عائلات غزاوية تتمسك بمفاتيح العودة وسط نزوح متكرر في الحرب

نازحة احتفظت بألبوم أطفالها ثم اضطرت إلى حرقه لإشعال النار والطهو به

حسن نوفل (53 عاماً) يتمسّك بمفاتيح منزله بعد النزوح إلى خان يونس (أ.ب)
حسن نوفل (53 عاماً) يتمسّك بمفاتيح منزله بعد النزوح إلى خان يونس (أ.ب)
TT

عائلات غزاوية تتمسك بمفاتيح العودة وسط نزوح متكرر في الحرب

حسن نوفل (53 عاماً) يتمسّك بمفاتيح منزله بعد النزوح إلى خان يونس (أ.ب)
حسن نوفل (53 عاماً) يتمسّك بمفاتيح منزله بعد النزوح إلى خان يونس (أ.ب)

يحتفظ حسن نوفل بمفاتيح منزلين على سلسلة مفاتيحه؛ أحدهما هو منزل أجداده فيما يُعرف الآن بجنوب إسرائيل، الذي يقول إن القوات الإسرائيلية طردت عائلته منه في عام 1948 ولم يتمكنوا من العودة إليه مطلقاً، والآخر هو منزل نوفل في شمال غزة الذي اضطر إلى الفرار منه العام الماضي، بعد أن شنّت إسرائيل حربها على القطاع. وعلى مدى ما يقرب من الأشهر التسعة منذ بدء الحرب، نزح نوفل وعائلته أربع مرات، وهُجّروا ذهاباً وإياباً عبر قطاع غزة هرباً من الهجوم. وقال نوفل إنه عازم على التأكد من أن مفتاحه لن يصبح تذكاراً مثل أجداده. وقال لوكالة «أسوشييتد برس»: «إذا أصبح مفتاح منزلي مجرد ذكرى مع تقدمي للأمام، فأنا لا أريد أن أعيش بعد الآن. يجب أن أعود إلى منزلي... أريد أن أبقى في غزة وأستقر فيها مع أطفالي داخل منزلنا».

ويقول نوفل، وهو موظف في السلطة الفلسطينية يبلغ من العمر 53 عاماً، إنه فرّ مع زوجته وأطفاله الستة من منزلهم في مخيم جباليا للاجئين شمالي البلاد في أكتوبر (تشرين الأول). وتوجهوا أولاً إلى مدينة دير البلح بوسط البلاد، ثم إلى مدينة رفح في أقصى جنوب غزة. واضطروا إلى الفرار مرة أخرى عندما شنّت إسرائيل هجوماً هناك في مايو (أيار) وانتقلوا إلى خان يونس. وفي الأسبوع الماضي، فرّوا من خان يونس إلى خيمة في المواصي.

حسن نوفل يطهو لعائلته بعد النزوح إلى خان يونس في قطاع غزة (أ.ب)

وأدت الحرب الإسرائيلية على غزة، بعد هجوم 7 أكتوبر على بلدات في غلاف غزة، إلى طرد نحو 1.9 مليون من سكان القطاع، البالغ عددهم 2.3 مليون فلسطيني قبل الحرب، من منازلهم. وقد نزح معظمهم مراراً وتكراراً منذ ذلك الحين؛ إذ فرّوا عبر القطاع هرباً من سلسلة من الهجمات البرية. والنزوح في كل مرة يعني الانتقال المؤلم إلى مكان جديد وسلسلة من الملاجئ المؤقتة المزدحمة، سواء في منازل الأسرة الممتدة، أو مدارس الأمم المتحدة، أو المخيمات. وعلى طول الطريق، كافحت العائلات من أجل البقاء معاً والاحتفاظ ببعض الممتلكات. وفي كل موقع جديد، يجب عليهم العثور على مصادر جديدة للطعام والماء والعلاج الطبي. وفي أحدث موجة نزوح جماعي، بدا الناس يفرون من المناطق الشرقية إلى مدينة خان يونس الجنوبية بعد أن أمرت إسرائيل بإخلائها.

