بعد عام على انطلاقته... احتجاج السويداء يتجدد بزخم أقوى

مظاهرات في الشمال السوري ضد «الجولاني» والنظام

جانب من الحشد في ساحة الحرية وسط مدينة السويداء الجمعة (موقع السويداء 24)
جانب من الحشد في ساحة الحرية وسط مدينة السويداء الجمعة (موقع السويداء 24)
TT

بعد عام على انطلاقته... احتجاج السويداء يتجدد بزخم أقوى

جانب من الحشد في ساحة الحرية وسط مدينة السويداء الجمعة (موقع السويداء 24)
جانب من الحشد في ساحة الحرية وسط مدينة السويداء الجمعة (موقع السويداء 24)

تجدد زخم الحراك الشعبي في محافظة السويداء جنوب سوريا، في الذكرى السنوية الأولى لانطلاقته، وتجمع المئات من أهالي المحافظة في ساحة السير، وسط مدينة السويداء، التي أطلقوا عليها قبل عام اسم ساحة «الكرامة»، لتتحول إلى مركز للاحتجاج، يؤمه المحتجون كل يوم جمعة، للمطالبة بالانتقال السلمي للسلطة، وتطبيق القرارات الدولية، وتحديداً القرار 2254، والإفراج عن المعتقلين، وتوفير حياة كريمة للسوريين.

ومنذ ساعات صباح اليوم الجمعة، بدأت وفود الأهالي من مدينة السويداء وريفها بزخم مرتفع نسبة إلى التجمعات التي الأسبوعية واليومية الأخرى التي تنظم في البلدات والساحات الأخرى.

وعلى مدى عام، تواصل الحراك الشعبي بإصرار، رغم محاولات الأجهزة الأمنية والسلطة في دمشق احتواء الحراك منذ انطلاقته في 16 أغسطس (آب) 2023، سواء بالتجاهل أو بالتشديد الأمني وملاحقة المشاركين بالاحتجاجات خارج المحافظة أو بالتهديد بالاقتحام العسكري.

الحشد في ساحة الحرية وسط مدينة السويداء الجمعة (موقع السويداء 24)

مصادر متابعة في دمشق قالت لـ«الشرق الأوسط» إن دمشق تعاملت بحساسية وحذر مع الاحتجاجات في السويداء، لا سيما أنها تُمثل منطقة تمركز طائفة الموحدين الدروز، كما أن الاحتجاجات هناك لم تُشكل بعد تهديداً حقيقياً للسلطة، إذ لم تنل دعماً دولياً جدياً لغاية الآن، وهو ما يجعل دمشق مطمئنة إلى حد ما في اتباعها سياسة التجاهل والعزل لمنع امتداد الحراك إلى المناطق الأخرى، والتأكيد بوسائل متنوعة على أنه حراك «طائفي»، و بالتوازي مع ذلك تعمل على إخماده بطرق أمنية غير مباشرة، والمراهنة على عامل الزمن وتعب المحتجين، في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة.

ورغم مضي عام، تواصل الحراك وبزخم متصاعد، كان خلاله يصل بين فترة وأخرى إلى حد ينذر بالانفجار، كما حصل لدى اعتقال الأجهزة الأمنية مواطنين من السويداء، ورد الفصائل المحلية المسلحة بخطف عناصر وضباط من القوات الحكومية، وهي حالات جرى احتواؤها بالإفراج عن المعتقلين والمختطفين. ووفق المصادر، فإن أهالي السويداء أدركوا منذ الأشهر الأولى رهان دمشق على الزمن، وأخذوا في الحسبان أن الطريق لتحقيق أهدافهم طويل جداً، و«خاضع للحسابات الدولية والإقليمية»، كما أدركوا أن الخيارات أمامهم محدودة والحفاظ على «سلمية الحراك» وسيلتهم الوحيدة للاستمرار.

جانب من الحشد في ساحة الحرية وسط مدينة السويداء الجمعة (موقع السويداء 24)

يشار إلى أنه في 16 أغسطس 2023، انطلقت الاحتجاجات الشعبية في محافظة السويداء بعد الدعوة لإضراب عام، احتجاجاً على الأوضاع المعيشية وارتفاع الأسعار والسياسات الحكومية التي أدت إلى مزيد من التدهور، وجرى قطع الطرقات وإغلاق مقار حزب «البعث» الحاكم، والدوائر والمؤسسات الرسمية. وتطورت المطالب من تحسين الواقع المعيشي والخدمي إلى انتقال سلمي للسلطة، وتنفيذ القرارات الدولية، والإفراج عن المعتقلين.

وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»: «على الرغم من محاولات النظام المستمرة لقمع الأصوات المطالبة بهذه الحقوق عبر تنظيم مظاهرات سلمية يومية في ساحة الكرامة باستخدام التعزيزات العسكرية، ونشر الحواجز، واعتقال بعض رموز ومنظمي الحراك، فإن الحراك ظل مستمراً دون انقطاع».

كما أفاد المرصد بأن ساحة الكرامة شهدت يوم الجمعة «مظاهرة حاشدة، شارك فيها مئات المواطنين من أبناء مدينة السويداء وريفها؛ إذ جددوا تأكيدهم على مطالبهم، مرددين شعارات مناوئة للنظام وحكومته، ومطالبين بإسقاطه والانتقال السلمي للسلطة، كما توافد العشرات من أبناء البلدات والقرى المجاورة إلى مدينة السويداء للمشاركة في هذه المظاهرة المركزية، التي تُقام عادة كل يوم جمعة بزخم أكبر، مقارنة بالمظاهرات اليومية الأخرى التي تشهدها المنطقة على مدار الأسبوع».

متظاهرون ضد الجولاني والنظام في الشمال السوري (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

اللافت في حراك السويداء مواقف الزعامات الروحية منه، ففي حين تبنّى الشيخ حكمت الهجري الحراك وأصبح أحد قياديه، أعلن الشيخ حمود الحناوي انحيازه للحراك مع اعتدال خطابه تجاه السلطة في دمشق، فيما وقف الشيخ يوسف الجربوع على مسافة واحدة من الحراك والسلطة، محاولاً خلق توازن بين مكانته الروحية والاجتماعية وعلاقته مع دمشق، لمنع تفجر التصعيد كلما احتدمت الأوضاع. ووفق متابعين، ساهم توازن مواقف الزعامات الدينية في استمرار الحراك السلمي، وفي الوقت ذاته ضبط الأوضاع في السويداء ومنعها من الانفجار.

وكشفت ساحة الاحتجاج في السويداء عن ملامح مدنية للمجتمع السوري الذي تهشّم خلال الحرب، تحت وطأة فوضى حمال السلاح وانتشار المخدرات والجريمة، فظهر في السويداء بصفته مجتمعاً متماسكاً، للمرأة حضور فاعل فيه، كما ظهر بوضوح الحرص على الإرث النضالي التاريخي لمحافظة السويداء. وفق ما قاله إعلامي سوري بدمشق لـ«الشرق الأوسط»، لم يرد كشف اسمه، لافتاً إلى أن الحراك في السويداء أظهر ما يتمتع به السوريون من طاقات إبداعية خلّاقة، تمثلت في تجمعات فنية وثقافية، ظهر نتاجها في ساحة الاحتجاج بالموسيقى والأغاني والقصائد واللوحات الفنية والكاريكاتير، معيداً إلى الأذهان صورة الاحتجاجات الأولى التي خرجت في سوريا عام 2011 قبل أن تتحول إلى نزاع مسلح.

مظاهرات في الشمال

شارك المئات اليوم بمظاهرات شعبية عمّت عدة مدن وبلدات في الشمال السوري، للتأكيد على المطالبة بإسقاط رأس النظام وحكومته، ورفضاً للتطبيع معه والتقارب بين النظامين السوري والتركي، كما جدّد المتظاهرون مطالبتهم بإسقاط «الجولاني» زعيم «هيئة تحرير الشام»، وكف يد جهاز الأمن العام واستقلالية القضاء ورفض التدخل بالمؤسسات المدنية، وإطلاق سراح المعتقلين.

وشملت المظاهرات مدينة إدلب ومدناً وبلدات عدة. ورفع المتظاهرون في بنش بريف إدلب لافتات كتب عليها: «إرحل بنش رح تمسح بكرامتك الأرض»، و«يلي يزعل إذا قلنا عليه شبيح ببساطة لا يشبح».


