السوريون المنسيون وسط البادية يناشدون العالم إنقاذهم

أقيم مخيم الركبان عند مثلث الحدود السورية مع العراق والأردن

نازحون سوريون يتظاهرون في 17 مايو للمطالبة بالتدخل الدولي للمساعدة في تخفيف وضعهم في مخيم الركبان جنوب سوريا عند الحدود مع العراق والأردن (المنظمة السورية للطوارئ - أ.ف.ب)
نازحون سوريون يتظاهرون في 17 مايو للمطالبة بالتدخل الدولي للمساعدة في تخفيف وضعهم في مخيم الركبان جنوب سوريا عند الحدود مع العراق والأردن (المنظمة السورية للطوارئ - أ.ف.ب)
TT

السوريون المنسيون وسط البادية يناشدون العالم إنقاذهم

نازحون سوريون يتظاهرون في 17 مايو للمطالبة بالتدخل الدولي للمساعدة في تخفيف وضعهم في مخيم الركبان جنوب سوريا عند الحدود مع العراق والأردن (المنظمة السورية للطوارئ - أ.ف.ب)
نازحون سوريون يتظاهرون في 17 مايو للمطالبة بالتدخل الدولي للمساعدة في تخفيف وضعهم في مخيم الركبان جنوب سوريا عند الحدود مع العراق والأردن (المنظمة السورية للطوارئ - أ.ف.ب)

عام 2016، فرّ خالد من وسط سوريا هرباً من المعارك، معتقداً أنه سيعود خلال أسابيع، إلا أن ثماني سنوات مرّت وهو ما زال عالقاً داخل مخيم منسي وسط ظروف معيشية قاهرة في منطقة صحراوية قاحلة.

يقع مخيم الركبان عند مثلث الحدود السورية مع العراق والأردن، ضمن منطقة أمنية بقطر 55 كيلومتراً أقامها التحالف الدولي لمكافحة «داعش» الذي تقوده واشنطن، وأنشأ فيها قاعدة التنف حيث تنتشر قوات أميركية.

يؤوي المخيم حالياً نحو ثمانية آلاف شخص، وهو معزول تماماً عن المناطق المجاورة التي تسيطر عليها القوات الحكومية السورية.

أطفال سوريون نازحون يلهون قرب مكب للقمامة في مخيم الركبان جنوب سوريا قرب الحدود مع العراق والأردن في 17 مايو (المنظمة السورية للطوارئ - أ.ف.ب)

ونادراً ما تسمح دمشق بدخول المساعدات إليه، فيما أغلقت الدولتان المجاورتان، العراق والأردن، حدودهما المحاذية.

يقول خالد (50 عاماً) عبر الهاتف لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، متحفظاً عن ذكر شهرته لأسباب أمنية: «نحن محبوسون بين ثلاث دول: الأردن والعراق وسوريا».

يضيف: «الأردن والعراق لا يسمحان بدخولنا، وفي سوريا نحن مطلوبون».

صورة نشرتها المنظمة السورية للطوارئ (SETF) لأطفال نازحين في مخيم الركبان المعزول جنوب سوريا على الحدود مع العراق والأردن يطالبون بالتدخل الدولي للمساعدة في تخفيف وضعهم (أ.ف.ب)

أنشئ المخيم عام 2014 في خضم الحرب في سوريا، وشكّل ملاذاً لسوريين فرّوا من انتهاكات تنظيم «داعش» وقصف القوات الحكومية، آملين بالعبور إلى الأردن.

وفي الذروة، أوى «الركبان» أكثر من مائة ألف شخص. لكن عشرات الآلاف غادروه على مرّ السنوات، لا سيما بعدما أغلق الأردن حدوده عام 2016، ما أرغم كثراً على العودة إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، هرباً من الجوع والفقر ونقص الخدمات الطبية.

وسهّلت الأمم المتحدة منذ عام 2019 عودة المئات إلى مناطقهم، بالتنسيق مع الهلال الأحمر السوري.

وفي تقرير نشرته عقب إرسال آخر قافلة مساعدات إلى المخيم عام 2019، وصفت المنظمة الدولية الأوضاع فيه بالـ«مزرية»، مع موقعه «في أرض محايدة وافتقاره للخدمات». ومذاك، لم تُرسل أي قافلة مساعدات إلى الركبان.

ويعيش قاطنو المخيم حالياً في غرف طينية داخل المخيم. ويعتمدون في معيشتهم بالدرجة الأولى على مواد غذائية وحاجيات تهرّب بأسعار مرتفعة، كما يقول عدد منهم لـ«الوكالة الفرنسية».