ويتكدّس جميع سكان غزة تقريباً الآن في «منطقة آمنة إنسانية» أعلنتها إسرائيل وتغطي نحو 60 كيلومتراً مربعاً (23 ميلاً مربعاً) على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وتتمركز في منطقة ريفية قاحلة تُسمّى المواصي. وعلى الرغم من اسمها، نفذت إسرائيل غارات جوية قاتلة في «المنطقة الآمنة»، وفقاً لـ«أسوشييتد برس».

علا نصار التي نزحت إلى خان يونس منذ الغارات الإسرائيلية على القطاع تقف أمام خيمات للنازحين (أ.ب)

ويقيم النازحون وسط ظروف معيشية صعبة، إذ يتكدسون في خيم معظمها من الأغطية البلاستيكية، في حين تستند البطانيات على العصي. ومع عدم وجود أنظمة للصرف الصحي، تعيش الأسر بجوار برك مفتوحة من مياه الصرف الصحي ولا تحصل إلا على القليل من المياه الصالحة للشرب أو المساعدات الإنسانية.

ويقول نوفل: «بالنزوح إلى مكان جديد، من الصعب التعامل مع الحشرات والعيش على أرض رملية. نحن نمرض، لأن الجو يصبح حاراً في أثناء النهار وبارداً قليلاً في الليل». وتابع الفلسطيني أن الخطوة الأولى، وهي مغادرة منزله في جباليا، كانت الأصعب، في حين كان يحمل سلسلة مفاتيحه مع مفاتيح منزله ومنزل أجداده فيما كان في السابق بقرية الحليقات الفلسطينية، خارج ما يُعرف الآن بغزة. لم يبق شيء من الحليقات؛ إذ استولى الجيش الإسرائيلي على القرية والقرى المجاورة لها في أوائل عام 1948. وأجبر سكانها على الرحيل. تُعد مثل هذه المفاتيح القديمة ممتلكات ثمينة لأحفاد الفلسطينيين الذين طُردوا أو فرّوا خلال الصراع الذي أعقب بدء الاحتلال الإسرائيلي. ويخشى كثيرون في غزة أنه، كما حدث في تلك الحرب الماضية، لن يُسمح لهم بالعودة إلى منازلهم بعد هذه أيضاً.

كما تحتفظ علا نصار بمفاتيح منزلها في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة. بالنسبة لها، فهي ترمز إلى «السلامة والاستقرار والحرية. إنها مثل هويتي»، كما تقول علا. كانت عائلة علا قد انتقلت للتو إلى المنزل الذي يحتوي على مطبخ جُدّد حديثاً عندما بدأت حرب غزة. أما الآن فقد احترق بشدة، بالإضافة إلى الملابس والديكورات التي اضطرت إلى تركها وراءها عندما فرّوا في شهر أكتوبر، وتتابع علا أنها تفتقر إلى مجموعة عزيزة من الأطباق التي كانت هدية من شقيقها وتحطمت خلال غارة جوية. ونزحت علا هي وزوجها وأطفالهما الثلاثة سبع مرات خلال الحرب؛ إذ فرّوا من مدينة إلى أخرى. ومن رفح، جاءوا إلى مأواهم الحالي: خيمة في المواصي.

