هاجس الحرب يسكن اللبنانيين... تهافت لتخزين المواد الغذائية والأدوية والمحروقات

الاحتكار بدأ يطال بعض البضائع وحليب الأطفال

موظفون في مطار بيروت يفرغون المساعدات الطبية الطارئة المقدمة من منظمة الصحة العالمية (أ.ب)
موظفون في مطار بيروت يفرغون المساعدات الطبية الطارئة المقدمة من منظمة الصحة العالمية (أ.ب)
TT

هاجس الحرب يسكن اللبنانيين... تهافت لتخزين المواد الغذائية والأدوية والمحروقات

موظفون في مطار بيروت يفرغون المساعدات الطبية الطارئة المقدمة من منظمة الصحة العالمية (أ.ب)
موظفون في مطار بيروت يفرغون المساعدات الطبية الطارئة المقدمة من منظمة الصحة العالمية (أ.ب)

يعيش اللبنانيون هاجس الحرب وإمكان اندلاعها بين ساعة وأخرى، ولا يقتصر خوفهم على أمنهم الشخصي، بل يسكنهم هاجس الأمن الغذائي والدوائي والاستشفائي، وفقدان المحروقات، ما قد يمنعهم من التنقل من منطقة إلى أخرى. وعلى رغم تطمينات الوزارات المختصة والنقابات عن توفّر هذه السلع لبضعة أشهر، بدأ الناس يتلمّسون فقدان بعضها الضروري أو تراجع الكميات إلى حدّ كبير، لا سيما حليب الأطفال وأدوية الأمراض المزمنة والمستعصية، جرّاء التهافت على شرائها وتخزينها في المنازل من جهة، واحتكار بعض التجار من أجل بيعها بالسوق السوداء وتحقيق أرباح مضاعفة من جهة أخرى.

وأثار تدافع المواطنين على شراء الأغذية والأدوية وحتى المحروقات مخاوف من نفاد الكميات، إلّا أن رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان الوزير السابق محمد شقير، أوضح أن «الأسواق اللبنانية لديها كميّات من المواد الغذائية تكفي ما بين 3 و6 أشهر، بالإضافة إلى توفر مخزون من الطحين يؤمن استمرار عمل الأفران لثلاثة أشهر، وهي المدة القصوى لتحزين هذه المادة». وأكد شقير لـ«الشرق الأوسط» أن «تهافت الناس على تخزين المواد الغذائية والأدوية وعمليات التموين العشوائي، يخلق حالة من البلبلة لدى الناس، ويتسبب بتقليص المخزون الاحتياطي الموجود في المستودعات».

وتبدو «فوبيا الحرب» مبررة لدى اللبنانيين، الذين لم تغب عن بالهم حرب 2006؛ إذ إنه خلال يوم واحد، قصفت إسرائيل مطار بيروت الدولي ووضعته خارج الخدمة، وفرضت حصاراً مشدداً على الموانئ البحرية. ورأى الوزير السابق محمد شقير أن «الخوف الأكبر يكمن في انقطاع المحروقات». وقال: «صحيح أن مادتي البنزين والمازوت متوفرتان لثلاثة أشهر، وليس باستطاعة خزانات الوقود احتواء أكثر من هذه الكمية، لكنّ انقطاع المحروقات سيؤدي حكماً إلى توقف المعامل وصعوبة في انتقال الناس بين منطقة وأخرى».

شاحنات محملة بالمساعدات الطبية المقدمة من منظمة الصحة العالمية إلى لبنان في إطار رفع الجهوزية لمواجهة الحرب المحتملة (أ.ب)

ولم يخف رئيس الهيئات الاقتصادية «وجود خوف من وقوع الحرب؛ لأن مقومات الصمود التي كانت متوفرة في عام 2006 غير مؤمنة حالياً»، لافتاً إلى أنه «خلال حرب تموز 2006 كان الشريان البري مع سوريا مفتوحاً، وطرق الإمداد والاستيراد عبرها قللت من حجم الأزمة، أما اليوم فلا يمكن شحن بضائع عبر الموانئ السورية ونقلها إلى لبنان بسبب العقوبات الدولية دمشق، كما أنه لا توجد مصارف فاعلة في لبنان لتحويل الأموال إلى الخارج واستيراد البضائع، من هنا يعمد المستوردون إلى شراء البضائع بالعملة نقداً، ما يصعّب عليهم شراء واستيراد كميات كبيرة».

