كواليس اختيار السنوار... اعتبارات داخلية وإقليمية ومع إسرائيل

«حماس» أرادت الرد على اغتيال هنية بـ«أصعب طريقة»

يحيى السنوار خلال المشاركة في مسيرة سابقة لدعم المسجد الأقصى في مدينة غزة (أ.ف.ب)
يحيى السنوار خلال المشاركة في مسيرة سابقة لدعم المسجد الأقصى في مدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

كواليس اختيار السنوار... اعتبارات داخلية وإقليمية ومع إسرائيل

يحيى السنوار خلال المشاركة في مسيرة سابقة لدعم المسجد الأقصى في مدينة غزة (أ.ف.ب)
يحيى السنوار خلال المشاركة في مسيرة سابقة لدعم المسجد الأقصى في مدينة غزة (أ.ف.ب)

قالت مصادر مطلعة على كواليس المشاورات التي انتهت باختيار قائد «حماس» في قطاع غزة، يحيى السنوار، رئيساً للحركة خلفاً لإسماعيل هنية الذي اغتالته إسرائيل في طهران، إن اعتبارات عديدة جاءت بالسنوار إلى رأس هرم الحركة، من بينها رغبته الشخصية في ذلك، وأيضاً اعتذار رئيس المكتب السياسي الأسبق خالد مشعل عن تولي المنصب مرة أخرى، إضافة إلى حسابات لها علاقة بإسرائيل والإقليم وطبيعة المرحلة.

واختارت «حماس» السنوار في اجتماع حاسم عُقد الثلاثاء، وبإجماع كامل بعد لقاءات دارت ليومين لحسم المسألة. وأكدت مصادر لـ«الشرق الأوسط» أن غالبية قيادات «حماس» في الخارج، بمَن فيهم قيادات قطاع غزة والضفة الغربية من أعضاء المكتب السياسي ومجلس الشورى ولجنته التنفيذية التي توجد في لبنان وتركيا قطر ومناطق أخرى، شاركوا جميعاً في الاجتماعات الحاسمة، ووافقوا على اختيار السنوار.

وبحسب المصادر، لم يُطرح اسم السنوار مباشرة بعد اغتيال هنية، وكان التركيز ينصب على تعيين خالد مشعل رئيساً للمكتب السياسي للحركة بشكل مؤقت لحين انتهاء الحرب في قطاع غزة، لكنه اعتذر نتيجة ظروفه الصحية، وبسبب ضغوط (لم تحددها المصادر) متعلقة بالعديد من الملفات والعلاقات الخارجية، في حين أشار البعض إلى أن مشعل أقرب إلى جماعة «الإخوان المسلمين» منه إلى إيران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران (رويترز)

محور إيران

وأوضحت المصادر أنه بعد اعتذار مشعل تم بقوة طرح اسم أبو حسن عمر رئيس مجلس الشورى، ثم تقرر بعد مداولات شاركت فيها غزة، اختيار السنوار. وبحسب مصادر مقربة من «حماس»، فإن اختيار السنوار تم بمعرفته، وأبدى رغبة في تولي المنصب.

وقال أحد المصادر، لـ«الشرق الأوسط»، إن السنوار كان ينوي الترشح أصلاً لرئاسة المكتب السياسي في دورته الجديدة، لكن الحرب فرضت عليه ظروفاً جديدة. واختيار السنوار يعكس تحكم قيادة قطاع غزة في كل المفاصل المهمة داخل «حماس» للدورة الثانية على التوالي، وهي القيادة التي خرج منها هنية ثم السنوار، وعملت بشكل حثيث على ضم «حماس» إلى المحور الذي تقوده إيران.

وقال مصدر آخر إن العلاقة مع إيران كانت في صلب الحسابات التي قادت إلى اختيار السنوار، موضحاً: «لا أتحدث عن ضغوط ولكن عن حسابات داخلية». وإضافة إلى أهمية وقوة غزة، فقد حسمت اعتبارات عديدة أخرى اختيار السنوار.

