حفل زفاف في قلعة دمشق يُثير الهلع والاستياء

عاصفة انتقادات للحكومة بسبب تأجير الأماكن الأثرية كصالات أفراح

صورة من العرس الباذخ في قلعة دمشق التاريخية (متداولة)
صورة من العرس الباذخ في قلعة دمشق التاريخية (متداولة)
TT

حفل زفاف في قلعة دمشق يُثير الهلع والاستياء

صورة من العرس الباذخ في قلعة دمشق التاريخية (متداولة)
صورة من العرس الباذخ في قلعة دمشق التاريخية (متداولة)

استفاق سكان العاصمة السورية في الساعة الثانية بعد منتصف ليل الخميس ـ الجمعة على أصوات انفجارات متتالية، استمرت لنحو 15 دقيقة، مثيرة حالة من الهلع؛ لأن مصدر الصوت كان قلب دمشق.

وتداولت وسائل الإعلام المحلية أنباءً عاجلة عن سماع دوي انفجارات في سماء دمشق، ليتبين لاحقاً أنها أصوات إطلاق ألعاب نارية في حفل زفاف أقيم في قلعة دمشق التاريخية وسط المدينة، الأمر الذي أثار عاصفة من الانتقادات لوزارة الثقافة المسؤولة عن حماية تلك الأماكن، وللمسؤولين والمتنفذين الذين لا يبالون بأمن السكان.

إعلامي سوري، فضل عدم الكشف عن اسمه، قال لـ«الشرق الأوسط»: «أكثر ما يثير الحنق والغضب هو إظهار لا مبالاة منقطعة النظير بتأثير هذا النوع من الاحتفالات في وقت ترزح فيه المنطقة تحت حالة من القلق الرهيب، وترقب تصاعد التوتر واحتمالات توسع الحرب مع إسرائيل، والذي يضاف إلى رهاب الهزات الأرضية واحتمالات تكرار زلزال فبراير (شباط) 2023».

ولفت الإعلامي إلى أن «ما يثير الاستفزاز أكثر هو ظاهرة تأجير الأماكن الأثرية المدرجة على قائمة التراث الإنساني، صالات لإقامة الحفلات والأفراح. فقد سبق أن تم تأجير (خان أسعد باشا العظم) لمتنفذين لإقامة حفل زفاف، في انتهاك سافر لتلك الأماكن». وتساءل: «كيف لمكان مثل قلعة دمشق المغلقة أمام الجمهور، التي لا يُسمح لأحد بدخولها دون واسطة، أو سلسلة موافقات حكومية وأمنية، بزعم أنها مكان أثري جار العمل فيه، أن يؤجر لإقامة حفل زفاف تاريخي أو أسطوري لابن أحد رجال المال والأعمال؟!».

قلعة دمشق التاريخية (أرشيفية)

صفحة «صاحبة الجلالة - الاحتياطية» الإخبارية المحلية توجهت إلى وزيرة الثقافة السورية، لبانة مشوح، برسالة من ثلاث جمل قصيرة: «السيدة وزيرة الثقافة... الموافقات لإقامة أعراس في قلعة دمشق غير مناسبة. الاحتفالات العامة مشروعة. الاحتفالات الخاصة تحول القلعة إلى صالة».

يشار إلى أن وزارة الثقافة سمحت في السنوات السابقة بإقامة حفلات غنائية في باحة قلعة دمشق، في محاولة لاستثمار المواقع الأثرية وتأمين موارد للخزينة العامة، في توجه أُعلن عنه قبل اندلاع الحرب، إلا أنها المرة الأولى التي يُسمح فيها بإقامة حفل زفاف ونصب ديكورات ومعدات إضاءة خاصة بالحفل ضمن الأروقة الأثرية للقلعة.

وقال ناشطون إن حفل الزفاف الذي أقيم في قلعة دمشق كان ضخماً جداً، وحضره نجوم الفن، والمشاهير، ومشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، منهم مَن جاء مِن خارج سوريا، كما بث بعضهم مشاهد مباشرة للحفل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

لميس عمار كتبت ساخرة على حسابها في «فيسبوك» أن «صاحب هذا الحفل الوحيد يلّي صدق وقت قال: والله لأعملك عرس الشام كلها تحكي فيه».

وتعد قلعة دمشق، الواقعة شمال غربي المدينة القديمة، من أهم المعالم الأثرية وأكبرها، وهي القلعة الوحيدة في سوريا المشيدة على أرض منبسطة، في حين أن القلاع الأخرى مشيدة على الجبال والتلال، وقد شيّدها السلاجقة نهاية القرن الحادي عشر، وظل يطرأ عليها تعديلات وتعزيزات لنحو قرنين، واستُخدمت في بنائها أحجار من أطلال معبد جوبتير، وقلعة دمشق تضم كثيراً من العناصر الدفاعية مثل الأبراج والمرامي والرواشن والخنادق وغيرها، وللقلعة ثلاث بوابات، وتحتوي على مبانٍ مدنية غير دفاعية، وقاعات فخمة مثل قاعة الأعمدة وتعرف بقاعة العرش.

