حادثة «كالسو» الغامضة: صواريخ انفجرت في موقع لصناعة الذخائر

تحقيق عراقي توصَّل إلى أن الهجوم لم ينفّذه طيران مسيّر أو حربي... وآثار «تي إن تي»

مسلحون من «الحشد الشعبي» العراقي يستنفرون بعد هجوم سابق استهدف مقرهم في بغداد (أرشيفية - رويترز)
مسلحون من «الحشد الشعبي» العراقي يستنفرون بعد هجوم سابق استهدف مقرهم في بغداد (أرشيفية - رويترز)
TT

حادثة «كالسو» الغامضة: صواريخ انفجرت في موقع لصناعة الذخائر

مسلحون من «الحشد الشعبي» العراقي يستنفرون بعد هجوم سابق استهدف مقرهم في بغداد (أرشيفية - رويترز)
مسلحون من «الحشد الشعبي» العراقي يستنفرون بعد هجوم سابق استهدف مقرهم في بغداد (أرشيفية - رويترز)

قالت لجنة تحقيق عراقية إن قاعدة «كالسو» التي قُصفت السبت الماضي لم تُستهدف بطيران حربي أو مسيّر، لكنها أقرت ضمناً بأن الموقع انفجر بهجوم صاروخي، وأشارت إلى أنه كان يضم 3 مواد تستخدم في صناعة المتفجرات.

وبعد 3 أيام من استهداف المعسكر في محافظة بابل (جنوب)، أنهت لجنة عسكرية تحقيقها في الهجوم الذي أسفر عن مقتل أحد أفراد «الحشد الشعبي» وإصابة 8 آخرين.

وقال تقرير لقيادة العمليات العسكرية، الثلاثاء، إن لجنة التحقيق عثرت على «بقايا صواريخ متناثرة لخمسة صواريخ تبعد 150 متراً عن مكان الحادث. حجم الحفرة (التي أحدثها الانفجار) يؤكد حدوث انفجار ضخم جداً لأسلحة ومواد شديدة الانفجار كانت موجودة في المكان».

لقطة فيديو تُظهر الأضرار التي خلَّفتها انفجارات غامضة في معسكر بمحافظة بابل العراقية (أ.ف.ب)

تقرير الدفاع الجوي

وذكر تقرير اللجنة أن التقارير الصادرة عن قيادة الدفاع الجوي أكدت عدم وجود حركة لطائرات مقاتلة أو مُسيّرة في أجواء محافظة بابل قبل وقت الانفجار وأثنائه وبعده.

وعادة ما تتبنى الولايات المتحدة هجمات كانت تنفذها ضد الفصائل المسلحة الموالية لإيران، أو مواقع تابعة لـ«الحشد الشعبي»، لكنها لم تفعل هذه المرة.

وكان سياسيون عراقيون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» عن أن العمليات التي لا تتبانها واشنطن تشير إلى أن إسرائيل هي من نفذتها.

وتزامن استهداف «كالسو» مع تقارير صحافية أشارت إلى أن إسرائيل وجّهت صاروخين نحو القاعدة الجوية في أصفهان، التي تم فيها وضع بطاريات صواريخ «إس 300» الروسية للدفاع عن المنشأة النووية القريبة في نطنز، وفقاً لرونين بيرغمان، المراسل الخاص للشؤون الأمنية في صحيفتي «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية و«نيويورك تايمز» الأميركية.

وأضاف تقرير العمليات العراقية، أن «شدة الانفجار وحجم المواد المتناثرة من المقذوفات والصواريخ والمواد المتفجرة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون بتأثير صاروخ أو صواريخ عدة محمولة جواً». وأكد التقرير أن فحص عينات التربة وبقايا الصواريخ «أثبت وجود ثلاث مواد وليس مادة واحدة تستخدم في صناعة المتفجرات والصواريخ، وجميعها مواد شديدة الانفجار وتستخدم في صناعة الذخائر الحربية».

وقال التقرير: «من خلال فحص (العينات الترابية من الحفرة وبعض القطع المعدنية لبقايا الصواريخ) داخل المختبرات ثبت وجود ثلاث مواد وليس مادة واحدة تستخدم في صناعة المتفجرات والصواريخ، وهي (تي إن تي)، نترات الأمونيا، و DIBUTYLPHTHALATE، وجميعها شديدة الانفجار وتستخدم في صناعة الذخائر الحربية».