نتنياهو ووزير دفاعه غالانت (رويترز)

رسائل لإسرائيل

وأوضحت المصادر أن الحركة أرادت إرسال رسائل عدة؛ أولها «رسالة تحدٍّ لإسرائيل، وإظهار الإجماع داخل الحركة بأنه لا توجد خلافات حول أي شيء، بما في ذلك هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الذي يعتبر السنوار عقله المدبر، إلى جانب قائد (القسام) محمد الضيف، وإرجاع القيادة إلى الميدان، والتأكيد على أن (حماس) باقية في موقعها ضمن محور المقاومة» الذي تقوده إيران.

وبحسب المصادر، فإن الاختيار جاء رداً على الاغتيال بشكل رئيسي. وقالت المصادر إن «الرسالة الرئيسية لنتنياهو وإسرائيل، مفادها أن اغتيال هنية، المفاوض المرن الذي قدم الكثير من التنازلات من أجل وقف الحرب، أدى إلى تولي السنوار عدوكم الأول ومشعل الحرب، الذي تعتبرونه الأخطر والأكثر دموية. وإذا تريد حكومة إسرائيل المتطرفة المواصلة في الحرب، فهذا هو الرد».

وأضافت المصادر أن «الملف التفاوضي حول الهدنة أصبح الآن في يد السنوار، وعلى إسرائيل أن تتفاوض معه، شاءت أم أبت». وأكدت المصادر ذاتها أنه «بموازاة اختيار السنوار تقرر استئناف العملية التفاوضية حول وقف إطلاق النار في غزة، بحيث يشرف السنوار شخصياً على ذلك، كما تُرك للسنوار قرار اختيار نائب له».

یحیی السنوار في 28 أكتوبر 2019 (رویترز)

اعتبارات أخرى

أمّا الاعتبارات الأخرى التي أسهمت في اختيار السنوار فهي تتعلق بوضع الحركة في الخارج وعلاقتها بالدول. وقال أحد المصادر إن أحد هذه الاعتبارات «الخروج من أزمة الضغوط الهائلة على قيادة الخارج... الضغوط التي يمارسها الوسطاء من جهة والضغوط على الدول المستضيفة لطرد قيادة الحركة. فإرجاع القرار إلى غزة يخفف هذه الضغوط».

وأضاف المصدر: «كما أن إمكانية اغتيال أي شخص في الخارج يمكن أن تكون أسهل، لذلك فإن اختيار قيادي من داخل غزة أفضل الخيارات لمواجهة الكثير من التحديات التي تواجه الحركة في الخارج. ولا يعرف ما إذا كان اختيار السنوار سيؤدي غرضه، إذ رحبت دول وصمتت دول أخرى، بينما تعهدت إسرائيل بقتله، مستغلة تعيينه لتبرير السيطرة العسكرية على غزة والضفة الغربية».

وبينما اعتبر قائد الجيش الإيراني عبد الرحيم موسوي أن اختيار السنوار يعني أنه «لا أمل للكيان الإسرائيلي بمستقبله»، دعا وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس إلى «تصفية سريعة» للسنوار، وكتب على منصة «إكس» قائلاً إن «تعيين يحيى السنوار على رأس (حماس) خلفاً لإسماعيل هنية، هو سبب إضافي لتصفيته سريعاً ومحو هذه المنظمة من الخريطة».

وأضاف كاتس: «انتخاب السنوار زعيماً لـ(حماس) يجب أن يرسل رسالة واضحة للعالم بأن القضية الفلسطينية أصبحت الآن تحت سيطرة إيران و(حماس) بشكل كامل، وأن عدم التدخل الإسرائيلي في غزة يعني سقوط المنطقة بالكامل تحت سيطرة (حماس). وفي الضفة الغربية، لا يستطيع عباس والسلطة الفلسطينية البقاء إلا بفضل العمليات العسكرية الإسرائيلية المكثفة ضد البنية الأساسية لـ(حماس) و(الجهاد الإسلامي)، التي تدعمها وتروج لها إيران. والحل هو الإدارة الذاتية الفلسطينية في الضفة الغربية، ما يسمح لهم بإدارة حياتهم بأنفسهم. إن إسرائيل لا بد أن تحافظ على سيطرتها على الأمن والشؤون الخارجية لمنع إنشاء معقل آخر للتطرف الإسلامي الإيراني وتمكين الفلسطينيين من إدارة شؤونهم الداخلية، وأي شيء آخر سيؤدي إلى إنشاء بؤرة إيرانية أخرى في المنطقة، وهو ما سينفجر في وجه العالم وكل دول المنطقة. ويجب على العالم أن يرى الواقع كما هو، وأن يدعم إسرائيل، التي تقف حالياً في طليعة المعركة ضد المحور الإيراني والإسلامي المتطرف».

