الحكومة السورية تُنهك المواطنين برفع مستمر لأجور الخدمات

تعديل تعريفة الاتصالات والإنترنت رغم عدم تحسّن الخدمة

«الشركة السورية للاتصالات» (سانا)
«الشركة السورية للاتصالات» (سانا)
TT

الحكومة السورية تُنهك المواطنين برفع مستمر لأجور الخدمات

«الشركة السورية للاتصالات» (سانا)
«الشركة السورية للاتصالات» (سانا)

ضمن مسلسل زيادة أجور الخدمات الأساسية التي باتت شبه شهرية وربما أسبوعية، مهّدت الحكومة السورية قبل أيام عبر صحيفة «الوطن» المقربة منها، إلى رفع جديد في أجور خدمات الاتصالات والإنترنت.

وذكرت الصحيفة أن مصدراً في «الشركة السورية للاتصالات» الحكومية كشف عن وجود دراسة لتعديل أجور خدمات الاتصالات والإنترنت، بهدف «ضمان استمرارية تقديم الخدمة والحفاظ على جودتها».

وبيّن المصدر أن مشغلي الاتصالات الثابتة والجوالة يعتمدون بصفة أساسية لتأمين المكونات اللازمة لاستمرارية عمل الشبكة على سلسلة من التوريدات، لافتاً إلى أن «الحصار الاقتصادي المفروض على الشعب السوري يجعل من الصعب استيراد التجهيزات الفنية اللازمة لتشغيلها وصيانتها». وذكر أن المراكز الهاتفية التابعة لـلشركة تستهلك نحو 1.5 مليون لتر ديزل شهرياً لتأمين استمرارية خدماتها.

وكانت الحكومة قد رفعت عدة مرات أجور خدمات الاتصالات والإنترنت، وفي كل مرة تبرّر ذلك بـ«ضمان استمرارية تقديم الخدمة والحفاظ على جودتها»، لكن المواطنين يصفون هذه الخدمة بـ«السيئة جداً، وأنها لا تتحسّن».

وتؤكد مصادر محلية في مناطق مخيم اليرموك والجزء الجنوبي من حي التضامن وبلدتي يلدا وبييلا جنوب دمشق، أن الأهالي يضطرون للخروج إلى الطرقات والسير مسافة 500 متر وأحياناً أكثر، لإجراء مكالمة من هاتف جوال، بسبب توقف عمل أغلبية أبراج التغطية، كما أن خدمة الإنترنت ضعيفة للغاية وتنقطع لفترات طويلة.

يأتي ذلك في وقت تحوّلت فيه الحياة اليومية للأسر إلى معركة مريرة تخوضها من أجل تأمين لقمة العيش، إذ تؤكد الأمم المتحدة أن أكثر من 90 في المائة من الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر، في حين قدّرت صحيفة «قاسيون» المحلية، مطلع العام الحالي، متوسط تكاليف المعيشة في الشهر لأسرة من 5 أفراد، بأكثر من 12 مليون ليرة، أي ما يعادل 850 دولاراً، في حين لا يتجاوز راتب موظف في الدرجة الأولى بالحكومة 450 ألف ليرة.

شركة «وفا تيليكوم» في دمشق هي المشغل الثالث للاتصالات في سوريا

يقول سمير، وهو من سكان ضاحية داريا غرب دمشق: «كل الراتب لا يكفي أجور اتصالات ووسائل النقل، فكيف سيكون الأمر مع الرفع المقبل!». ويضيف: «عمل الحكومة بات فقط إصدار قرارات رفع أسعار خدماتها ومنتجاتها، وتحرص على تلبية طلبات النقابات والشركات وأصحاب المصانع والتجار برفع الأسعار، لتتماشى مع تكاليف الإنتاج التي تزايدت بسبب تدهور قيمة الليرة» (الدولار الأميركي يساوي حالياً في السوق السوداء نحو 13800 ليرة سورية).

ورفعت شركة «Syriatel» للهاتف الجوال أواخر الشهر الماضي، أسعار الإنترنت والدقائق بصورة مفاجئة دون إعلان رسمي. وأصبحت أسعار الباقات الجديدة الشهرية تبدأ بـ8800 ليرة لـ«1 غيغابايت»، و16 ألفاً لباقة «2 غيغابايت»، في حين سعر باقة «30 غيغابايت» وصل إلى 121 ألف ليرة، وباقة «110 غيغابايت» إلى 259 ألفاً و500 ليرة.

