القلق يخيم على جبهة جنوب لبنان وحذر شديد من تصاعد المواجهة

وقف النار في غزة يحدد مصير المواجهة مع إسرائيل

من مراسم تشييع القيادي في «حزب الله» طالب عبد الله في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)
من مراسم تشييع القيادي في «حزب الله» طالب عبد الله في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)
TT

القلق يخيم على جبهة جنوب لبنان وحذر شديد من تصاعد المواجهة

من مراسم تشييع القيادي في «حزب الله» طالب عبد الله في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)
من مراسم تشييع القيادي في «حزب الله» طالب عبد الله في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

تدخل المواجهة بين «حزب الله» وإسرائيل بعد اغتيالها أحد أبرز قادته الميدانيين، طالب سامي العبد الله، في دائرة الاشتعال الأشد حدّة وضغطاً واتساعاً منذ إعلان الحزب في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي مساندته لحركة «حماس» في غزة، ما يضع جنوب لبنان على حافة الهاوية، وينذر بتدحرج الوضع العسكري نحو توسعة القتال، وهذا ما يدفع بوزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية أنتوني بلينكن، في جولته الثامنة على عدد من دول المنطقة، للتدخل بكل ما لديه من ثقل سياسي لمنع إطالة أمد الحرب على الجبهة الغزاوية، لما لها من تأثير يؤدي حكماً إلى خفض التوتر على الجبهة الجنوبية.

فاغتيال القيادي أبو طالب العبد الله شكّل ضربة معنوية لـ«حزب الله»، الذي بادر إلى توسيع مروحة قصفه بأسلحة متطورة جواً وبراً للعمق الإسرائيلي، تأكيداً منه بأن المواجهة لن تكون كما كانت عليه قبل اغتياله، وهذا ما هدد به رئيس المجلس التنفيذي للحزب، هاشم صفي الدين، متوعداً إسرائيل بمزيد من العمليات، أكثر شدة وبأساً وكمّاً ونوعاً، من دون أن يعني، على حد قول مصدر دبلوماسي غربي لـ«الشرق الأوسط» في تحليله لتهديده، أن الحزب يسعى لتوسعة الحرب، وإن كان انتهى من الاستعداد لها في حال بادرت إسرائيل إلى توسعتها، مع أن الولايات المتحدة ومعظم دول الاتحاد الأوروبي أبلغت تل أبيب، مراراً وتكراراً، بأنها ليست في وارد توفير الغطاء السياسي لها، وتفضّل إعطاء الأولوية للحل الدبلوماسي لإعادة الهدوء إلى الجبهة مع «حزب الله».

واشنطن تنصح بضبط النفس

وكشف المصدر الدبلوماسي الغربي أن الاتصالات لم تنقطع بين واشنطن ورئيسي الحكومة نجيب ميقاتي والمجلس النيابي نبيه بري، الذي يتولى التفاوض مع الوسيط الأميركي أموس هوكستين بالإنابة عن «حزب الله»، وقال إنها تشدد على ضبط النفس، وتنصح بعدم انجرار الحزب إلى سوء التقدير في ردّه على اغتيال القيادي الميداني أبو طالب العبد الله.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن «حزب الله»، وإن كان بادر إلى توسيع رقعة استهدافه للعمق الإسرائيلي، فإنها بقيت محصورة في المنطقة الممتدة من الجليل بشقيه الأعلى والغربي إلى هضبة الجولان المحتلة، مروراً بطبريا، من دون أن يتجاوزها حتى الساعة ليطال العمق الاقتصادي الممتد من البحر إلى المدن الواقعة على تخومه أو بجواره.

وفي هذا السياق، قالت مصادر سياسية بارزة إن المواجهة بين الحزب وإسرائيل ما زالت تحت السيطرة، برغم تصاعد التهديدات التي يطلقها رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو وأركان حربه بتوسعة المواجهة، وأكدت أنه يتعرض إلى ضغط أميركي للتوصل إلى وقف للنار في غزة، وهو يحاول الآن شراء الوقت لعله يتمكن من فرض شروطه لإعادة الهدوء إلى جنوب لبنان، محاولاً توظيف اغتيال القيادي في الحزب لتحسين وضعه الداخلي في مواجهة خصومه.

