«البصرة - حديثة» أنبوب نفط يثير مخاوف عراقية من «التطبيع» مع إسرائيل

وزارة النفط تخرج عن صمتها وتدخل دائرة الجدل مع البرلمان

عَلم العراق يرفرف أمام حقل نفطي (رويترز)
عَلم العراق يرفرف أمام حقل نفطي (رويترز)
TT

«البصرة - حديثة» أنبوب نفط يثير مخاوف عراقية من «التطبيع» مع إسرائيل

عَلم العراق يرفرف أمام حقل نفطي (رويترز)
عَلم العراق يرفرف أمام حقل نفطي (رويترز)

رغم أن عمر الأنبوب الخاص بنقل النفط من البصرة في أقصى الجنوب العراقي إلى ميناء العقبة الأردني، يبلغ أكثر من أربعين عاماً، فإن الجدل بشأنه عاد من جديد في الآونة الأخيرة بعدما أعادت الحكومة الحالية إحياءه.

وكان الهدف من مد هذا الأنبوب في عهد النظام السابق خلال ثمانينات القرن الماضي، هو تنويع مصادر تصدير النفط العراقي خلال مراحل الحرب مع إيران واحتمال إغلاق مضيق هرمز، فضلاً عن إغلاق أنبوب بانياس السوري لنقل النفط العراقي آنذاك. إلا أن المشروع لم يرَ النور، رغم اكتمال المخططات والخرائط التي بقيت حبراً على ورق.

وبعد سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين، عام 2003، أُعيد إحياء مشروع هذا الأنبوب في عهد حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، لكنه بقي أيضاً دون تنفيذ.

ويأتي الجدل الحالي حول المشروع في ظل تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفي ظل استقطاب سياسي حاد في العراق، سواء على خلفية رفض أطراف مختلفة تصدير النفط إلى الأردن بأسعار تفضيلية، أو بسبب المزاعم الخاصة بأن مد أنبوب نفط جديد يعني بدء عملية تطبيع مع إسرائيل كون الأنبوب العراقي يُفترض أن يصل إلى العقبة على البحر الأحمر، وهي منطقة لا تبعد سوى مسافة قصيرة عن أقرب ميناء إسرائيلي.

وردّت وزارة النفط العراقية التي ابتعدت طوال الفترة الماضية عن الجدل السياسي بهذا الشأن، على تصريحات عضو البرلمان العراقي عامر عبد الجبار الذي لطالما كرر أخيراً تصريحاته بشأن المخاطر المستقبلية المترتبة على مد هذا الأنبوب، في بيان، بأن «تصريحات النائب عامر عبد الجبار تدل على أن معلوماته غير دقيقة ومضللة بخصوص أنبوب النفط الخام (بصرة – حديثة) حيث تود (الوزارة) أن توضح بأن المعلومات التي وردت في تصريحاته المتكررة عبر وسائل الإعلام تفتقر إلى الدقة والموضوعية، سواء في ما يخص التكلفة أو الملكية، أو تشغيل الأيدي العاملة من دول الجوار، أو المشاريع المرتبطة بالمشروع، وغير ذلك من الكلام غير المسؤول تجاه الوزارة والمشروع».

صهاريج نفط قرب الحدود العراقية مع تركيا في مايو الماضي (رويترز)

وتابع بيان وزارة النفط أن «مشروع أنبوب النفط الخام (بصرة – حديثة) يهدف إلى تحقيق المرونة العالية في عملية نقل النفط الخام لأغراض تجهيز المصافي والمستودعات ومحطات الطاقة الكهربائية داخل العراق، وهي ضمن أولويات خطط الوزارة والبرنامج الحكومي، إلى جانب المشاريع المستقبلية التي تهدف إلى تعزيز المنافذ التصديرية عبر دول الجوار (تركيا وسوريا والأردن) ومنها مشروع طريق التنمية، وهي قيد الإعداد والدراسة في الوقت الحاضر ولم تُتخذ القرارات بشأنها».

وأضافت الوزارة أنه سبق لها أن «أوضحت أن مشروع أنبوب نقل النفط الخام سيُنفِّذه الجهد الوطني في شركة المشاريع النفطية، بالتعاون مع الشركة العامة للحديد والصلب في وزارة الصناعة والمعادن». ونفت الوزارة أيضاً ما ورد من معلومات بشأن «التكلفة، أو الملكية أو الامتيازات التي يمنحها العراق لدول الجوار من النفط الخام وغير ذلك من المعلومات غير الدقيقة»، على حد وصف البيان. وأعلنت رفضها لكل «التصريحات والادعاءات بهذا الشأن، لأنها تمثّل إضراراً بالصالح العام»، وقالت إنها «تحتفظ بحقها القانوني في الرد على الإساءات التي تتعرض لها».

