة وإلى حين انتظام الحياة الدستورية في لبنان». وأضاف النائب عبد الله: «همّنا الأول والأخير استقرار المؤسسة العسكرية في ظلّ عدم تثبيت مرسوم تعيين رئيس الأركان، وثبات دور الأجهزة الأمنية في أداء مهامها في هذه الظروف الصعبة، وذلك انطلاقاً من حرصنا على استقرار البلد بغضّ النظر عن الحسابات الشخصية لدى البعض»، عادّاً أن «التفريط في موقع قائد الجيش هو تفريط في وحدة المؤسسة العسكرية».
ويشكّل الاقتراحان، في حال إقرارهما، متنفساً لجميع موظفي القطاع العام، خصوصاً في الأجهزة العسكرية والأمنية، الذين يفضلون تأخير تسريحهم في انتظار تحسّن الأوضاع الاقتصادية وارتفاع قيمة تعويضاتهم المالية التي تلاشت مع انهيار العملة الوطنية، ولفت النائب عبد الله إلى أن «اقتراح القانون للعسكريين يشمل قائد الجيش وكل قادة الأجهزة الأمنية وجميع الضباط والرتباء، ويحافظ على التراتبية داخل هذه المؤسسات، ليكون أكثر عدالة وأكثر شموليّة».
وعمّا إذا كان النائب السابق وليد جنبلاط يعارض فعلاً تسلّم رئيس الأركان مهام قائد الجيش، أوضح عبد الله أن «هذا الموقف علني؛ لأن وليد جنبلاط معني بالحفاظ على الجيش ودوره في حماية الاستقرار، وهذا الأمر غير خاضع للتجاذبات السياسية».