وقد تعني نتائج التحقيق أن الهجوم الصاروخي استهدف موقعاً لصناعة المسيرات المفخخة، التي تستخدمها الفصائل في عملياتها ضد قواعد عسكرية أميركية في العراق وسوريا.

صورة متداولة على منصات قريبة من «الحشد الشعبي» لانفجار معسكر «كالسو» في محافظة بابل بالعراق

الهدنة مستمرة

وتبدو صياغة التقرير محاولة للحفاظ على أجواء التهدئة بين الفصائل المسلحة والأميركيين، خصوصاً بعد زيارة رئسي الحكومة محمد شياع السوداني لواشنطن ولقائه بالرئيس جو بايدن.

وقالت مصادر سياسية موثوقة، إن قادة في «الإطار التنسيقي» أبرزهم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وزعيم «عصائب أهل الحق» يدفعون باتجاه تثبيت التهدئة، على خلاف قادة فصائل مثل «النجباء» و«كتائب حزب الله».

وقال مصدر، لـ«الشرق الأوسط»، إن «نتائج التحقيق العسكري بشأن ضربة (كالسو) تعكس الرغبة الحكومية، وطرف وازن داخل (الإطار)، في تكريس الهدنة».

وما أن أقلعت طائرة السوداني من قاعدة «أندروز» الجوية في الولايات المتحدة الأميركية متجهة إلى بغداد، تواترت الأخبار بشأن ما قيل أولاً إنه ضربة لإحدى القطعات العسكرية في محافظة بابل وتحديداً في منطقة «جرف الصخر».

وكان الخبر الأول الذي وصل إلى فريق السوداني على متن الطائرة، أن الضربة تمت بصاروخ أميركي، قبل أن تظهر ردود فعل سريعة من قِبل قادة الفصائل بشأن طبيعة الرد المحتمل، بينما سرى حديث داخل الطائرة أنه في حال صح أن الصاروخ أميركي فهذا إعلان مسبق عن فشل الزيارة، وهو ما كان مستبعداً على نحو كبير حينها.

بعد نحو ساعة تقريباً وصل خبر ثان أفاد بأن الضربة إسرائيلية، وأن ما حدث كان ضمن «قواعد الاشتباك مرة بين الإيرانيين والإسرائيليين ومرة بين الفصائل والإسرائيليين»، على حد وصف سياسيين عراقيين.

ومع اتضاح الموقف بشأن طبيعة تفجير «كالسو»، فإن الصواريخ الخمسة التي أطلقت من الموصل شمالي العراق على قاعدة أميركية في الأراضي السورية بدت جزءا من اختبار القوة بين بعض الفصائل المسلحة الموالية لإيران وبين الحكومة العراقية.

ووصفت الحكومة في بيان رسمي «إطلاق تلك الصواريخ بأنه نتاج عمل جهات خارجة عن القانون»، في حين تضاربت مواقف أصدرتها فصائل مسلحة مثل «كتائب حزب الله» بين التبني والنفي.

مَن قصف «عين الأسد»؟

وفي سياق متصل، وطبقاً لمعهد واشنطن الأميركي، فإن فصائل عراقية على الأغلب نفذت الهجومين على قاعدتين للقوات الأميركية في عين الأسد والحسكة السورية؛ وهو ما قد يعني «إنهاءً للهدنة» وعلى طريق استئناف التصعيد بين الطرفين في العراق.

لكن التقرير الأميركي أشار إلى أن الميليشيات المدعومة من إيران أظهرت «انضباطاً صارماً» حين تجنبت إعلان مسؤوليتها عن أي من الهجومين على قاعدة خراب الجير في الحسكة في سوريا أو قاعدة الأسد الجوية في العراق، وذكر أن جهوداً كانت بُذلت من أجل تجنب الانتقام الأميركي.

ولفت التقرير إلى أن الهجومين، بحسب التقارير الصحافية والمسؤولين الأميركيين، يشير إلى استخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة ضد هذه القواعد الأميركية في العراق وسوريا، وذلك للمرة الأولى منذ 4 فبراير (شباط) عام 2024.

ولفت التقرير إلى أن الهجمات السابقة على «خراب الجير» كانت تنسب عادة إلى حركة «النجباء»، وأن الهجوم على عين الأسد ربما يكون قد تم من نقطة معينة في العراق أو سوريا، وعادة ما ينسب إلى «كتائب حزب الله».


