المنطقة مهددة بموجة «ردود متقابلة» تعمّم الاستنزاف وإطالة أمد التوتر

مساعٍ دبلوماسية لإعادة «الستاتيكو» إلى ما قبل اغتيال هنية وشكر

مناصرون لـ«حزب الله» يرفعون صورة لمسيرات مع شعار «نحن القادرون» خلال إحياء عاشوراء بالشهر الماضي (أ.ب)
مناصرون لـ«حزب الله» يرفعون صورة لمسيرات مع شعار «نحن القادرون» خلال إحياء عاشوراء بالشهر الماضي (أ.ب)
TT

المنطقة مهددة بموجة «ردود متقابلة» تعمّم الاستنزاف وإطالة أمد التوتر

مناصرون لـ«حزب الله» يرفعون صورة لمسيرات مع شعار «نحن القادرون» خلال إحياء عاشوراء بالشهر الماضي (أ.ب)
مناصرون لـ«حزب الله» يرفعون صورة لمسيرات مع شعار «نحن القادرون» خلال إحياء عاشوراء بالشهر الماضي (أ.ب)

تنشط الاتصالات الدبلوماسية الغربية مع لبنان؛ بهدف فرض ميزان جديد للتصعيد القائم يجنب المنطقة الانزلاق إلى حرب موسعة، من غير أن تلغي الهواجس من موجة من الردود والردود المقابلة التي تتوقف عند حجم الرد الإيراني على اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية في طهران، ورد «حزب الله» المرتقب على اغتيال القيادي العسكري في الحزب فؤاد شكر بضاحية بيروت الجنوبية.

وتنذر الردود، وما يمكن أن يقابلها من ردود إسرائيلية، بإدخال المنطقة في موجة من التوتر المتواصل، وإدخال القوى المتصارعة في معركة استنزاف طويلة الأمد، فضلاً عن المخاوف من الانزلاق إلى حرب واسعة. ولهذه الغاية، نشطت الحركة الدبلوماسية الغربي الساعية إلى «إنهاء موجة التوتر الأخيرة، وإعادة الستاتيكو إلى ما كان عليه قبل الاغتيالين الإسرائيليين في الضاحية وطهران»، حسبما تقول مصادر لبنانية مواكبة للاتصالات الجارية لـ«الشرق الأوسط»، وذلك «تمهيداً لمنح الدبلوماسية الدولية فرصة لإنهاء الحرب في غزة، وتالياً إنهاء الحرب في جنوب لبنان والبحر الأحمر». وتشير إلى أن الاستنفار لتطويق التوتر «يهدف إلى إخماد فرص تمدد الحرب، ومنع إنشاء بؤرة توتر خطيرة تهدد بإشعال المنطقة».

ودفع «حزب الله» برسائل تهدئة، بالحديث عن «عقلانية» في «الرد القوي والمؤثر»، استُتبعت برسائل إعلامية أخرى تتحدث عن عدم إهمال الحزب لمصالح لبنان واللبنانيين، جراء الرد الذي ينفذه، فيما ساهم التأخير الإيراني في رده، بدفع رسائل تصب في الخانة نفسها، بالتزامن مع مؤشرات أميركية جدية حول التدخل، تتمثل في التحشيد العسكري في المنطقة، والتنسيق بين واشنطن وتل أبيب، وليس آخرها زيارة قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي (سنتكوم) مايكل كوريلا، إلى تل أبيب، الخميس.

لوحة إعلانية في بيروت تجمع صور قاسم سليماني وفؤاد شكر وإسماعيل هنية وتتوعد بالرد على اغتيالهم (رويترز)

تراجع حدة الاستقطاب

وبدا أن الاتصالات الدبلوماسية والحشود العسكرية نجحت إلى حد ما في تطويق التصعيد، وذلك «لرغبة أميركية بعدم الانزلاق إلى الحرب، ورغبة إيرانية بعدم منح رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية بنيامين نتنياهو فرصة توريط واشنطن في معركة تحاول الإدارة الأميركية منذ 10 أشهر تجنبها قبل الانتخابات الرئاسية»، حسبما يقول رئيس مركز «الشرق الأوسط للدراسات» الدكتور هشام جابر، مضيفاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «كل يوم يمر، يتراجع التوتر، وتسلك قنبلة الرد طريق التنفيس»، مشيراً إلى أنه «لا يمكن الحسم بطبيعة الرد الإيراني إذا حصل، لكن التقديرات تشير إلى أنه سيكون رداً محدوداً جداً، ومحاولة لتجنب رد إسرائيلي قد يكون خارجاً عن المألوف».

