كواليس اختيار السنوار... اعتبارات داخلية وإقليمية ومع إسرائيل

«حماس» أرادت الرد على اغتيال هنية بـ«أصعب طريقة»

يحيى السنوار خلال المشاركة في مسيرة سابقة لدعم المسجد الأقصى في مدينة غزة (أ.ف.ب)
يحيى السنوار خلال المشاركة في مسيرة سابقة لدعم المسجد الأقصى في مدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

كواليس اختيار السنوار... اعتبارات داخلية وإقليمية ومع إسرائيل

يحيى السنوار خلال المشاركة في مسيرة سابقة لدعم المسجد الأقصى في مدينة غزة (أ.ف.ب)
يحيى السنوار خلال المشاركة في مسيرة سابقة لدعم المسجد الأقصى في مدينة غزة (أ.ف.ب)

قالت مصادر مطلعة على كواليس المشاورات التي انتهت باختيار قائد «حماس» في قطاع غزة، يحيى السنوار، رئيساً للحركة خلفاً لإسماعيل هنية الذي اغتالته إسرائيل في طهران، إن اعتبارات عديدة جاءت بالسنوار إلى رأس هرم الحركة، من بينها رغبته الشخصية في ذلك، وأيضاً اعتذار رئيس المكتب السياسي الأسبق خالد مشعل عن تولي المنصب مرة أخرى، إضافة إلى حسابات لها علاقة بإسرائيل والإقليم وطبيعة المرحلة.

واختارت «حماس» السنوار في اجتماع حاسم عُقد الثلاثاء، وبإجماع كامل بعد لقاءات دارت ليومين لحسم المسألة. وأكدت مصادر لـ«الشرق الأوسط» أن غالبية قيادات «حماس» في الخارج، بمَن فيهم قيادات قطاع غزة والضفة الغربية من أعضاء المكتب السياسي ومجلس الشورى ولجنته التنفيذية التي توجد في لبنان وتركيا قطر ومناطق أخرى، شاركوا جميعاً في الاجتماعات الحاسمة، ووافقوا على اختيار السنوار.

وبحسب المصادر، لم يُطرح اسم السنوار مباشرة بعد اغتيال هنية، وكان التركيز ينصب على تعيين خالد مشعل رئيساً للمكتب السياسي للحركة بشكل مؤقت لحين انتهاء الحرب في قطاع غزة، لكنه اعتذر نتيجة ظروفه الصحية، وبسبب ضغوط (لم تحددها المصادر) متعلقة بالعديد من الملفات والعلاقات الخارجية، في حين أشار البعض إلى أن مشعل أقرب إلى جماعة «الإخوان المسلمين» منه إلى إيران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران (رويترز)

محور إيران

وأوضحت المصادر أنه بعد اعتذار مشعل تم بقوة طرح اسم أبو حسن عمر رئيس مجلس الشورى، ثم تقرر بعد مداولات شاركت فيها غزة، اختيار السنوار. وبحسب مصادر مقربة من «حماس»، فإن اختيار السنوار تم بمعرفته، وأبدى رغبة في تولي المنصب.

وقال أحد المصادر، لـ«الشرق الأوسط»، إن السنوار كان ينوي الترشح أصلاً لرئاسة المكتب السياسي في دورته الجديدة، لكن الحرب فرضت عليه ظروفاً جديدة. واختيار السنوار يعكس تحكم قيادة قطاع غزة في كل المفاصل المهمة داخل «حماس» للدورة الثانية على التوالي، وهي القيادة التي خرج منها هنية ثم السنوار، وعملت بشكل حثيث على ضم «حماس» إلى المحور الذي تقوده إيران.

وقال مصدر آخر إن العلاقة مع إيران كانت في صلب الحسابات التي قادت إلى اختيار السنوار، موضحاً: «لا أتحدث عن ضغوط ولكن عن حسابات داخلية». وإضافة إلى أهمية وقوة غزة، فقد حسمت اعتبارات عديدة أخرى اختيار السنوار.