مقالات ذات صلة

السوداني طلب من التحالف الحاكم «التحرك بسرعة قبل الحرب»

المشرق العربي السوداني في اجتماع لـ«الإطار التنسيقي» في بغداد (إكس)

السوداني طلب من التحالف الحاكم «التحرك بسرعة قبل الحرب»

أكد مسؤول حكومي بارز أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أبلغ قادة «الإطار التنسيقي» بتفاصيل شاملة عن «المخاطر المتوقعة على العراق».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي طائرة من سلاح الجو العراقي خلال إحدى المهمات ضد تنظيم «داعش» (أرشيفية - واع)

العراق: المجال الجوي غير مؤمّن بالكامل

أقر العراق بأن مجاله الجوي غير مؤمّن بالكامل، في حين أكد اتخاذ إجراءات لتحسين القدرات الدفاعية بعد التعاقد مع كوريا الجنوبية قبل أشهر لامتلاك منظومة متطورة.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني طلب من قادة الجيش العراقي رفع الجهوزية (إعلام حكومي)

«رسالة عسكرية» عن خريطة الأهداف الإسرائيلية في العراق

قالت مصادر موثوقة إن ضباطاً كباراً في الجيش العراقي أبلغوا قادة فصائل بأن الضربة الإسرائيلية باتت أقرب من أي وقت مضى.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي الجيش العراقي يُطلق النار على مسلحي «داعش» عام 2017 (رويترز)

العراق: انفجار قنبلة يصيب 4 في كركوك

كشفت مصادر بالشرطة أن أربعة أصيبوا عندما انفجرت قنبلة على جانب أحد الطرق في مدينة كركوك بشمال العراق اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي دراجة تعبر شارعاً ببغداد وقد رفعت فيه أعلام العراق ولبنان وفلسطين (أ.ف.ب)

فصائل عراقية تتوعد بـ«حرب الطاقة» في الخليج العربي

بالتزامن مع تبنّي هجمات بالطيران المُسيّر على أهداف إسرائيلية، توعدت فصائل عراقية بـ«حرب طاقة» في الخليج العربي والمنطقة.

حمزة مصطفى (بغداد)

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: قيادة جماعية لـ«حزب الله» بانتظار نهاية الحرب

صور نصر الله في الطريق المؤدية إلى مطار بيروت (أ.ب)
صور نصر الله في الطريق المؤدية إلى مطار بيروت (أ.ب)
TT

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: قيادة جماعية لـ«حزب الله» بانتظار نهاية الحرب

صور نصر الله في الطريق المؤدية إلى مطار بيروت (أ.ب)
صور نصر الله في الطريق المؤدية إلى مطار بيروت (أ.ب)

بدأ في لبنان التداول باسم رئيس المجلس السياسي لـ«حزب الله» إبراهيم أمين السيد، خليفة محتملاً للأمين العام للحزب حسن نصر الله الذي قتل في غارة إسرائيلية، قبل نحو أسبوعين في ضاحية بيروت الجنوبية.

إبراهيم أمين السيد رئيس المجلس السياسي لـ«حزب الله» (موقعه في الإنترنت)

وبرز اسم السيد رغم عدم تأكيد إسرائيل، كما «حزب الله»، حتى الساعة مقتل رئيس المجلس التنفيذي للحزب هاشم صفي الدين، في الغارات التي شنتها طائرات حربية إسرائيلية بعد منتصف ليل الخميس - الجمعة، على موقع يُعتقد أنه كان يوجد فيه تحت الأرض في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهو الذي كان يُرجح أن يخلف نصر الله.

إلا أن مصادر مطلعة على أجواء الحزب تنفي كل ما يُتداول في هذا المجال «جملة وتفصيلاً»، قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «لا أحد حالياً مرشح لخلافة نصر الله. لا صفي الدين ولا السيد ولا أي شخصية أخرى، فالقيادة الراهنة جماعية».

وأصدرت العلاقات الإعلامية في «حزب الله» السبت، بياناً تحدثت فيه عن «أخبار كاذبة وشائعات لا قيمة لها يتم تداولها تتعلق بالوضع التنظيمي لعدد من كبار مسؤولي (حزب الله)»، مشيرة إلى أنها «تندرج في إطار الحرب النفسية المعنوية ضد جمهور المقاومة».