ويعرب جابر عن اعتقاده بأن المساعي الدبلوماسية تسعى لتفويت الفرصة على نتنياهو لجر المنطقة إلى حرب «لا تريدها طهران ولا واشنطن ولا الدول الأوروبية، بالنظر إلى أن جميع الأطراف لا تحتمل حرباً إقليمية في هذا الوقت»، مستنداً إلى أن «الحرب على لبنان تختلف عن الحرب على غزة، فأي تدهور في لبنان يمكن أن يجر إلى مواجهات في الإقليم». وعليه، يرى أن كل الأمور «تتوقف على طبيعة الرد، وأنا على قناعة بأن رد إيران و(حزب الله) سيكون محدوداً».

عنصر في الصليب الأحمر اللبناني يركض جانب سيارة قيادي بـ«حماس» اغتالته مسيرة إسرائيلية بمدينة صيدا بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

رد تحت سقف الضوابط

وفيما ينظر جابر، وهو عميد متقاعد من الجيش اللبناني، إلى الحشود الأميركية في المنطقة على أنها «عرض قوة ورسالة ردع وتأكيد على الاستعدادات للتعامل مع أي طارئ»، يشير إلى أن الردود تحت سقف الضوابط «من شأنها أن تجنب المنطقة موجة من الردود المتبادلة»، ويشرح: «من تداعيات الردود المتبادلة أنها تزيد حدة التوتر والاستقطاب، وتقرب المسافات نحو التدهور، وتدخل المنطقة في معركة تسجيل نقاط»، وتالياً «تمدد فترة التوتر، وتستنزف الجميع من كل النواحي»، ويرى أن الحل الوحيد لتجنب هذه المرحلة «يتمثل في أن تكون الردود مدروسة».

ردّ هزيل... أو لا ردّ

وبينما يؤكد «حزب الله» وإيران حتمية «الرد القوي»، لا يرى النائب السابق بالبرلمان اللبناني والعميد المتقاعد وهبة قاطيشا، أن المنطقة ستذهب إلى موجة ردود متقابلة، لأن أصل الرد الإيراني، في حال حدوثه، «لن يستدرج ردوداً مقابلة». ويوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «احتمالات الرد الإيراني على اغتيال هنية ضعيفة، فإذا ردت دون أن توجع إسرائيل، فستفقد مصداقيتها، وإذا أوجعت إسرائيل، فإنها ستستدرج رداً إسرائيلياً كبيراً سيقضي على إنجازات النظام، خصوصاً أن تل أبيب تتحين فرصة لضرب المنشآت النووية الإيرانية ومصانع السلاح»، لذلك، يرى قاطيشا أن إيران «تستجلب الدبلوماسية لحل المشكلة» في إشارة إلى التصريحات المؤيدة لإنهاء الحرب في غزة.

وكان «الحرس الثوري» الإيراني قد أعلن قبل يومين عن مناورة عسكرية بعد نحو أسبوع على اغتيال هنية، وينظر قاطيشا إلى هذه المناورة بوصفها «محاولة لاستدراج الأميركيين للقيام بجهد دبلوماسي، ولمخاطبة الداخل الإيراني»، مستنداً إلى أنه «في العلوم العسكرية، لا يمكن إجراء مناورة في زمن الحرب»، وعليه يعرب عن اعتقاده بأن طهران «لن تقوم بالرد، وإذا نفذته، فإنه سيكون رداً هزيلاً».

احتفاظ بحق الرد

وينسحب هذا التقدير على رد «حزب الله» المتوقع، ويشير قاطيشا إلى أن «ما فُهم من خطاب أمينه العام حسن نصرالله الأخير، أن الحزب يحتفظ بحق الرد، بعد اغتيال شكر»، مضيفاً أن عدم الرد «يستند إلى تجربة الحزب في حرب تموز 2006، حيث ذهبت إسرائيل إلى تدميرٍ دفع نصرالله للقول إنه لم كان يعلم ردة الفعل تلك، لما شن الحرب»، مضيفاً: «بعد اغتيال القيادي عماد مغنية، تحدث عن بداية نهاية إسرائيل، أما الآن، فإنه تحدث عن رد مدروس، ما يعني أنه يدرك حجم الرد الإسرائيلي على رده، لذلك لن يقوم بردّ متناسب مع حجم الاستهداف».