فلسطينيون يتفقدون الدمار الذي لحق بمدينة دير البلح في وسط قطاع غزة بعد قصف إسرائيلي (د.ب.أ)

فرص الهدنة

وغرّد الناطق باسم الجيش الإسرائيلي قائلاً: «لا مكان للسنوار إلا في القبر». أمّا أميركا التي استشاطت غضباً من إسرائيل لاغتيالها هنية، باعتباره كان يقوض مباحثات التهدئة، فلم ترَ أن تعيين السنوار يمسّ بفرص المفاوضات. وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن السنوار «كان ولا يزال صانع القرار الرئيسي فيما يتعلق بإبرام اتفاق وقف إطلاق النار، وعليه الآن أن يقرر بشأن الصفقة».

وعملياً، فإن اختيار السنوار سيبطئ المباحثات لأن التواصل معه معقد ويحتاج إلى أيام. لكن هناك مَن يرى في إسرائيل أنه بغض النظر عن أهداف «حماس»، فقد تورطت تل أبيب بسبب تعيين السنوار على رأس حركة «حماس». وكتب آفي يسخاروف في صحيفة «يديعوت» العبرية أن اختيار السنوار لقيادة «حماس» يظهر أنها اختارت المسار الذي تسلكه منذ بداية الحرب «حركة رجل واحد وبرؤية واحدة».

وأضاف أن «غزة في حالة خراب والذراع العسكرية لـ(حماس) في حالة خراب، والآن أيضاً الذراع السياسية للمنظمة التي انحازت إلى الرجل الذي قاد سكان غزة إلى أكبر كارثة عرفوها منذ النكبة، يتجه إلى أكبر خراب وللهاوية». وكتب إيهود يعاري في «القناة 12» قائلاً إن «الإعلان عن تعيين السنوار في منصب رئيس المكتب السياسي ما هو إلا رمزي، لكن ليس له أي معنى عملي في هذه المرحلة لأن السنوار يواجه صعوبة في التواصل مع بقية القيادات». وأضاف أنه فقط «انتصار للمعسكر الموالي لإيران».


مقالات ذات صلة

لأول مرة في تاريخ إسرائيل... عدد الأكاديميين المهاجرين أكبر من القادمين

شؤون إقليمية موظف في مطار بن غوريون الدولي يجلس في صالة الوصول في يونيو 2025 (رويترز)

لأول مرة في تاريخ إسرائيل... عدد الأكاديميين المهاجرين أكبر من القادمين

كشفت معطيات «دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية» عن أن هجرة الأدمغة تتفاقم بشكل كبير منذ اندلاع الحرب على غزة، وبلغت حداً يشكل تهديداً استراتيجياً.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الخليج شددت منظمة التعاون الإسلامي على أن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من أرض دولة فلسطين (واس)

تحذير إسلامي من خطورة استمرار جرائم إسرائيل في الضفة

شددت منظمة التعاون الإسلامي، الأربعاء، على رفضها وإدانتها لأي محاولات لتهجير أبناء الشعب الفلسطيني، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية.

