زحمة مبادرات لا تحرك المياه الرئاسية الراكدة في لبنان

يصل عددها إلى سبع... وتتوزع بين داخلية وإقليمية ودولية

يمتد الشغور في رئاسة الجمهورية اللبنانية منذ 31 أكتوبر 2022 (غيتي)
يمتد الشغور في رئاسة الجمهورية اللبنانية منذ 31 أكتوبر 2022 (غيتي)
TT

زحمة مبادرات لا تحرك المياه الرئاسية الراكدة في لبنان

يمتد الشغور في رئاسة الجمهورية اللبنانية منذ 31 أكتوبر 2022 (غيتي)
يمتد الشغور في رئاسة الجمهورية اللبنانية منذ 31 أكتوبر 2022 (غيتي)

لم تشهد الأزمة الرئاسية في لبنان المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2022 هذا الكمّ من المبادرات الساعية لإيجاد حل يخرجها من عنق الزجاجة. والمستغرب أنه، وبالرغم من تيقن معظم القوى السياسية، سواء في الداخل أو في الخارج، أنه بات من الصعب تماماً فصل مسار ومصير الرئاسة عن مسار ومصير ونتائج حرب غزة والجنوب اللبناني، فإن بعضها يواصل وضع الطروحات على طاولة النقاش.

المبادرات الداخلية

آخر المبادرات خرجت بها قوى المعارضة، وإن كانت توافقت على تسمية الورقة التي تقدمت بها بـ«خريطة الطريق». هذه الورقة لم تحمل جديداً إنما لحظت اقتراحين كان قد سبق أن تم التداول بهما من دون أن يلقيا استحساناً لدى ثنائي «حزب الله» وحركة «أمل».

فشل مجلس النواب اللبناني بتوازناته الحالية في انتخاب رئيس للجمهورية (أرشيفية - رويترز)

ونصّ الاقتراح الأول على التشاور بين النواب في المجلس دون دعوة رسمية، على أن يتم التوجه من بعدها إلى جلسة انتخاب مفتوحة بدورات متتالية. أما الاقتراح الثاني فنص على دعوة رئيس مجلس النواب إلى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، فإذا لم يتم الانتخاب خلال الدورة الأولى، تبقى الجلسة مفتوحة، ويقوم النواب والكتل بالتشاور خارج القاعة على أن يعودوا إلى القاعة العامة للاقتراع، في دورات متتالية.

ويواصل نواب يمثلون المعارضة لقاءاتهم مع ممثلين عن الكتل ليعرضوا عليهم مبادرتهم، على أن يلتقوا ممثلين عن «الثنائي الشيعي»، نهاية الأسبوع المقبل. لكن الأخير استبق أي لقاء بانتقاد المبادرة، وإعلان رفضها، عبر عدد من نوابه ومقربين منه.

خلال اجتماع لسفراء «اللجنة الخماسية» بسفارة قطر في بيروت (أرشيفية - السفارة القطرية)

مبادرة باسيل

وكان قد سبق التحرك المُعارض، مبادرة لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل تبنت إلى حد بعيد مبادرة كان قد أطلقها رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، بصيف عام 2023 والقائلة بحوار محدود زمنياً، بحيث لا يتجاوز الـ10 أيام، يدعو إليه بري ويرأسه، على أن تليه مباشرة جلسة لانتخاب رئيس بعدة دورات.

لكن المعارضة سارعت إلى رفض هذه المبادرة من منطلق أن تولي رئيس المجلس الدعوة للحوار يعني مصادرة رئاسة مجلس النواب رئاسة الجمهورية، كما يتم تجاوز الدستور واعتماد عرف يقول إن كل انتخابات رئاسية يفترض أن يسبقها حوار وتفاهم مسبق على اسم الرئيس.

أما المبادرة الرابعة، فكانت لـ«اللقاء الديمقراطي»، التي سعت لتقريب وجهات النظر بين «الثنائي الشيعي» والمعارضة، وأتت تلبية لتمني المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، لكنها لم تؤد لأي خرق يُذكر.

وكانت قد سبقت كل هذه المبادرات، مبادرة لـ«تكتل الاعتدال»، التي كانت عبارة عن خطة عملية تقول بالتداعي لتشاور يسبق جلسة الانتخاب. هذه المبادرة رحبت بها كل القوى قبل أن تختلف على تنفيذ بنودها، بخاصة بعد إصرار «حزب الله» وحركة «أمل» على أن يكون بري من يرأس الحوار ويدعو إليه.

