مهمة إنقاذ مُعقَّدة تُعيد مستشفيات في غزة للعمل «جزئياً»

مسؤولو «الصحة» في القطاع اضطروا إلى «مفاضلات مؤلمة» بين الأقسام

مهمة إنقاذ مُعقَّدة تُعيد مستشفيات في غزة للعمل «جزئياً»
TT

مهمة إنقاذ مُعقَّدة تُعيد مستشفيات في غزة للعمل «جزئياً»

مهمة إنقاذ مُعقَّدة تُعيد مستشفيات في غزة للعمل «جزئياً»

نجحت وزارة الصحة بغزة، في إعادة تشغيل أجزاء في مستشفيات شمال القطاع بعد أن أخرجتها إسرائيل عن الخدمة، في مهمة معقّدة إلى حد كبير على مستوى التشغيل رغم استمرار الحرب، واضطر المسؤولون الطبيون إلى «خيارات مستحيلة» عبر «مفاضلة مؤلمة» لإغلاق أقسام طبية داخلية لتوفير وقودها لصالح أقسام أخرى بدت أكثر إلحاحاً.

وتمكنت جهود الإنقاذ الجزئية من إحراز تقدم بعد تعاون مع «منظمة الصحة العالمية»، ودول وجهات أخرى، بعدما افتقد نحو 700 ألف فلسطيني في مناطق شمال القطاع معظم الخدمات الطبية، لكنهم بدأوا خلال الأسابيع القليلة الماضية تلقي العلاج في بعض الأقسام.

وكان أول النجاحات في «مجمع الشفاء الطبي» شمال القطاع، والذي كان أكبر مجمع طبي في غزة، بعدما تم تشغيل قسم الكلى داخل المجمع الذي دمّرته القوات الإسرائيلية بشكل شبه كامل؛ وهو ما أعاد الأمل إلى كثير من الغزيين، ومنهم نرمين أبو مهادي (43 عاماً)، التي تعاني فشل الكلى، ولم تصدق أن الفِرق الطبية نجحت أخيراً في إعادة تشغيل قسم الغسل الكلوي.

أبو مهادي، واحدة من بين بضع مئات من المرضى الموجودين في شمال غزة، الذين كانوا يمنّون النفس بأن يعود قسم غسل الكلى للعمل، بعدما تقطعت بهم السبل، وأصبحت حياتهم على المحك.

وقالت أبو مهادي لـ«الشرق الأوسط»: «بعدما دمّر الإسرائيليون المستشفى (مجمع الشفاء)، صرنا نتنقل من مكان إلى آخر، ومن عيادة إلى عيادة في رحلة مُذلة من أجل الحصول على جلسة غسل واحدة كل أسبوع، بينما قبل الحرب كنت أخضع لـ3 جلسات في الأسبوع، وكل جلسة 4 ساعات، واليوم جلسة أو جلستان وكل جلسة ساعتان... الوضع صعب كثيراً».

وعاشت أبو مهادي أسابيع صعبة قبل إعادة قسم غسل الكلي للعمل في «مجمع الشفاء»، مع جلسات أقل وغياب المياه المفلترة للشرب، والآلام التي لا تنتهي.

80 ألف لتر

وتتهم وزارة الصحة في غزة إسرائيل بتعمد إحراق معظم مباني «مجمع الشفاء الطبي» وأقسامه، وإحداث أضرار كبيرة فيه. وشكّل تشغيل قسم الغسل الكلوي، بصيص أمل لمئات آخرين من مرضى الكلى، في المنطقة الشمالية من القطاع الذي يعاني حصاراً متكاملاً.

لكن، وفي مقابل النجاحات بتشغيل أقسام مهمة جرى إغلاق أخرى، وعبّر عن جانب من ذلك مدير «منظمة الصحة العالمية» تيدروس أدهانوم غيبريسوس، والذي قال إن «القطاع الصحي وحده يحتاج إلى 80 ألف لتر (وقود) يومياً، وهذا يضطر الأمم المتحدة، بما في ذلك (منظمة الصحة العالمية)، وشركاؤها إلى اتخاذ خيارات مستحيلة».

