مستوطنون يستغلون حرب غزة للاستيلاء على أراضي الفلسطينيين

يتذرعون بحجة الخوف من تكرار هجوم 7 أكتوبر

منظر من نافذة تحطّم زجاجها نتيجة هجوم شنه مستوطنون على قرية المغير الفلسطينية بالضفة الغربية يوم 17 أبريل الماضي (رويترز)
منظر من نافذة تحطّم زجاجها نتيجة هجوم شنه مستوطنون على قرية المغير الفلسطينية بالضفة الغربية يوم 17 أبريل الماضي (رويترز)
TT

مستوطنون يستغلون حرب غزة للاستيلاء على أراضي الفلسطينيين

منظر من نافذة تحطّم زجاجها نتيجة هجوم شنه مستوطنون على قرية المغير الفلسطينية بالضفة الغربية يوم 17 أبريل الماضي (رويترز)
منظر من نافذة تحطّم زجاجها نتيجة هجوم شنه مستوطنون على قرية المغير الفلسطينية بالضفة الغربية يوم 17 أبريل الماضي (رويترز)

كُشف النقاب في تل أبيب عن وسائل جديدة يستخدمها المستوطنون اليهود للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، مستغلين الانشغال بالحرب على غزة. وبحجة الخوف من هجوم فلسطيني آخر على المستوطنات شبيه بهجوم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على البلدات الإسرائيلية في الجنوب، بات المستوطنون يمنعون الفلسطينيين من الاقتراب 200 متر من مستوطناتهم، وبذلك يمنعونهم من الوصول إلى أراضيهم ويدمرون بالتالي محصولهم الزراعي.

وبحسب تقرير للصحافية عميرة هاس في صحيفة «هآرتس»، الجمعة، فإن الجيش الإسرائيلي يوفر الشروط الميدانية على الأرض التي تتيح للمستوطنين ترهيب الفلسطينيين ومنعهم بالقوة من الوصول إلى أراضيهم ومنع نشطاء حركات السلام اليهود الذين يتضامنون مع الفلسطينيين ويأتون لمساعدتهم على جني المحاصيل. وقد فرض المستوطنون معياراً جديداً هو «الابتعاد 200 متر عن آخر بيوت المستوطنة». ولما كان الحديث يجري عن عشرات المستوطنات والبؤر الاستيطانية العشوائية، فإن مساحات كبيرة جداً من الأراضي الفلسطينية تُصادر وتوضع تحت تصرف المستوطنين.

وعرض التقرير نموذجاً لهذه الحالة في قرية الخضر الفلسطينية المجاورة لمدينة بيت لحم بالضفة الغربية. يقول التقرير: «مساحة القرية هي 20 ألف دونم، منها 900 دونم منطقة مأهولة، والمساحة المتبقية تمتد من الغرب إلى (شارع 60) الجديد. وإسرائيل تحظر أي بناء للفلسطينيين فيها، باستثناء 180 دونماً. مع مرور الوقت وبخدع عسكرية وبيروقراطية، قامت إسرائيل بتخصيص 3100 دونم من أراضيها (قرية الخضر) لمستوطنات افرات واليعيزر ونفيه دانييل. وخمس بؤر استيطانية غير قانونية، حتى الآن، سيطرت على أراضي القرية. (البؤرة) الأخيرة هي مزرعة حفات عيدن التي أقيمت في 2021. من بين الـ21 حاجزاً جديداً في المنطقة، 12 تمنع الوصول إلى أراضي قرية الخضر. وهكذا فالتقدير هو أن 3 آلاف دونم آخر، بالأساس من أراضي الخضر، هي فريسة سهلة لتوسيع البؤر الاستيطانية».