«الشرق الأوسط» (جدة)
المشرق العربي رأفت علوان (32 عاماً) على اليمين وعائلته يقفون خارج خيمتهم بينما ملابسهم ملقاة على غطاء بلاستيكي لتجف في مخيم مؤقت للنازحين الفلسطينيين أقيم على الشاطئ خلال صباح بارد في مدينة غزة (أ.ب) play-circle

وفاة 17 فلسطينياً بينهم 4 أطفال جراء المنخفضات الجوية في غزة

أعلن المتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزة، محمود بصل، أن أكثر من 17 بناية سكنية انهارت بشكل كامل منذ بدء المنخفضات الجوية في القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة )
تحليل إخباري قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير (أ.ب) play-circle

تحليل إخباري ضغوط على قائد الجيش الباكستاني بسبب «قوة غزة»

يواجه قائد جيش باكستان، الأقوى منذ عقود، أصعب اختبار لصلاحياته المكتسبة حديثاً، في ظل ضغوط واشنطن على إسلام آباد للإسهام بقوات في «قوة تحقيق الاستقرار» بغزة.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
المشرق العربي موجة أمطار جديدة تُغرق شوارع غزة المنكوبة play-circle 02:43

موجة أمطار جديدة تُغرق شوارع غزة المنكوبة

أجبرت الأمطار الغزيرة بعض السكان على دفع سياراتهم في شوارع قطاع غزة المغمورة بالمياه، بينما لجأ آخرون إلى عربات تجرّها الحمير لعبور السيول.

«الشرق الأوسط» (غزة)

الجيش اللبناني يعثر على نفق لـ«حزب الله» في الجنوب

خلال معاينة دبلوماسيين نفقاً لـ«حزب الله» حيّده الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني (مديرية التوجيه)
خلال معاينة دبلوماسيين نفقاً لـ«حزب الله» حيّده الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني (مديرية التوجيه)
TT

الجيش اللبناني يعثر على نفق لـ«حزب الله» في الجنوب

خلال معاينة دبلوماسيين نفقاً لـ«حزب الله» حيّده الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني (مديرية التوجيه)
خلال معاينة دبلوماسيين نفقاً لـ«حزب الله» حيّده الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني (مديرية التوجيه)

عثر الجيش اللبناني على أحد الأنفاق التي بناها «حزب الله» في بلدة تولين بجنوب لبنان، إثر كشف قام به بناء على طلب من لجنة «الميكانيزم» مستخدماً الحفارات، وفق وسائل إعلام لبنانية أشارت إلى أن الموقع كان قد تعرّض لقصف إسرائيلي قبل ذلك.

وهي ليست المرة الأولى التي يقوم بها الجيش اللبناني بالكشف عن مواقع بناء على طلب لجنة «الميكانيزم» أو إثر تهديد إسرائيلي، في إطار التنسيق بين المؤسسة العسكرية ولجنة الإشراف على اتفاق وقف الأعمال العدائية (ميكانيزم) وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل). وحصل هذا الأمر الأسبوع الماضي مع إجراء الجيش اللبناني تفتيشاً دقيقاً لأحد المباني في بلدة يانوح الجنوبية، إثر تهديد إسرائيل بقصف المنزل، حيث لم يتم العثور على أسلحة. وأعلن الجيش الإسرائيلي إثر انتشار الجيش اللبناني أنه علق في شكل مؤقت الضربة التي كان قد هدد بها على ما اعتبره بنية تحتية عسكرية تابعة لـ«حزب الله» في البلدة.

ويأتي ذلك في وقت استمر فيه القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان حيث استهدفت غارة، الأربعاء، بلدة كفركلا. وأعلنت «الوكالة الوطنية للإعلام» (الرسمية) أن الغارة استهدفت تلة ساري بين محلتي العزية والشخروب، من دون الإشارة إلى وقوع إصابات.

متري: الجيش اللبناني جاهز للانتقال إلى مراحل لاحقة

ووصف نائب رئيس الحكومة طارق متري، لجنة الـ«ميكانيزم» بـ«مساحة نقاش وإطار للإشراف والتحقق من احترام الاتفاقات»، مؤكداً التزام لبنان بها منذ اليوم الأول، في مقابل استمرار الخروقات الإسرائيلية.