نتنياهو ووزير دفاعه غالانت (رويترز)

رسائل لإسرائيل

وأوضحت المصادر أن الحركة أرادت إرسال رسائل عدة؛ أولها «رسالة تحدٍّ لإسرائيل، وإظهار الإجماع داخل الحركة بأنه لا توجد خلافات حول أي شيء، بما في ذلك هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الذي يعتبر السنوار عقله المدبر، إلى جانب قائد (القسام) محمد الضيف، وإرجاع القيادة إلى الميدان، والتأكيد على أن (حماس) باقية في موقعها ضمن محور المقاومة» الذي تقوده إيران.

وبحسب المصادر، فإن الاختيار جاء رداً على الاغتيال بشكل رئيسي. وقالت المصادر إن «الرسالة الرئيسية لنتنياهو وإسرائيل، مفادها أن اغتيال هنية، المفاوض المرن الذي قدم الكثير من التنازلات من أجل وقف الحرب، أدى إلى تولي السنوار عدوكم الأول ومشعل الحرب، الذي تعتبرونه الأخطر والأكثر دموية. وإذا تريد حكومة إسرائيل المتطرفة المواصلة في الحرب، فهذا هو الرد».

وأضافت المصادر أن «الملف التفاوضي حول الهدنة أصبح الآن في يد السنوار، وعلى إسرائيل أن تتفاوض معه، شاءت أم أبت». وأكدت المصادر ذاتها أنه «بموازاة اختيار السنوار تقرر استئناف العملية التفاوضية حول وقف إطلاق النار في غزة، بحيث يشرف السنوار شخصياً على ذلك، كما تُرك للسنوار قرار اختيار نائب له».

یحیی السنوار في 28 أكتوبر 2019 (رویترز)

اعتبارات أخرى

أمّا الاعتبارات الأخرى التي أسهمت في اختيار السنوار فهي تتعلق بوضع الحركة في الخارج وعلاقتها بالدول. وقال أحد المصادر إن أحد هذه الاعتبارات «الخروج من أزمة الضغوط الهائلة على قيادة الخارج... الضغوط التي يمارسها الوسطاء من جهة والضغوط على الدول المستضيفة لطرد قيادة الحركة. فإرجاع القرار إلى غزة يخفف هذه الضغوط».

وأضاف المصدر: «كما أن إمكانية اغتيال أي شخص في الخارج يمكن أن تكون أسهل، لذلك فإن اختيار قيادي من داخل غزة أفضل الخيارات لمواجهة الكثير من التحديات التي تواجه الحركة في الخارج. ولا يعرف ما إذا كان اختيار السنوار سيؤدي غرضه، إذ رحبت دول وصمتت دول أخرى، بينما تعهدت إسرائيل بقتله، مستغلة تعيينه لتبرير السيطرة العسكرية على غزة والضفة الغربية».

وبينما اعتبر قائد الجيش الإيراني عبد الرحيم موسوي أن اختيار السنوار يعني أنه «لا أمل للكيان الإسرائيلي بمستقبله»، دعا وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس إلى «تصفية سريعة» للسنوار، وكتب على منصة «إكس» قائلاً إن «تعيين يحيى السنوار على رأس (حماس) خلفاً لإسماعيل هنية، هو سبب إضافي لتصفيته سريعاً ومحو هذه المنظمة من الخريطة».

وأضاف كاتس: «انتخاب السنوار زعيماً لـ(حماس) يجب أن يرسل رسالة واضحة للعالم بأن القضية الفلسطينية أصبحت الآن تحت سيطرة إيران و(حماس) بشكل كامل، وأن عدم التدخل الإسرائيلي في غزة يعني سقوط المنطقة بالكامل تحت سيطرة (حماس). وفي الضفة الغربية، لا يستطيع عباس والسلطة الفلسطينية البقاء إلا بفضل العمليات العسكرية الإسرائيلية المكثفة ضد البنية الأساسية لـ(حماس) و(الجهاد الإسلامي)، التي تدعمها وتروج لها إيران. والحل هو الإدارة الذاتية الفلسطينية في الضفة الغربية، ما يسمح لهم بإدارة حياتهم بأنفسهم. إن إسرائيل لا بد أن تحافظ على سيطرتها على الأمن والشؤون الخارجية لمنع إنشاء معقل آخر للتطرف الإسلامي الإيراني وتمكين الفلسطينيين من إدارة شؤونهم الداخلية، وأي شيء آخر سيؤدي إلى إنشاء بؤرة إيرانية أخرى في المنطقة، وهو ما سينفجر في وجه العالم وكل دول المنطقة. ويجب على العالم أن يرى الواقع كما هو، وأن يدعم إسرائيل، التي تقف حالياً في طليعة المعركة ضد المحور الإيراني والإسلامي المتطرف».

