نتنياهو يعرقل صفقة التهدئة ويتمسك بـ«فيلادلفيا»

الوفد العائد من مفاوضات الدوحة يضع احتمالات نجاح اتفاق غزة بحدود «55 في المائة»

مواطنون في خان يونس اليوم الجمعة (إ.ب.أ)
مواطنون في خان يونس اليوم الجمعة (إ.ب.أ)
TT

نتنياهو يعرقل صفقة التهدئة ويتمسك بـ«فيلادلفيا»

مواطنون في خان يونس اليوم الجمعة (إ.ب.أ)
مواطنون في خان يونس اليوم الجمعة (إ.ب.أ)

تتفاقم المخاوف في إسرائيل من استمرار نهج رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في عرقلة صفقة التهدئة في قطاع غزة، في ظل تصعيد الأجهزة الأمنية عملياتها في الضفة الغربية، وتهديدها بتوسيع نطاق الحرب على لبنان. ويأتي ذلك في وقت يحذّر فيه مسؤولون مؤيدون لصفقة غزة من العودة إلى المربع الأول مع ما يحمل من مخاطر تهدد بحرب إقليمية، علماً بأن المجلس الوزاري الأمني المصغر في الحكومة أقر، مساء الخميس، بقاء القوات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا بين غزة ومصر، وهو أمر ترفضه القاهرة وحركة «حماس».

وقال مصدر في فريق المفاوضات الإسرائيلي، العائد من الدوحة بعد مشاركته في جولة جديدة على مستوى الخبراء المهنيين، إن تقدماً ما حصل في عدة بنود في المفاوضات، يجعله يقدّر بأن هناك احتمالاً بنسبة 55 في المائة أن يتوصل الأطراف إلى صفقة قريباً. ورفع المصدر هذه النسبة إلى مائة في المائة فيما لو تغيّر موقف نتنياهو، الذي ما زال يصر على الشروط التي أضافها لصيغة العرض الذي تم الاتفاق عليه في البدء، وهي الإصرار على بقاء الجيش الإسرائيلي في عدة مواقع على محور فيلادلفيا (حدود غزة مع مصر) ومعبر رفح، وعلى محور نتساريم (يشطر قطاع غزة إلى نصفين). وقال خبراء ومتابعون للمحادثات، وبينهم سياسيون وجنرالات بارزون، إنه من دون ضغط أميركي فاعل، لن يغيّر نتنياهو موقفه وسيتمكن من إفشال الصفقة.

وأضاف هؤلاء، وفق صحيفة «هآرتس»، الجمعة، أن الأميركيين ما زالوا يتجنبون الصدام مع نتنياهو ويفضلون ممارسة الضغط الناعم، الذي يبدو أنه لم يعد مجدياً. فالرئيس الأميركي جو بايدن يخشى من أن تؤدي زيادة الضغط إلى صدام يفجّر أزمة يستغلها مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب، في الانتخابات في الشهرين المقبلين. ويؤكدون أن نتنياهو يعرف نقطة الضعف هذه لدى بايدن ويستغلها بلا رحمة. وهو بذلك لا يظهر إسرائيل بصفتها دولة ناكرة الجميل فحسب، بل يهدد بتدهور حربي خطير. عندها فإن الضرر الذي سيلحق بالإدارة الأميركية والحزب الديمقراطي سيكون مضاعفاً؛ إذ إن التدهور نحو حرب يعني أن نتنياهو نجح في جر الولايات المتحدة إلى صدام لا تريده وتسعى بكل قوتها إلى تجنبه.

دمار في دير البلح بوسط قطاع غزة يوم الخميس (إ.ب.أ)

ويزيد من خطورة هذا الصدام، الأسلوب الذي تتبعه قيادة الجيش الإسرائيلي المليء بالتناقضات، بحسب المصادر ذاتها. فالجيش يريد صفقة بأسرع ما يكون. ويريد وقف الحرب حتى يتفرغ للتحدي الإيراني، خصوصاً أنه يقول إن طهران تدير بواسطة أذرعها حرب استنزاف تلحق ضرراً بالغاً بقدرات إسرائيل العسكرية ومصالحها الاستراتيجية. ولكن الجيش، وبدل اتخاذ قرارات وإجراءات تصب في صالح ما يسعى إليه، فإنه ينجر وراء الحكومة ورئيسها ويواصل الحرب في غزة، ويصعّد أساليبه الحربية ضد لبنان، ويهدد مع وزير الدفاع يوآف غالانت، بتوسيع نطاقها رغم أنه يعلم أنها قد تؤدي إلى حرب إقليمية.