مقالات ذات صلة

إصرار على «الاستمرار والسلمية» في الذكرى الأولى لحراك السويداء

المشرق العربي من ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء الجمعة الماضي مظاهرة تطالب بالتغيير السلمي والانتقال السياسي (الراصد)

إصرار على «الاستمرار والسلمية» في الذكرى الأولى لحراك السويداء

تصادف، السبت المقبل، الذكرى السنوية الأولى لانطلاق الحراك الشعبي السلمي المستمر في محافظة السويداء، والذي يُعد الأضخم في تاريخ المحافظة ذات الأغلبية السكانية…

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي استنفار عسكري لـ«قوات سوريا الديمقراطية» لصدّ هجمات ميليشيا الدفاع الوطني الأسبوع الماضي

اشتباكات متبادلة بين «قسد» ومجموعات مدعومة من إيران شرق دير الزور

رغم الوساطة الروسية لوقف القتال بريف دير الزور الشرقي، وفك «قسد» الحصار عن المربع الأمني في القامشلي، اندلعت اشتباكات عنيفة مرة أخرى بعد منتصف ليلة أمس.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي لقطة من فيديو تعود لعام 2023 خلال اشتباكات لقوات سورية بالمربع الأمني في الحسكة

«قسد» تقدم بادرة حسن نية بانتظار تنفيذ دمشق وساطة الروس

الاتفاق يواجه رفض أحد بنوده من دمشق، ويقضي بسحب «الفرقة الرابعة» التابعة للقوات الحكومية من ريف دير الزور.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي جندي عراقي يقوم بدورية على الحدود مع سوريا (أرشيفية - رويترز)

مسيّرة مجهولة تقتل خمسة مقاتلين موالين لإيران في شرق سوريا

قُتل خمسة مقاتلين موالين لإيران في ضربة شنتها طائرة مسيّرة لم يتمكن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» من تحديد هويتها في شرق سوريا بالقرب من الحدود العراقية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فشل المفاوضات لتهدئة التصعيد في شرق سوريا (موقع فرات بوست)

فشل الوساطة الروسية لمنع التصعيد في شرق سوريا

فشلت الوساطة الروسية لتهدئة التصعيد بين قوات العشائر المدعومة من دمشق و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) شرق سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

تفاعل مع إعلان مدارس مصرية تطبيق «البصمة» على الطلاب لمواجهة الغياب

طلاب في الطابور الصباحي بإحدى المدراس بالإسكندرية (محافظة الإسكندرية على «فيسبوك»)
طلاب في الطابور الصباحي بإحدى المدراس بالإسكندرية (محافظة الإسكندرية على «فيسبوك»)
TT

تفاعل مع إعلان مدارس مصرية تطبيق «البصمة» على الطلاب لمواجهة الغياب

طلاب في الطابور الصباحي بإحدى المدراس بالإسكندرية (محافظة الإسكندرية على «فيسبوك»)
طلاب في الطابور الصباحي بإحدى المدراس بالإسكندرية (محافظة الإسكندرية على «فيسبوك»)

قال وزير التربية والتعليم والتعليم الفني المصري، محمد عبد اللطيف، إن ارتفاع نسب الغياب في المدارس من بين أهم «التحديات التي تواجه التعليم المصري خلال العام الدراسي الجديد»، فيما أعلن عدد من المدارس المصرية «تطبيق البصمة الإلكترونية على الطلاب»، وهو ما أحدث تفاعلاً على «السوشيال ميديا»، الجمعة.

ويبدأ العام الدراسي الجديد في مصر يوم 21 سبتمبر (أيلول) المقبل، وينتهي في 5 يونيو (حزيران) 2025.

وفي إطار استعدادها للدراسة، نبهت بعض المدارس على طلابها، عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بـ«ضرورة الالتزام بالحضور بداية من العام الدراسي المقبل». وأكدت أن «الحضور سيكون بالبصمة».

وتعاني المدارس المصرية، لا سيما في المرحلة الثانوية، من ارتفاع نسبة الغياب المتكرر لطلابها، وهو ما أشار إليه وزير التعليم المصري خلال مؤتمر صحافي، الأربعاء الماضي، بأن التحديات تشمل «كثافات الفصول، وعجز المعلمين، وارتفاع نسب الغياب في المدارس».

وعدَّ الوزير المصري في لقاء عقده، الخميس، مع عدد من قيادات وزارة التربية والتعليم بمحافظة الإسكندرية، «تحفيز الطالب والتركيز على الأنشطة المدرسية من أهم عناصر جذب الطلاب للمدارس».