رسم توضيحي لأوضاع مستشفيات غزة في نوفمبر الماضي

وقال فريد الكردي (57 عاماً)، وهو أحد المرضى الذين كانوا يتلقون العلاج في «الشفاء» قبل تدميره: «أرواحنا كانت معلقة بذلك، لا أصدق أنني قد أحصل على جلستين من الغسل أسبوعياً».

وشرح الكردي، الذي يعيش في مخيم جباليا، كيف كان يعرّض حياته للخطر، ويقف انتظاراً للحصول على جلسة واحدة في الأسبوع في عيادة صحية خاصة.

ويضيف الكردي لـ«الشرق الأوسط»: «كل ما نطلبه الحصول على حقنا في علاج يبقينا على قيد الحياة. إنه مرض قاتل في أوجاعه وتبعاته».

وقبل الحرب، كان نحو 500 شخص يتلقون علاج الغسل الكلوي في «مجمع الشفاء»، وزاد ذلك بعد الحرب بعدما تقطعت السبل بالغزيين، وتم فصل المناطق عن بعضها بعضاً.

وبحسب مصادر طبية، فإن ما لا يقل عن 40 مريضاً بالفشل الكلوي قضوا في غضون آخر 5 أشهر من الحرب في مناطق شمال قطاع، إما بسبب المعارك أو عدم تلقيهم العلاج.

وساهمت «منظمة الصحة العالمية» في تشغيل «قسم الكلى» بعد ترميمه، وهي تخطط وتعمل حالياً من أجل محاولة تجهيز مبنى آخر داخل مجمع الشفاء الطبي، ليكون بمثابة قسم للطوارئ في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع.

مستشفيات في الساحات

وقالت مصادر مشاركة في الترتيبات لـ«الشرق الأوسط»: «إنه في حال فشل تشغيل قسم الطوارئ، ثمة أفكار لتحويل ساحات المجمع، لتكون بمثابة مستشفى ميداني يتم فيه استقبال كل الحالات الطبية الطارئة».

وأضافت المصادر: «هناك اتصالات تجري مع مختلف المنظمات الإغاثية والدولية من أجل المضي قدماً في هذا المخطط، لكن هناك عقبات إسرائيلية تمنع ذلك حتى الآن».

ووفق المصادر، فإنه «تحت ضغوط أميركية وبطلب من الأمم المتحدة ومنظمات طبية أميركية وغيرها، وافقت إسرائيل على إدخال بعض المستلزمات الطبية، لكنها غير كافية».

ولم تقف هذه المحاولات عند «الشفاء»، بل نجحت وزارة الصحة في غزة، ومنظمات صحية دولية بإعادة تشغيل بعض الأقسام الحيوية في «المستشفى الإندونيسي» شمال بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة.

وشارك وفد أجنبي في استقبال الجرحى ومحاولة تقديم العلاج لهم في قسم الاستقبال والطوارئ، وهو القسم الأول الذي أعيد تشغيله في «الإندونيسي»، ثم تبعه تجهيز غرفة عمليات مجهزة ببعض الأجهزة، لكنها لا تكفي لاستيعاب أعداد الجرحى الذين يصلون للمشفى ويحتاجون إلى عمليات جراحية.

وصول جرحى فلسطينيين إلى أحد المستشفيات في أكتوبر الماضي بعد غارات إسرائيلية (أ.ب)

وقال طبيب من داخل «الإندونيسي»، فضّل عدم ذكر هويته؛ بسبب ملاحقة الاحتلال للأطباء، إن هناك «أطباء من الصين والأردن وغيرهما من الدول يساعدون في إنعاش المستشفى، ويشاركون بإجراء العمليات الجراحية الطارئة، ونجحوا فعلياً بإنقاذ حياة بعض الجرحى الذين أصيبوا بحالات خطيرة في القصف الإسرائيلي على مناطق متفرقة».

وأكد الطبيب لـ«الشرق الأوسط» أن العمل جارٍ لجلب المزيد من الأجهزة والمعدات لتأمين غرفة عمليات مجهزة بالكامل.

ونجحت مؤسسات عربية ودولية بنقل جزئي لمستلزمات طبية لبعض المستشفيات الأخرى التي يجري العمل على تشغيلها جزئياً.