أنبوب قديم وجدل جديد

وسعت الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، طوال الفترة الماضية، إلى استيعاب الجدل بشأن هذا الأنبوب النفطي الذي طُرح كجزء من البرنامج الحكومي الذي حظي بتصويت البرلمان، وهو ما يعني أن غالبية القوى السياسية الداعمة للحكومة الحالية والممثلة فيما يسمَّى «ائتلاف إدارة الدولة»، هي قوى يُفترض أنها مؤيدة للتوجهات السياسية والاقتصادية للحكومة، لا سيما على صعيد تنويع صادرات النفط العراقي.

حقل نفطي في العراق (أ.ف.ب)

كان المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي فادي الشمري، قد أكد في تصريحات له، أن «العراق لديه الآن منفذ واحد لتصدير النفط، وكذلك أنبوب ميناء جيهان المغلق في الوقت الحالي، وأي مشكلة قد تحدث في الخليج ستؤثر في تصدير العراق للنفط بوصفه المنفذ الوحيد لتصدير النفط العراقي إلى العالم». وأضاف أن «إكمال أنبوب (البصرة - حديثة)، يعد جزءاً مهماً وأساسياً من مخططات المنظومة التوزيعية والتصديرية للبنى التحتية لوزارة النفط، لا سيما أن المصافي الجديدة التي أُنشئت في المحافظات الجنوبية (الناصرية، والسماوة، والنجف، وكربلاء، وبابل)، بالإضافة إلى المصافي الشمالية، تحتاج إلى نفط خام سيجهّز لهذه المصافي عن طريق أنبوب (بصرة – حديثة)».

ونوّه الشمري إلى أن «مشروع أنبوب (البصرة - حديثة) طُرح في زمن (حكومة رئيس الوزراء السابق نوري) المالكي عندما زار الأردن، ومشروع أنبوب (البصرة - حديثة) دخل مرحلة الإعداد الفني في حكومة (حيدر) العبادي». وأشار إلى أن «حكومة (عادل) عبد المهدي مضت بمشروع أنبوب (البصرة - العقبة) بذات الوتيرة»، موضحاً أن «الاعتراض على مشروع أنبوب (البصرة - حديثة) يخص (موديل المشروع) وليس المشروع نفسه».

ويدافع خبراء نفط، من جهتهم، عن أهمية هذا الأنبوب رغم ما يثيره من جدل سياسي. وكتب الخبير الاقتصادي العراقي الدكتور نبيل المرسومي على صفحته في «فيسبوك» أن هذا المشروع العملاق في حال اكتماله «سوف يوفّر إمكانية تصدير النفط إلى ثلاث دول في آن واحد هي: الأردن وسوريا وتركيا».

وترى الحكومة العراقية أن المرحلة الأولى من المشروع سوف تبقى داخل العراق من البصرة جنوباً إلى حديثة غرباً، دون وجود خطط حالية لمده نحو ميناء العقبة الأردني. لكنَّ خصوم السوداني يرون أن مجرد وجود مخطط ولو على الخرائط فقط منذ ثمانينات القرن الماضي بهدف إيصال النفط العراقي إلى الأردن عبر هذا الميناء، يعني عدم وجود ضمانات في المستقبل بأن النفط العراقي لن يصل إلى إسرائيل.


مقالات ذات صلة

طرد 320 شرطياً و36 ضابطاً عراقياً خلال 6 أشهر

المشرق العربي وزير الداخلية العراقية عبد الأمير الشمري (إعلام حكومي)

طرد 320 شرطياً و36 ضابطاً عراقياً خلال 6 أشهر

أعلنت وزارة الداخلية العراقية، الأحد، عن «طرد 320 شرطياً، و36 ضابطاً من الخدمة خلال النصف الأول من العام الجاري»، وذلك في إطار مساعيها لمحاربة «الفساد».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لدى إعلانه استرداد أموال من قضية «سرقة القرن» (أ.ف.ب)