علا نصار (41 عاماً) نزحت إلى خان يونس منذ الغارات الإسرائيلية على القطاع (أ.ب)

وتقول علا: «كل نزوح شهدناه كان صعباً، لأن التغلّب عليه يستغرق وقتاً»، وتتابع: «بحلول الوقت الذي نتغلّب فيه على ذلك، سيتعيّن علينا النزوح مرة أخرى، كما أن العثور على الطعام صعب في كثير من الأحيان بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار»، وتردف: «كانت هناك أيام كنا نتناول فيها وجبة واحدة فقط». وعندما نزحوا للخروج من منازلهم، ترك الكثيرون وراءهم كل شيء تقريباً، ولم يحصلوا إلا على بعض الضروريات. وقالت نور مهدي إنها لم تأخذ سوى مفاتيح منزلها وسند ملكية شقتها وألبوم صور لأطفالها السبعة. وتعرّض الألبوم لاحقاً للتلف بسبب المطر، فقالت إنها استخدمته لإشعال النار للطهو به. وتقول نور: «كان هذا صعباً للغاية، لأنه كان مهماً جداً بالنسبة لي؛ لأنه يحتوي على ذكريات تتعلق بأطفالي».

وثائق وصور تخص عائلة عمر فياض الذي نزح إلى دير البلح في قطاع غزة (أ.ب)

واحتفظ عمر فياض بصورة لابنته وصورة لنفسه عندما كان عمره 10 سنوات. ولكن بعد عدة تنقلات يتمنّى لو لم يغادر منزله قط، ويفسّر الرجل البالغ من العمر 57 عاماً: «كل مكان أسوأ من الآخر. كان من الأفضل بالنسبة لي لو بقيت في منزلي هناك ومت»، لم يستطع فياض كتمان الشوق إلى منزله في بيت حانون شمال غزة. وأدت الحرب الإسرائيلية إلى مقتل أكثر من 38 ألف فلسطيني، وفقاً لوزارة الصحة في غزة. وقال محمد الأشقر، وهو أيضاً من بيت لاهيا، إنه نزح 6 مرات مع بناته الأربع وأبنائه الأربعة وأحفاده.

وعلى طول الطريق، انفصلت العائلة. وبقي شقيق الأشقر في الشمال؛ لأن زوجته كانت حاملاً، ولم تكن صحتها كافية للتنقل. وبعد فترة وجيزة، أصابتها شظية من غارة جوية في رأسها وقتلتها، ولكن أُنقذ الطفل.

أفراد من عائلة الأشقر بعد النزوح إلى خان يونس في قطاع غزة (أ.ب)

وتوجه أحد أبناء الأشقر إلى مخيم النصيرات وسط قطاع غزة للإقامة في منزل عائلة زوجته. كان الابن في المطبخ يطهو ذات يوم عندما ضربت غارة جوية المنزل؛ ما أسفر عن مقتل زوجته وأربعة من أطفاله في غرفة المعيشة. وبترت ساق الابن، ويعيش الآن اثنان من أبنائه الباقين على قيد الحياة مع الأشقر. كما قُتل ابن آخر في غارة منفصلة في النصيرات. وبعد كل ذلك، ليست الممتلكات هي ما يفتقده الرجل البالغ من العمر 63 عاماً، ويقول: «ليس هناك ما نبكي عليه بعد أن تركنا كل شيء وراءنا ورؤية كل هؤلاء الموتى وكل هذه المعاناة».


مقالات ذات صلة

السعودية تدعو المجتمع الدولي للتحرك لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الخليج الأمير فيصل بن فرحان خلال مشاركته بالجلسة الموسعة للاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول مجموعة السبع في إيطاليا (واس)

السعودية تدعو المجتمع الدولي للتحرك لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

شددت السعودية، الاثنين، خلال الجلسة الموسعة للاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول مجموعة السبع (G7)، على ضرورة تحرك المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان.

«الشرق الأوسط» (فيوجي)
شؤون إقليمية وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش (أ.ب)

وزير المالية الإسرائيلي يدعو لخفض عدد سكان غزة للنصف

دعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، اليوم الاثنين، إلى خفض عدد سكان قطاع غزة إلى النصف من خلال تشجيع الهجرة الطوعية لتسهيل السيطرة على القطاع.