ويذكّر خبراء، في هذا الإطار، بما كان فعله رئيس أركان الجيش الأسبق، غابي أشكنازي، سنة 2011، حين رفض خطة نتنياهو للحرب على إيران وأجهضها. وعرف كيف يقنع الجمهور بأن موقف المؤسسة الأمنية هو الصحيح. ويؤكدون أن هرتسي هليفي، رئيس الأركان الحالي، لا يقدم على موقف حاد كهذا، ليس فقط لأنه أقل بأساً من أشكنازي فحسب، بل لأنه ينطلق من موقف ضعيف بسبب إخفاقات الجيش في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وبسبب موافقته على وضع أهداف «غير واقعية» للحرب يتضح للجميع اليوم أنه لا يمكن تحقيقها. ولكنه، بهذا الموقف، يخدم مخططات نتنياهو. ويطيل الحرب. ويواصل اللعب في ملعب الاستنزاف الإيراني، بحسب ما نُقل عن الخبراء الذين هم، كما يبدو، من أشد المنتقدين لسياسات نتنياهو.

فلسطينيون في خان يونس بجنوب قطاع غزة اليوم الجمعة (إ.ب.أ)

وكان غالانت ومعه قادة الأجهزة الأمنية قد أجبروا نتنياهو على اتخاذ قرار رسمي في الكابينت (المجلس الوزاري الأمني المصغر في الحكومة)، حول خلافاتهم معه بشأن استمرار الحرب. وبعد ممارستهم الضغوط لأسابيع طويلة، دعا نتنياهو الكابينت إلى جلسة، مساء الخميس. وطالب غالانت وممثلو الجهاز الأمني بإجراء بحث استراتيجي في مسألة الساحات الإضافية التي يجب على إسرائيل أن تتصدى لها. وطلبوا تعديل أهداف الحرب، وإضافة مواضيع الشمال (الحدود مع لبنان) وإعادة النازحين إليها.

وبحسب ما تسرب من معلومات، فإن الجنرالات بقيادة غالانت يتبنون الموقف المطالب بقرار يوقف الحرب غزة، أو يخفضها إلى الحد الأدنى، باعتبار أن «الإنجازات العسكرية تسمح الآن بتوجيه الجهد إلى الساحة الشمالية» مع لبنان. ويقولون إن «الطريق إلى هناك تمر بصفقة تؤدي إلى وقف الحرب وإعادة المخطوفين، وبالتوازي، تحويل القوات إلى الشمال». وقد تولى الناطق بلسان الجيش، دانيال هاغاري «إقناع الجمهور الإسرائيلي بالإنجازات، فقال إن 80 في المائة من الأنفاق في محور فيلادلفيا دُمرت، ولواء رفح (التابع لـ«حماس») هزم، وتمت تصفية محمد الضيف (قائد كتائب القسّام) ومئات القادة الميدانيين والكبار من حركة (حماس)».

الحدود بين قطاع غزة ومصر والتي تعرف بممر فيلادلفيا (د.ب.أ)

لكن نتنياهو رفض هذا المنطق، وقال إنه يرى الإنجازات التي يحققها الجيش لكنه لا يرى أن أهداف الحرب تتحقق، بحسب ما جاء في تسريبات وسائل الإعلام الإسرائيلية عن جلسة الكابينت. وعاد نتنياهو للتأكيد على ضرورة بقاء إسرائيل على المحورين في غزة (فيلادلفيا ونتساريم). وقرر الكابينت، بالأكثرية المطلقة (8 وزراء)، المصادقة على الخرائط التي تقضي باستمرار بقاء الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا، في إطار اتفاق حول صفقة تبادل أسرى. وكان غالانت الوزير الوحيد الذي عارض ذلك، بينما امتنع وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، عن التصويت؛ لأنه يرفض أي صفقة لإنهاء الحرب في غزة.

وقال نتنياهو، خلال الاجتماع، إن «كارثة 7 أكتوبر وقعت نتيجة أن محور فيلادلفيا لم يكن بأيدي إسرائيل، وهذه المرة تصر إسرائيل على الاحتفاظ بهذه الحدود بأيديها». من جانبهم، قال غالانت ومندوبو أجهزة الأمن، إنه لا ضرورة لبقاء الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا في إطار اتفاق تبادل أسرى، وإنه سيكون بالإمكان توفير رد أمني من دون نشر قوات في هذه المنطقة. لكن نتنياهو رد بأنه لا يقبل هذا المنطق. وأضاف: «المسؤولون الأمنيون قالوا ما تقولونه اليوم أيضاً قبل تنفيذ خطة فك الارتباط عن غزة، في عام 2005، ولدى الانسحاب من لبنان، في عام 2000، وتبين لاحقاً أن تقديراتهم تبددت».

وقد أثار قرار الكابينت بخصوص ممر فيلادلفيا غضباً وقلقاً لدى عائلات الأسرى الإسرائيليين الذين أصدروا بياناً قالوا فيه إن «نتنياهو لا يفوّت أي فرصة لإضاعة فرصة التوصل إلى اتفاق. مصالحه الشخصية أكبر وأهم من أولادنا، الذين يموتون في الأسر».