وفد المعارضة اللبنانية المكلف تسويق مبادرتها لإنهاء الشغور الرئاسي (أرشيفية - المركزية)

تبادل اتهامات

وفيما تتهم مصادر المعارضة «الثنائي الشيعي» بربط مصير الرئاسة بنتائج حرب غزة وعمله وفق مبدأ «إما انتخاب مرشحي سليمان فرنجية أو لا رئاسة»، تماماً كما حصل قبيل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، تعد مصادر «الثنائي الشيعي»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «من يرفض التلاقي والحوار الجدي هو من يعطل الانتخابات»، متهمة رئيس «القوات» سمير جعجع بـ«المراهنة على متغيرات كبيرة في المنطقة بعد حرب غزة تؤدي لتغيير بالتركيبة اللبنانية ما يجعله غير متحمس لإنجاز الاستحقاق الرئاسي».

المبادرات الدولية

هذا على المستوى المحلي، أما على المستوى الدولي، فتعد المبادرة الفرنسية التي يتولاها جان إيف لودريان أبرز المبادرات التي قامت من دون أن تؤدي لنتيجة.

وقد تولت اللجنة الخماسية الدولية المعنية بالشأن اللبناني، وتضم الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية وفرنسا وقطر ومصر، في الأشهر الماضية، المهمة عن لودريان، إلا أنها لم تنجح حيث فشل هو.

الرئيس نجيب ميقاتي مستقبلاً جان إيف لودريان في السراي الحكومي (أرشيفية - رويترز)

أما المبادرة السابعة، فهي المبادرة القطرية، في ظل سعي موفدين قطريين لتحقيق خرق بالتوازي مع الجهود المستمرة لـ«الخماسية».

وللمفارقة أنه لم يُعلن فشل أي من المبادرات السابق ذكرها، سواء الداخلية أو الخارجية، وهي لا تزال قائمة حتى إشعار آخر.

الطابة في الملعب اللبناني

وتؤكد مصادر دبلوماسية فرنسية أن «المسعى الفرنسي لا يزال مستمراً، سواء من خلال اللجنة الدولية، أو من خلال لودريان الجاهز للعودة إلى بيروت في أي وقت للعب دور الوسيط بين القوى اللبنانية المساهمة بإنجاز الاستحقاق الرئاسي»، مشددةً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «الطابة اليوم في الملعب اللبناني بعد أن قالت القوى الدولية كلمتها بوجوب التلاقي والحوار للتفاهم على اسم رئيس، وفي ظل انشغال دول (الخماسية) بملفاتها الداخلية وبملف حرب غزة»، مضيفة: «أما شكل الحوار وطريقة إتمامه بمهمة متروكة بالكامل للبنانيين وتعد بالنسبة إلينا تفصيلاً».


مقالات ذات صلة

«حزب الله» يوسع رقعة استهدافات صواريخه إلى تل أبيب

المشرق العربي أبنية مدمرة في منطقة الرويس في ضاحية بيروت الجنوبية نتيجة القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب) play-circle 00:42

«حزب الله» يوسع رقعة استهدافات صواريخه إلى تل أبيب

أعاد «حزب الله» تفعيل معادلة «بيروت مقابل تل أبيب» التي كثيراً ما رفعها، عبر استهداف قلب إسرائيل.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)

​تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت

تجددت الغارة الإسرائيلية (الأحد) على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات وجهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء موقعين

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي طفل يراقب ماذا يحصل حوله بينما تحاول عناصر أمنية طرد النازحين من فندق قديم بمنطقة الحمرا في بيروت (رويترز)

أطفال لبنان عرضة للقتل والصدمات النفسية

أصبح خبر مقتل أطفال في لبنان بشكل يومي، بغارات تنفذها إسرائيل بحجة أنها تستهدف عناصر ومقرات وأماكن وجود «حزب الله»، خبراً عادياً يمر مرور الكرام.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي جانب من الأضرار التي أصابت مركز الجيش اللبناني في منطقة العامرية في قضاء صور إثر استهدافه بقصف إسرائيلي مباشر (أ.ف.ب) play-circle 00:37

ميقاتي: استهداف إسرائيل الجيش اللبناني رسالة دموية

رأى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن استهداف إسرائيل مركزاً للجيش اللبناني بالجنوب يمثل رسالة دموية مباشرة برفض مساعي التوصل إلى وقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)

هكذا بدّلت سطوة «حزب الله» هويّة البسطة تراثياً وثقافياً وديموغرافياً

لم تكن الغارة الإسرائيلية الثالثة التي استهدفت منطقة البسطة وسط بيروت ذات طابع عسكري فقط؛ بل كان لها بُعدٌ رمزي يتمثل في ضرب منطقة أضحت بيئة مؤيدة لـ«حزب الله».