جانب من قلعة دمشق التاريخية (أرشيفية)

في العهد العثماني تحولت القلعة إلى ثكنة عسكرية، وظلت كذلك خلال فترة الانتداب الفرنسي مع استخدام جزء منها سجناً سياسياً اعتُقل فيه نخبة السوريين من صناع الاستقلال.

وتضم القلعة اليوم المعهد التقاني للفنون التطبيقية، ضمن المبنى العثماني الذي تعرض لضربة إسرائيلية في فبراير 2023، أدت إلى تدميره بشكل كامل، وضياع قسم كبير من وثائق مشروع ترميم قلعة دمشق التي كانت ضمن المكاتب الإدارية في المبنى.

وتسببت الحرب في أضرار فادحة بالأبنية الأثرية والآثار السورية، وبحسب خبراء الآثار والمتاحف في سوريا تعرض قطاع الآثار إلى «كارثة حقيقية، ومهولة، لم يشهد التاريخ مثلها».

والعرس الذي أقيم أمس في القلعة، وأثار الاستياء، يعد الثاني من نوعه هذا العام في العاصمة دمشق؛ إذ شهد «خان أسعد باشا العظم (1743م)» حفل زفاف شاب من آل الأسد، على حفيدة وزير الداخلية السابق، الراحل غازي كنعان، حضره نخبة من نجوم الغناء في سوريا ولبنان في يوليو (تموز) الماضي، وأثار حينها عاصفة من الانتقادات لتأجير هذا المكان صالة أفراح تستخدم فيها تجهيزات الصوت والضجيج العالية، الأمر الذي يؤثر على البناء، فضلاً عن تخريب الأرضيات والجدران لبناء الديكور الخاص بالحفل.


مقالات ذات صلة

مدنيون سوريون يتطوعون لتنظيم ازدحام السير في دمشق بعد سقوط النظام

المشرق العربي متطوع سوري يساعد الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)

مدنيون سوريون يتطوعون لتنظيم ازدحام السير في دمشق بعد سقوط النظام

عند تقاطع مروري في منطقة أبو رمانة بدمشق، يبذل متطوعون شباب بلباس مدني كلّ ما في وسعهم؛ لتنظيم السير في مدينتهم التي تختنق بازدحام السيارات والفوضى المرورية.

المشرق العربي عزام غريب المعروف باسم «أبو العز سراقب» خلال لقائه مجموعة من المقاتلين أبريل 2024 (قناة «الجبهة الشامية» عبر «تلغرام»)

ماذا نعرف عن عزام غريب محافظ حلب الجديد؟

أعلنت وسائل إعلام سورية، اليوم السبت، تعيين عزام غريب المعروف باسم «أبو العز سراقب» قائد «الجبهة الشامية» محافظاً لحلب.

أحمد سمير يوسف (القاهرة)
المشرق العربي مسلحان من «قسد» عند مدخل مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا (رويترز)

تركيا: «تحرير الشام» لعبت دوراً في مكافحة «داعش» و«القاعدة»

أبدت تركيا تمسكاً بتصفية «الوحدات» الكردية، في وقت تواجه فيه احتمالات التعرض لعقوبات أميركية نتيجة هجماتها على مواقع «قسد» في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
تحليل إخباري آليات الجيش تدخل مركزاً للتنظيمات الفلسطينية (مديرية التوجيه)

تحليل إخباري لبنان يبدأ إزالة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات

بدأ لبنان عملية إزالة السلاح الفلسطيني المنتشر خارج مخيمات اللاجئين، والذي يتركز بيد فصائل متحالفة مع النظام السوري السابق.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي مع سقوط النظام السوري بدأت تتكشف حقائق الثروات التي راكمتها عائلة الأسد (أ.ف.ب)

مقربون من بشار الأسد فروا بشتى الطرق بعدما باغتهم هروبه

باغت الهجوم الخاطف الذي شنّه تحالف من فصائل المعارضة الزمرة الحاكمة في سوريا وفي مقدّمها الرئيس بشار الأسد الذي فرّ إلى روسيا في الثامن من ديسمبر.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

مدنيون سوريون يتطوعون لتنظيم ازدحام السير في دمشق بعد سقوط النظام

متطوع سوري يساعد الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)
متطوع سوري يساعد الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)
TT

مدنيون سوريون يتطوعون لتنظيم ازدحام السير في دمشق بعد سقوط النظام

متطوع سوري يساعد الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)
متطوع سوري يساعد الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)

عند تقاطع مروري في منطقة أبو رمانة بدمشق، يبذل متطوعون شباب بلباس مدني كلّ ما في وسعهم؛ لتنظيم السير في مدينتهم التي تختنق بازدحام السيارات والفوضى المرورية منذ إسقاط بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول).