بعد مرور سنتين... ما مصير «سرقة القرن» العراقية؟

أعاد رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، التذكير بالقضية المعروفة باسم بـ«سرقة القرن» إلى الواجهة، بعدما أقر بأن «نصف أموال القضية هُرِّب إلى خارج البلاد».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي القوات الأمنية العراقية شرعت في عمليات بحث لملاحقة عناصر «داعش» في ديالى (الإعلام الأمني)

مقابر «داعش» في الموصل تبوح بجثث جديدة

انتشلت السلطات العراقية رفات 139 شخصاً من شق جيولوجي طبيعي ضخم يبدو أن «داعش» استخدمه لإلقاء ضحاياه فيه خلال سيطرته على مدينة الموصل شمال العراق.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي نقطة تفتيش للأمن العراقي في ديالى (أرشيفية - إعلام حكومي)

الأمن العراقي يشتبك مع «داعش» في بساتين ديالى

اشتبكت قوات الأمن العراقية مع عناصر تابعين لـ«داعش»، في بساتين شرق البلاد، خلال تنفيذها عمليات بحث عن «خلايا نائمة».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي قائد الجيش الثاني التركي متين توكل مع مسؤولين عراقيين في منطقة العمليات التركية (أرشيفية - الدفاع التركية)

«الإطار التنسيقي» يدعو أنقرة لسحب قواتها من كردستان

دعا قيس الخزعلي، أحد قيادات «الإطار التنسيقي» الشيعي، الحكومةَ التركية إلى سحب قواتها من العراق والاعتماد على حكومة بغداد في منع أي اعتداء ينطلق من أراضيها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

«حزب الله» يعود إلى لغة التهديد: أزمة داخلية أم استثمار مسبق للحرب؟

نائب أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم مستمعاً لكلمة نصر الله في الاحتفال التأبيني للقيادي محمد ناصر الذي اغتالته إسرائيل (رويترز)
نائب أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم مستمعاً لكلمة نصر الله في الاحتفال التأبيني للقيادي محمد ناصر الذي اغتالته إسرائيل (رويترز)
TT

«حزب الله» يعود إلى لغة التهديد: أزمة داخلية أم استثمار مسبق للحرب؟

نائب أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم مستمعاً لكلمة نصر الله في الاحتفال التأبيني للقيادي محمد ناصر الذي اغتالته إسرائيل (رويترز)
نائب أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم مستمعاً لكلمة نصر الله في الاحتفال التأبيني للقيادي محمد ناصر الذي اغتالته إسرائيل (رويترز)

عاد المسؤولون في «حزب الله» للغة التهديد والوعيد و«تخوين المعارضين» على خلفية مواقف عدة مرتبطة بالحرب الدائرة في الجنوب من جهة وبالاستحقاق الرئاسي من جهة أخرى.

وكان آخر هذه المواقف تلك الصادرة عن نائب أمين عام الحزب، نعيم قاسم، الذي اعتبر أن «المقاومة هي الخيار الوحيد الحصري لطرد الاحتلال واستعادة الاستقلال والدفاع عن بلدنا... بعد اليوم لا نستطيع أن نقول لبنان القوي أو لبنان المستقل أو لبنان المستقبل إلَّا ومن مقوماته أهله وطوائفه ومقاومته وجيشه وشعبه، ومن دون هذه الدعامة الأساسية التي هي المقاومة لا يمكن أن يستقر لبنان أو أن يتمكن من عملية المواجهة»، وتوجّه إلى منتقدي الحزب بالقول: «أما الذين يريدون التحرير بالقلم والورقة والذين يريدون الحماية من الشيطان الأكبر أميركا والذين يريدون مستقبلهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي فليبقوا في غرفهم يلعبون ويسرحون ويمرحون، نحن نسير في الطريق الصحيحة والقافلة تشق طريقها».

وفي حين يرى الوزير السابق، النائب أشرف ريفي، أن عودة «الحزب» إلى لغة التهديد هي نتيجة الأزمة التي يعيشها بفعل خياراته التي تخالف الجزء الأكبر من خيارات اللبنانيين، يضعها عضو كتلة حزب «القوات اللبنانية» غياث يزبك في خانة «تخبط» الحزب الذي يعيش مسؤولوه تقلباً في الرأي من الأكثر تصلباً إلى المسايرة وبعث الرسائل العنيفة حيناً والخفيفة أحياناً، معتبراً أن «ذلك ناتج من وصول الحزب إلى السقف الأقصى في استخدامه القوة العسكرية من دون احتضان شعبي وسياسي له وفي غياب مساعدة الدولة له».