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي «حماس» تقول إن عرض هدنة في قطاع غزة لمدة 5 أيام هو أمر مرفوض (أ.ف.ب)

قيادي في «حماس»: الحديث عن هدنة 5 أيام في غزة مرفوض

قال القيادي في حركة «حماس» أسامة حمدان اليوم الاثنين إن عرض هدنة في قطاع غزة لمدة 5 أيام هو أمر مرفوض، مؤكدا أن الحركة معنية في الوقت نفسه بوقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي إسرائيليون يقفون في ساحة بتل أبيب حيث تم وضع صور وتذكارات للأسرى المحتجزين لدى «حماس» الاثنين (رويترز)

عائلات محتجزين في غزة يتهمون نتنياهو بتضليل ترمب للتهرب من صفقة تبادل

اتهمت عائلات عدد من هؤلاء المحتجزين، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته، بتقديم معلومات مضللة إلى ترمب حول مصير الأسرى.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي جانب من الأضرار التي سببها التفجير في حي المزة في 14 الحالي (الشرق الأوسط)

دمشق تشدّد إجراءات تسجيل عقود الإيجارات

شدَّدت وزارة الداخلية السورية إجراءات تسجيل عقود الإيجار، ومنحت الشرطة صلاحية إخلاء العقارات في ظل تنامي المخاوف من تأجير المنازل لأشخاص مرتبطين بـ«حزب الله».

«الشرق الأوسط» (دمشق)

الأمم المتحدة: الهجمات التي تستهدف الجيش اللبناني «انتهاك صارخ» للقرار 1701

جنود لبنانيون يتجمعون في موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت موقعاً للجيش في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
جنود لبنانيون يتجمعون في موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت موقعاً للجيش في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

الأمم المتحدة: الهجمات التي تستهدف الجيش اللبناني «انتهاك صارخ» للقرار 1701

جنود لبنانيون يتجمعون في موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت موقعاً للجيش في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
جنود لبنانيون يتجمعون في موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت موقعاً للجيش في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

قال ستيفان دوغاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، يوم الاثنين، إن المنظمة الدولية تشعر بالقلق إزاء تصاعد الأعمال القتالية بين «حزب الله» اللبناني والجيش الإسرائيلي، والهجمات التي تعرض لها الجيش اللبناني.

ونقل موقع الأمم المتحدة عن دوغاريك قوله «قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) تشعر بقلق بالغ إزاء الضربات العديدة التي تعرضت لها القوات المسلحة اللبنانية على الرغم من إعلان عدم مشاركتها في الأعمال القتالية»، مشيراً إلى أن القوات المسلحة اللبنانية أعلنت عن مقتل 45 جندياً على الأقل في هجمات وقعت مؤخراً.

وأضاف دوغاريك أن الهجمات التي تستهدف القوات المسلحة اللبنانية «تشكل انتهاكاً صارخاً لقرار مجلس الأمن رقم 1701، وكذلك القانون الإنساني الدولي، الذي يحظر استهداف الذين لا يشاركون في الأعمال القتالية».

وقال المتحدث إن الأمم المتحدة لا تزال «تشعر بقلق عميق إزاء تصعيد الأعمال العدائية والدمار الواسع النطاق والخسائر في الأرواح عبر (الخط الأزرق) الذي يفصل بين لبنان وإسرائيل».

وتابع قائلاً «نحث جميع أطراف الصراع على حل خلافاتهم من خلال المفاوضات، وليس من خلال العنف».

واتسع نطاق الحرب الإسرائيلية ليشمل لبنان في سبتمبر (أيلول) بهدف القضاء على «حزب الله» الذي كان يشن هجمات على إسرائيل منذ العام الماضي دعماً للفلسطينيين في قطاع غزة.

وأدت الهجمات الإسرائيلية إلى مقتل أكثر من ثلاثة آلاف في لبنان حتى الآن.وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية ولبنانية خلال الساعات الماضية عن قرب الاتفاق على وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله».