بارزاني في بغداد لـ«تسوية حاسمة» بعد «استقبال استثنائي»

حرب لبنان والتوغل التركي والموازنة... تتصدر جدول الأعمال

بغداد تُبدي اهتماماً كبيراً بزيارة بارزاني وتصفه بـ«الثقل السياسي» (إعلام حكومي)
بغداد تُبدي اهتماماً كبيراً بزيارة بارزاني وتصفه بـ«الثقل السياسي» (إعلام حكومي)
TT

بارزاني في بغداد لـ«تسوية حاسمة» بعد «استقبال استثنائي»

بغداد تُبدي اهتماماً كبيراً بزيارة بارزاني وتصفه بـ«الثقل السياسي» (إعلام حكومي)
بغداد تُبدي اهتماماً كبيراً بزيارة بارزاني وتصفه بـ«الثقل السياسي» (إعلام حكومي)

خصَّت الحكومة العراقية وأحزاب الإطار التنسيقي، رئيسَ الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، باستقبالٍ استثنائي، كما أظهرت بيانات وصور بثَّتها مواقع رسمية، الأربعاء.

ووصل بارزاني إلى بغداد منهياً قطيعة استمرت 6 سنوات فرضها سياق الخلافات العميقة بين أربيل، مركز حكم الإقليم والحكومة الاتحادية، على طيف واسع من القضايا الجوهرية بين الجانبين.

والتقى بارزاني، في مستهلِّ زيارته، رئيس الوزراء محمد السوداني، قبل أن يلتقي عدداً كبيراً من المسؤولين وقادة الأحزاب والكتل السياسية.

انفراجة حقيقية

وقال بارزاني خلال لقائه السوداني وبعض قادة الأحزاب والكتل السياسية، إن «زيارتي لبغداد هدفها تعزيز الجهود التي بذلها رئيس الوزراء وأدت إلى انفراجة حقيقية بين الحكومة الاتحادية والإقليم».

وأضاف أن «حوارنا كان بنّاءً فيما يتعلق بالوضعين الداخلي والإقليمي وكانت وجهات نظرنا متطابقة»، لافتاً إلى أن رئيس الوزراء السوداني يقود الدولة بنيّات أوصلتنا إلى هذا الوضع المريح».

وقال رئيس الوزراء محمد السوداني، إن «زيارة رئيس الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني لبغداد مهمة، وأجرينا حوار بنّاءً وهادفاً حول مختلف القضايا الداخلية والأوضاع الإقليمية».

والتقى بارزاني مع رئيس مجلس القضاء، وقال بيان صحافي إنهما «بحثا ملفات قانونية وقضائية مهمة خاصة بتطوير عمل القضاء في إقليم كردستان».

وفي وقت لاحق، أقام السوداني مأدبة غداء على شرف بارزاني، كما وصف بيان حكومي. وأظهرت لقطات بثَّها الإعلام الحكومي وجود قيادات بارزة في «الإطار التنسيقي» في استقبال بارزاني، من بينهم نوري المالكي وعمار الحكيم.

من جهته، رحب «الإطار التنسيقي» بزيارة بارزاني، وقال عضو التحالف عائد الهلالي، إن زعيم «الديمقراطي الكردستاني» جاء إلى بغداد وهو يحمل «الكثير من الحلول»، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية.

وأكد الهلالي أن «زيارة بارزاني لبغداد في هذا التوقيت مهمة جداً لحل المشكلات العالقة بين بغداد وأربيل، وهذه الزيارة لها أهمية كبرى في تقريب وجهات النظر في كثير من القضايا المختلف عليها».

وأشار الهلالي إلى أن «بارزاني له ثقله السياسي الكبير في بغداد، وهذه الزيارة ستكون لها نتائج إيجابية على العلاقة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية».

السوداني مستقبلاً بارزاني في القصر الحكومي ببغداد (إعلام حكومي)

تحسُّن نسبيّ

وتشهد العلاقات بين بغداد وأربيل تحسناً نسبياً منذ مايو (أيار) الماضي، حين نقضت المحكمة الاتحادية حكماً سابقاً لها قضى بإلغاء «كوتة» الأقليات في انتخابات برلمان الإقليم ومهَّدت الطريق أمام عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني لخوض الانتخابات بعد إعلان تعليق مشاركته فيها احتجاجاً على قرار إلغاء «الكوتة» الذي أثار غضب وحفيظة أربيل.

وصحيح أن علاقة أربيل والكرد بشكل عام لم تكن «مثالية» ببغداد منذ سنوات طويلة، خصوصاً بعد «التفاف» القوى الشيعية على تطبيق المادة 140 من الدستور المتعلقة بتطبيع الأوضاع في كركوك، إلا أن العلاقة تدهورت بشكل ملحوظ بعد إصرار أربيل، ومِن ورائها مسعود بارزاني وحزبه، على إجراء استفتاء الاستقلال عن العراق في 25 ديسمبر (كانون الأول) 2017.

زاد التوتر حين أطلق رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، عمليات لإعادة انتشار قواته لاستعادة السيطرة المركزية على محافظة كركوك وضرب النفوذ الكردي فيها، وكادت تؤدي إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع القوات والبيشمركة الكردية في المحافظة.

ومنذ ذلك التاريخ، اشتكت أربيل مراراً من سلوك بغداد حيالها، بعد أن قامت الأخيرة في سلسلة إجراءات تتعلق بعدم إرسالها المبالغ المالية المخصصة في موازنة البلاد المالية رداً على امتناع الإقليم عن تسليم الحصة المقررة من نفطه لبغداد، إلى جانب سلسلة أحكام قضائية أصدرتها المحكمة الاتحادية، وضمْنها إلغاء قانون نفط الإقليم، وعدم التمديد لبرلمانه، وإلغاء كوتة الأقليات، وحرمان القيادي في الحزب الديمقراطي هوشيار زيباري من حق الترشيح لموقع رئاسة الوزراء. وهذه السلسلة من الإجراءات تسببت بضرر كبير في العلاقة بين الجانبين.

ويأمل معظم الساسة الكرد، خصوصاً المرتبطين بالحزب الديمقراطي والمؤيدين له، أن تسهم الزيارة الجديدة لبارزاني، وهو الشخصية الأكثر نفوذاً وتأثيراً في الإقليم والعراق ربما في حلحلة جميع الخلافات القائمة مع بغداد، مثلما يأمل كثير من القادة السياسيين والشيعة منهم بشكل محدد في نجاح الزيارة وعودة «الحلف التاريخي» بين الساسة الكرد والشيعة، حيث كان بارزاني أحد أبرز وجوهه وقادته.

السوداني وبارزاني بحثا الأربعاء ملفات تخص العلاقة بين بغداد وأربيل (إعلام حكومي)

ثقل بارزاني

وفي مقابل الترحيب والتفاؤل الذي تُظهره قوى «الإطار التنسيقي» حيال زيارة بارزاني بوصفه «يمثل ثقلاً سياسياً كبيراً في بغداد»، على حد وصف أحد أعضائه، لا يحبّذ المستشار الإعلامي لزعيم الحزب الديمقراطي كفاح محمود، الحديث عن «القطيعة» بين أربيل وبغداد، ذلك أن «العلاقة بينهما لم تنقطع، وكانت الزيارات المتبادلة بين الجانبين حاضرة على طول الخط».

لكنَّ محمود أقرَّ في حديث لـ«الشرق الأوسط» بأن «العلاقة شابتها تعقيدات بالغة وصلت إلى ذروتها بعد استعمال بغداد القوات المسلحة في النزاع السياسي مع الإقليم، كما حصل في اجتياح كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها عام 2017».

