يواصل رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني زياراته المكوكية إلى بغداد التي وصلها مساء أمس (الثلاثاء)، بعد زيارتين سابقتين في غضون الأسابيع الأربعة الأخيرة. ويتحدث مراقبون ومحللون عن «السياسة الناعمة» التي ينتهجها الزعيم الكردي مع مراكز الحكم والقوة في بغداد بدلا من سياسة التصعيد والانكفاء في الإقليم الذي يعاني من أزمات سياسية واقتصادية مزمنة، من بينها التعقيد المرتبط بإجراء انتخابات برلمان الإقليم وتأخر مرتبات موظفي الإقليم.
نهاية الأزمة
وتشير توقعات كردية إلى قرب انتهاء أزمة الإقليم مع القضاء الاتحادي، بالنظر للجهود التي بذلها بارزاني خلال الأسابيع الأخيرة، خاصة مع نجاحه في إقناع المحكمة الاتحادية بإصدار أمر ولائي، الأسبوع الماضي، بإيقاف الفقرة المتعلقة بقرارها إلغاء «كوتة» الأقليات في قانون انتخابات برلمان الإقليم.
والتقى بارزاني خلال زيارته الأخيرة إلى بغداد، رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وتناول الاجتماع طبقا لبيان صادر عن رئاسة الوزراء «بحث الأوضاع العامة في البلاد وعدد من القضايا على المستوى الوطني، وكذلك الأوضاع في إقليم كردستان العراق».
وفي مؤشر على تحسن العلاقة بين الإقليم والقضاء الاتحادي التي عانت من الاضطراب خلال السنتين الأخيرتين، التقى بارزاني فور وصوله إلى بغداد برئيس المحكمة الاتحادية جاسم العميري، ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان.
وكان زعيم الحزب «الديمقراطي» الكردستاني مسعود بارزاني وجه مطلع مارس (آذار) الماضي انتقادات لاذعة إلى المحكمة الاتحادية واتهمها بالسعي لـ«التصفية النهائية للمكونات».
ويميل مراقبون إلى الاعتقاد أن زيارات نيجرفان بارزاني المتكررة إلى بغداد تتعلق أساسا بحل مشكلة انتخابات الإقليم المقررة في 10 يونيو (حزيران) والبحث عن مخرج لتأجيلها إلى موعد آخر بعد الحكم الولائي الذي أصدرته المحكمة الاتحادية، وتركز كذلك، على مشكلة الأموال الاتحادية والمخصصة للإقليم، التي يرشح عنها غالبا التأخر في إيصال مرتبات الموظفين هناك.
وسألت «الشرق الأوسط» الباحث المتخصص في الشأن الكردي كفاح محمود عن أهمية الزيارات المتكررة لبارزاني إلى بغداد ونتائجها المتوقعة، فتحدث عن «تراكم الإشكاليات» بين بغداد وأربيل وضرورة بذل جهود استثنائية لحلها.
وأشار إلى أن تلك الإشكاليات كانت «تتراكم مع كل حقيبة وزارية وتقوم بترحيلها للحكومة التالية، ناهيك عن اختلاف معقد في فهم التطبيق الفيدرالي وحتى في ممارسة الديمقراطية بين الحكومات الاتحادية المتعاقبة والإقليم الذي سبق المركز في تطبيقه للنظام الفيدرالي والديمقراطي بأكثر من عقد من الزمان».
وتحدث محمود، وهو مستشار إعلامي في مكتب زعيم الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني، عن وراثة رئيس الوزراء محمد السوداني «سلة كبيرة من الإشكاليات وتعقيدات» المرتبطة بعلاقة الإقليم ببغداد.
أهداف بارزاني
وقال محمود إن «إرادات سياسية ربما لا تريد الحل لعدم إيمانها بالنظام الديمقراطي والفيدرالي، وهذا يظهر جليا في محاولة تلك القوى تجريد الإقليم من صلاحياته الدستورية كما حصل في قرارات المحكمة الاتحادية التي نقضت الدستور عبر إلغاء 11 مقعدا من برلمان كردستان والمخصصة للمكونات الصغيرة وفرض قانون جديد البرلمان المحلي دون إرادة الإقليم».
وعن مجمل الأهداف التي يسعى بارزاني إلى حلها مع بغداد عبر سلسلة زياراته، يعتقد محمود أن «بارزاني يعمل بالتعاون مع السوداني لحلحلة تلك العقد، خاصة المتعلقة بتعديل قانون الموازنة الذي شوهته تلك القوى التي أشرت إليها في البرلمان وتسبب في إحداث أزمة جديدة مع الإقليم، وموضوع اعتماد مصارف القطاع الخاص المجازة من البنك المركزي في مشروع (حسابي) الذي اعتمدته حكومة الإقليم وترفضه المحكمة الاتحادية، وكذلك تعديل قرار المحكمة في مسألة كوتة المكونات وتهيئة أجواء مناسبة لانتخابات نزيهة تشترك فيها كل الفعاليات السياسية».
وتوقع المستشار الكردي أن تسهم زيارات بارزاني في «التوصل لحلول في مسألة توطين الرواتب خلال هذا الشهر وتأجيل الانتخابات وإجراء تعديل يحفظ حقوق الإقليم في الموازنة».
ورأى محمود أن زيارة بارزاني الأخيرة لطهران أحدثت تطوراً مهماً في معادلة العلاقات بين الإقليم وإيران من جهة، وبين الإقليم والقوى الشيعية الحاكمة من جهة أخرى، بما يدعم توجهات الإقليم الرامية إلى حل الإشكاليات وإنهاء حالة التشنج وفقدان الثقة القائمة مع المحكمة وبغداد بشكل عام.