صورة تبيّن آثار اقتلاع مستوطنين أغراس الزيتون في قرية الخضر (منظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان)

ويضيف التقرير: «مرت سبعة أشهر والسلطات في إسرائيل لا تسمح لآلاف المزارعين الفلسطينيين بقطف الكروم والزيتون أو حراثة الأرض وتعشيبها وزراعة الخضراوات والحبوب. أيضاً غير المزارعين يلاحظون مشهداً محزناً لأشجار الزيتون والعنب والرمان واللوز التي تغرق ببحر من الأعشاب البرية العالية والأشواك. الأراضي لم تتم حراثتها منذ فترة طويلة. أغصان العنب أصبحت طويلة وتمتد على الأرض؛ لأن لا أحد يقوم بتقليمها. آلاف السكان الذين مصدر رزقهم المتواضع يعتمد على فلاحة أراضيهم، التي ورثوها من آبائهم وأجدادهم، والعمل أو الوجود في الحقل هو جزء لا يتجزأ من نمط حياتهم؛ يعيشون على بعد بضعة أمتار عن أراضيهم المحظورة عليهم، وإحباطهم وغضبهم يزداد باستمرار».

وبحسب التقرير، فإن سكان الخضر وآلاف المزارعين في الضفة الغربية يشعرون بأنهم معزولون في المعركة. فمؤسسات السلطة الفلسطينية ضعيفة جداً، ويبدو أنها فقدت اهتمامها أو ثقتها بالقدرة على الدفاع عن المواطنين أمام السلطات الإسرائيلية. أما إدارة التنسيق والارتباط الإسرائيلية، التي مهمتها هي الدفاع عن حقوق الملكية وفلاحة المزارعين لأراضيهم التي توجد تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة، فإنها تخضع للوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش. وكانت المحامية قمر مشرقي أسعد قدمت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، التماساً إلى المحكمة الإسرائيلية ضد إغلاق طرق وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم. ركز الالتماس على جنوب الخليل، لكنه يتناول الوضع في كل الضفة. ولم تبتّ المحاكم الإسرائيلية بعد في الالتماس.

وفي هذه الأثناء، تستغل ميليشيات المستوطنين المسلحة الأوضاع وتمنع الفلاحين الفلسطينيين بالقوة من الوصول إلى أراضيهم. وعندما حضر نشطاء سلام يهود لمساعدتهم على قطف الكروم، حضر المستوطنون المسلحون وهددوهم هم أيضاً، بحسب ما جاء بتقرير الصحيفة الإسرائيلية.

وكان درور ايتكس، من جمعية «كيرم نبوت»، قد أجرى تحقيقاً عن سياسة سرقة الأراضي في الضفة الغربية، حيث أحصى الحواجز في الأراضي الفلسطينية وأضرارها ووجد أنها تهدد 37 ألف دونم تقريباً، بسبب تطبيق شروط المستوطنين الذين يعيشون في 11 مستوطنة و12 بؤرة استيطانية. ووجد درور أنه من بين الـ60 بوابة وحاجزاً في منطقة مستوطنات غوش عصيون، ثلثها تقريباً تم وضعه هناك منذ 7 أكتوبر؛ أي منذ بدء الحرب ضد قطاع غزة.


مقالات ذات صلة

بيان: عدد الفلسطينيين يتجاوز 15 مليون نسمة

المشرق العربي فلسطينيون نازحون أجبروا على إخلاء قريتهم في معراجات يقيمون بيوتاً مؤقتة قرب أريحا (د.ب.أ)

بيان: عدد الفلسطينيين يتجاوز 15 مليون نسمة

قال الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء إن عدد الفلسطينيين حتى منتصف العام الحالي تجاوز 15 مليون نسمة.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي جنود إسرائيليون في مخيم طولكرم للاجئين (د.ب.أ)

«مخيم أشباح»... نزوح عشرات الآلاف في الضفة الغربية تحت وطأة العمليات الإسرائيلية

استبدت الحيرة بمالك لطفي وهو يُفكر ماذا سيأخذ من مقتنيات أسرته في اللحظات القليلة التي أتيحت له مع بدء القوات الإسرائيلية هدم منازل في مخيم طولكرم للاجئين.