ورغم انخراط الحزب الديمقراطي الكردستاني في تحالف «إدارة الدولة» الذي شكَّل حكومة السوداني، يرى محمود أنه «فشل هو الآخر من وضع حلول نهائية للإشكاليات بين الإقليم والحكومة الاتحادية رغم بعض التقدم الذي اتضح في مشكلة الرواتب والموازنة».

ويعتقد أن «التعقيدات الرئيسية لا تزال تواجه تحديات كبيرة خصوصاً تطبيق المادة 140 من الدستور المتعلقة بالمناطق الكردستانية الخارجة عن إدارة الإقليم وبالذات محافظة كركوك وقضاء سنجار اللتين تتعرضان لتغييرات ديموغرافية خطيرة وتدخلات خارجية أخطر، ناهيك بعدم التوصل إلى صيغة متفَق عليها لقانون النفط والغاز وتشكيل المحكمة الدستورية العليا وانتخاب رئيس للبرلمان والانتخابات المبكرة».

بارزاني والوفد المرافق خلال استقباله في القصر الحكومي ببغداد (إعلام حكومي)

حربا غزة ولبنان

وأكد محمود أن معظم هذا المشكلات ستكون حاضرة في الحقيبة التي يحملها إلى بغداد، فضلاً عن أن «الزيارة لا تقتصر على مباحثات تخص الإقليم والعراق فقط بل هناك تحديات جدية ومهمة تواجه العراق وفي مقدمتها التأثيرات الخطيرة لحرب غزة وجنوب لبنان والخشية من تورط العراق فيها».

وسيكون للتوغل التركي لملاحقة (حزب العمال) في جبال قنديل وقضاء سنجار -والكلام لمحمود- حصة في مباحثات الرئيس مع بارزاني، خصوصاً أن هذا التدخل «أدى إلى نزوح آلاف المواطنين في محافظة دهوك وتعطيل تنفيذ اتفاق سنجار، ناهيك بعجز الفعاليات السياسية عن الوصول إلى اتفاق حول عقد جلسة لمجلس محافظة كركوك وانتخاب محافظ لها».

واتفق محمود مع الآراء التي تذهب إلى أن زيارة بارزاني ستكون بمثابة «تسوية حاسمة» يجريها الزعيم الكردي مع القادة السياسيين في بغداد، ولا يستبعد أن تتناول «التعقيدات الجارية في مجلس محافظة نينوى وتفرد كتلة سياسية باتخاذ قرارات تؤدي نتائجها إلى مزيد من الإشكاليات دون توافق الجميع حول إدارات الأقضية والنواحي، كما أن الموازنة وانتخابات الإقليم والأوضاع الأمنية ستكون جزءاً مهماً من المباحثات».


مقالات ذات صلة

الحكومة العراقية الجديدة مفتوحة على المفاجآت

المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)

الحكومة العراقية الجديدة مفتوحة على المفاجآت

توتر سياسي واسع داخل المعسكر الشيعي الحاكم في العراق بعد التراجع عن إدراج «حزب الله» اللبناني وجماعة «الحوثي» اليمنية على قوائم الإرهاب.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي مقاتلون حوثيون خلال استعراض في صنعاء باليمن 21 سبتمبر 2024 (رويترز)

الرئاسة العراقية تنفي علمها بقرار اعتبار «حزب الله» والحوثيين «جماعتَين إرهابيتَين»

نفت رئاسة الجمهورية العراقية علمها أو مصادقتها على قرار اعتبار جماعتَي «أنصار الله (الحوثيين)»، و«حزب الله» اللبناني إرهابيَّتين، وتجميد أصولهما وأموالهما.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)

العراق يصنف «سهواً» حلفاء إيران «إرهابيين»... وارتباك داخل «التنسيقي»

في غضون ساعات، تراجع العراق عن وضع «حزب الله» وجماعة «الحوثي» على قائمة إرهاب، بعد ارتباك وذهول بين أوساط حكومية وسياسية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي مناصرون يحملون أعلام «حزب الله» اللبناني في بيروت (رويترز)