الصحافي والخبير الاقتصادي، زياد غصن، أوضح في مقال نشره موقع «أثر برس» المحلي، أنه حسب القوائم المالية المنشورة لشركة «Syriatel» فإن نسبة الربح الصافي المتحقق للشركة بلغت العام الماضي نحو 43.5 في المائة، في حين أن هذه النسبة لم تكن تتجاوز في عام 2022 أكثر من 25.3 في المائة، في حين تكشف عملية تحليل البيانات لشركة «MTN»، أن نسبة ربحها بلغت في العام الماضي نحو 14.2 في المائة، مقارنة مع 12.7 في المائة في العام السابق.

وقال: «إذاً الهدف الأساس من رفع أسعار الخدمات هو محافظة الشركتين على نسب معينة من الإنفاق، وتحسين قيمة الأرباح الصافية فقط، وبالتالي فإن رفع الأسعار لن يؤدي إلى تحسين جودة الخدمة».

بدوره، رأى الخبير الاقتصادي، عامر شهدا، أن رفع أسعار باقات النت دون دراسة قدرة الدخل على الاستهلاك «خطأ كبير يُرتكب بحق المواطن والخزينة». وقال شهدا، في منشور عبر صفحته في «فيسبوك»: المشكلة أن من ينادون بالاستثمار لا يملكون كل مقوماته، لافتاً إلى أنه في معظم دول العالم النت مجاني وفي الشوارع. وأوضح أن رفع أسعار الباقات سيزيد من تكاليف التعليم ويحد من التثقيف المجتمعي في زمن سوريا تأخرت فيه كثيراً عن الركب العالمي بسبب العزلة التي عاشتها نتيجة العقوبات، وأضاف: «اليوم الحكومة تعاقب المجتمع لتعمّق من عزلته».

ولفت شهدا إلى أن رفع أسعار الخدمات بهذا الشكل له هدف آخر، وهو «محاولة فاشلة للحد من التضخم. هذا فكر مدمّر للاقتصاد الوطني».

يٌذكر أن أسعار الاتصالات الثابتة والجوالة ارتفعت في فبراير (شباط) الماضي بنسب تتراوح بين 30 و35 في المائة للاتصالات الجوالة، وبين 35 و50 في المائة للاتصالات الثابتة.

بسطة فاكهة في سوق «باب سريجة» وسط دمشق العرض فيها أكثر من الطلب

وبينما تشهد عموم الأسعار ارتفاعاً هستيرياً، وصل معه سعر الكيلوغرام الواحد من البطاطا إلى 15 ألف ليرة، والتين إلى 25 ألفاً، حمّل أمين سر «جمعية حماية المستهلك» عبد الرزاق حبزة، جزءاً كبيراً من الواقع المؤلم الذي يعيشه المواطن إلى الحكومة، لعدم رفعها دخل المواطن الذي «لا تتجاوز يوميته عشرة آلاف، وهي لا تكفي لشراء قطعة بسكويت»، وفق صحيفة «البعث»، الناطقة باسم حزب «البعث» الحاكم.

حركة ضعيفة على الشراء في «سوق الحميدية» الشهيرة في دمشق القديمة (الشرق الأوسط)

التمهيد إلى زيادة أجور خدمات الاتصالات والإنترنت جاء بعد أيام من رفع محافظة دمشق أسعار بدل خدمات المقاهي والمتنزهات؛ إذ حدّدت سعر كأس الشاي أو الزهورات من الحجم الكبير أو فنجان القهوة بـ7500 ليرة للمستوى الأول، بعد رفعها أسعار بدل خدمة الحلاقة الرجالية والنسائية؛ إذ أصبحت تكلفة قص الشعر مع حلاقة الذقن 40 ألف ليرة للدرجة الممتازة، وذلك في أعقاب رفع مستمر لأسعار الدواء والمحروقات والكهرباء وأجور المواصلات.


