إسرائيل تتهم إيران بتفجير مقر قواتها في صور عام 1982

بعدما تمسكت برواية «تسرّب الغاز» 42 عاماً

ضباط الشاباك يعتقدون أن التفجير في صور كان من أوائل عمليات «حزب الله» في لبنان (إ.ب.أ)
ضباط الشاباك يعتقدون أن التفجير في صور كان من أوائل عمليات «حزب الله» في لبنان (إ.ب.أ)
TT

إسرائيل تتهم إيران بتفجير مقر قواتها في صور عام 1982

ضباط الشاباك يعتقدون أن التفجير في صور كان من أوائل عمليات «حزب الله» في لبنان (إ.ب.أ)
ضباط الشاباك يعتقدون أن التفجير في صور كان من أوائل عمليات «حزب الله» في لبنان (إ.ب.أ)

بعد 42 عاماً من التمسك برواية تقول إن الانفجار الذي وقع في مقر قيادة الجيش الإسرائيلي في مدينة صور اللبنانية، عام 1982، وقع نتيجة تسرب الغاز، أعلنت إسرائيل اليوم تغيير روايتها، وقالت إن العملية تمت بهجوم مسلح تتحمل مسؤوليته إيران.

وجاء في بيان مشترك بين الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) والشرطة الإسرائيلية، الأربعاء، أن «الانفجار المميت الذي استهدف مبنى مقر قيادة الجيش في صور بلبنان عام 1982 يعد هجوماً مسلحاً وليس حادثاً ناتجاً عن تسرب غاز». وأفاد البيان بأن فريق التحقيق الذي عمل في الموضوع توصل إلى قناعات جديدة، وأنه تم تعيين لجنة تحقيق مكملة تابعة لرئيس أركان الجيش، وبالتعاون مع الشاباك والشرطة، سيرأسها الجنرال أمير أبو العافية، وستكون مهمتها النظر في النتائج التي خلص إليها الفريق وغيرها من المواد، وصياغة موقف نهائي من هذا الموضوع.

وقال الجيش إن «ذلك جاء بناء على توصية من لجنة أمنية إسرائيلية مشتركة، مكوّنة من الجيش والشاباك والشرطة، تشكلت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، للنظر في كافة المعلومات المتوفرة إلى جانب جمع معلومات جديدة بشأن التفجير» الذي أودى بحياة عشرات الجنود وعناصر الأمن الإسرائيليين. وكانت مؤسسة الأمن الإسرائيلية قد أعلنت في العام الماضي أنها تعيد فتح التحقيق في الحادث «احتراماً للقتلى وسعياً وراء الحقيقة».

المعروف أن الانفجار وقع بعد الاحتلال الإسرائيلي للبنان في يونيو (حزيران) 1982، واستهدف مقر القيادة العسكرية الذي أنشأه الجيش الإسرائيلي لإدارة المدن التي احتلها. وبعد 5 أشهر، وتحديداً في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، أصابت سيارة بيجو محملة بالمتفجرات المبنى الذي استقرت فيه قيادة الجيش الإسرائيلي في صور، والذي كان مكوناً من 7 طوابق. وقد أدى الانفجار إلى تسوية المبنى بالأرض، وقتل جراء ذلك 75 ضابطاً وجندياً إسرائيلياً من قوات الجيش والشرطة وعملاء الشاباك. بالإضافة إلى ذلك قتل 14 أسيراً من اللبنانيين والفلسطينيين الذين كانت تحتجزهم إسرائيل. وأصيب 27 إسرائيلياً و28 عربياً بجروح أيضاً.

وأشار تحقيق رسمي للجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت إلى أن «حدوث تسرب للغاز هو الذي أدى إلى انفجار وانهيار المبنى». ومع أن اللبنانيين والفلسطينيين أكدوا في ذلك الوقت أن هذه عملية مسلحة نفذها شاب لبناني، أصرت إسرائيل على روايتها بأن الانفجار كان حادثاً ناجماً عن انفجار أسطوانات الغاز.