فلسطينيون يتفقدون الدمار الذي لحق بمدينة دير البلح في وسط قطاع غزة بعد قصف إسرائيلي (د.ب.أ)

فرص الهدنة

وغرّد الناطق باسم الجيش الإسرائيلي قائلاً: «لا مكان للسنوار إلا في القبر». أمّا أميركا التي استشاطت غضباً من إسرائيل لاغتيالها هنية، باعتباره كان يقوض مباحثات التهدئة، فلم ترَ أن تعيين السنوار يمسّ بفرص المفاوضات. وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن السنوار «كان ولا يزال صانع القرار الرئيسي فيما يتعلق بإبرام اتفاق وقف إطلاق النار، وعليه الآن أن يقرر بشأن الصفقة».

وعملياً، فإن اختيار السنوار سيبطئ المباحثات لأن التواصل معه معقد ويحتاج إلى أيام. لكن هناك مَن يرى في إسرائيل أنه بغض النظر عن أهداف «حماس»، فقد تورطت تل أبيب بسبب تعيين السنوار على رأس حركة «حماس». وكتب آفي يسخاروف في صحيفة «يديعوت» العبرية أن اختيار السنوار لقيادة «حماس» يظهر أنها اختارت المسار الذي تسلكه منذ بداية الحرب «حركة رجل واحد وبرؤية واحدة».

وأضاف أن «غزة في حالة خراب والذراع العسكرية لـ(حماس) في حالة خراب، والآن أيضاً الذراع السياسية للمنظمة التي انحازت إلى الرجل الذي قاد سكان غزة إلى أكبر كارثة عرفوها منذ النكبة، يتجه إلى أكبر خراب وللهاوية». وكتب إيهود يعاري في «القناة 12» قائلاً إن «الإعلان عن تعيين السنوار في منصب رئيس المكتب السياسي ما هو إلا رمزي، لكن ليس له أي معنى عملي في هذه المرحلة لأن السنوار يواجه صعوبة في التواصل مع بقية القيادات». وأضاف أنه فقط «انتصار للمعسكر الموالي لإيران».


مقالات ذات صلة

البيت الأبيض: التقارير عن انتهاكات بحق سجناء فلسطينيين مقلقة للغاية

الولايات المتحدة​ منظر عام للبيت الأبيض في واشنطن الولايات المتحدة الأميركية 15 يوليو 2021 (رويترز)

البيت الأبيض: التقارير عن انتهاكات بحق سجناء فلسطينيين مقلقة للغاية

قال البيت الأبيض، اليوم الأربعاء، إن التقارير عن اغتصاب وتعذيب وإساءة معاملة السجناء الفلسطينيين من قبل الجيش الإسرائيلي تبعث على القلق الشديد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي القيادي في حركة «حماس» خليل الحية يتحدث في مؤتمر صحافي (رويترز)

مصادر: خليل الحية سيواصل قيادة المفاوضات في ظل قيادة السنوار لـ«حماس»

أعلنت ثلاثة مصادر فلسطينية، من بينها مسؤول في حركة «حماس»، أن القيادي في الحركة خليل الحية سيواصل قيادة المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (غزة)
العالم العربي وليد الخريجي نائب وزير الخارجية السعودي خلال مشاركته في الاجتماع الاستثنائي (الشرق الأوسط)

السعودية: اغتيال هنية انتهاك صارخ لسيادة إيران

جدّدت السعودية دعوتها إلى تكاتف الجهود الدولية وتكثيفها لإيقاف التصعيد في المنطقة، وذلك خلال اجتماع استثنائي عقدته منظمة التعاون الإسلامي، مفتوح العضوية في جدة.

أسماء الغابري (جدة)
المشرق العربي القوات الإسرائيلية تداهم منزلا غرب مدينة جنين بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

إسرائيل تواصل مداهماتها في الضفة الغربية

أعلنت السلطات الفلسطينية أن القوات الإسرائيلية داهمت مخيم بلاطة للاجئين قرب مدينة نابلس، اليوم (الأربعاء)، ودمرت المقر المحلي لحركة «فتح».

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)
شؤون إقليمية تُظهر هذه الصورة الملتقطة من موقع شمال إسرائيل على الحدود مع لبنان تصاعُد الدخان أثناء قصف إسرائيلي جنوب لبنان 6 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

«حزب الله» يستهدف موقع السماقة الإسرائيلي ومقر قيادة الفيلق الشمالي

أعلن «حزب الله» اللبناني في بيان، مساء الأربعاء، أن عناصره استهدفوا موقع السماقة الإسرائيلي بالأسلحة الصاروخية، ومقر قيادة الفيلق الشمالي الإسرائيلي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

إسرائيل تواصل مداهماتها في الضفة الغربية

القوات الإسرائيلية تداهم منزلا غرب مدينة جنين بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
القوات الإسرائيلية تداهم منزلا غرب مدينة جنين بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تواصل مداهماتها في الضفة الغربية

القوات الإسرائيلية تداهم منزلا غرب مدينة جنين بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
القوات الإسرائيلية تداهم منزلا غرب مدينة جنين بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

أعلنت السلطات الفلسطينية أن القوات الإسرائيلية داهمت مخيم بلاطة للاجئين قرب مدينة نابلس، اليوم (الأربعاء)، ودمرت المقر المحلي لحركة «فتح». في حين واصلت قوات الأمن تمشيط الضفة الغربية، وفقاً لوكالة «رويترز».

وسلَّطت أعمال العنف في الضفة الغربية الضوء على الوضع الهش الذي تواجهه إسرائيل في الوقت الذي تستعد فيه لهجوم مرتقب من إيران ووكلائها، بعد اغتيال أحد كبار قادة «حزب الله» في بيروت، ومقتل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، في طهران، الأسبوع الماضي.

ولم تتحدث تقارير عن وقوع إصابات أو قتلى في المداهمة التي وقعت اليوم، والتي جاءت بعد يوم من مقتل 11 فلسطينياً على الأقل في اشتباكات مع قوات أمن نفذت مداهمات حول مدينة جنين، شمال الضفة الغربية.

وقالت حركة «الجهاد» المسلحة الناشطة في المنطقة، إن أربعة فلسطينيين قُتلوا في ضربة بطائرة مسيرة في جنين، بمداهمة، أمس (الثلاثاء)، كانوا أعضاء في جناحها المسلح. بالإضافة إلى ذلك، قالت إن رجلاً قُتل في مدينة طوباس المجاورة بالساعات الأولى من صباح اليوم كان أيضاً عضواً في جناحها المسلَّح.

وأفاد سكان بأن مجموعات من المستوطنين اليهود اقتحمت الليلة الماضية قرية فلسطينية قرب نابلس ودمرت ممتلكات، لكنها لم تتسبب في وقوع إصابات.

ونفذت القوات الإسرائيلية مداهمات متكررة في الضفة الغربية منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، واعتقلت آلاف المشتبه بهم، وكثيراً ما اشتبكت مع مقاتلين مسلحين من الفصائل المسلحة، ومنها «حماس» و«فتح» و«الجهاد».

وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن 620 فلسطينياً قُتلوا بالضفة الغربية والقدس الشرقية منذ بدء الحرب في غزة، وإن الرقم يشمل 145 من القُصَّر والنساء.