مقالات ذات صلة

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

لم يشهد سكان غزة، الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، مع إعلان مقتل 21 شخصاً على الأقل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (إ.ب.أ)

هل ستدفع مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت حكومات لتقليص اتصالاتها مع إسرائيل؟

نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن خبراء ومسؤولين أن مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت ستدفع بعض الحكومات لتقليص اتصالاتها مع نتنياهو وغيره من المسؤولين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية إسرائيل تخشى أن تتم ملاحقة ضباطها أيضاً بعد إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (مكتب الإعلام الحكومي في إسرائيل - أ.ف.ب)

بعد مذكرة توقيف نتنياهو... الإسرائيليون يخشون ملاحقة ضباط جيشهم

عقب إصدار محكمة لاهاي مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، يساور القلق المسؤولين الإسرائيليين خشية ملاحقة ضباطهم أيضاً.

نظير مجلي (تل أبيب)

إسرائيل تستهدف أحياء مسيحية ملاصقة للضاحية الجنوبية لبيروت

الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تستهدف أحياء مسيحية ملاصقة للضاحية الجنوبية لبيروت

الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)

تجدّدت الغارات الإسرائيلية، الجمعة، على الأحياء المسيحية المقابلة لضاحية بيروت الجنوبية، عقب إنذارات وجّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء خمسة أبنية، يقع أحدها في شارع مكتظ.

وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام بشن الطيران الحربي الإسرائيلي غارتين، بعد ظهر الجمعة، على مبنيين يقعان على أطراف ضاحية بيروت الجنوبية في منطقة الشياح المعروفة باسم «طريق صيدا القديمة»، التي تفصل الشياح عن عين الرمانة، وهي خطوط التماس القديمة، خلال الحرب اللبنانية. كما قصف، مساء، مبنى يقع خلف خط بولفار كميل شمعون، الذي يفصل الضاحية الجنوبية عن المناطق ذات الغالبية المسيحية التي يقع فيها المبنى المستهدف.

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)

ويضمّ المبنى، في طوابقه الأربعة الأولى، مؤسسات تجارية عدة ونادياً رياضياً ومختبراً، بينما الطوابق السبعة الأخرى سكنية. واستهدف الصاروخ القسم السكني من المبنى، ما أدى إلى انهياره، بينما صمدت الطوابق الأولى. وجاء استهداف المبنيين بعد إنذار إسرائيلي لسكانهما ومحيطهما بالإخلاء، قالت الوكالة الوطنية إنه أسفر عن «حركة نزوح ملحوظة» من منطقة عين الرمانة المتاخمة للشياح، والتي تقطنها غالبية مسيحية. وجاءت الضربات بعد غارات مماثلة استهدفت، صباح الجمعة، ثلاثة أبنية في منطقتي الحدث وحارة حريك، بعد إنذار إسرائيلي.

وأظهر البث المباشر لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، سحب دخان وغبار تتصاعد على أثر الغارات الثلاث على المنطقة. وأفادت الوكالة بأن غارتين شنّهما «الطيران الحربي المُعادي» استهدفتا منطقة الكفاءات في الحدث، مشيرة إلى «تصاعد الدخان بشكل كثيف من محيط الجامعة اللبنانية». وأعلن الجيش الإسرائيلي، في وقت لاحق، أن مقاتلاته الحربية «أتمّت جولة جديدة من الضربات» على ضاحية بيروت الجنوبية.

امرأة وأطفال ينزحون من موقع قريب لمبنى دمرته غارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية (أ.ف.ب)

وجاءت غارات الجمعة، غداة شنّ إسرائيل سلسلة غارات كثيفة استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية وجنوب لبنان وشرقه. وشنت إسرائيل ضربات على مناطق عدة في جنوب لبنان، بعد أوامر إخلاء للسكان شملت مبنى في مدينة صور الساحلية، وبلدتين في محيطها. وارتفعت وتيرة الغارات الإسرائيلية على مناطق عدة في لبنان، منذ إنهاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين زيارته إلى بيروت، الأربعاء، في إطار وساطة يتولاها للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل. وللمرة الأولى منذ بدء عملياتها البرية، توغّلت القوات الإسرائيلية إلى داخل بلدة دير ميماس، وفق ما أوردت الوكالة الوطنية، مشيرة إلى أن «طائرة استطلاع معادية» حلقت فوق البلدة، وهي «تطلب من المواطنين عدم الخروج من منازلهم». وأعلن «حزب الله»، الجمعة، استهدافه، مرتين، جنوداً إسرائيليين عند أطراف كفركلا، «بقذائف المدفعية».