وفيما يتعلق بسلاح «حزب الله»، قال متري خلال مشاركته في افتتاح الجلسة الأولى من المؤتمر الثامن لمركز كارنيغي - الشرق الأوسط، في بيروت: «إن قائد الجيش العماد رودولف هيكل اقترح خطة من خمس مراحل، تنطلق من تعزيز قدرات الجيش»، مؤكداً أن «بسط سلطة الدولة في المنطقة المحيطة بالليطاني يشهد تقدماً تدريجياً، مع اقتراب الجيش من إنهاء مهمته جنوب (نهر) الليطاني تمهيداً للانتقال إلى مراحل لاحقة».

عناصر من الجيش اللبناني يقفون على آلية عسكرية في بلدة علما الشعب الحدودية يوم 28 نوفمبر الماضي (رويترز)

وعن إعادة الإعمار، أوضح متري أن المجتمع الدولي يشترط بسط سلطة الدولة مدخلاً أساسياً للدعم، معرباً عن أمله في أن تلعب الدول العربية دوراً داعماً عبر علاقاتها الدولية.

الجلسة الثانية بمشاركة مدنيين من لبنان وإسرائيل

ويأتي ذلك قبل يومين من جلسة جديدة للجنة «الميكانيزم»، المكلفة مراقبة وقف إطلاق النار، مقررة في 19 ديسمبر (كانون الأول)، وهي الجلسة الثانية التي سيشارك فيها رئيس الوفد اللبناني، السفير سيمون كرم، بعد مشاركته مع مدني إسرائيلي في الجلسة السابقة مطلع ديسمبر الحالي، في أول محادثات مباشرة بين البلدين. وكان رئيس الجمهورية جوزيف عون قد التقى كرم، الأربعاء، وزوّده بتوجيهاته عشية الاجتماع المقبل للجنة.

وتضمّ لجنة مراقبة وقف إطلاق النار كلاً من لبنان وإسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة والأمم المتحدة. ونصّ اتفاق وقف إطلاق النار على وقف الأعمال القتالية وانسحاب «حزب الله» إلى شمال نهر الليطاني، وصولاً إلى نزع سلاحه في كل لبنان، وعلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من المواقع التي تقدّم إليها خلال الحرب الأخيرة. إلا أن إسرائيل تُبقي على وجودها في خمسة مواقع استراتيجية داخل الأراضي اللبنانية، بينما يرفض «حزب الله» نزع سلاحه.


لبنان: جلسة تشريع تصطدم مجدداً بـ«فيتو» قانون الانتخابات

البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)
البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)
TT

لبنان: جلسة تشريع تصطدم مجدداً بـ«فيتو» قانون الانتخابات

البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)
البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)

على وقع الانقسام السياسي الحاد، يعقد مجلس النواب اللبناني، الخميس، جلسة تشريعية حسّاسة، ليس بسبب القوانين المدرجة على جدول أعمالها، بل بفعل تغييب مشروع قانون قدّمته الحكومة واقتراح قانون معجل مكرر قدمته كتل نيابية لتعديل قانون الانتخابات النيابية، وهو ما فجّر مواجهة مفتوحة بين رئيس المجلس نبيه بري، الساعي إلى تأمين النصاب وتمرير ما يعدها «قوانين ملحّة»، وبين كتل نيابية وازنة أعلنت المقاطعة احتجاجاً على تهميش مطلبها بتعديل قانون الانتخاب الذي تعده مدخلاً لأي إصلاح حقيقي.

ومن المقرر أن تنعقد الجلسة التشريعية عند الساعة الحادية عشرة قبل ظهر الخميس، وعلى جدول أعمالها 17 مشروع قانون واقتراح قانون أبرزها «الموافقة على إبرام اتفاقية قرض البنك الدولي للبنان» بقيمة 250 مليون دولار مخصصة لإعمار جزء مما هدمته إسرائيل في حربها الأخيرة على لبنان. بالإضافة إلى اقتراح قانون يُعفي المتضررين من الاعتداءات الإسرائيلية من ضرائب ورسوم، وتعليق المهل المتعلقة بالحقوق والواجبات الضريبية، ومعالجة العقارات وأقسامها المهدمة جراء الحرب.