أرشيفية لعناصر من «حزب الله» خلال مناورة عسكرية في 2023 (أ.ب)

ويتوقع قاطيشا الرد بعشرات الصواريخ التي «لن توجع إسرائيل، وتحفظ ماء الوجه أمام بيئته، بطريقة تشبه الرد على اغتيال القيادي بـ(حماس) صالح العاروري في الضاحية الجنوبية؛ وذلك لأن إسرائيل أوصلت رسائل ميدانية متعددة مثل جدارات الصوت فوق الضاحية، والاغتيالات التي تنفذها منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول)، مما يكشف حجم الهوة العسكرية والتكنولوجية بين الطرفين». أما عن تداعي الغرب لتطويق أي ردود فعل، فيقول قاطيشا إن «الغرب يكره الحروب لذلك يتحرك».

ويذهب قاطيشا إلى التأويل السياسي للتطورات القائمة، ويقول إن «إيران لا تريد محاربة إسرائيل، بل تسعى لأن تناور للسيطرة على الشرق الأوسط والتحول إلى دولة نووية عبر حمل شعار القضية الفلسطينية، فيما تضحي بأذرعها وتقطف هي النتائج السياسية»، متهماً «حزب الله» في لبنان «بالمضي في نفس الخط للسيطرة على لبنان وتغيير وجهه». وعليه، يرى أن المخاوف من حرب واسعة «هي مجرد تهويل لأن الرد لن يتعدى حفظ ماء الوجه، بدليل أن إسرائيل تستفزهم لردود، بينما هم يتحاشون الحرب».


مقالات ذات صلة

مزارعو التبغ في جنوب لبنان يخسرون مصدر عيشهم بفعل الحرب

المشرق العربي مزارع تبغ في جنوب لبنان يشرف على تجفيف الأوراق تمهيداً لتوضيبها (الشرق الأوسط)

مزارعو التبغ في جنوب لبنان يخسرون مصدر عيشهم بفعل الحرب

اثنان فقط من أصل 885 مزارعاً للتبغ في بلدة عيترون الحدودية في جنوب لبنان، تمكّنوا من زراعة أراضيهم هذا العام بسبب القصف الإسرائيلي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مستقبلاً وزير الخارجية عبد الله بوحبيب (رئاسة الحكومة)

لبنان يقابل تهديدات غالانت بدعم جهود استئناف مفاوضات غزة

أعلنت الحكومة اللبنانية عن تأييدها لمضمون البيان المشترك لقادة الولايات المتحدة الأميركية ومصر وقطر.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي هينيس - بلاسخارت تتوسط وفداً من نواب قوى المعارضة (المركزية)

المعارضة اللبنانية ترفض إدخال لبنان في الحرب الدائرة

أبلغ نواب في المعارضة اللبنانية، الأمم المتحدة، رفضهم إدخال لبنان في الحرب الدائرة وتمسكهم بتطبيق القرار الأممي «1701».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد جراء القصف الإسرائيلي على قرية كفركلا جنوب لبنان (إ.ب.أ)

لبنان: تصعيد إسرائيل هدفه تعطيل مبادرة بايدن لوقف إطلاق النار في غزة

أكد وزير الخارجية والمغتربين اللبناني، عبد الله بو حبيب، الخميس، أن تصعيد إسرائيل الخطير في لبنان وإيران وعدوانها المستمر على غزة هدفه تعطيل مبادرة بايدن.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي دخان كثيف يتصاعد جراء غارة جوية إسرائيلية فوق قرية كفركلا الحدودية جنوب لبنان (د.ب.أ)

3 جرحى في قصف إسرائيلي على جنوب لبنان

أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، اليوم (الخميس)، إصابة 3 أشخاص في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

فشل الوساطة الروسية لمنع التصعيد في شرق سوريا

فشل المفاوضات لتهدئة التصعيد في شرق سوريا (موقع فرات بوست)
فشل المفاوضات لتهدئة التصعيد في شرق سوريا (موقع فرات بوست)
TT

فشل الوساطة الروسية لمنع التصعيد في شرق سوريا

فشل المفاوضات لتهدئة التصعيد في شرق سوريا (موقع فرات بوست)
فشل المفاوضات لتهدئة التصعيد في شرق سوريا (موقع فرات بوست)