يوسف دياب (بيروت)

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع في المنطقة

لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
TT

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع في المنطقة

لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)

اعتبر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، بعد لقائه وزير الخارجية السوري بسام الصباغ في دمشق، الأحد، أنه «من الضروري للغاية ضمان أن يكون هناك وقف فوري لإطلاق النار في غزة ولبنان وأن نجنب جر سوريا» إلى النزاع في المنطقة. وأضاف بيدرسن: «نرى أنه من الضروري للغاية تهدئة التصعيد حتى لا يتم جر سوريا أكثر إلى هذا النزاع».

من جانبها، لم تصدر الخارجية السورية أي تفاصيل حول نتائج لقاء بيدرسن والصباغ، واكتفت ببيان مختزل أعلنت فيه عن اللقاء دون تفاصيل.

وكانت تقارير إعلامية محلية قد أفادت في وقت سابق بأن زيارة بيدرسن الثانية إلى دمشق خلال هذا العام تهدف إلى بحث إمكانية استئناف اللجنة الدستورية اجتماعاتها المتعثرة منذ أكثر من عامين، بسبب الخلاف على مكان عقد الاجتماع، وذلك بعد الرفض الروسي القاطع لعقدها في جنيف على خلفية موقف سويسرا من الحرب الروسية - الأوكرانية.

ونقلت صحيفة «الوطن» السورية، المقربة من الحكومة، عن مصادر قولها إن بيدرسن «بات على قناعة بأنه لا بد من انعقاد هذه اللجنة في العواصم العربية المرشحة لاستضافتها، وهي بغداد والرياض والقاهرة، لكون الجانب الروسي يرفض رفضاً قاطعاً انعقادها في جنيف».

وعقدت اللجنة الدستورية 8 جلسات وتم تأجيل الجلسة التاسعة بعد طلب روسيا تغيير مكان انعقاد المحادثات، ولم يتم التوافق على مكان آخر. وحسب صحيفة «الوطن»، يجري بيدرسن مباحثات مع المسؤولين السوريين في دمشق التي وصلها يوم الأربعاء، حول إمكانية استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية.

وكان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، صرّح في وقت سابق لوكالة «تاس» الروسية بأن جنيف هي المكان الوحيد المرفوض من قبل الجانب الروسي، لافتاً إلى قبول موسكو بأي من الأماكن الأخرى المقترحة. وفيما يتعلق بمقترح عقد الاجتماع في بغداد، قال لافرنتيف إن المعارضة السورية رفضت هذا الاقتراح باعتبار بغداد مكاناً غير محايد لها؛ لأن الحكومة العراقية داعمة لدمشق. وأضاف: «لا تزال المعارضة تصر على رفض هذا الخيار، رغم أنه لا يمكن أن يؤثر على سير المفاوضات الدستورية». وحسب المسؤول الروسي، فقد أكدت موسكو لبيدرسن ضرورة مواصلة الجهود لاستئناف اجتماعات اللجنة الدستورية، كما دعته لبذل الجهود بدلاً من الدعوة إلى ممارسة النفوذ على هذا الجانب أو ذاك.

ومنذ بدء النزاع في سوريا، شنّت إسرائيل مئات الضربات الجوية، مستهدفة مواقع تابعة للقوات الحكومية وأهدافاً إيرانية وأخرى تابعة لـ«حزب الله» اللبناني. وازدادت وتيرة الغارات على وقع المواجهة المفتوحة التي تخوضها إسرائيل مع «حزب الله» في لبنان المجاور. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بمقتل 105 أشخاص، معظمهم مقاتلون موالون لإيران، في حصيلة جديدة لغارات إسرائيلية استهدفت، الأربعاء، 3 مواقع في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي، ضمّ أحدها اجتماعاً «لمجموعات سورية موالية لطهران مع قياديين من حركة (النجباء) العراقية و(حزب الله) اللبناني». وكان المرصد أحصى مقتل 92 شخصاً في حصيلة سابقة لهذه الغارات. ونادراً ما تؤكّد إسرائيل تنفيذ الضربات، لكنّها تكرّر تصدّيها لما تصفه بمحاولات إيران لترسيخ وجودها العسكري في سوريا. وتقول في الفترة الأخيرة إنها تعمل على منع «حزب الله» من «نقل وسائل قتالية» من سوريا إلى لبنان.