لكن ذوي عدد من القتلى الإسرائيليين ظلوا يسعون إلى تحقيق إضافي، مؤكدين أن الرواية الإسرائيلية الرسمية تتناقض مع رواية 3 شهود عيان، أكدوا أنهم شاهدوا سيارة البيجو وهي تدخل بسرعة جنونية إلى المبنى وتصطدم به. كما شاهدوا أجزاء السيارة في أنقاض المبنى. وقال عدد من ضباط الشاباك، في حينه، إنهم يعتقدون أن هذه العملية كانت من أوائل عمليات «حزب الله» في لبنان. وفي بيروت، أكدوا أن منفذ العملية يدعى أحمد قصير، وهو فتى عمره 17 عاماً، وقد أقام «حزب الله» له نصباً تذكارياً بالقرب من بعلبك.

يذكر أن تفجيراً ثانياً وقع في صور نفسها، بعد ما يقرب من العام، إذ اقتحم مفجّر انتحاري في شاحنة صغيرة مليئة بالمتفجرات مبنى للشاباك في قاعدة للجيش في صور. وأسفر الانفجار في حينه عن مقتل 28 إسرائيلياً و32 أسيراً لبنانياً وجرح نحو 40 آخرين.

وصرّح مسؤول سياسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، الأربعاء، بأن تلك الهجمات تعدّ في إسرائيل عدواناً إيرانياً مباشراً.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تستكمل ملاحقة قيادات «حزب الله» في الضاحية

المشرق العربي إسرائيل تستكمل ملاحقة قيادات «حزب الله» في الضاحية

إسرائيل تستكمل ملاحقة قيادات «حزب الله» في الضاحية

تمضي إسرائيل في ملاحقة قيادات «حزب الله» في الضاحية الجنوبية لبيروت، بالتزامن مع أوسع مروحة من الغارات الجوية العنيفة التي أسفرت عن مجازر في الجنوب والبقاع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس السوري بشار الأسد (رويترز)

الأسد يعزِّي عائلة حسن نصر الله

أرسل الرئيس السوري بشار الأسد رسالة تعزية لعائلة زعيم «حزب الله» حسن نصر الله بعد يومين من اغتياله، مساء الجمعة، بقصف إسرائيلي لمقر قيادة الحزب في بيروت.

شؤون إقليمية بنيامين نتنياهو يترأس اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي (الحكومة الإسرائيلية)

اليوم التالي لإسرائيل... استثمار «المكاسب» أم التورط في لبنان؟

كما في كل حرب، تقف إسرائيل أمام خيارين؛ فإما أن تستثمر «إنجازاتها» العسكرية، وهي غير قليلة وفقاً لمفاهيمها، وإما أن تسعى للخروج من الحرب لأفق سياسي... فهل تفعل؟

نظير مجلي (تل أبيب)
تحليل إخباري أمين عام «حزب‌ الله» حسن نصر الله في أحد حواراته (أ.ف.ب)

تحليل إخباري قلق لبناني من تداعيات داخلية لاغتيال نصر الله

لن تقف تداعيات اغتيال حسن نصر الله على «حزب الله» بوصفه تنظيماً سياسياً وعسكرياً فحسب بل ستنسحب على الواقع اللبناني برمته.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جانب من قصف إسرائيلي سابق في حمص (أرشيفية - المرصد)

استهداف طرق إمداد «حزب الله» في الأراضي السورية عند الحدود مع العراق ولبنان

وسط حالة حداد أعلنتها دمشق على مقتل الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، تواصل استهداف خط إمداد الحزب في المناطق الحدودية مع العراق ولبنان.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

سوريا كانت «كعب أخيل»... كيف اخترقت إسرائيل «حزب الله»؟

مقاتلون من «حزب الله» خلال جنازة في ضاحية بيروت الجنوبية لثلاثة من رفاقهم قُتلوا في سوريا في ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)
مقاتلون من «حزب الله» خلال جنازة في ضاحية بيروت الجنوبية لثلاثة من رفاقهم قُتلوا في سوريا في ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)
TT