السوداني يوجه بالتحقيق في خطأ يتعلق بقائمة لتجميد أموال شملت «حزب الله» و«الحوثيين»

وجَّه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، اليوم الخميس، بتحقيق عاجل ومحاسبة المقصرين بشأن الخطأ بقرار لجنة تجميد الأموال.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
تحليل إخباري ولدان يجلسان على خط الأنابيب العراقي - التركي في قضاء زاخو بمحافظة دهوك بإقليم كردستان العراق (روترز)

تحليل إخباري صراع خطوط الأنابيب... ازدياد النفوذ الأميركي في العراق وتراجع الهيمنة الإيرانية

شهدت الأشهر القليلة الماضية تصعيداً خفياً وفعالاً للضغط الدبلوماسي الأميركي على الحكومة العراقية، نتج عنه إعادة فتح خط أنابيب كركوك-جيهان.

«الشرق الأوسط» (بغداد، واشنطن)

الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
TT

الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)

شكر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني «كندا على قرارها رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب». وأضاف، في بيان، اليوم (الثلاثاء): «نثمن دعم كندا لسوريا في مسيرتها الحالية نحو الاستقرار وإعادة الإعمار».

وتابع البيان: «إن هذا القرار يشكل لحظة مهمة لتعزيز العلاقات السورية – الكندية، ويمهِّد لمرحلة جديدة من الشراكات المتعددة... إن سوريا تشدد على استعدادها للعمل مع الشركاء الدوليين كافة والتواصل الإيجابي بما يسهم في دعم جهود التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، ويصبّ في مصلحة الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين».


توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
TT

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)

أكّدت مصادر وزارية أنه لا خلاف بين الرؤساء الثلاثة، مع دخول المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية مرحلةً جديدةً بإدخال مدني إليها، هو سفير لبنان السابق لدى واشنطن، المحامي سيمون كرم، لترؤس الوفد اللبناني للجنة الـ«ميكانيزم»، بغية تفعيل اجتماعاتها للتوصل إلى اتفاق أمني، قاعدته الأساسية تطبيق وقف الأعمال العدائية، بخلاف اجتماعاتها السابقة التي غلبت عليها المراوحة، وتشاركت وقيادة القوات الدولية «اليونيفيل» في تعداد الخروق والغارات الإسرائيلية.

ولفتت إلى أن توافق الرؤساء على إخراج الـ«ميكانيزم» من الدوران في حلقة مفرغة، تلازم مع رسم حدود سياسية للتفاوض، محصورة بوقف الخروق والاعتداءات الإسرائيلية، والانسحاب من الجنوب، وإطلاق الأسرى اللبنانيين، وإعادة ترسيم الحدود وتصحيحها، انطلاقاً من التجاوب مع تحفّظ لبنان على النقاط المتداخلة الواقعة على الخط الأزرق والعائدة لسيادته.

رئيس الحكومة نواف سلام مجتمعاً مع السفير سيمون كرم (رئاسة الحكومة)

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن لبنان يصر على حصر جدول أعمال المفاوضات ببنود أمنية لا يمكن تجاوزها للبحث في تطبيع العلاقات اللبنانية - الإسرائيلية، والتوصل إلى اتفاقية سلام بين البلدين، وهذا ما أجمع عليه رؤساء «الجمهورية»، العماد جوزيف عون، و«الحكومة»، نواف سلام، و«المجلس النيابي»، نبيه بري، الذي كان أول من اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، ومن ثم أصروا على تكرار موقفهم في هذا الخصوص استباقاً لانعقاد الجولة الأولى من المفاوضات، بحضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ومشاركة كرم فيها، بما يتعارض مع جدول أعمالها الذي حدده رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

وقالت إن نتنياهو يريد تكبير الحجر لتحريض «حزب الله» على الدولة وإرباكها، فيما يواصل جيشه خروقه واعتداءاته لتأليب بيئته عليه، وهذا ما تبين باستهدافه عدداً من المنازل الواقعة بين جنوب نهر الليطاني وشماله، رغم خلوها من مخازن لسلاح الحزب. ورأت بأنه يواصل ضغطه بالنار لإلزام لبنان بالتسليم لشروطه، وإن كان يدرك سلفاً أنه لا مجال أمام المفاوضات لخروجها عن جدول أعمالها التقني - الأمني، بالتلازم مع إصرار الحكومة اللبنانية على تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة، ولا عودة عنه.

