«سماسرة الطوابع» يعرقلون إنجاز المعاملات في لبنان

يحتكرونها ويبيعونها بأضعاف سعرها الرسمي

معالجة الأزمة تحتاج إلى إغراق السوق بـ200 مليون طابع (تويتر)
معالجة الأزمة تحتاج إلى إغراق السوق بـ200 مليون طابع (تويتر)
TT

«سماسرة الطوابع» يعرقلون إنجاز المعاملات في لبنان

معالجة الأزمة تحتاج إلى إغراق السوق بـ200 مليون طابع (تويتر)
معالجة الأزمة تحتاج إلى إغراق السوق بـ200 مليون طابع (تويتر)

يستحيل إنجاز معاملة في الدوائر الرسمية والوزارات اللبنانية من دون طوابع مالية، أو «طوابع أميرية»، كما درج اللبنانيون على تسميتها. وهذه الطوابع غير متوفّرة حالياً إلّا في متناول السماسرة، الذين كانوا في فترة سابقة يتعاملون بها سرّاً، خوفاً من توقيفهم وملاحقتهم قضائياً. أما الآن فهم يبيعونها علناً وعلى أبواب الوزارات والإدارات، بأضعاف أسعارها الرسمية.

ويعرقل فقدان الطوابع واحتكارها إنجاز اللبنانيين معاملاتهم الرسمية. وفي حين تتوفر لدى سماسرة يبيعونها بأضعاف سعرها، في ظل تقصير حكومي في ملاحقتهم، تنتشر اتهامات لـ«نافذين في السلطة» بتغطية هؤلاء السماسرة، مما يجعل الناس «رهينة ابتزازهم»، على حدّ تعبير «جوزيف.د» الذي قصد قصر العدل في بيروت لتقديم دعوى قضائية. ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحصول على طابع أميري أشبه بربح جائزة (اللوتو)»، مشيراً إلى أنها المرّة الثالثة التي يقصد فيها النيابة العامة لتقديم الشكوى، لكنَّ فقدان الطوابع منعه من ذلك.

مغارة علي بابا

وتتقاطع روايات المواطنين عند عبارة واحدة: «إدارات الدولة = مغارة علي بابا». ولا يحمّل المواطنون موظفي الإدارات المسؤولية، بل السياسيين الذين يحجبون عنهم أقلّ حقوقهم. ويؤكد هؤلاء أن الطوابع «مفقودة كلياً لدى مراكز البيع المعتمدة، التي تدَّعي أن وزارة المال لا تسلّمها الكمية الكافية، مما يضطر المواطن إلى الاحتكام إلى السمسار لشرائها بأسعار خيالية».

وتنتشر مافيات الطوابع بشكل علني أمام الدوائر الرسمية، وبعضها داخلها، بدءاً من قصور العدل إلى مراكز وزارة التربية في بيروت والمحافظات والدوائر العقارية ومصلحة تسجيل السيارات، وغيرها من المؤسسات، بهدف ابتزاز المواطنين، حيث إن «الطابع الأميري» من فئة الـ20 ألف ليرة لبنانية (0.22 سنت) يباع لدى السماسرة بحدّ أدنى بسعر 150 ألف ليرة لبنانية (1.70 دولار أميركي)، أي بزيادة سبعة أضعاف على السعر الرسمي.

وتقع مسؤولية توفير الطوابع على عاتق وزارة المال، التي تتذرّع دائماً بعدم توفر الاعتمادات المالية لطباعة الكميات الكافية منها. ويشير مصدر في الوزارة إلى أنها «أمَّنت كميّة تكفي أدنى متطلبات المواطنين، لكنّ سرعان ما اختفت من الأسواق». ويؤكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن «مراكز الطوابع المعتمدة هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن اختفائها، وهناك ما بين 400 و500 مركز جرى إقفالها مؤخراً، بعدما تبيّن أنها تتسلّم الكميات بالسعر الرسمي وتسلمها إلى السماسرة لبيعها في السوق السوداء بأضعاف مضاعفة ترهق المواطن».

ويلفت المصدر إلى «ضرورة معالجة هذه الأزمة عبر وسيلتين: الأولى طبع نحو 200 مليون طابع وإغراق السوق بها، والأخرى إلغاء الطابع الورقي واعتماد الطابع الإلكتروني. لكن الحلّ الأخير قد يتطلّب حكومة إلكترونية ومكننة كلّ مؤسسات الدولة»، داعياً في الوقت نفسه الأجهزة الأمنية إلى «مداهمة هذه المافيات واعتقالها على أبواب الوزارات».