وزير التربية والتعليم المصري يتفقد إحدى المدارس بالإسكندرية (وزارة التربية والتعليم المصرية)

وخلال اجتماع مجلس الوزراء المصري، الأسبوع الماضي، تطرق وزير التعليم إلى ارتفاع نسب الغياب بالمدارس، مؤكداً أن الوزارة تعمل على إخراج وإنتاج فلسفة تحفيز تساعد على ارتباط الطالب بالمدرسة، والدفع بالطلاب بهدف تحقيق الذات عن طريق تحقيق نجاحات، والتركيز على الأنشطة المدرسية. ونوّه في هذا الصدد بتعديل لائحة الانضباط المدرسي، مشيراً إلى أهمية تطبيق هذه الإجراءات مع استرجاع هيبة المعلم وتحسين مهارات الطلاب.

وترى مؤسِّسة «ائتلاف أولياء أمور مصر»، الدكتورة داليا الحزاوي، أن «تطبيق قرار البصمة بالمدارس سيكون مقترناً بإمكانيات التطبيق، بما يعني اقتصاره على المدارس الخاصة فقط، لأنه أمر مكلف مادياً»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط» أنه حال تطبيق البصمة سيكون «على مجموعة معينة من المدارس المصرية دون تعميم».

وهو ما اتفق معه أستاذ العلوم والتربية بجامعة عين شمس المصرية، الدكتور محمد عبد العزيز، مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى «صعوبة تعميم قرار البصمة بالمدارس المصرية، لعدم تمكن المدارس من السيطرة على أعداد الطلاب كافة، إلى جانب صعوبة شراء المدارس للأجهزة، خصوصاً في ظل نقص الإمكانيات».

طلاب داخل الفصول الدراسة في مدرسة بالاسكندرية (محافظة الإسكندرية على "فيسبوك")

ولدى مصر «أكبر نظام للتعليم قبل الجامعي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ حيث التحق أكثر من 25 مليون طالب بمدارسها في العام الدراسي الأخير»، حسب وزير التعليم المصري.

ووجد إعلان بعض المدارس عن تطبيق «البصمة» تفاعلاً بين مستخدمي التواصل الاجتماعي في مصر، تراوح بين الترحيب والمعارضة للأمر.

وأوضح بعض الرواد أن هذا القرار «يمثّل عودة الانضباط للمدارس وعودة الطلاب إليها». وطالبوا بـ«تعميم الأمر على المدارس الحكومية والخاصة كافة»، فيما أثار آخرون تساؤلات حول امتلاك المدارس القدرات الفنية واللوجيستية لتشغل نظام البصمة.

وهنا أشار أستاذ العلوم والتربية في جامعة عين شمس إلى أن «وزارة التربية والتعليم تريد من الطلاب أن يلتزموا بالحضور للمدارس، وعمل حالة انضباط، وهو بالفعل تخطيط سليم، لكن ذلك يثير تساؤلاً حول ما الخدمة المقابلة التي سيجدها الطالب داخل مدرسته، وهل سيجد عملية تعليمية تغنيه عن التوجه إلى البدائل لتلقي التعليم؟ وبالتالي إذا تم توفير خدمة تعليمية مميزة فسيأتي الطالب لمدرسته من دون وجود بصمة أو إجبار على الحضور».

من جانب آخر، شبهت بعض حسابات «السوشيال ميديا» جهاز البصمة الإلكتروني بأجهزة «التابلت»، التي أدخلت قبل سنوات للمدارس الثانوية المصرية، وأثارت كثيراً من اللغط حولها بشأن تجربة «امتحانات التابلت»، فيما أشار آخرون إلى أن النظام الإلكتروني للدوام لن يستفيد منه غير موردي أجهزة البصمة.

ولفتت مؤسِّسة «ائتلاف أولياء أمور مصر» إلى شكاوى أولياء الأمور من خلو المدارس من الطلاب، وعدم وجود استفادة حقيقية داخلها، مبينة تطلع أولياء الأمور إلى أن تدفع القرارات الأخيرة لوزارة التربية التعليم الطالب إلى العودة للمدارس، ليحقق أقصى استفادة من دراسته وتحصيل العلم، كما أنهم يترقبون أيضاً عودة حقيقية للمدرسة تغنيهم عن الدروس الخصوصية.

ولم يخلُ التفاعل مع بصمة الطلاب في المدارس من السخرية، حيث تهكمت بعض الحسابات على الأمر، لافتة إلى تخوفهم من تعرض أجهزة البصمة الإلكترونية للسرقة.