نتنياهو واحتمالات المغامرة

ولفتت المصادر السياسية إلى أنه لا يمكن التكهن بما ستؤول إليه المواجهة جنوباً، بمعزل عن الجهود الأميركية الرامية للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، وسألت: هل يقدم نتنياهو على استغلال عامل الوقت لقطع الطريق على الوساطة الأميركية، بإحراج واشنطن، وقيامه بمغامرة غير محسوبة باستهداف مناطق حساسة تقع خارج الجنوب، تستدعي من «حزب الله» الرد بالمثل في حال؟

فنتنياهو يمعن في ابتزازه لواشنطن، ويحاول الالتفاف على الضغوط التي تمارسها عليه لدفعه للموافقة على القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي بوقف النار في غزة، مع أن الفصائل الفلسطينية في القطاع كانت اشترطت توضيح عدد من النقاط الواردة في الخطة التي أعلنها الرئيس الأميركي جو بايدن، وهذا ما يفسر تريثها بتأييدها إلى حين تلقيها الإيضاحات التي تطالب بها.

لذلك، فإن الوضع في جنوب لبنان سيدخل حالياً، وإلى أن يتقرر مصير المبادرة الأميركية للتوصل إلى وقفٍ للنار في غزة، في حالة من القلق الشديد؛ نظراً لأن التهدئة جنوباً ترتبط أولاً وأخيراً بعودة الهدوء إلى غزة، وبالتالي سيبقى الحذر قائماً ومفتوحاً على كل الاحتمالات، طالما أن الهدنة في القطاع ليست في متناول اليد.

هدنة غزة هي الأساس

وعليه، فإن المواجهة في الجنوب يمكن أن تتصاعد بوتيرة غير مسبوقة إذا ما أقدم نتنياهو على مغامرة عسكرية يتوخى منها توسعة الحرب، ما يضطر «حزب الله» للرد لمنعه من توسعتها، وهو أراد باستهدافه للعمق الإسرائيلي تمرير رسالة واضحة لتل أبيب بأنه لن يقف مكتوف اليدين، خصوصاً أنه أرفقها هذه المرة باستخدامه أسلحة متطورة لم يسبق له استخدامها، وأن لديه اليد الطولى، بالمفهوم العسكري للكلمة، لاستهداف مناطق تقع ما بعد حيفا.

والسؤال المطروح هو: هل جاء رد «حزب الله» على اغتيال القيادي أبو طالب العبد الله بحجم المصاب الذي لحق به؟ وكيف سيتصرف من الآن وصاعداً بما يحقق له حالة من توازن الرعب تحسب لها إسرائيل ألف حساب إذا ما أقدمت على توسعة الحرب، في ظل الضبابية التي ما زالت تحاصر الجهود للتوصل لوقف إطلاق النار في غزة؟

فالوضع في الجنوب يبقى متوقفاً على مصير الهدنة في غزة، ومن شأنه أن يرفع من منسوب التصعيد، وسط تزايد المخاوف من أن يخرج عن السيطرة، برغم أن الحزب يمارس أقصى درجات ضبط النفس، محتفظاً لنفسه بحق الرد على استهداف إسرائيل مناطق في عمق البقاع.

لذلك، لم يكن في وسع مرجع سياسي سوى القول، في معرض رده على أسئلة زواره: «قولوا لي ماذا سيحصل في غزة لأقول لكم إلى أين سيذهب الجنوب، من دون إدارة ظهرنا للاتصالات الجارية بين واشنطن وطهران، التي وقفت منذ اللحظة الأولى ضد توسعة الحرب، مع أن الكلمة تبقى أولاً وأخيراً للميدان».