ودعا ريفي «حزب الله» إلى الكف عن التهديد، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «لبنان وطن تعددي، لا يمكن أن يقوم مكوّن واحد بحسم خياراته، ونحن لن نتراجع عن الوطن الذي نحن نقرر مصيره وليس إيران وعميلها (حزب الله)، وهذا ما تعكسه الأصوات المسيحية - الإسلامية التي ترفض أن يكون لبنان ولاية إيرانية».

ويذكّر يزبك بما سبق أن قاله رئيس كتلة «حزب الله» النائب محمد رعد بوصفه الذي انتقد ما أسماهم «النازقين من اللبنانيين الذين يريدون أن يرتاحوا وأن يذهبوا إلى الملاهي وإلى الشواطئ، ويريدون أن يعيشوا حياتهم»، وهاجم من يعارض «حزب الله» قائلاً: «الغليان في غزة أفرز كل هذا القيح في الداخل حتى نكون على بصيرة ممن نتعاون معه ويتعاون معنا ومن نصدقه ويكذب علينا... وسنرتّب أوضاعنا على هذا الأساس».

ويسأل يزبك: «هل المشكلة بالنسبة إليهم عقائدية أم تكتيكية، بحيث أنهم يكونون انقلابيين حين تناسبهم الأمور و(مسالمين) حين يرون الوضع ملائماً»، رافضاً من جهة أخرى هجوم قاسم على «من يريدون التحرير بالقلم والورقة»، مؤكداً أن «لبنان قام بأقلامه وبمفكريه وبالعقول الحرة».

وعما إذا كانت هذه المواقف مؤشراً لاستثمار مسبق للحرب وما يعتبره الحزب انتصاراً، يؤكد ريفي: «مهما كانت التسويات، لن نسمح بترجمة ما يدّعون أنه انتصار إلهي في الداخل، نحن نقرر مصيرنا وعلى (حزب الله) أن يعيد حساباته»، مضيفاً «(حزب الله) كان يقول إن لديه 74 نائباً في البرلمان، أما اليوم فهو بالكاد يحصد 51 نائباً في البرلمان، ولو كان قادراً على السيطرة لكان استطاع الإتيان برئيس للجمهورية».

من جهته، يلفت يزبك إلى «منطق ومفهوم مختلف لديهم في مقاربة الربح والخسارة»، ويؤكد: «الانتصار إما أن يكون كاملاً أو لا يكون، ماذا ينفع إذا مات الشعب ودمّرت إسرائيل؟»، ويذكّر بأن المشكلة مع «حزب الله لم تبدأ في 7 أكتوبر (تشرين الأول) عند فتح الحرب في جبهة الجنوب، موضحاً: «مع هذه الحرب تفاقمت المشكلة العميقة بين مفهوم الدولة ومفهوم الدويلة، اليوم صوت المدافع قد يكون طغى قليلاً على الأزمة العميقة، لكنها لم تخف آثارها التي لا نزال نتخبط بها وسنعود إليها عند انتهاء الحرب والعودة إلى ما قبل 7 أكتوبر».

ولا تزال الموقف الرافضة والمنتقدة لزج لبنان في الحرب كما لحصر المفاوضات مع «حزب الله»، وهو ما عبّر عنه رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل، متوجهاً إلى المجتمع الدولي الذي يقود المفاوضات قائلاً: «نرفض أن تنحصر المفاوضات بين (حزب الله) وإسرائيل وأن يتم البحث فيما يرضي الطرفين لوقف القتال في حين الشعب اللبناني مغيّب»، داعياً خلال لقاء مع وفد من إقليم زحلة الكتائبي إلى «وضع مصلحة لبنان على الطاولة ونحن على استعداد كمعارضة لخوضها باسم الشعب اللبناني»، معتبراً أن «القرار الدولي 1701 الذي يمنع جر لبنان إلى الحرب ليس كافياً، بل يجب تطبيق القرار 1559 (نزع أسلحة الميليشيات) بالتوازي لتجريد الميليشيات المسلحة من سلاحها، وهذا أهم من القرار الأول الذي لو طُبّق لما احتجنا إلى قرارات جديدة».

واعتبر أن «أهم خطوة اليوم هي إقفال جبهة الجنوب ومهما كانت نتائج الحرب، يجب أن يُدعى إلى جلسة مصارحة بين اللبنانيين للتفكير في حل كل المشاكل دون إلغاء أحد أو استدراج حروب، بل ليعود للجميع حقه»، رافضاً «المساومة على الحرية والكرامة والأرض».