وتوقفت المصادر أمام تأكيد بري أنه كان أول مَن اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، وسألت، أين يقف الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم من اقتراحه؟ وهل سبق أن اعترض على اقتراح «أخيه الأكبر» في هذا الخصوص؟ رغم أنه في كتابه المفتوح إلى الرؤساء الثلاثة أكّد رفضه للمفاوضات مع إسرائيل، ليعود لاحقاً إلى تصويب ما حمله كتابه هذا، بتكليفه قيادياً في الحزب بأن ينقل رسالة إليه مفادها أنه لم يكن هو المقصود به، لقطع الطريق على افتعال مشكلة داخل البيت الشيعي.

كما سألت قاسم، ألم يوافق الحزب على اجتماعات الـ«ميكانيزم»، ما دام «أخوه الأكبر» هو مَن يفاوض باسمه وكان وراء التوصل لاتفاق وقف النار مع الوسيط الأميركي آنذاك أموس هوكستين؟ وقالت إنه ليس لدى الحزب من أوراق سوى رفع سقف اعتراضه على المفاوضات، ولم يعد يملك ما يسمح له بأن يعيد خلطها في ضوء اختلال ميزان القوى لمصلحة إسرائيل، بعد أن أفقده إسناده غزة منفرداً توازن الردع وقواعد الاشتباك.

الدخان يتصاعد في بلدة المجادل في جنوب لبنان إثر استهدافها بقصف إسرائيلي يوم الخميس (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر إلى أن الحزب يفتقد إلى أي بدائل لقلب موازين القوى، ويكتفي بتسجيل اعتراض من العيار الثقيل على المفاوضات، من دون أن يكون في وسعه ترجمته عسكرياً، رغم إصراره على تمسكه بسلاحه واتهامه حكومة سلّام بارتكاب خطيئة بموافقتها على حصرية السلاح التي يُفترض أن تتقدم بدءاً من شمال الليطاني حتى حدود لبنان الدولية مع سوريا، بالتلازم مع تسجيل تقدم في المفاوضات.

ورأت أن الحزب مضطر لوزن موقفه، لأنه ليس وارداً كسر علاقته بعون وتهديد تحالفه ببري، ما يُسبّب انكشافه فيما هو بأمس الحاجة لحماية الداخل، إضافة لما يترتب على «خدش» علاقته بهما من تداعيات سلبية على الطائفة الشيعية، لا يريدها ويتفداها، وما هو المانع من أن يضع ما لديه من أوراق بعهدة بري، كونه الأقدر منه على مراعاته للمزاج الشيعي الذي ينشد تحرير الجنوب، وإفساحاً في المجال أمام عودة أهله إلى قراهم، ولا يرى من منقذ غيره، ويتطلع إليه خصومه على أنه الممر الإلزامي للتوصل إلى تسوية تُعيد إدراج لبنان على لائحة الاهتمام الدولي، وتفتح كوّة لإعادة إعمار البلدات المدمرة، خصوصاً أنه يحظى بعلاقات دولية وعربية، بخلاف الحزب الذي لم يعد له سوى إيران.