سوريا كانت «كعب أخيل»... كيف اخترقت إسرائيل «حزب الله»؟

مقاتلون من «حزب الله» خلال جنازة في ضاحية بيروت الجنوبية لثلاثة من رفاقهم قُتلوا في سوريا في ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)
مقاتلون من «حزب الله» خلال جنازة في ضاحية بيروت الجنوبية لثلاثة من رفاقهم قُتلوا في سوريا في ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)

كشف مسؤولون سابقون وحاليون في الاستخبارات الإسرائيلية، أن انخراط «حزب الله» في الحرب الأهلية السورية إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، كان بمثابة «كعب أخيل» الذي سمح لتل أبيب بتحقيق طفرة في اختراق الحزب، بعدما ظلت بنيته السرية عصية على الاختراق لعقود.

فبعد أقل من عقدين على فشلها ثلاث مرات في اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، خلال حرب عام 2006، تمكنت إسرائيل من تحديد موقعه بدقة يوم الجمعة الماضي، وقتله مع نحو 20 من أبرز قادة الحزب، بعد أسابيع من الاغتيالات والتصفيات والهجمات غير التقليدية.

ما تغير، بحسب المسؤولين الحاليين والسابقين الذين تحدثوا في تقرير لصحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، هو «عمق ونوعية المعلومات الاستخباراتية التي تمكنت إسرائيل من الاعتماد عليها في الشهرين الماضيين»، بدءاً باغتيال القائد العسكري للحزب فؤاد شكر نهاية يوليو (تموز) الماضي.

«صورة استخباراتية كثيفة»

هذا التغير النوعي استند، بحسب هؤلاء، إلى «الصورة الاستخباراتية الكثيفة» التي أتاحها نشر «حزب الله» عناصره في سوريا في 2012 للمساعدة في إخماد الاحتجاجات، وهو ما شكل انكشافاً أظهر «من كان مسؤولاً عن عمليات الحزب، ومن كان يحصل على ترقية، ومن كان فاسداً، ومن عاد للتو من رحلة غير مفسرة».

أرشيفية لتدريبات ميليشيات إيران في سوريا بينها مقاتلون لـ«حزب الله» اللبناني (المرصد السوري)

ولمواكبة الحرب الممتدة في سوريا، اضطر «حزب الله» إلى توسيع قاعدة تجنيد العناصر، ما جعله «أكثر عرضة للجواسيس الإسرائيليين الذين ينشرون عملاء أو يبحثون عن منشقين محتملين». وأوضحت رندا سليم، مديرة البرامج في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، أن «التوسع في سوريا أضعف آليات الرقابة الداخلية، وفتح الباب للتسلل على مستوى كبير».

«نافورة من البيانات»

وإضافة إلى فرص الاختراق، وفرت الحرب في سوريا لجواسيس إسرائيل وخوارزمياتهم «نافورة من البيانات»، معظمها متاح للجمهور، مثل «ملصقات الشهداء» التي استخدمها «حزب الله» بانتظام لنعي قتلاه في سوريا، وهي كانت مليئة بمعلومات صغيرة، بما في ذلك البلدة التي ينتمي إليها المقاتل، والمكان الذي قُتل فيه، ودائرة أصدقائه الذين نشروا الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي. كانت الجنازات أكثر كشفاً، إذ أخرجت أحياناً كبار القادة من الظل، ولو لفترة وجيزة.

ونقل التقرير عن سياسي لبناني سابق رفيع المستوى قوله إن اختراق «حزب الله» من قبل المخابرات الإسرائيلية أو الأميركية كان «ثمن دعمهم للأسد». وأوضح: «كان عليهم الكشف عن أنفسهم في سوريا، واضطرت الجماعة السرية فجأة إلى البقاء على اتصال وتبادل المعلومات مع جهاز الاستخبارات السوري بكل فساده، أو مع أجهزة الاستخبارات الروسية التي كانت تخضع لمراقبة منتظمة من قبل الأميركيين».