مقالات ذات صلة

خالد بن سلمان وعون يبحثان مستجدات لبنان

الخليج الأمير خالد بن سلمان لدى لقائه العماد جوزيف عون (وزارة الدفاع السعودية)

خالد بن سلمان وعون يبحثان مستجدات لبنان

بحث الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي مع العماد جوزيف عون قائد الجيش اللبناني، مستجدات الأوضاع في لبنان والجهود المبذولة بشأنها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي مواطنون يسيرون بالقرب من مسجد مدمر في قرية خيام اللبنانية (رويترز)

غارة جوية إسرائيلية على شرق لبنان

استهدفت غارة جوية إسرائيلية، فجر اليوم (الأربعاء)، منطقة بعلبك شرق لبنان، في خرق لاتفاق وقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد نجيب ميقاتي (وسط الصورة من اليسار) في صورة مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (وسط الصورة من اليمين) والوزراء بعد اجتماع وزاري في مدينة صور (مكتب رئيس الوزراء)

السندات الدولية تنذر بمقاضاة لبنان أمام القضاء الأميركي

بلغت السندات اللبنانية السيادية السقوف المرتقبة للارتفاع بنسبة قاربت 100 في المائة من أدنى مستوياتها في الأسواق المالية الدولية.

علي زين الدين (بيروت)
المشرق العربي صورة الأمين العام السابق لـ«حزب الله» حسن نصر الله على أوتوستراد بيروت - الجنوب (إ.ب.أ) play-circle 02:51

مصادر تكشف أولويات «حزب الله» المقبلة... تقييم وتحقيقات وتشييع قيادات

يتفرغ «حزب الله» لإعادة ترتيب بيته الداخلي باستكمال بنيانه السياسي والتنظيمي.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (رئاسة الحكومة)

ميقاتي: الجيش سيقوم بمهامه كاملة في جنوب لبنان بعد الانسحاب الإسرائيلي

قال رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، اليوم الاثنين، إن الجيش اللبناني سيقوم بمهامه كاملة في جنوب لبنان بعد انسحاب إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

هدوء في الساحل بعد اعتقال «قاضي صيدنايا»


قوات الأمن التابعة للحكومة السورية الجديدة تؤمّن المنطقة المحيطة بمجموعة من المتظاهرين العلويين في حي المزة(أ.ب)
قوات الأمن التابعة للحكومة السورية الجديدة تؤمّن المنطقة المحيطة بمجموعة من المتظاهرين العلويين في حي المزة(أ.ب)
TT

هدوء في الساحل بعد اعتقال «قاضي صيدنايا»


قوات الأمن التابعة للحكومة السورية الجديدة تؤمّن المنطقة المحيطة بمجموعة من المتظاهرين العلويين في حي المزة(أ.ب)
قوات الأمن التابعة للحكومة السورية الجديدة تؤمّن المنطقة المحيطة بمجموعة من المتظاهرين العلويين في حي المزة(أ.ب)

عاد الهدوء إلى مناطق الساحل السوري، أمس، بعد يومين على المواجهات التي شهدها ريف طرطوس واللاذقية وحماة وحمص، في أعقاب حملة أمنية واسعة نفذتها إدارة العمليات العسكرية للسيطرة على الأوضاع.

وأعلنت السلطة السورية الجديدة، أمس، توقيف رئيس القضاء العسكري السابق، محمّد كنجو الحسن، المسؤول عن الإعدامات الميدانية في سجن صيدنايا. وأشار «المرصد السوري» إلى «توقيف الحسن مع عشرين من عناصره المسلحين المقربين منه بعد مواجهات مع قوات الأمن في قريته خربة المعزة في محافظة طرطوس».

إلى ذلك، أوفد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أمس، رئيس جهاز المخابرات، حميد الشطري، مع عدد من المسؤولين إلى دمشق، في أول تواصل عراقي مع رئيس الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع. ولفت مسؤول في الوفد، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية»، إلى أن «العراق يرغب في الحصول على تطمينات من الجانب السوري في قضايا الحدود والاستقرار الأمني داخل سوريا، والحفاظ على النسيج الداخلي»، مؤكداً ضرورة «عدم تدخل أي طرف في شؤون سوريا الداخلية».

من جهتها، أعربت طهران عن «قلقها» من «انتشار الفوضى والعنف» في سوريا، ورفضت ما وصفته بـ«الادعاءات المتعلقة بتدخل إيران في الشؤون الداخلية لسوريا»، وذلك بعد يومين من تحذير القيادة السورية الجديدة لطهران «مِن بَثِّ الفوضى في سوريا».