أطفال سوريون نازحون يلهون قرب بيوت من الطين في مخيم الركبان 17 مايو (المنظمة السورية للطوارئ - أ.ف.ب)

لكن وتيرة التهريب إلى المخيم تراجعت منذ نحو الشهر، مع تشديد الإجراءات عند الحواجز الحكومية على الطرق المؤدية إليه. يقول خالد: «تأكل بناتي الخبز المغمّس بالشاي. ينفد الأكل من المخيم».

وتعتاش غالبية العائلات، وفق ما يشرح محمد درباس الخالدي، الذي يترأس المجلس المحلي في المخيم، من مساعدات مالية تأتيهم عن طريق التهريب، أو من رواتب نحو 500 رجل يعملون مع الأميركيين في قاعدة التنف مقابل نحو 400 دولار شهرياً.

سكان «مخيم الركبان» متجمعون داخل خيمة (حساب إكس)

يقول الخالدي، وهو أب لـ14 طفلاً: «لولا خوفي على نفسي وعلى أولادي، ما كنت لأبقى هنا في الصحراء»، موضحاً أنه مطلوب من الحكومة لانخراطه في تهريب عسكريين منشقين عن الجيش، عند اندلاع النزاع في سوريا عام 2011.

ويخشى كثر من سكان المخيم تعرضهم في حال مغادرتهم للملاحقة من السلطات، أو إرغامهم على الخدمة العسكرية.

ويقول الخالدي إن السبيل الوحيدة «لإنقاذ من تبقى منهم من الموت»، هو إجلاؤهم إلى المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة في شمال غربي وشمال شرقي سوريا، مشيراً إلى أن العديد ممن ذهبوا إلى مناطق تحت سيطرة الحكومة، انتهى بهم المطاف في السجون.

ولا يفد إلى المخيم إلا عشرات السوريين الذين يرحّلهم الأردن سنوياً بعد الإفراج عنهم، بحسب المجلس المحلي في الركبان والمرصد السوري لحقوق الإنسان.

وبحسب المجلس المحلي، وفد من الأردن نحو 24 سورياً منذ مطلع هذا العام، معظمهم لاجئون حوكموا بجرائم مختلفة بينها تهريب المخدرات أو تعاطيها.

ويقول محمد الخالدي (38 عاماً) الذي كان موقوفاً في الأردن بتهم مخدرات، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنه يخشى الاعتقال لو عاد إلى حمص التي غادرها قبل عقدٍ، وتقع حالياً تحت سيطرة الحكومة.

يضيف: «أقاربي في الأردن، ولم يبقَ لي أحد في سوريا، منهم من قتل، ومنهم من غادر سوريا. وبيوتنا في حمص تهدّمت».

أشبه بسجن

ورداً على سؤال من «وكالة الصحافة الفرنسية» حول ترحيل لاجئين، نفى مسؤول حكومي أردني أن تكون بلاده ترغمهم على العودة.

وقال هذا المسؤول الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، إن «الأردن لم ولن يجبر أي لاجئ سوري على العودة إلى سوريا».

أضاف: «مسألة قاطني مخيم الركبان القريب من الحدود السورية الأردنية، هي مسألة دولية وسورية، فهم سوريون والمخيم موجود على أرض سوريا، وبالتالي الأوجب مساعدتهم على العودة إلى مناطقهم في سوريا».

مشفى شام الطبي في مخيم الركبان قرب الحدود السورية الأردنية (موقع حصار الإعلامي)

ويخاطر عدد من سكان المخيم بحياتهم من أجل تلقي العلاج خارجه، مع تضاؤل خدمات الرعاية الطبية فيه. ويقول بعضهم إن تكلفة الوصول إلى مستشفى عبر طرق التهريب تلامس 1600 دولار، من دون احتساب تكاليف العلاج.

يشرح المدير التنفيذي للمنظمة السورية للطوارئ (SETF)، معاذ مصطفى، الذي زار المخيم في وقت سابق هذا العام إن «شروط الحياة فيه هي الأسوأ».

ويقول: «أبرز ما يحتاجون إليه قبل الطعام، هو الأطباء»، مشيراً إلى حالات معقدة تحتاج تدخلاً طبياً من مختصين على غرار عمليات الولادة القيصرية.

قاعدة التنف الأميركية جنوب سوريا (أرشيفية - رويترز)

وتمكّنت المنظمة ومقرّها واشنطن، من نقل مساعدات جواً، إلى المخيم، بمساعدة من القوات الأميركية المتمركزة في التنف.