فشلت الوساطة الروسية لتهدئة التصعيد بين قوات العشائر المدعومة من دمشق و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) شرق سوريا، وقالت مصادر محلية في دير الزور إن قيادات روسية تحاورت مع قيادات في «قوات سوريا الديمقراطية» في مدينة القامشلي لتهدئة الأوضاع، وطلب الجانب الروسي فك الحصار عن المربعات الأمنية التابعة لحكومة دمشق في مدينتي الحسكة والقامشلي، التي تم إغلاق الطرق اليها مع انفجار التوتر قبل ثلاثة أيام، وفي المقابل طلبت «قسد» وقف تجاوزات القوات الحكومية والاعتداء على نقاط «قوات سوريا الديمقراطية» العسكرية، إلا أن المفاوضات الروسية لم تفضِ إلى نتائج.

وحسب المصادر، فإن «السبب هو انحياز الوساطة الروسية إلى جانب دمشق» وعدم رغبة دمشق بوقف هجمات قوات العشائر.

إلا أن صحيفة «الوطن» السورية المقربة من الحكومة أفادت بأن سبب عدم توصل مفاوضات الوساطة الروسية بين دمشق و«قسد» هو وضع «قسد» شروطاً «لا يمكن تحقيقها» ورفض ممثلي الجهات الحكومية لتلك الشروط.

وحسب «الوطن»، أجرى قائد القوات الروسية في سوريا، الفريق سيرغي كيسيل، مباحثات مطولة في القاعدة الروسية داخل مطار القامشلي.

وكالة «سبوتنيك» الروسية نقلت عن الفريق كيسيل قوله إنه التقى مظلوم عبدي، قائد «قسد»، في وساطة لإنهاء حصار «قسد» للمربعات الأمنية داخل مدينتي الحسكة والقامشلي ووقف التصعيد في دير الزور.

وتتبادل دمشق و«قسد» الاتهامات بقطع شبكات المياه وإقفال مخازن الطحين للتضييق على المدنيين في المربعات الأمنية التي تسيطر عليها دمشق داخل مدينتي الحسكة والقامشلي، وقامت «قسد» بإغلاق الطرق المؤدية إليها.

وقالت صحيفة «الوطن» إن «اشتباكات عنيفة يخوضها مقاتلو العشائر العربية مع قوات (قسد) من خلال هجومهم على حواجز ونقاط الميليشيات العسكرية لـ(قسد) في بلدات ذيبان والحوايج والبصيرة بريف دير الزور الشرقي».

وتحدث موقع «فرات بوست» عن تمكن «قسد» من السيطرة على قريتي المجيبرة فوقاني وتحتاني في محيط جبل كوكب بعد اشتباكات مع القوات الحكومية والميليشيات الرديفة لها دامت عدة ساعات فجر السبت.

وتعد دمشق هجمات ما يسمى «قوات العشائر» على «قسد» احتجاجات شعبية رافضة للمشاريع الانفصالية. وقالت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) إن فعاليات «اجتماعية وشعبية» في مدينة الحسكة نفذت مساء الجمعة «وقفة احتجاجية رفضاً لانتهاكات (قسد) الانفصالية المرتبطة بالاحتلال الأميركي». واتهمت «سانا»، «قوات سوريا الديمقراطية»، بـ«منع دخول المواد الغذائية والمياه والطحين لليوم الثالث على التوالي»، وسط فقدان العديد من السلع في المحال التجارية وانقطاع تام لمياه الشرب مع استمرار منع دخول صهاريج المياه إلى مركز المدينة.

وتجددت الاشتباكات يوم السبت على ضفتي نهر الفرات، وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن ضفتي الفرات في ريف دير الزور تشهدان «تصعيداً خطيراً» بين «قسد» من جهة والميليشيات المحلية المدعومة من طهران ودمشق من جهة أخرى، بمساندة ميليشيا «الدفاع الوطني».

وأكد «المرصد» أنه «وسط هذا النزاع المتأجج، يدفع المدنيون الثمن الأكبر»، وحذر من أن النصيب الأوفر من الضحايا والجرحى هو من المدنيين «نتيجة القصف البري المتبادل». وحسب أرقام «المرصد»، قتل خلال الأيام الثلاثة الماضية 14 مدنياً وأصيب نحو 36 آخرين بجراح متفاوتة ضمن مناطق سيطرة «قسد» ومناطق سيطرة القوات الحكومية وإيران في ريف دير الزور.