مقالات ذات صلة

أميركا وألمانيا تتصديان لهجوم من برامج الفدية الضارة على الإنترنت

العالم رجل يحمل جهاز كومبيوتر بينما يتم عرض شفرة سيبرانية عليه في هذه الصورة التوضيحية الملتقطة في 13 مايو 2017 (رويترز)

أميركا وألمانيا تتصديان لهجوم من برامج الفدية الضارة على الإنترنت

قالت السلطات في الولايات المتحدة وألمانيا، الثلاثاء، إنها تمكنت من إزالة مجموعة البرامج الضارة رادار/ديسبوسيسور التي تطالب بفدية عبر الإنترنت والنشطة عالميا.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ طالب هندسة خلال تدريب على مكافحة القرصنة في باريس (أ.ف.ب)

مخاوف أميركية متزايدة من تدخل إيراني في الانتخابات… ضد ترمب

حذر خبراء ومسؤولون أميركيون من حصول مزيد من الهجمات السيبرانية غداة اكتشاف قرصنة يشتبه في أنها إيرانية ضد الرئيس السابق دونالد ترمب قبل الانتخابات المقبلة.

علي بردى (واشنطن)
أوروبا شعار خدمة الدردشة المشفرة «سيغنال» (رويترز)

روسيا تحجب خدمة الدردشة المشفرة «سيغنال»

في إطار حملتها ضد خدمات الإنترنت الأجنبية، قامت روسيا بحجب خدمة الدردشة المشفرة «سيغنال» بسبب مزاعم انتهاكات قانونية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
تكنولوجيا الملياردير الأميركي إيلون ماسك (رويترز)

ماسك يعيد رفع دعوى ضد مؤسسي «أوبن إيه آي»... ما السبب؟

أعاد الملياردير إيلون ماسك أمس (الاثنين) رفع الدعوى التي سبق وتقدّم بها قبل أن يسحبها، ضد المشاركين في تأسيس «أوبن إيه آي».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا شعار شركة «كراود سترايك» (أ.ف.ب)

بعد تسببها بعطل معلوماتي عالمي... ماذا نعرف عن «كراود سترايك»؟

استيقظ الملايين من الأشخاص حول العالم، في وقت مبكر من صباح أمس (الجمعة)، ليجدوا القنوات الإخبارية التلفزيونية صامتة، وبعض القطارات والمواقع الإلكترونية معطلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

إعلام عبري: مفاوضات القاهرة لم تثمر اتفاقاً

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يلتقي وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في القدس (السفارة الأميركية)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يلتقي وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في القدس (السفارة الأميركية)
TT

إعلام عبري: مفاوضات القاهرة لم تثمر اتفاقاً

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يلتقي وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في القدس (السفارة الأميركية)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يلتقي وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في القدس (السفارة الأميركية)

أفادت وسائل إعلام عبرية، الاثنين، بأن الوفد الإسرائيلي المشارك في المفاوضات الرامية إلى تحقيق تهدئة بين حركة «حماس» وإسرائيل في غزة، عاد من الجولة التي استضافتها القاهرة من دون اتفاق.

لكن في المقابل، لم يقر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بحدوث فشل أو وجود دليل على أزمة، ونقلت مصادر إسرائيلية عنه أنه خلال زيارته إلى إسرائيل، الاثنين، «حوّل الأنظار نحو اجتماع آخر سيُعقد بعد (الأربعاء) بحضور رؤساء الوفود».

وتقود الولايات المتحدة ومصر وقطر، محاولات وساطة لإقرار اتفاق على تهدئة ووقف الحرب التي تدور منذ أكثر من 10 أشهر في غزة، وأودت بحياة ما يزيد على 40 ألف قتيل في القطاع.

والتقى بلينكن، الاثنين، الرئيس الإسرائيلي، إسحق هرتسوغ، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وقال إنه لا يزال «متفائلاً بالتوصل» إلى اتفاق قريب. لكن نتنياهو، بدا أكثر تحفظاً، وأعلن تمسكه بالشروط الجديدة التي طرحها، وفي صلبها «الامتناع عن الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، وإبقاء قوات على محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، وعلى محور نتساريم، وفرض (فيتو) على أسماء أسرى فلسطينيين سيجري إطلاق سراحهم مقابل الرهائن الإسرائيليين».

ومع أن بلينكن أفاد بأن لقاءه مع نتنياهو حدث في «أجواء إيجابية»، إلا أن مصادر إسرائيلية نقلت عن مسؤول في مكتب نتنياهو أنه «أصر على التمسك بالمصالح الأمنية الإسرائيلية الحيوية»، وهو ما ترجمه متابعون مناوئون لنتنياهو على أنه استمرار في السعي لإجهاض الصفقة.

لقاء جديد

بدورها، تحدثت مصادر أميركية عن أن رؤساء الوفود (لدول الوساطة) سيلتقون من جديد في القاهرة، الأربعاء، لكي يسعوا إلى إغلاق الثغرات، وجسر الخلافات، وإنهاء المفاوضات بنجاح. وأفادت بإمكانية «استمرار لقاءات القاهرة أيضاً، الخميس والجمعة، ونية بلينكن العودة إلى تل أبيب والقيام بزيارات مكوكية بين مصر وإسرائيل».