وأكدت المصادر أن دخول المفاوضات في مرحلة جديدة كان وراء الضغط الأميركي على إسرائيل لمنعها من توسعتها للحرب، بعد أن استجاب لبنان لطلبها بتطعيم الـ«ميكانيزم» بمدني كُلّف برئاسة وفده، وتمنت على «حزب الله» الوقوف خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي، وأن مخاوفه من أن تؤدي إلى ما يخشاه بالتوصل مع إسرائيل إلى اتفاقية سلام ليست في محلها، ما دام أن حليفه بري هو أول من أيد تطعيمها بمدنيين، وبالتالي ما المانع لديه من أن يعطيها فرصة ليكون في وسعه بأن يبني على الشيء مقتضاه لاحقاً، بدلاً من أن يُبادر من حين لآخر إلى «فش خلقه» بسلام، رغم أنه ليس فاتحاً على حسابه، وينسق باستمرار مع عون، ويتعاونان لتطبيق حصرية السلاح التي نص عليها البيان الوزاري للحكومة.

وكشفت أن التواصل بين عون وبري لم ينقطع، وهما قوّما قبل انعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الأجواء التي سادت اجتماع الـ«ميكانيزم» في الناقورة، وقالت إن بري كان أوصى النواب المنتمين لكتلته النيابية، والمسؤولين في حركة «أمل»، بعدم التعليق لا سلباً ولا إيجاباً على كل ما يختص بالمفاوضات، وأن توصيته جاءت بناءً على رغبته في حصر الموقف به شخصياً لتفادي إقحام محازبي الطرفين في سجال، سرعان ما يتحول إلى مناوشات في الشارع، فيما الحزب يحرص، كما تقول قيادته، على تحصين علاقته بحليفه الأوحد في الساحة اللبنانية، بعد أن تفرّق عنه شركاؤه السابقون في محور الممانعة بتأييدهم حصرية السلاح.

وقالت المصادر إن الحزب يدرك جيداً أن الأبواب ما زالت مقفلة أمام تصويب علاقاته العربية والدولية، بخلاف بري. وسألت على ماذا يراهن، بعد أن رفضت قيادته المبادرة المصرية إصراراً منها، حسب مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، بأن ترهن موقفها بالمفاوضات الأميركية - الإيرانية، ليكون بمقدورها أن تضعه في سلة إيران، لعلها تتمكن من الحفاظ على نفوذها في لبنان بعد تراجع محور الممانعة في الإقليم؟

لذلك، سيأخذ الحكم والحكومة علماً باعتراض «حزب الله»، من دون أن يكون له مفاعيل تصعيدية بتحريك الشارع لتفادي الاحتكاك مع محازبي «أمل»، ما دام أن انطلاقة المفاوضات لا تلقى اعتراضاً من بري، وتبقى تحت سقف تحرير الجنوب تطبيقاً للـ«1701»، إلا إذا ارتأى الدخول في مزايدة شعبوية مع حليفه لا طائل منها، وستؤثر سلباً على حمايته، على الأقل داخل طائفته.


قاسم: ضم مدني لبناني إلى لجنة وقف إطلاق النار مع إسرائيل سقطة

نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
TT

قاسم: ضم مدني لبناني إلى لجنة وقف إطلاق النار مع إسرائيل سقطة

نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)

رأى الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم، الجمعة، أن تسمية السلطات اللبنانية مدنياً في اللجنة المكلفة مراقبة تطبيق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، هي بمثابة «سقطة» تضاف إلى «خطيئة» الحكومة بقرارها نزع سلاح الحزب.

وخلال حفل حزبي، قال قاسم في خطاب عبر الشاشة: «نرى أن هذا الإجراء هو سقطة إضافية تُضاف إلى خطيئة قرار الخامس» من أغسطس (آب)، في إشارة إلى القرار الحكومي بنزع سلاح الحزب، لكنه أكد في الوقت نفسه تأييده خيار الدبلوماسية الذي تتبعه السلطات لوقف الهجمات الإسرائيلية.

وانضم، الأربعاء، مندوبان مدنيان لبناني وإسرائيلي إلى اجتماعات اللجنة المكلفة مراقبة وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، في أول لقاء مباشر منذ عقود، قالت الرئاسة اللبنانية إن هدفه «إبعاد شبح حرب ثانية» عن لبنان.