وغيّب رئيس المجلس عن الجلسة التشريعية مشروع القانون المعجّل الذي أحالته الحكومة الرامي إلى تعديل قانون الانتخاب، لا سيما إلغاء ما تُعرف بـ«الدائرة 16» التي تخصص ستة مقاعد نيابية لتمثيل المغتربين في قارات العالم. كما رفض إدراج اقتراح القانون المعجل المكرر الذي تقدّم به عدد من النواب لإلغاء المقاعد الستة التي تمثل الاغتراب والسماح للمغتربين بالتصويت لـ128 نائباً في أماكن إقامتهم.

رئيس البرلمان نبيه بري (رئاسة البرلمان)

ويخوض برّي معركة سياسية شرسة لتأمين النصاب القانوني للجلسة التشريعية لتمرير القوانين التي يستعجل إقرارها، في حين تعمل الكتل المقاطعة للجلسة على فقدان النصاب وكسب «معركة تطييرها» مرّة جديدة، للضغط على رئيس المجلس لتغيير موقفه من قانون الانتخاب. وترى هذه الكتل أن تغييب قانون الانتخابات ليس تفصيلاً تقنياً بل خيار سياسي مقصود، وترى أن الإصرار على تشريع مجتزأ يعيد إنتاج المنظومة نفسها، ويمنح غطاءً سياسياً لاستمرار النهج القائم. ويبدو أن رهان برّي على تأمين النصاب تحقق، عبر إعلان كتلة «الاعتدال الوطني»، (تكتل نيابي يضم عدداً من النواب المستقلين غالبيتهم من شمال لبنان)، مشاركتها في الجلسة. وقالت الكتلة في بيان أصدرته بعد الاجتماع الاستثنائي الذي عقدته مساء الأربعاء، إنها «قاطعت الجلسة السابقة لإعطاء فرصة وإبرام تسوية تتعلق بقانون الانتخابات، لكن للأسف لم تصل إلى النتائج المرجوة». ورأت أن الاستمرار في التعطيل «يحمّل البلد تبعات تعطيل قوانين تهم المواطنين». وإذ أعلنت مشاركتها في الجلسة جددت مطالبتها برّي بـ«إدراج مشروع قانون الانتخابات على جدول الجلسة».

وعلمت «الشرق الأوسط» أن نقاشاً مستفيضاً ساد اجتماع كتلة «الاعتدال الوطني»، وأكد مصدر في الكتلة أن «الآراء انقسمت بين من يؤيد المشاركة ومن يفضّل المقاطعة»، مشيراً إلى أن الكتلة «أخذت بعين الاعتبار تمني رئيسَي الجمهورية والحكومة جوزيف عون ونواف سلام، على النواب عدم مقاطعة الجلسة». ولفت المصدر إلى أن النواب «ارتأوا أن هناك قوانين تهمّ الناس بينها القانون المتعلق بمطار القليعات الذي يشكل حاجة ملحة لمنطقة عكار وشمال لبنان، ولا بد من السير به سريعاً».

وبينما حسمت كتلتا «القوات اللبنانية» و«الكتائب» مسبقاً مقاطعتهما الجلسة، التحقت بهما مساء الأربعاء، كتلة «تحالف التغيير»، (يضم مجموعة نواب برزوا بعد انتخابات 2022 تحت مسمى «قوى التغيير»). وأعلن النائب ميشال دويهي أن الكتلة «ستقاطع الجلسة التشريعية اعتراضاً على عدم إدراج اقتراح قانون الانتخابات المعجل المكرر الذي يتيح للمغتربين الاقتراع مكان إقاماتهم». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنها «المرة الأولى منذ 32 عاماً، لا يدرج اقتراح قانون معجل في أول بنود الجلسة التشريعية، بالإضافة إلى مشروع قانون معجّل قدمته الحكومة لتعديل قانون الانتخابات الحالي»، معتبراً أن ذلك «يعكس صراعاً سياسياً بين فريقين، وهذا مؤشر على مدى الاستهتار بقوانين مهمّة تمس جوهر الحياة العامة».

