دخلت المبادرات التي تكثفت في الأسبوعين الماضيين لإخراج الملف الرئاسي من عنق الزجاجة والتي تمحورت بشكل أساسي حول إشكالية الحوار والتشاور قبل عقد جلسة انتخاب رئيس للبلاد، في عطلة عيد الأضحى، ما سيؤدي إلى تجميدها راهناً، خاصة أنها لم تنجح كلها حتى الساعة في تحقيق أي خرق يُذكر.
وحاول رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل، وكذلك رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي»، النائب تيمور جنبلاط، في الأيام الماضية، إقناع قوى المعارضة بالمشاركة في طاولة حوار أو حلقات تشاور يشترط رئيس المجلس النيابي نبيه بري عقدها قبل الدعوة إلى جلسة جديدة لانتخاب الرئيس، مع العلم أن الجلسة الأخيرة التي دعا إليها كانت قبل نحو عام، ومنذ ذلك الوقت لم تعقد أي جلسة للانتخاب، بحجة أن لا جديد على صعيد التوازنات النيابية سيؤدي إلى تأمين أي من المرشحين عدد الأصوات المطلوب للوصول إلى قصر بعبدا.
وحتى الساعة، تبدو قوى المعارضة موحدة في مقاربة الملف الرئاسي، وإن كان هناك وجهتا نظر داخلها؛ الأولى تتمثل بموقف حزب «القوات اللبنانية» الذي يفضل أن يحصل التشاور خلال جلسة الانتخاب، لعدم تكريس أعراف جديدة، أمّا الثانية فتتمثل بموقف حزب «الكتائب» وقوى أخرى تبدو أقرب للسير بتشاور، لكن بعد الحصول على ضمانات صارمة، خصوصاً في مجال الدعوة مباشرة بعد التشاور إلى جلسة انتخاب مفتوحة بدورات متتالية، وتعهد كل الفرقاء بعدم تعطيل نصاب الجلسة.
المعارضة: ضمانات فتشاور
واعتبر البعض أن باسيل يحاول شق صفوف المعارضة بإقناع قوى فيها بالسير بالتشاور بمعزل عن موقف «القوات»، إلا أن مصادر «الكتائب» أكدت أن «صفوف المعارضة لا تزال مرصوصة، وإن كان هناك أكثر من وجهة نظر فيما يتعلق بموضوع التشاور، باعتبار أن الحوار التقليدي مرفوض جملة وتفصيلاً». وأشارت المصادر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «حتى حزب (القوات) في حال حصل على الضمانات المطلوبة لن يتردد بالمشاركة بالتشاور إذا وصلنا إلى قناعة بأن فريق الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) قرر فك أسر الرئاسة».
بري: تأمين أكثرية أولاً
وسادت في الساعات الماضية تساؤلات عمّا إذا كان الرئيس نبيه بري بصدد الدعوة إلى حوار بمن حضر، بعد موافقة «التيار الوطني الحر» على الصيغة السابقة التي كان قد طرحها بري للحوار.
وعن هذا قالت مصادر قريبة من الرئيس بري لـ«الشرق الأوسط» إن «رئيس المجلس لن يبادر للدعوة للتشاور أو الحوار قبل أن يتأكد من تأمين الأكثرية اللازمة (86 نائباً) للمشاركة في أي جلسة تلي التشاور، سواء أدى التشاور إلى نتيجة أم لا». وأوضحت المصادر أن «الرئيس بري يفضل أن يتمثل حزب (القوات) في الحوار وفي التفاهم على انتخاب مرشح معين كي يتم إنجاح العهد الجديد، ولكن إذا أصر حزب (القوات) على موقفه وتأكد عدم مشاركة 86 نائباً في الجلسة، فعندها سيبادر الرئيس بري للدعوة للتشاور أو الحوار».
لا خشية من عزل «القوات»
ولا تخشى النائبة غادة أيوب، عضو تكتل «لبنان القوي»، أن يكون هناك مسعى لعزل «القوات»، مؤكدة أن «لا تباين في صفوف المعارضة، بل هناك مقاربة أخرى تتجلى بالقول للرئيس بري إننا موافقون على التشاور، لكن بشروط وضمانات، أي عقد جلسة مفتوحة ودورات متتالية حتى انتخاب رئيس، ولو لأسبوعين أو أكثر. لكن الرد أتى سريعاً بأن بري لا يريد أن يعطل التشريع بجلسة مفتوحة. وعليه، لا تباين في الأساس، لكن يمكن الحديث عن تكامل لمزيد من الضغط على الرئيس بري للاستجابة إلى متطلبات الدستور».
ورأت غادة أيوب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «القول بأن الحوار من دون (القوات) هو عزل له، فهذا أمر مستغرب، لأن الحوار بنظرنا هو بدعة تخالف الدستور». وأضافت: «هذه البدعة تؤدي إلى عزل الجمهورية اللبنانية وليس عزل حزب (القوات اللبنانية) الذي هو على انسجام ذاتي بأنه لا يرضخ لأي ابتزاز وفرض أمر واقع».
نسير جميعاً بالتشاور أو لا نسير
من جهته، أكد النائب في كتلة «تحالف التغيير»، وضاح الصادق، أن «موقف المعارضة بالمضمون متماسك، وإن كان هناك تمايز في الشكل، باعتبار أن هناك قوى متساهلة أكثر، ليس باتجاه الحوار وإنما باتجاه الاجتماع واللقاء مع الآخرين، كما قد يكون هناك خطاب مختلف بين القوى، ولكن بالنسبة إلينا، يبقى ذلك مجرد شكليات». وأضاف الصادق، لـ«الشرق الأوسط»: «لا أحد منا مستعد للذهاب إلى طاولة حوار بشكلها التقليدي، أمّا شكل التشاور فمستعدون للنقاش به، علماً بأنه بات واضحاً أنه إذا وافقنا اليوم على الحوار فغداً يضعون شرطاً غير الحوار».
ونبه الصادق إلى أن «طاولة الحوار خطر كبير»، مستهجناً «حراك باسيل الذي تضارب مع حوار الاشتراكي، والذي أتى حصراً للتسويق لحوار الرئيس بري». وقال: «لو أردنا أن نوافق على الحوار لكنا وافقنا مباشرة على دعوة الرئيس بري، فلماذا نعطي هكذا ورقة للنائب باسيل؟ في كل الأحوال هناك تفاهم بين مكونات المعارضة، فإما نسير جميعاً بالتشاور وإما لا نسير».