وتعكف لجنة المال والموازنة على إعداد قانون يُفضي إلى اعتماد الطابع الإلكتروني، لكنَّ هذا القانون يحتاج إلى وقت طويل، غير أن عضو اللجنة النائب بلال عبد الله، رأى أنه «لا بد من حلّ سريع ومؤقت إلى حين إصدار قانون الطابع الإلكتروني». وكشف لـ«الشرق الأوسط» عن أنه «تقدّم باقتراح قانون معجل مكرر لإلغاء الطابع الورقي عن المعاملات من الآن حتى نهاية السنة الحالية، ما دامت الدولة غير قادرة على تأمينه». وقال إن «الدولة تستوفي حالياً من الطوابع 30 مليون دولار، بينما يذهب إلى المافيات 400 مليون دولار»، مشدداً على ضرورة «إنهاء حالة إذلال الشعب اللبناني بالدرجة الأولى، ووضع حدّ لنشاط هذه المافيات إلى حين الوصول إلى حلّ دائم».


مقالات ذات صلة

لبنان مهدد بالانتقال إلى القائمة «الرمادية» لغسل الأموال في الخريف

المشرق العربي صندوق النقد الدولي بدأ منذ هذا العام بحجب التوقعات والبيانات المالية الخاصة بلبنان (رويترز)

لبنان مهدد بالانتقال إلى القائمة «الرمادية» لغسل الأموال في الخريف

عزّزت ظاهرة حجب البيانات المالية الخاصة بلبنان من قبل المؤسسات المالية العالمية ووكالات التصنيف الائتماني الدولية منسوب الريبة من سياسة عدم الاكتراث الحكومية.

علي زين الدين (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد في جنوب لبنان إثر قصف إسرائيلي استهدف المنطقة (رويترز)

إسرائيل تتوعّد بتغيير الواقع الأمني عند الحدود... و«حزب الله» مستعد للمواجهة

يواصل المسؤولون الإسرائيليون تهديداتهم، متوعدين «بتغيير الواقع الأمني على الجبهة الشمالية»، وفق الجنرال أوري غوردين، الذي قال: «إن الهجوم سيكون حاسماً وقاطعاً».

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي قائد الجيش العماد جوزاف عون (مديرية التوجيه)

باسيل يسعى لإسناد قيادة الجيش اللبناني بالوكالة للواء صعب

يسعى رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لإسناد قيادة الجيش اللبناني بالوكالة للواء بيار صعب مستبقاً التمديد للعماد جوزاف عون.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل (رويترز)

باسيل متردد بفصل نواب خشية تضعضع داخلي في «التيار»

لم يحسم رئيس «التيار الوطني الحر» قراره بشأن فصل النائب آلان عون محاولاً أن يستوعب استباقياً أي ردود فعل ستؤدي لتقلص إضافي بعدد نواب التكتل.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي نواب المعارضة خلال لقائهم نواب الحزب «التقدمي الاشتراكي» لطرح خريطة الطريق الرئاسية (موقع القوات)

المعارضة اللبنانية تدرس خطة «المواجهة» بعد فشل مبادرتها الرئاسية

بدأت المعارضة بدراسة أفكار لما بعد «المبادرة الرئاسية» التي سقطت نتيجة أسباب عدة،أبرزها رفض «الثنائي الشيعي» (حزب الله وحركة أمل) البحث بها وحتى اللقاء بالنواب.

كارولين عاكوم (بيروت)

هجوم مسلح بـ«رسالة سياسية» على مقر بارزاني في كركوك

صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)
صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)
TT

هجوم مسلح بـ«رسالة سياسية» على مقر بارزاني في كركوك

صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)
صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)

تعرض مقر «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، الذي يتزعمه مسعود بارزاني، فجر السبت، لهجوم بأسلحة خفيفة من قبل مجهولين في محافظة كركوك.

يأتي الهجوم في غمرة الحديث عن قيادة بارزاني لمفوضات مع المكونين العربي والتركماني لحسم معضلة الحكومة المحلية ومنصب المحافظ بعد نحو 7 أشهر على إجراء الانتخابات المحلية، فيما نفى مسؤول كردي رفيع ذلك، وذكر لـ«الشرق الأوسط» أن «مسعود بارزاني يوجد خارج البلاد هذه الأيام ولم يلتق أعضاء في مجلس كركوك».

وقالت مصادر أمنية في المحافظة إن مسلحين مجهولين أطلقوا فجر السبت النار على مقر «الحزب الديمقراطي الكردستاني» في منطقة ساحة العمال وسط كركوك ولم يسفر عن الهجوم أي إصابات بشرية أو أضرار مادية.

وحضرت قوة من الشرطة عقب الهجوم إلى موقع الحادث، وفتحت تحقيقاً وعممت أوصاف المهاجمين الذين فروا إلى جهة مجهولة.

وسبق أن أثار مقر «الحزب الديمقراطي» في كركوك أزمة كبيرة داخل المحافظة نهاية العام الماضي، بعد أن طالب قيادة العمليات العسكرية بتسليم المقر الذي تشغله منذ عام 2017، وحدثت مواجهات بين أنصار الحزب والقوات الأمنية أدت إلى مقتل أفراد إلى جانب ضابط في قوات «البيشمركة».

