في الوقت الذي يتجند فيه قادة اليمين المتطرف إلى جانب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في المضي قدماً في الحرب بلا توقف والتفاوض فقط من مركز قوة، ومن خلال الضغط العسكري لإفراغ رفح وتصفية «حماس» والانتقال إلى حرب مع «حزب الله» أيضاً، حذّر محللون من مغبة مواصلة حرب بلا هدف استراتيجي. وجاء ذلك في حين طالبت عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة بوقف الحرب فوراً، وتوجهت إلى الرئيس جو بايدن مطالبة بأن يتدخل لوقفها بأي ثمن.
وقالت عيناف تسنغاوكر، والدة أحد الأسرى الجنود في غزة، إن أهالي الأسرى يعيشون في كابوس منذ بدأ اجتياح رفح، مشيرة إلى أنهم يشعرون بأن الحكومة رضخت للتيار اليميني المتطرف الذي لا يتردد في التضحية بالأسرى. وقالت: «أولادنا يعيشون في جهنم والحكومة لا تكترث وتبحث عن نصر كذاب من دون إعادة الأسرى».
وأجمع محللون في الصحف الصادرة الثلاثاء، على أن حركة «حماس» فاجأت إسرائيل، أمس، عندما أعلنت موافقتها على مقترح لصفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق نار في قطاع غزة، في حين سيحاول رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إفشال الصفقة مرة أخرى؛ لأنه ليس لديه استراتيجية للخروج من الحرب.
ووفقاً للمحلل السياسي في صحيفة «معاريف»، بِن كسبيت، فإنه حتى لو احتلت إسرائيل رفح، وقتلت 500 مقاتل فلسطيني، فإن هذا لن يكون انتصاراً إسرائيلياً، «فالانتصار على (حماس) سيتحقق بمجهود كبير ومتواصل يستمر لسنوات». وأضاف أن عملية «السور الواقي» العسكرية التي اجتاح الجيش الإسرائيلي خلالها الضفة الغربية، في عام 2002، «لم تحقق شيئاً»، وأن ما حدث في الضفة حينها «يُفترض أن يحدث في غزة، لكن بشكل أصعب وأخطر؛ لأن (حماس) في عام 2024 أخطر وأقوى من الإرهاب الفلسطيني في بداية الألفية. وهدف الحرب الحالية هو إنشاء وضع يتمكن فيه الجيش الإسرائيلي من الدخول إلى غزة والخروج منها بحرية نسبية. وهذا الهدف أنجزناه تقريباً».
وتابع كسبيت أن «إنهاء الحرب يعني لجنة تحقيق، احتجاجات أكبر وأسئلة صعبة» في إسرائيل. ولفت إلى أن إسرائيل تعلن أنها ستجتاح رفح في أكثر توقيت حساسية في المفاوضات «أي أنها تلمح لوفد (حماس) أن يوقف الاتصالات من دون قول (نعم). وهكذا بالإمكان منح تفويض لطاقم المفاوضات (الإسرائيلي) لقول (نعم) للمقترح المصري، ولكن إحباط (نعم) (حماس) بطرق ملتوية. وهذا سيستمر في الأيام القريبة أيضاً، لأن كلا الجانبين ليس في حاجة إلى صفقة وإنما إلى الوقت».
وقال مراسل الشؤون العسكرية في «القناة12»، نير دفوري: «بحسب الخطة العملية، تذهب إسرائيل في كل حال إلى عملية تدريجية متصاعدة. وهي عملية مخططة لأن يكون ممكناً وقفها في كل لحظة يطلب منها ذلك، في حال حصول تطور إيجابي في موضوع صفقة التبادل. العملية في رفح، عملياً انطلقت. إنها العملية التي كان ينبغي أن تتم قبل شهرين. وهي عملية عينية متدحرجة ربما هي التي أثّرت على التطورات الأخيرة. في السطر الأخير، كل عملية عسكرية كهذه يجب أن تترافق مع خطة سياسية معروفة المعالم، خصوصاً الوصول إلى محور فيلادلفيا ومعبر رفح. وإلا فإنه لا يكون هناك مجال للتوصل إلى النتيجة المرجوة، تحرير المخطوفين والمساس بـ(حماس)».