ويعاني قطاع غزة، انهياراً للمنظومة الصحية بعد خروج أكثر من 33 مستشفى وعيادة طبية عن الخدمة بفعل الاستهداف المتكرر من قِبل قوات الاحتلال لها.

ويتواجد في منطقة شمال قطاع غزة، مستشفيات «كمال عدوان»، و«الأهلي العربي» (المعمداني)، و«عيادة الصحابة المركزية» التي تعدّ بمثابة مستشفى صحي شبه متكامل، وجميعها تعمل بشكل جزئي، وبقدرات محدودة، بدعم من منظمات صحية إغاثية.

وتعاني تلك المستشفيات نقص الكوادر الطبية والإمكانيات والمستلزمات الطبية اللازمة لعلاج الجرحى والمرضى وغيرهم، لكن محاولة ترميم المستشفيات وإنعاشها، تواجه الخطر الأكبر وهو نقص الوقود الدائم.

وحذَّرت وزارة الصحة في غزة من توقف عمل جميع المستشفيات في شمال القطاع، بسبب نقص الوقود الذي كان يتم إدخاله بالتعاون مع منظمات صحية دولية.

مرضى ونازحون في «مستشفى الشفاء» بمدينة غزة قبل تدميره (أ.ف.ب)

وقالت الوزارة إن «استمرار أزمة الوقود يهدد تشغيل مولدات المستشفيات ومحطات الأكسجين وثلاجات حفظ الأدوية في المرافق الصحية كافة المتبقية على رأس عملها في قطاع غزة»، مشيرةً إلى أنه ️«يتم اتباع إجراءات تقشفية قاسية أمام سياسة التقطير في التوريد لكميات قليلة جداً من الوقود في بعض الأحيان».


مقالات ذات صلة

انتقادات من الجيش لنتنياهو: عرقلة الاتفاق مع «حماس» سيقويها

شؤون إقليمية عناصر من حركتي «حماس» و«الجهاد» يسلمون رهائن إسرائيليين للصليب الأحمر في نوفمبر 2023 (د.ب.أ)

انتقادات من الجيش لنتنياهو: عرقلة الاتفاق مع «حماس» سيقويها

حذر عسكريون إسرائيليون، في تسريبات لوسائل إعلام عبرية، من أن عرقلة نتنياهو لصفقة تبادل أسرى، تؤدي إلى تقوية حركة «حماس»، وتمنع الجيش من إتمام مهماته القتالية.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي رجل يحمل جثة طفل قُتل في غارة إسرائيلية على مدرسة في مخيم النصيرات للاجئين بغزة (أ.ف.ب)

غزة: 71 قتيلاً جراء القصف الإسرائيلي في يوم واحد

أعلنت وزارة الصحة  الفلسطينية في قطاع غزة، اليوم (الخميس)، ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 44 ألفاً و56 قتيلاً، إلى جانب 104 آلاف و268 إصابة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت (رويترز)

بن غفير وسموتريتش يتهمان غالانت بالسماح لـ«حماس» بالاستمرار في حكم غزة

انتقد أعضاء اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية غالانت بعد أن حذر من أنّ تحمل المسؤولية عن توزيع المساعدات الإنسانية في غزة قد يجر إسرائيل للحكم العسكري.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يحملون جثمان أحد القتلى جراء القصف الإسرائيلي على النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ب)

قصف طال مدرسة وخيمة للنازحين... الجيش الإسرائيلي يقتل 16 فلسطينياً بغزة

قتل الجيش الإسرائيلي اليوم (الأربعاء) 16 فلسطينياً على الأقل في هجمات جوية على مناطق مختلفة بقطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

ميقاتي: استهداف إسرائيل الجيش اللبناني رسالة دموية

TT

ميقاتي: استهداف إسرائيل الجيش اللبناني رسالة دموية

جانب من الأضرار التي أصابت مركز الجيش اللبناني في منطقة العامرية في قضاء صور إثر استهدافه بقصف إسرائيلي مباشر (أ.ف.ب)
جانب من الأضرار التي أصابت مركز الجيش اللبناني في منطقة العامرية في قضاء صور إثر استهدافه بقصف إسرائيلي مباشر (أ.ف.ب)

رأى رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن استهداف إسرائيل مركزاً للجيش اللبناني في الجنوب، يمثل رسالة دموية مباشرة برفض مساعي التوصل إلى وقف إطلاق النار.