من جهته، أعلن نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب، أن الانتخابات النيابية «تحتاج إلى توافق سياسي حول القانون». وأكد بعد لقائه رئيس الجمهورية جوزيف عون، أنه «إذا كان هناك إصرار على تصويت المغتربين لـ128 نائباً وأردنا فتح مهل لتسجيلهم، فإن ذلك يعني حتمية تأجيلٍ تقنيٍّ للانتخابات حتى شهر أغسطس (آب) من أجل احترام المهل القانونية»، مشيراً إلى أن المناكفات السياسية لا تخدم الاستحقاق الانتخابي.

في المقابل، يدفع رئيس مجلس النواب الذي يمسك بأوراق ضغط قوية، باتجاه تأمين النصاب القانوني لانعقاد الجلسة، ويرى أن شلل المجلس يفاقم الانهيار ولا يخدم أي طرف. وسبق ذلك تسريب معلومات تفيد بأن برّي «يربط التوقيع على قانون تشغيل مطار القليعات في شمال لبنان بمشاركة كتلة «الاعتدال الوطني» في جلسة الخميس، وهو ما حمل هذه الكتلة، كما يبدو، على الحضور بخلاف مقاطعتها للجلسة السابقة.

وكتب رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، على حسابه عبر منصة «إكس»: «يحاول الرئيس بري ابتزاز نواب الشمال في بند مطار القليعات، علماً أن بند مطار القليعات كان قد أقر في الجلسة الماضية، وأصبح بحكم النافذ انطلاقاً من النظام الداخلي للمجلس النيابي، الذي ينص في المادة 60 على أن إذا لم تقفل الهيئة العامة، لأي سبب من الأسباب محضر جلسة ما، فإن هيئة مكتب المجلس تجتمع وفقاً للأصول وتصدق على المحضر». وأضاف جعجع: «جميعنا نريد مطار القليعات، وقد ناضلنا كثيراً في سبيل الوصول إليه، لكن لا يجوز أن نترك الرئيس بري يستخدمه لابتزازنا، ولمزيد من الابتزاز في عمل المجلس النيابي».


سكان مخيم نور شمس جمعوا صوراً وألعاباً وأثاثاً قبل هدم إسرائيل منازلهم

فلسطينيون يجمعون ممتلكاتهم قبل عمليات هدم المنازل المخطط لها من قبل الجيش الإسرائيلي في مخيم نور شمس للاجئين في مدينة طولكرم بالضفة الغربية 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)
فلسطينيون يجمعون ممتلكاتهم قبل عمليات هدم المنازل المخطط لها من قبل الجيش الإسرائيلي في مخيم نور شمس للاجئين في مدينة طولكرم بالضفة الغربية 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)
TT

سكان مخيم نور شمس جمعوا صوراً وألعاباً وأثاثاً قبل هدم إسرائيل منازلهم

فلسطينيون يجمعون ممتلكاتهم قبل عمليات هدم المنازل المخطط لها من قبل الجيش الإسرائيلي في مخيم نور شمس للاجئين في مدينة طولكرم بالضفة الغربية 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)
فلسطينيون يجمعون ممتلكاتهم قبل عمليات هدم المنازل المخطط لها من قبل الجيش الإسرائيلي في مخيم نور شمس للاجئين في مدينة طولكرم بالضفة الغربية 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)

عاد العشرات من سكان مخيم نور شمس للاجئين في الضفة الغربية المحتلة بعد تهجيرهم منه قسراً، لاستعادة متعلّقاتهم الشخصية الأربعاء قبل قيام الجيش الإسرائيلي بهدم 25 مبنى سكنياً فيه.

بدأ الجيش الإسرائيلي مطلع العام الحالي عملية عسكرية واسعة ومتواصلة قال إنها تهدف إلى القضاء على الجماعات الفلسطينية المسلحة في مخيمات اللاجئين في شمال الضفة الغربية المحتلة بما فيها مخيمات طولكرم ونور شمس وجنين.

وأدت العملية العسكرية إلى تهجير جميع سكان هذه المخيمات الذين يزيد عددهم على 30 ألف نسمة، من دون أن تتاح لمعظمهم فرصة العودة إلى منازلهم.