القيادي البارز في «حزب الله» هاشم صفي الدين خلال مشاركته في تشييع قيادي من الحزب قُتل في إدلب بسوريا (أ.ف.ب)

ويستبعد الناشط السياسي المعارض لـ«حزب الله» علي الأمين، إقدام الحزب في هذه الفترة على تعيين أمين عام جديد، «لأن المرشح أو المُعيّن، أياً كان، مرشح للموت»، مؤكداً أن «الحزب أصلاً في حالة تشتت وغير قادر على القيام بخطوة كهذه في ظرف كهذا، فضلاً عن أن الشيخ نعيم قاسم هو أمين عام بالوكالة بوصفه نائباً للأمين العام».

 

من هو السيد؟

ولد السيد في منطقة البقاع، شرق لبنان، عام 1955. تلقى تعليماً دينياً مكثفاً في الحوزات العلمية. وانضم إلى «حزب الله» منذ تأسيسه في أوائل الثمانينات، وأسهم في تطوير الحركة السياسية والعسكرية للحزب. والسيد تدرج في المناصب في «حزب الله» حتى أصبح رئيس المجلس السياسي، حيث يقوم بإدارة السياسات العامة للحزب والتواصل مع القوى السياسية اللبنانية والدولية.

ووفق الأمين، فإن السيد «كان مندوب حركة (أمل) في إيران قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ثم انتسب إلى (حزب الله). وقد قرأ الرسالة المفتوحة للحزب والبيان الأول له عند تأسيسه رسمياً، أي كان الناطق باسمه في فبراير (شباط) 1985».

السيد خلال إحدى زياراته للبطريرك الماروني بشارة الراعي (موقعه على الإنترنت)

ويشير إلى أنه «قريب للنائب جميل السيد، وكان نائباً في البرلمان ورئيس كتلة (الوفاء للمقاومة) من عام 1992 إلى عام 1996». ويرى الأمين أن «اقتراب السيد من إتمام السبعين لا يجعله خياراً موفقاً للأمانة العامة، وبخاصة في هذه الظروف»، مرجحاً أن يكون «الكلام عن تعيين السيد من خارج سياق الحزب... خصوصاً أنه في الـ15 سنة الأخيرة كان مهمشاً وأشبه بمتقاعد، فلا نراه إلا في زياراته إلى البطريركية المارونية، كما أنه لا يُعدّ من القيادات الحيوية داخل الحزب التي تم اغتيال معظمها».

موقع إلكتروني رسمي

ويُعدّ السيد أول رئيس للمجلس السياسي للحزب ومن الشخصيات القيادية القديمة، وله دور بارز في بناء شبكة العلاقات السياسية بلبنان، خصوصاً مع القوى السياسية الأخرى مثل حركه «أمل» و«التيار الوطني الحر» وغيرهما.

وبعكس صفي الدين الذي كانت إطلالاته العلنية والإعلامية محدودة، تُسجل إطلالات كثيرة للسيد سواء خلال خطب في عاشوراء، أو خلال لقاءات سياسية علنية مصورة كان يقوم بها.

كما أن اللافت أن «له موقعاً رسمياً على شبكة الإنترنت يحمل اسمه، وهو ما يفتقده معظم مسؤولي وقيادات (حزب الله)».

دمار هائل نتيجة إحدى الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

هذا الموقع ينشر خطاباته ومواقفه التي يعود آخرها لشهر يوليو (تموز) الماضي، والتي عدّ فيها أن «الانتصار على العدوّ سينتج تداعيات كبرى على مستوى الأجيال المقبلة».

رفض المنصب

وتردد عبر مواقع إلكترونية أنه بعد ترجيح فرضية اغتيال هاشم صفي الدين، رفض أمين السيد تولي منصب الأمين العام للحزب، وطلب السفر إلى طهران للتفرغ للعبادة. لكن هذه المعلومات لم يؤكدها أي مصدر موثوق.

ويقول مطلعون على جو الحزب إن «منصبه رئيساً للمجلس السياسي يجعله مسؤولاً عن توجيه السياسات الداخلية والخارجية للحزب»، ويتحدثون عن «شخصية مؤثرة في النقاشات السياسية المتعلقة بالصراعات الإقليمية».