وأعلنت قيادة الجيش اللبناني، الأحد، «استشهاد أحد العسكريين وإصابة 18 بينهم مصابون بجروح بليغة نتيجة استهداف العدو الإسرائيلي مركز الجيش في العامرية على طريق القليلة - صور، كما تعرّض المركز لأضرار جسيمة».

وكانت «الوكالة الوطنية للإعلام» (الرسمية) أفادت باستهداف حاجز للجيش في العامرية أدى إلى إصابة أكثر من 8 عسكريين، بينهم حالتان حرجتان، مشيرة إلى أن سيارات الإسعاف و«الصليب الأحمر» وكشافة الرسالة للإسعاف الصحي هُرعت إلى المكان، وعملت على نقل الجرحى إلى المستشفيات في صور.

عدوان مباشر

وفي تعليق منه على ما حدث رأى ميقاتي أن «استهداف العدو الإسرائيلي بشكل مباشر مركزاً للجيش في الجنوب وسقوط شهداء وجرحى يمثل رسالة دموية مباشرة برفض كل المساعي والاتصالات الجارية للتوصل إلى وقف النار، وتعزيز حضور الجيش في الجنوب، وتنفيذ القرار الدولي رقم 1701»، مؤكداً أن «هذا العدوان المباشر يضاف إلى سلسلة الاعتداءات المتكررة للجيش وللمدنيين اللبنانيين، وهو أمر برسم المجتمع الدولي الساكت على ما يجري في حق لبنان».

ورأى أن «رسائل العدو الإسرائيلي الرافض لأي حل مستمرة، وكما انقلب على النداء الأميركي - الفرنسي لوقف إطلاق النار في سبتمبر (أيلول) الفائت، ها هو مجدداً يكتب بالدم اللبناني رفضاً وقحاً للحل الذي يجري التداول بشأنه».

وأضاف قائلاً: «إن الحكومة التي عبّرت عن التزامها تطبيق القرار الدولي رقم 1701 وتعزيز حضور الجيش في الجنوب، تدعو دول العالم والمؤسسات الدولية المعنية إلى تحمّل مسؤولياتها في هذا الصدد».

أدى استهداف الجيش في صور جنوب لبنان إلى أضرار جسيمة في المركز والآليات العسكرية (أ.ف.ب)

ويتعرض الجيش اللبناني منذ بدء الحرب على لبنان لاستهدافات إسرائيلية متواصلة؛ ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوفهم، بحيث وصل عدد القتلى إلى 44 عسكرياً، بينهم 19 قُتلوا في مراكز عملهم و25 في منازلهم مع عائلاتهم.

ويأتي ذلك في ظل الحديث الجدي اليوم حول دور الجيش اللبناني في المرحلة المقبلة والوعود التي يطلقها المسؤولون اللبنانيون لناحية تطبيق القرار 1701، وزيادة عدد الجنود والضباط عند الحدود اللبنانية إلى 10 آلاف.

استهداف متكرر

وتضع مصادر أمنية الاستهدافات المتكررة للجيش اللبناني في خانة الرسائل لمنع وجود العسكريين عند الحدود اللبنانية، وهو ما يقوم به الجيش الإسرائيلي مع قوات الـ«يونيفيل» بحيث يريد فرض منطقة آمنة مهجورة ومحروقة.

وينتشر اليوم نحو 4500 عنصر من الجيش في منطقة جنوب الليطاني، كانت مهمتهم بشكل أساسي مراقبة تطبيق القرار 1701 والخروق التي تحصل، وكان قد أعيد انتشارهم بالتراجع ما بين 3 و4 كيلومترات، عند بدء التصعيد الإسرائيلي عبر إعادة تموضعهم في مراكز خلفية محصنة ومجهزة للدفاع إذا ما حدث أي تقدم للجيش الإسرائيلي»، وفق ما يؤكد مصدر أمني.