وانتهت الأزمة بعد قيام رئيس الحزب مسعود بارزاني بتسليم وإهداء المقر، في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى جامعة كركوك لـ«يكون في خدمة طلب العلم والمثقفين في المدينة».

متظاهرون من الكرد فوق بناية مقر حزب بارزاني في كركوك (أرشيفية - شبكة روادو)

معلومات أولية عن الهجوم

وأعلن المتحدث باسم الفرع الثالث لـ«الديمقراطي» في كركوك عن امتلاك الحزب «معلومات عن استهداف المقر»، في حين قال الباحث الكردي كفاح محمود إن «الشبهات تحوم حول المستفيد من تعطيل عمل مجلس المحافظة وعدم التوصل إلى شخصية متفق عليها لإدارة المحافظة».

وأضاف محمود في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه «باستنتاج بسيط يمكن الربط بين عمليات حرق الأسواق في أربيل وكركوك ودهوك وبين هذه العملية التي كانت تستهدف اختراق سور الحماية والدخول إلى المبنى وإحراقه، خصوصاً وأنها تشبه توقيتات حرق الأسواق التي جرت في ساعة متأخرة من الليل وتحديداً في الساعات الأولى للصباح».

وتابع محمود: «هذه الأذرع لديها مراكز ووجود وتتسبب في إشكاليات إقليمية بين العراق وإقليم كردستان من جهة وبين دول الجوار من جهة أخرى».

وذكر محمود أن «الأمر المتعلق بمعرفة الجناة يبقى معلقاً لحين كشف تسجيلات منظومة الكاميرات التي صورت حركة تلك العناصر التي استخدمت مبنى قيد الإنشاء».

وتتهم أوساط «الحزب الديمقراطي»، منذ فترة طويلة، عناصر «حزب العمال» الكردستاني التركي بالتورط في مختلف الأعمال العدائية التي تقع ضده وضد بعض الشركات النفطية وشركات الغاز العاملة في الإقليم، خصوصاً في محافظتي كركوك والسليمانية، كما تحمله مسؤولية توغل القوات التركية داخل الأراضي العراقية في إقليم كردستان.

وقال المتحدث باسم الفرع الثالث لـ«الحزب الديمقراطي الكردستاني» في كركوك، مريوان جلال، السبت، إن «الفرع كان يمتلك معلومات عن استهداف المقر، وإن الهجوم يحمل طابعاً سياسياً وتزامن مع دور الحزب في تقريب وجهات النظر لتشكيل إدارة كركوك ومجلسها».

وأضاف في تصريحات صحافية أن «الهجوم يحمل طابعاً سياسياً وهو ليس استهدافاً للحزب الديمقراطي الكردستاني، بل يستهدف جميع مكونات كركوك، وجاء في وقت يعمل فيه الحزب الديمقراطي بتقريب وجهات النظر بين مكونات المحافظة للشروع بتشكيل إدارة المحافظة، وتفعيل عمل المجلس لغرض تقديم الخدمات لجميع مكونات المحافظة».

السوداني خلال استقباله نواباً من المكون التركماني (إعلام حكومي)

السوداني يجتمع بالتركمان

من جانبه، استقبل رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، السبت، عضوين من المكون التركماني في مجلس محافظة كركوك، وحثهم على الاتفاق بشأن اختيار منصب محافظ كركوك بما يلبّي تطلعات أبناء المحافظة.

ولم تفلح جهود رئيس الوزراء محمد السوداني حتى الآن في حل أزمة المحافظة برغم لقاءاته المتكررة مع القوى الفائزة في مقاعد مجلسها.

وأشار السوداني، خلال اللقاء، طبقاً لبيان صادر عن مكتبه، إلى «أهمية تقديم مصلحة أبناء كركوك في أي اتفاق بين القوى السياسية التي فازت بالانتخابات، إثر النجاح في إجرائها بعد تعطل استمر منذ عام 2005».

وشدد السوداني على ضرورة «اختيار الإدارات الحكومية المحلية الناجحة، والاتفاق بشأن اختيار منصب محافظ كركوك بما يلبّي تطلعات أبناء المحافظة».

وتتردد منذ أسابيع أنباء عن سعي القوى المتخاصمة في مجلس المحافظة للاتفاق على صيغة لحسم منصب المحافظ من خلال تدويره بين الكتل الفائزة، بحيث يشغل الأكراد المنصب في السنتين الأولى، ثم يذهب إلى العرب في السنتين الأخيرتين من عمر دورة مجلس المحافظة المحددة بأربع سنوات، وهناك حديث عن أن للتركمان حصة في عملية التدوير رغم امتلاكهم لمقعدين فقط من أصل 16 مقعداً في المجلس.