وفرّ أفراد شرطة السير وتنظيم المرور جميعهم من نقاط تمركزهم في المدينة قبيل ساعات من إعلان سقوط النظام. ونزع بعضهم ملابسه الرسمية ورماها في الشارع، وترك البعض الآخر دراجاتهم النارية المخصّصة لشرطة السير.

وتسبّب ذلك في اختناقات مرورية، لا سيما عند النقاط التي تعطّلت فيها إشارات السير، أو الساحات التي تحوَّلت إلى أماكن لتجمّع المتظاهرين المحتفلين بإسقاط النظام.

متطوعان سوريان يساعدان الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)

وبعد أيام على تلك الفوضى، انتشر أكثر من 50 متطوعاً يرتدون سترات برتقالية مصنوعة محلياً، وكُتبت عليها كلمة «الشرطة»، عند الساحات العامة ومفارق الطرق الرئيسية بتنظيم من مؤسسة تطوعية محلية.

ويقول براء كردزلي (24 عاماً): »لدينا محبة لبلدنا، ورغبنا في التطوع لتنظيم السير. لقد أصبح البلد لنا جميعاً بعد أن كان لشخص واحد».

وخضع براء مع زملائه المتطوعين لدورة مكثفة في إدارة المرور بإشراف «هيئة تحرير الشام»، التي تقود السلطة الجديدة في دمشق. وزوّدتهم الهيئة بمعدّات بسيطة مثل صافرة، وعصا صغيرة؛ للتلويح للسيارات.

الطريق المؤدي إلى مدخل دوما بريف دمشق الشرقي من الأوتوستراد الدولي (الشرق الأوسط)

ويُضيف الشاب: «الناس لُطفاء للغاية، ويلتزمون معنا بالتعليمات بكل لطف، وليس لدينا أساساً أيّ سلطة سوى أن نبتسم للسائقين، ونطلب منهم الوقوف أو التحرك».

وفتحت مؤسسة «سند للشباب» التنموية باب التطوع للشباب، ونظَّمتهم في مجموعات متخصصة بين المساعدة الطبية للمشافي، والمساعدة التنظيمية للبلدية، ومساعدة شرطة السير.

ويقول عمر مرعي، المسؤول في المؤسسة: «ينتشر متطوعونا من التاسعة صباحاً وحتى السادسة مساءً، كل حسب وقته، واستطعنا خلال يومين حلّ أكثر من 50 في المائة من مشكلة السير في دمشق».

وفي محيط ساحة السبع بحرات وسط العاصمة، افترش عدد من الأطفال زاوية، ووضعوا عبوات بنزين ومازوت للبيع بشكل مباشر للسائقين، في حين ظهر أطفال آخرون باعةً للعلم السوري الجديد وساروا بين السيارات.

وقرب حديقة السبكي بدمشق، توقفت إشارة المرور عن العمل منذ أسبوع بعد انقطاع الكهرباء عنها. ويشير محمّد موفق العوا إلى أحد السائقين طالباً منه التريث قبل العبور، ويستجيب السائق مباشرة.

متطوع سوري يساعد الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)

وبعد غياب لسنوات، شاهد سكان دمشق سيارات تحمل لوحات من إدلب وحلب ومناطق أخرى بقيت خارج سيطرة قوات النظام، وانقطعت حركة العبور منها وإليها.

وصار مألوفاً أن تشاهَد في دمشق سيارات جديدة، مقارنة مع السيارات المهترئة التي تنتشر في مناطق سيطرة النظام الذي كان يفرض ضرائب عالية للغاية على استيراد السيارات.

ويقول العوا (25 عاماً): «لم يحدث معنا أي موقف غير متوقع، وغالبية الناس تساعدنا بالاستجابة».

متطوع سوري يساعد الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)

ولم يكن هذا الشاب، خريج كلية إدارة الأعمال، يتخيل يوماً أن يعمل في تنظيم السير، ومع ذلك فهو لا يخفي فرحته بهذا العمل التطوعي.

ويقول: «سعادتي اليوم لا توصف بأنني أسهم ولو بجزء صغير في مساعدة هذا البلد على النهوض مجدداً. علينا أن نتكاتف جميعاً مهما كان حجم العمل كبيراً أو صغيراً، وعلينا أن نقف مرة أخرى».