«الشرق الأوسط» ( طولكرم (الضفة الغربية))
شؤون إقليمية أطفال فلسطينيون قبالة بؤرة استيطانية إسرائيلية جديدة اقيمت شمال الخليل في الضفة الغربية المحتلة، في 6 يوليو/تموز 2025 (أ ف ب)

أكثر من 11 ألف اعتداء على فلسطينيي الضفة خلال النصف الأول من 2025

أرقام فلسطينية رسمية تظهر تصاعداً في هجمات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين في الضفة الغربية هذا العام بواقع أكثر من 11 ألف اعتداء وهجوم.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
العالم العربي قوات إسرائيلية بالضفة الغربية (أ.ب)

مقتل فلسطينيين اثنين برصاص الجيش الإسرائيلي شمال الضفة الغربية

قُتل فلسطينيان، اليوم الأحد، برصاص الجيش الإسرائيلي، خلال عملية عسكرية في قرية سالم قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، وفق ما أفادت مصادر فلسطينية.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
شؤون إقليمية الشرطة الإسرائيلية تعتقل عدداً من طالبي اللجوء الإريتريين في تل أبيب خلال مواجهات في سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)

«بعضهم من السودان وروسيا»... 30 ألف عامل يريدون لجوءاً في إسرائيل

مقابل المكابرة في الحكومة إزاء فقدان قوة العمل الفلسطينية الكبرى (نحو 200 ألف)، والادعاء بأنه «بالإمكان الاستغناء عن العمالة الفلسطينية إلى الأبد».

نظير مجلي (تل أبيب)

توغل إسرائيلي متواصل في جنوب لبنان: محاولة لفرض واقع جديد

تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (رويترز)
تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (رويترز)
TT

توغل إسرائيلي متواصل في جنوب لبنان: محاولة لفرض واقع جديد

تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (رويترز)
تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (رويترز)

يشهد الجنوب اللبناني تصعيداً ميدانياً متسارعاً يتجلى في توغلات برية إسرائيلية متكررة وأعمال تجريف في مناطق حدودية عدة، آخرها في قضاء مرجعيون ومحيط وادي هونين، حيث اقتحمت آليات عسكرية إسرائيلية الأراضي اللبنانية لمسافة تتجاوز 800 متر، في «محاولة لترسيخ وجود أمني يعكس استراتيجية متقدمة لفرض واقع جديد على الحدود»، كما يقول خبراء.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الجمعة، عن قيام جرافات تابعة للجيش الإسرائيلي تحت حماية دبابات متمركزة في المنطقة، باجتياز الحدود عند وادي هونين، وتوغلت باتجاه «مكب النفايات» جنوب بلدة عديسة، حيث عملت الجرافات على إقفال أحد الطرق في الوادي ورفع سواتر ترابية، وسط استنفار ومتابعة من الجهة اللبنانية. كذلك، خرقت دورية إسرائيلية، بحسب «الوطنية»، خط الانسحاب في خراج بلدة كفرشوبا - منطقة المجيدية وتوغلت لمسافة 400 متر، حيث أطلقت النار باتجاه رعاة الماشية دون وقوع إصابات.

ولم تتوقف التحركات البرية عند هذا الحد، ففي بلدة بليدا شهد السكان توغلاً جديداً لمسافة تزيد على 800 متر، وفي الوقت نفسه، فجّر الجيش الإسرائيلي غرفة مدنية في منطقة «غاصونة» شرق عديسة، مستخدماً قنابل حارقة وصوتية أثارت الذعر بين المدنيين.

مقتل شخص وإصابة 5 في استهداف سيارة

وفي موازاة لهذا التطور البري، تصاعدت الهجمات الجوية الإسرائيلية التي تستهدف بلدات عدة. فيوم الجمعة، استهدفت طائرة مسيّرة إسرائيلية سيارة على طريق النميرية - الشرقية في قضاء النبطية، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة 5 أشخاص، وفق ما أفادت به وزارة الصحة اللبنانية، في مؤشر إلى تمدد نطاق الاستهداف ليشمل الأفراد والمركبات في عمق الجنوب اللبناني. كما ألقت طائرة أخرى قنبلة على سيارة نقل صغيرة في بلدة كفركلا الحدودية، مسببة أضراراً مادية دون وقوع إصابات، وهو نمط يتكرر في التصعيد المستمر.

وإضافة إلى الاستهدافات المتواصلة، كان قد تم تفجير منزل أحد المواطنين في كفركلا بعد تفخيخه بالكامل، في مشهد يعكس طبيعة التصعيد الذي لا يقتصر على ضرب مواقع معينة؛ بل يستهدف البنى المدنية والإنسانية.