وبعدما تمكّن من جمع تبرعات، خرج محمد (22 عاماً) من المخيم إلى مدينة حمص حيث خضع لعملية جراحية قبل عامين.

وهرباً من الخدمة العسكرية، لجأ إلى لبنان حيث يعيش رغم الانهيار الاقتصادي الذي تعانيه البلاد منذ خريف 2019، وتصاعد الخطاب المعادي للاجئين بين الحين والآخر.

يقول بحزم: «أي مكان على وجه الأرض أفضل لي من العيش في الركبان»، حيث لا تزال والدته وشقيقاه، وهم غير قادرين على تحمّل تكلفة مغادرة المخيم بمعية مهربين، ويخشون في الوقت ذاته من التوجه إلى مناطق سيطرة الحكومة.

يضيف الشاب: «يدرك أهلي أنهم لن يخرجوا، وأن مصيرهم على غرار مصير من بقي في الركبان. هم حتى لا يفكرون بالخروج»، متابعاً: «المخيم أشبه بسجن، لا يمكن الخروج منه».


مقالات ذات صلة

قتلى وجرحى في اشتباكات عشائرية بريف دير الزور الغربي

المشرق العربي مدخل دير الزور (مواقع التواصل)

قتلى وجرحى في اشتباكات عشائرية بريف دير الزور الغربي

أفاد «مركز دير الزور الإعلامي»، باقتحام مهنا الفياض شيخ قبيلة «البوسرايا» مركز المحافظة بالسلاح الثقيل «بسبب الانتخابات».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي صورة نشرها «المرصد السوري» للسيارة المستهدفة

مقتل رجل أعمال سوري بغارة إسرائيلية عند الحدود اللبنانية

قُتل شخصان في غارة إسرائيلية استهدفت سيارتهما مساء الاثنين على الحدود اللبنانية - السورية، وفق ما ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي طائرة إسرائيلية من دون طيار  (أ.ف.ب)

مقتل رجل أعمال سوري مقرّب من الأسد بضربة إسرائيلية قرب الحدود مع لبنان

قُتل رجل أعمال سوري مقرّب من الرئيس بشار الأسد مع مرافقه، الاثنين، جراء ضربة إسرائيلية استهدفت سيارته في منطقة حدودية قريبة من لبنان، وفق ما أفاد المرصد السوري.

«الشرق الأوسط» (بيروت )
المشرق العربي الأسد في مركز اقتراع بدمشق الاثنين (أ.ف.ب)

الأسد: المشكلة ليست في لقاء إردوغان... بل في «مضمون» الاجتماع

قال الرئيس السوري بشار الأسد، الاثنين، إنه مستعد للقاء نظيره التركي رجب طيب إردوغان إذا كان ذلك يحقق مصلحة بلاده، لكنه اعتبر أن المشكلة في مضمون اللقاء.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي مندوبو مرشحين أمام مدخل أحد مراكز الاقتراع في منطقة المزة وسط دمشق بغياب المقترعين (الشرق الأوسط)

«الشرق الأوسط» تتجول في مراكز اقتراع بدمشق

شهدت أغلبية مراكز الاقتراع التي تم افتتاحها في العاصمة السورية دمشق أمام السوريين من أجل انتخاب أعضاء مجلس الشعب، «إقبالاً ضعيفاً».

«الشرق الأوسط» (دمشق)

الحسّان يخلف بلاسخارت في «مهمة تصريف أعمال يونامي» لدى العراق

مجلس الأمن يصوّت على قرار بشأن تجديد تفويض بعثة «يونامي» لدى العراق في مايو الماضي (الأمم المتحدة)
مجلس الأمن يصوّت على قرار بشأن تجديد تفويض بعثة «يونامي» لدى العراق في مايو الماضي (الأمم المتحدة)
TT

الحسّان يخلف بلاسخارت في «مهمة تصريف أعمال يونامي» لدى العراق

مجلس الأمن يصوّت على قرار بشأن تجديد تفويض بعثة «يونامي» لدى العراق في مايو الماضي (الأمم المتحدة)
مجلس الأمن يصوّت على قرار بشأن تجديد تفويض بعثة «يونامي» لدى العراق في مايو الماضي (الأمم المتحدة)

أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في بيان مقتضب (الاثنين)، تعيين محمد الحسّان من سلطنة عُمان ممثلاً خاصاً جديداً له في العراق، ورئيساً لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، بديلاً لجينين بلاسخارت.