مثلت «ملصقات الشهداء» التي كان الحزب يوزعها لقتلاه في سوريا وصور تشييعهم مصدراً مهماً للمعلومات

تحول الحزب من كونه «منضبطاً للغاية ومتشدداً إلى السماح بدخول عدد أكبر بكثير من الناس»، كما يقول يزيد صايغ، وهو زميل بارز في مركز كارنيغي للشرق الأوسط. «كان الرضا عن الذات والغطرسة مصحوبين بتحول في العضوية بداية الضعف».

حصار بتقنيات التجسس

بموازاة هذه الطفرة في جمع المعلومات من أقمار التجسس والمسيّرات المتطورة وقدرات القرصنة الإلكترونية التي تحول الهواتف المحمولة إلى أجهزة تنصت، أنشأت إسرائيل «الوحدة 9900» التي تكتب خوارزميات تغربل كميات هائلة من الصور المرئية للعثور على أدنى تغيرات، على أمل تحديد فتحة تهوية فوق نفق أو الإضافة المفاجئة لتعزيزات خرسانية، مما يشير إلى وجود مخبأ.

وشرح التقرير أنه «بمجرد تحديد هوية أحد عناصر (حزب الله)، يتم إدخال أنماط تحركاته اليومية في قاعدة بيانات ضخمة من المعلومات، يتم سحبها من أجهزة يمكن أن تشمل الهاتف المحمول لزوجته، أو عداد المسافات في سيارته الذكية، أو موقعه».

القيادي البارز في «حزب الله» هاشم صفي الدين خلال مشاركته في تشييع قيادي من الحزب قُتل في إدلب بسوريا (أ.ف.ب)

وهذه العمليات يمكن التعرف عليها من مصادر مختلفة مثل مسيّرة تحلق في السماء، أو من خلال بث كاميرا مراقبة مخترقة يمر بها، وحتى من خلال صوته المسجل على ميكروفون جهاز التحكم عن بعد في التلفزيون الحديث، وفقاً للعديد من المسؤولين الإسرائيليين.

يشرح أحد هؤلاء المسؤولين أن «أي انقطاع عن هذا الروتين يصبح بمثابة تنبيه لضابط الاستخبارات لفحصه، وهي التقنية التي سمحت لإسرائيل بتحديد القادة متوسطي المستوى لفرق مكافحة الدبابات المكونة من اثنين أو ثلاثة مقاتلين والتي ضايقت الجيش الإسرائيلي عبر الحدود. وفي مرحلة ما، راقبت إسرائيل جداول القادة الأفراد لمعرفة ما إذا كان قد تم استدعاؤهم فجأة تحسباً لهجوم».

تحديد مكان نصر الله

خلال الشهور الماضية، نجحت الاستخبارات الإسرائيلية تقريباً في إتقان تقنية سمحت لها، على الأقل بشكل متقطع، بتحديد مكان نصر الله الذي كان يعيش تحت الأرض في شبكة من الأنفاق والمخابئ.

وفي الأيام التي أعقبت السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أقلعت الطائرات الحربية الإسرائيلية حاملة تعليمات بقصف موقع لنصر الله كان قد تم تحديده من قبل مديرية الاستخبارات الإسرائيلية «أمان». ثم ألغيت الغارة بعد أن طالب البيت الأبيض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بذلك، وفقاً لأحد المسؤولين الإسرائيليين.

موقع اغتيال نصر الله بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

لكن يبدو أن هذا الاعتراض لم يتكرر يوم الجمعة الماضي حين حددت الاستخبارات الإسرائيلية مكان نصر الله مرة أخرى متوجهاً إلى «مخبأ القيادة والسيطرة»، على ما يبدو لحضور اجتماع ضم العديد من كبار قادة الحزب وقيادي كبير من «الحرس الثوري»، ونفذت ضربتها الصادمة.