وفي ميس الجبل، دُمّر معمل بياضات الأسبوع الماضي، كان قد أعيد ترميمه مؤخراً، حيث نفذت القوات الإسرائيلية عملية تفجيرية استهدفت المنشأة. وتتزامن هذه العمليات مع تصريحات إسرائيلية عن «عمليات خاصة» استهدفت منشآت ومخازن أسلحة في مناطق اللبونة وجبل بلاط، في إطار حرب متعددة الجبهات ضد تحركات «حزب الله».

الدخان يتصاعد جراء غارات جوية استهدفت محيط مدينة النبطية بجنوب لبنان الأسبوع الماضي (د.ب.أ)

وفي تصريح رسمي، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي يوم الأربعاء، إن عمليات الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان «مبنية على معلومات استخبارية ورصد لوسائل قتالية وبنى تحتية إرهابية تابعة لـ(حزب الله) في عدة مناطق»، مضيفاً أن الجنود ينفذون عمليات خاصة ومركزة بهدف تدمير هذه البنى، ومنع إعادة تموضع الحزب في المنطقة.

وأرفق أدرعي عدة فيديوهات ليلية تُظهر قوات مشاة إسرائيلية تتوغل في عمق جنوب لبنان، من بينها عملية ليلية نفذها لواء عوديد «اللواء 9»، مؤكداً أن قوات الفرقة 91 تواصل مهامها على طول الحدود بهدف حماية الإسرائيليين والقضاء على أي تهديد عبر تفكيك البنى التحتية لـ«حزب الله».

تفريغ الحدود من سكانها

ويصف الخبير العسكري العميد ناجي ملاعب ما يجري في جنوب لبنان، بأنه «جزء من خطة ممنهجة لإعادة تشكيل الواقع الحدودي»، مؤكداً أن توغلات الجيش الإسرائيلي وغاراته تتزامن مع تحركات دبلوماسية دولية، مما يشير إلى تنسيق مدروس. وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «التوغلات الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية لم تتوقف يوماً، لكنها تتكثف في كل مرة يتزامن فيها حدث دبلوماسي كبير، سواء زيارة وفد إسرائيلي إلى واشنطن، أو وصول موفد أميركي إلى تل أبيب أو بيروت. حينها نلاحظ تحريكاً منظماً للمقاتلات الجوية أو المدفعية، أو حتى تنفيذ عمليات توغل محدودة لتدمير أهداف مدنية أو لوجيستية».

ورأى ملاعب أن «هذا النمط من العمليات بات يحمل دلالة واضحة، مفادها أن إسرائيل لا تقبل عملياً بعودة السكان إلى قراهم الحدودية، خصوصاً في ظل وقف إطلاق النار. ففي كل حالة يعمد فيها الأهالي إلى ترميم منازلهم أو إعادة بناء ما تهدم، يأتي الرد سريعاً. وقد شهدنا هذا قبل أيام حين أعاد أحد أهالي بلدة عيترون بناء مصنع صغير داخل منزله، فدخلت قوة إسرائيلية إلى المنطقة وهدمت المنشأة بشكل مباشر».

وأشار ملاعب إلى أن «المسألة لم تعُد فقط خرقاً للسيادة اللبنانية، أو انتهاكاً للقرار 1701؛ بل أصبحت جزءاً من خطة منهجية لتفريغ الشريط الحدودي من سكانه، ومنع أي عودة إلى الحياة الطبيعية هناك». وذكّر بتصريح رئيس الأركان الإسرائيلي السابق هرتسي هاليفي، في اليوم الحادي والعشرين للهجوم البري على لبنان، حين قال إن الجيش الإسرائيلي أنهى مهمته، لأن «منطقة بعمق 6 كيلومترات جنوب لبنان أصبحت غير صالحة للسكن». وتابع ملاعب: «بكلام أوضح، أرادت إسرائيل من خلال العمليات أن تخلق ما يشبه المنطقة العازلة بوسائل غير مباشرة، تُبعد من خلالها خطر (حزب الله) وتمنع نشر منظومات مضادة للدروع كالكورنيت».

وختم بالقول: «ما يحصل اليوم هو تطبيق عملي لهذا التوجه، باستخدام أدوات الحرب النفسية والتدمير التدريجي لفرض وقائع جديدة على الأرض، في ظل غياب ردع حقيقي من المجتمع الدولي».