ويأتي تعيين ممثل جديد لعمل البعثة الدولية في وقت أنهى فيه مجلس الأمن الدولي عمل «يونامي» نهاية العام المقبل، بناءً على طلب تقدم به إلى الأمم المتحدة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني خلال شهر مايو (أيار) الماضي.

وكان السوداني برّر طلب حكومته إنهاء عمل بعثة «يونامي» في البلاد بأنه «يأتي بناءً على ما يشهده العراق من استقرار سياسي وأمني» خلال استقباله المبعوثة الأممية السابقة جينين بلاسخارت، التي أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية المختلفة في العراق مع بدء المطالب بإنهاء عمل البعثة الأممية، الذي ترافق مع مطالب إنهاء عمل التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «داعش»، الذي تقوده منذ عام 2014 الولايات المتحدة.

وبعد طلب العراق، أعلن مجلس الأمن الدولي موافقته على إنهاء عمل البعثة الدولية نهاية عام 2025، في حين مدّد عملها إلى نهاية العام المقبل، وهو تمديد دوري كل عام.

وفي حين جاء التصويت على إنهاء عمل البعثة بالإجماع، فإن التمديد كان لفترة نهائية أمدها 19 شهراً «تتوقف بعدها البعثة عن جميع الأعمال والعمليات المنوطة بها باستثناء ما يتبقى من أنشطة تصفية البعثة» طبقاً لنص قرار مجلس الأمن الدولي، مما يعني أن مهمة المبعوث الجديد الذي خلف بلاسخارت هو تسيير أعمال البعثة ضمن «خطة لنقل المهام والتصفية تكتمل بحلول نهاية العام الحالي، بما يشمل تحديد تاريخ تنتهي فيه أنشطة التصفية في العراق».

وكان مجلس الأمن قد دعا حكومة العراق إلى التعاون مع الأمم المتحدة تعاوناً تاماً خلال عملية نقل مهام البعثة وخفضها التدريجي وتصفيتها، وأثنى على الجهود التي تبذلها الحكومة لتسوية القضايا الداخلية في البلاد، وإحراز تقدّم نحو تحقيق المنجزات المحدّدة في برنامج عملها.

من جهته، أكد رئيس الوزراء العراقي «استمرار الحكومة العراقية في التعاون مع الوكالات الدولية التابعة للمنظمة الأممية، بما يتفق مع البرنامج الحكومي ومستهدفاته التنموية وعلى جميع المجالات، خصوصاً مع التقدّم المُحرَز في مجالات الإصلاح الاقتصادي، وإعمار البنى التحتية، وتنامي قدرات قواتنا المسلحة بمختلف أنواعها».

رسالة بلاسخارت العاطفية

ورغم احتجاج بعض الأطراف السياسية على مواقفها، لا سيما منذ مظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وما تلاها، فإن جينين بلاسخارت التي تسلّمت مهامها في شهر يناير (كانون الثاني) 2018، حرصت على أن تودع العراقيين برسالة عاطفية.

وقالت بلاسخارت إنه «مع اقتراب فترة عملي في العراق ممثلةً خاصةً للأمين العام للأمم المتحدة، أود أن أعرب عن امتناني وتقديري العميق للعراقيين كافة، خصوصاً أولئك الذين التقيتهم وعملت معهم». وبينما اختتمت رسالتها العاطفية بعبارة «عاش العراق»، فقد ذكرت أنها كانت موضع ترحيب من قبل العراقيين في «مدنهم ومنازلهم، ودعونا لمشاركتهم في وجبة أو فعالية، ولم يفوتوا فرصة لإبراز ثقافة العراق الغنية وجماله الهائل».

وبيّنت أن فترة عملها في العراق «تركت داخلي أثراً لا يُمحى. وبالطبع، لا يمكنني المبالغة في الإعراب عن امتناننا للأجهزة المختلفة بالحكومة العراقية، التي سهّلت عملنا، من خلال الجهود الدؤوبة، وحمت موظفي الأمم المتحدة وعملياتها».

ورغم موافقة القوى السياسية العراقية ممثلة بـ«ائتلاف إدارة الدولة»، الداعم للحكومة، على طلب إنهاء مهمة «يونامي» في العراق، لكن أصواتاً كثيرة كانت قد حذّرت، لا سيما في الأوساط السُّنِّية والكردية، من التسرُّع في إنهاء مهمة التحالف الدولي و«يونامي»؛ نتيجة الخلاف بشأن طبيعة الاستقرار السياسي في البلاد.