ووزع مواطنون صوراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر رفوف وواجهات بعض السوبر ماركت خالية تماماً من البضائع، ورأى رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني البحصلي، أن «البلبلة القائمة وتهافت الناس على السوبر ماركت مبالغ فيهما؛ أقلّه حتى الآن، في ظلّ توفر ما يكفي من مخزون في المستودعات». وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مستودعات الطحين فيها ما يكفي لشهرين على الأقل، ولا مشكلة إطلاقاً في المواد الغذائية الموجودة الآن بوفرة سواء في المستودعات أو السوبر ماركت»، لكنه أفاد بأن «المشكلة قد تقع في حال اندلاع الحرب وقطع الطرقات وصعوبة نقل البضائع من المستودعات الرئيسية الموجودة في محيط العاصمة بيروت وتسليمها إلى التجار والسوبر ماركت في المناطق»، مذكراً بأنه «خلال حرب تموز 2006، تعمدت إسرائيل قصف أغلب الشاحنات التي تعبر الطرق الرئيسية (بذريعة أنها تنقل أسلحة وصواريخ لـ«حزب الله»)، وثمة خشية من تكرار السيناريو نفسه اليوم».

وتحسباً للتصعيد المحتمل وإمكان نشوب حربٍ، تسلّم وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال، فراس الأبيض، شحنة مساعدات طارئة، عبر طائرة تشارتر وصلت صباحاً إلى مدرج الشّحن التّابع لشركة «طيران الشّرق الأوسط» في مطار بيروت الدولي، مقدّمة من «منظمة الصحة العالمية» تزن 32 طنّاً من المستلزمات الطبية والأدوية المخصّصة لمعالجة إصابات الحرب، وذلك لرفع جهوزيّة القطاع الصحي لمواجهة أي تصعيد محتمَل في العدوان الإسرائيلي على لبنان.

وخلال تسلمه شحنة الأدوية، جدد الأبيض موقف الحكومة اللبنانية بأنّ «لبنان لا يريد أي حرب». وقال: «نحن نطالب منذ اليوم الأوّل بوقف إطلاق للنّار يمتد من غزة إلى لبنان وجنوبه، ولكن في الوقت نفسه نرى الاعتداءات الإسرائيليّة الّتي تحدث يوميّاً ليس فقط في غزة، إنّما في لبنان وغيره في المنطقة»، مشدداً على أن «القطاع الصحي لا يمكنه إلّا أن يكون على أكبر قدر من الجهوزيّة في حال حدوث أي طارئ، لذلك كانت الإجراءات وخطّة الطّوارئ الصحيّة الّتي وضعتها وزارة الصحة العامة بالتّعاون مع شركائنا وبخاصّة منظّمة الصحّة العالميّة»، مشيراً إلى أن الوزارة «رفعت جهوزيّة كلّ المستشفيات وكلّ مؤسسات القطاع الصحي في لبنان، وذلك عبر استقدام المساعدات والتّجهيزات اللاّزمة حتّى تكون موجودة في كل المستشفيات».

المساعدات الدولية لوزارة الصحة لا تلغي مخاوف المواطنين من فقدان الأدوية وحليب الأطفال في الصيدليات، لا سيما أن الدولة لا تملك إمكانية تأمينها وإيصالها للمرضى في حال وقعت الحرب، وكشفت المواطنة رانيا طه لـ«الشرق الأوسط»، أنها عجزت عن «شراء عبوة حليب لطفلها خلال اليومين الماضيين». وأوضحت أنها «جالت على 10 صيدليات ولم تعثر فيها على الحليب الذي تعطيه لطفلها، ولا أي نوع آخر شبيه له، معتبرة أن هذا الوضع مقلق لها ولكلّ الأمهات اللواتي يعانين الوضع نفسه».

شاب يعبر في وسط مدينة بيروت (أ.ف.ب)

ورغم صعوبة الحصول على حليب الأطفال في الأيام الأخيرة، نفى نقيب مستوردي الأدوية في لبنان، جو غريّب، وجود نقص في الأدوية والحليب، وأكد أن «المخزون المكدّس في المستودعات يكفي ما بين أربعة وخمسة أشهر لحاجة المستشفيات والصيدليات». لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «التهافت على الصيدليات لشراء كميات كبيرة من الأدوية والحليب من قبل المقتدرين، يحرم غير المقتدرين من أدويتهم، وبدأ يشعر المواطن بأن هذه السلعة مفقودة»، مشدداً على أن «الخوف الحقيقي يبدأ في حال فرض حصار برّي وجوي على لبنان يحول دون استيراد الأدوية خلال فترة الحرب». وكشف غريّب أن نقابة مستوردي الأدوية «وضعت المخزون المتوفر لديها تحت إشراف وزارة الصحة، لتلبية حاجة المرضى خصوصاً مرضى السرطان من الأدوية».


مقالات ذات صلة

عودة النازحين اللبنانيين... و«وقف النار» تحت الاختبار

المشرق العربي جنود لبنانيون لدى وصولهم إلى صور أمس بعد دخول وقف النار حيز التنفيذ (رويترز) وفي الإطار نازحون على متن سياراتهم لدى عودتهم إلى جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)

عودة النازحين اللبنانيين... و«وقف النار» تحت الاختبار

‏تحرك الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة لتعزيز انتشارهما في جنوب لبنان، فجر أمس، بعد ساعات على بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، فيما تكثفت الدعوات.