لكن الانطباع في تل أبيب أن نتنياهو لا يريد هذه الصفقة، وحتى لو أراد فإنه لا يستطيع تمريرها؛ ولذلك فإنه يقامر بإجهاضها والتدهور نحو حرب إقليمية، لكن الأميركيين يغطون عليه على أمل أن يقتنع في النهاية، ويسير على طريقهم.

المرحلة الأولى

وذهب عاموس هرئيل، في مقال نشرته صحيفة «هآرتس»، الاثنين، إلى المعنى السابق، وقال: «في بداية الأسبوع الحالي، الذي يبدو أنه حاسم لصفقة التبادل وربما منع حرب إقليمية، جرى تحديث رسائل الخطاب السياسي للجميع. من يؤيدون رئيس الحكومة، يطلون فجأة على واقع بديل... كلمة صفقة لم تعد كلمة فظة، وليس بالضرورة أن يجري التخلي عنها، يجب فحصها بجدية».

ووفق هرئيل فإن «نتنياهو يفحص الذهاب إلى المرحلة الأولى في الصفقة (التي سيجري فيها إطلاق سراح عدد من المخطوفين، بينهم نساء وكبار سن «لأسباب إنسانية»)، وتوسل إلى شركائه في اليمين المتطرف كي يؤجلوا انسحابهم من الائتلاف، حيث إنه في الأصل في الطريق إلى المرحلة الثانية ستنفجر المفاوضات مع (حماس)، وعندها يمكن العودة للقتال في غزة، كما هم (وهو «أي نتنياهو») يريدون».

وبشأن مدى استجابة وزراء اليمين المتطرف لتلك الصفقة على الأقل في مرحلتها الأولى، قال الكاتب: «احتمالية استجابة الوزير إيتمار بن غفير، والوزير بتسلئيل سموتريتش، لذلك ضئيلة في الوقت الحالي؛ فهما يستندان إلى دعم ناخبيهما لمواقفهما المتطرفة حتى فيما يتعلق بإدارة الحرب. ونتنياهو يظهر مرونة معينة، وبهذا يهدئ الأميركيين».

وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني إيتمار بن غفير (وسط الصورة) في البلدة القديمة بالقدس في 13 أغسطس الحالي (أ.ب)

وتابع هرئيل: «الافتراض المعقول هو أن المفاوضات ستفشل في نهاية المطاف، ولكن رسائل نتنياهو الإيجابية ربما تُحسِّن بشكل قليل وضعه إزاء الإدانات الأميركية، وغضب عائلات المخطوفين. وفي لعبة الاتهامات التي ستبدأ عندها سيريد العودة وإلقاء المسؤولية عن رفض الصفقة على (حماس)، لكن من غير المؤكد أن الإدارة الأميركية ستتعاون معه في ذلك؛ فورقة رئيسية توجد في يد الرئيس الأميركي (جو بايدن)، وهي خوف نتنياهو من أن يتهمه علناً بإفشال المفاوضات؛ الأمر الذي لم يحدث منذ بداية الحرب».

لكن هذا اللعب على الجميع يُخرج رؤساء جهاز الأمن الإسرائيلي عن أطوارهم، فهؤلاء لا تقنعهم التصريحات المتفائلة؛ لأنهم يعرفون الوضع الحقيقي. وفي الشهر الماضي، أدخل نتنياهو إلى المفاوضات عقبتين، هما: سيطرة إسرائيل على ممر نتساريم في وسط القطاع، وعلى محور فيلادلفيا على الحدود مع مصر.

ومؤخراً، وجهت المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف ميارا، الانتقاد لطريقة اتخاذ القرارات الاستراتيجية المهمة، التي اتخذت من دون المصادقة المطلوبة. وكذلك توجه ووزير الدفاع، يوآف غالانت، إلى نتنياهو مباشرة، وعبر الإعلام طالباً عقد جلسة لمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، وطرح الموضع للتصويت. ويقول غالانت إن إجهاض الصفقة سيشعل حرباً إقليمية والقانون يلزم رئيس الحكومة في هذه الحالة على طرح المسألة والتصويت عليها، حتى يعرف من يصوت ضد الصفقة أنه صوت لصالح الحرب.