وأفاد مراسل «وكالة الصحافة الفرنسية» في الموقع، بأن عشرات من الأهالي سارعوا الأربعاء إلى جمع أكبر قدر ممكن من مقتنياتهم، من قطع أثاث وألعاب أطفال وحتى إطار نافذة، حمَّلوها على شاحنات صغيرة.

الفلسطينيون يجمعون ممتلكاتهم قبل عمليات هدم المنازل المخطط لها من قبل الجيش الإسرائيلي في مخيم نور شمس للاجئين بمدينة طولكرم بالضفة الغربية 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)

كل ذلك تحت أنظار الجنود الإسرائيليين الذين دققوا في هوياتهم وقاموا بتفتيشهم جسدياً، ولم يسمحوا بالدخول إلا لمن صدرت إخطارات بهدم منازلهم.

وتمكّن بعض الذين سُمح لهم بالدخول من إنقاذ خزّانات مياه كبيرة فارغة، فيما خرج آخرون حاملين صوراً عائلية وفرشات ومدافئ.

وقال محمود عبد الله، الذي نزح من مخيم نور شمس وتمكن الأربعاء من دخول بعض أحياء المخيم، إنه شاهد للمرة الأولى حجم الدمار الذي لحق به بعد إجباره على المغادرة.

وأضاف عبد الله: «تفاجأت بعدم وجود منازل صالحة للسكن، ربما منزلان أو ثلاثة، لكنها غير مناسبة للعيش... المخيم مدمَّر».

رجل يسير متكئاً على عكازين تتبعه جرافة محملة بالحقائب بينما يعود سكان مخيم نور شمس للاجئين إلى منازلهم لاستعادة ممتلكاتهم قبل هدم الجيش الإسرائيلي للمباني السكنية في المخيم بالقرب من طولكرم في الضفة الغربية 17 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

«عازمون على العودة»

أُعلن في وقت سابق هذا الأسبوع عن عمليات الهدم التي تطول 25 بناية كان يعيش فيها نحو 100 عائلة، ومن المقرر تنفيذها الخميس.

ودمّر الجيش الإسرائيلي خلال العملية مئات المباني والمنازل الواقعة في أزقة هذه المخيمات الضيقة لتسهيل حركة مدرعاته وجرافاته وقواته داخلها.

وقال أحمد المصري، وهو من سكان المخيم الذين صدر إخطار بهدم منزلهم، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن طلبه بالدخول إلى منزله قوبل بالرفض.

وأضاف: «عندما سألت عن السبب، قيل لي: اسمك غير موجود في سجلات مكتب الارتباط».

من جهته، قال مدير شؤون وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في الضفة الغربية، رولاند فريدريك، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الاثنين، إن نحو 1600 منزل دُمرت كلياً أو جزئياً خلال العملية الإسرائيلية المستمرة.

جنود إسرائيليون يفتشون رجلاً فلسطينياً بينما يقوم السكان بجمع ممتلكاتهم قبل عمليات هدم المنازل المخطط لها في مخيم نور شمس للاجئين بمدينة طولكرم بالضفة الغربية 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)

بعد قيام دولة إسرائيل وبعد حرب عام 1948 التي أدت إلى نزوح وتهجير آلاف الفلسطينيين، أُنشئت مخيمات للاجئين في الضفة الغربية ودول عربية مجاورة.

حينها كانت الخيام مأوى للاجئين. ولكن مع مرور الوقت والسنوات، وبعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة في 1967، تحولت تلك الخيام إلى مساكن معظمها مبني من الطوب. ودفع ازدياد عدد السكان إلى بناء مزيد من الطوابق.

وقالت ابتسام العجوز، وهي إحدى النازحات من المخيم ومنزلها أيضاً قررت إسرائيل هدمه: «نسأل الله أن يعوّضنا قصوراً في الجنة. كل ما ترونه هنا ليس سوى جدران، ولن يُضعف ذلك عزيمتنا».

وأضافت: «نحن عازمون على العودة، وبإذن الله سنُعيد الإعمار. حتى لو هُدّمت البيوت. لن نخاف، فمعنوياتنا عالية».