«الشرق الأوسط» (عواصم)
المشرق العربي مواطنون يحملون أعلام «حزب الله» أثناء مرورهم بمبان مدمرة عند مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز) play-circle 00:33

«حزب الله»: حقّقنا «النصر» على إسرائيل

اعتبر «حزب الله»، اليوم (الأربعاء)، أنه حقّق «النصر» على إسرائيل بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود إسرائيليون يقودون مركباتهم في منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية كما شوهد من شمال إسرائيل الأربعاء 27 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

أصيب مصوران صحافيان بجروح بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار عليهما في جنوب لبنان اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود من قوات «اليونيفيل» يقفون بجوار حفرة ناجمة عن غارة جوية إسرائيلية على طريق في منطقة الخردلي في جنوب لبنان في 27 نوفمبر 2024 بعد دخول وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» حيز التنفيذ (أ.ف.ب)

«اليونيفيل» تبدأ «تعديل» عملياتها في جنوب لبنان لتتلاءم مع «الوضع الجديد»

أعلنت «اليونيفيل» في بيان اليوم الأربعاء، أنها بدأت تعديل عملياتها في جنوب لبنان بما يتلاءم مع «الوضع الجديد» في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نازحون في أثناء عودتهم إلى قراهم بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» الذي دخل حيز التنفيذ يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024... الصورة في أبلح شرقي لبنان (أ.ب)

«انتصار للبيت الأبيض»... صحف تحلل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

رأى موقع «بوليتيكو» أن اتفاق وقف إطلاق النار «انتصار كبير للبيت الأبيض»، وقالت «نيويورك تايمز» إن بايدن يريد تذكّره بأنه وضع الشرق الأوسط على طريق تسوية دائمة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

عودة النازحين اللبنانيين... و«وقف النار» تحت الاختبار

جنود لبنانيون لدى وصولهم إلى صور أمس بعد دخول وقف النار حيز التنفيذ (رويترز) وفي الإطار نازحون على متن سياراتهم لدى عودتهم إلى جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)
جنود لبنانيون لدى وصولهم إلى صور أمس بعد دخول وقف النار حيز التنفيذ (رويترز) وفي الإطار نازحون على متن سياراتهم لدى عودتهم إلى جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)
TT

عودة النازحين اللبنانيين... و«وقف النار» تحت الاختبار

جنود لبنانيون لدى وصولهم إلى صور أمس بعد دخول وقف النار حيز التنفيذ (رويترز) وفي الإطار نازحون على متن سياراتهم لدى عودتهم إلى جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)
جنود لبنانيون لدى وصولهم إلى صور أمس بعد دخول وقف النار حيز التنفيذ (رويترز) وفي الإطار نازحون على متن سياراتهم لدى عودتهم إلى جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)

‏تحرك الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة لتعزيز انتشارهما في جنوب لبنان، فجر أمس، بعد ساعات على بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، فيما تكثفت الدعوات الدولية لإبرام اتفاق مماثل في غزة.

وتعد عودة النازحين اللبنانيين وتراجع «حزب الله» إلى ما بعد نهر الليطاني أكبر عملية اختبار للاتفاق. ‏ووافقت الحكومة اللبنانية على صيغة وقف النار التي وردت في البيان الأميركي - الفرنسي المشترك، مشددة على أن الجيش اللبناني «هو المرجعية الأمنية في جنوب لبنان».

وحض رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري النازحين على العودة فوراً إلى بيوتهم والإقامة فيها «ولو فوق الركام»، في تحد واضح للإسرائيليين الذين يصرون على تأخير عودة السكان، خصوصاً إلى منطقة جنوب الليطاني، حيث أطلق الجنود الإسرائيليون النار في الهواء ترهيباً لمنع سكان جنوبيين من التوجه إلى قراهم. كما أوقف الجيش الإسرائيلي أربعة لبنانيين قال إنهم حاولوا التوجه إلى قرى تحت سيطرته. وأصدر الجيش الإسرائيلي تحذيراً يمنع السكان من الانتقال من شمال نهر الليطاني إلى جنوبه بين الخامسة مساء والسابعة صباحاً من كل يوم. وقال الجيش الإسرائيلي إنه لا يعتزم تقليص حجم قواته المنتشرة في لبنان في هذه المرحلة، حيث قرر الإبقاء على جميع القوات الموجودة حالياً على الأرض في الجنوب اللبناني من دون نقلها إلى قطاع غزة أو سحبها إلى المواقع الإسرائيلية.

إلى ذلك، طالبت الرئاسة الفلسطينية بوقف إطلاق نار في قطاع غزة على غرار الاتفاق في لبنان، فيما أرسلت حركة «حماس» رسائل «مستعجلة» أكدت فيها أنها «مستعدة لإنجاز الأمر في القطاع كذلك». كما طالب الأردن ومصر بوقف فوري للنار في غزة، في حين حصل توافق مصري - قطري على ضرورة تسريع إنجاز صفقة لوقف الحرب في غزة.