وقال المراسل السياسي المعروف بانتمائه اليميني في «القناة12»، عميت سيجال: «يجب وضع الحدث في سياقه الأوسع، بعيداً عن البحث في قضية الرجل الذي يدير حكومة الـ64 نائباً وعائلته. هناك رؤيا تقول إن في الأمر (مؤامرة على إسرائيل). وإن هذه المؤامرة، التي جرت من وراء ظهورنا، قادت إلى قبول (حماس) وقف النار مقابل ضمانات أميركية على انتهاء الحرب. هذا كما هو معروف يتناقض مع تعهدات الرئيس بايدن في إسرائيل بأن يؤيد هدف تصفية (حماس). لقد رأينا البيت الأبيض يتراجع عن هذا الهدف ويتحدث عن وقف النار مقابل إطلاق سراح الأسرى والآن يتراجع أكثر وأن الهدف الأميركي هو إنهاء الحرب. واضح تماماً أن إعلان (حماس) الإيجابي جاء بعدما أصدر نتنياهو ذلك البيان الطارئ في يوم السبت، بشكل استثنائي. لكن بالأساس جاء (إعلان حماس) نتيجة الضغط على رفح أو أمور أخرى هي باعتقادي الضمانات الأميركية».
وأشار المحلل السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، إلى أنه «مثلما أدركنا في جميع حروب إسرائيل، وبشكل أكبر في حرب غزة، فإن ما يخطط له الجيش الإسرائيلي وما يحدث على أرض الواقع هما قصتان مختلفتان».
وأضاف: «منذ الأسبوع الأول للحرب، يحذّر ضباط إسرائيليون سابقون وحاليون من أنه ليس لدى نتنياهو استراتيجية خروج. ولنفترض أننا سننجح في السيطرة على محور فيلادلفيا، فماذا سيحدث حينها؟ لمن سنسلم المنطقة التي احتللناها؟ فلا أحد في إسرائيل، باستثناء اليمين المتطرف، يريد أن يخدم هو أو أولاده في حكم عسكري في غزة».
وتابع برنياع أن البيت الأبيض أوضح لنتنياهو أنه إذا أوعز بشن عملية عسكرية واسعة في رفح، فإنه «سيفرض حظر إمداد شحنات أسلحة إلى إسرائيل. وتعهد بايدن في بداية الحرب بالوقوف إلى جانبنا ضد (حماس). وبعد سبعة أشهر، إسرائيل عالقة في غزة، وفي لبنان أيضاً. وهذه ليست إسرائيل التي سعى بايدن إلى مساعدتها».
بدوره، رأى المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن احتلال الجيش الإسرائيلي للجانب الفلسطيني في معبر رفح ومحور فيلادلفيا جاء «على خلفية المفاوضات على الصفقة». وأضاف أنه في أعقاب إعلان «حماس» موافقتها على مقترح الصفقة، أمس، «ادّعوا في المستوى السياسي الإسرائيلي أنه من الجائز أن المصريين والأميركيين توصلوا إلى تفاهمات مع (حماس) من وراء ظهر إسرائيل، من خلال تعديل المقترح المصري الذي ردت إسرائيل عليه بالإيجاب قبل نحو أسبوعين». ورأى هرئيل أن إعلان مكتب نتنياهو عن إيفاد فريق عمل، ليس رفيعاً، لمواصلة المفاوضات مع الوسطاء، وفي موازاة ذلك بدء عملية عسكرية إسرائيلية في رفح، «هو على ما يبدو تلميح أولي من جانب نتنياهو بشأن عزمه رفض المقترح، بعد رد (حماس) الإيجابي عليها».
وأضاف أن احتمال حدوث تقدم في المفاوضات حول الصفقة لا يزال ضئيلاً، «لكن من الجائز أن قادة (حماس)، بإجابتهم الإيجابية، دقّوا أسافين بين إسرائيل والولايات المتحدة. فالكثير من عائلات المخطوفين طالبت نتنياهو، بالأمس، بالموافقة على المقترح المصري، بعد رد (حماس)، والبدء بإعادة المخطوفين إلى الديار».