تفاؤل لبناني بدعم أوروبي لعودة اللاجئين السوريين

مفوض «الاتحاد» في بيروت تمهيداً لزيارة الرئيس القبرصي ورزمة تدابير داعمة للبنان

خلال اللقاء الذي جمع مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون التوسع والجوار أوليفير فاريلي مع رئيس البرلمان نبيه بري (إ.ب.أ)
خلال اللقاء الذي جمع مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون التوسع والجوار أوليفير فاريلي مع رئيس البرلمان نبيه بري (إ.ب.أ)
TT

تفاؤل لبناني بدعم أوروبي لعودة اللاجئين السوريين

خلال اللقاء الذي جمع مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون التوسع والجوار أوليفير فاريلي مع رئيس البرلمان نبيه بري (إ.ب.أ)
خلال اللقاء الذي جمع مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون التوسع والجوار أوليفير فاريلي مع رئيس البرلمان نبيه بري (إ.ب.أ)

تنشط حركة الموفدين إلى بيروت، إضافة إلى اللقاءات والاتصالات التي يقوم بها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، للبحث في أزمة اللاجئين السوريين والحلول التي يمكن البناء عليها، بحيث بات لبنان يعوّل على بعض التجاوب الذي بدأ يلمسه من قبل المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي.

وتأتي في هذا الإطار، زيارة مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون التوسع والجوار أوليفير فاريلي على رأس وفد إلى بيروت، الاثنين، حيث التقى المسؤولين للبحث في موضوع النزوح السوري والعودة الطوعية والآمنة، وتمهيداً للزيارة الثانية التي سيقوم بها الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس الذي أعلن، الأحد، عن زيارة له إلى بيروت في الثاني من مايو (أيار) المقبل، مشيراً إلى أنه يجري العمل للتوصل لاتفاق مع لبنان، وبأن بلاده دعت بصورة صريحة لتوصيف مناطق معينة في سوريا على أنها مناطق آمنة.

ميقاتي: مصلحة مشتركة

وأكد الرئيس ميقاتي خلال الاجتماع، أن «على الاتحاد الأوروبي أن يغيّر سياسته في ما يتعلق بمساعدة النازحين السوريين في لبنان، وأن تكون المساعدة موجهة لتحقيق عودتهم إلى بلادهم»، شاكراً الاتحاد الأوروبي «لإدراج لبنان على جدول أعمال اجتماعه الأخير، وإقرار رزمة إجراءات سياسية ومالية لدعم لبنان سيعلن عنها قريباً». وأكد «إن كان لبنان بخير فأوروبا ستكون بخير، لذلك مصلحتنا مشتركة».

رزمة تدابير داعمة للبنان

ووصف فاريلي الاجتماعات التي عقدها في بيروت بـ«البناءة»، معلناً أنه يجري البحث في رزمة من التدابير الداعمة والدائمة لدعم استقرار وأمن لبنان، آملاً أن يجري الإعلان عنها عندما يأتي الرئيس القبرصي إلى لبنان.

وبينما أشار إلى الدعم المستمر للبنان وشعبه خصوصاً المجموعات الأكثر هشاشة، جدّد التأكيد على «الدعم الأوروبي الطويل الأمد والمستمر للبنانيين، ليتمكن لبنان من الاعتماد على دعمنا المالي والسياسي خلال السنوات المقبلة على الأقل خلال نهاية هذه الفترة المالية أي حتى 2027».

وقال: «من الواضح أن المجلس الأوروبي لم يوضح فقط أن الاتحاد الأوروبي مستعد للاستمرار بدعم النازحين السوريين في لبنان والأردن وتركيا، ولكن المجلس الأوروبي أوضح أيضاً بشكل كبير أن علينا الآن مضاعفة جهودنا لمكافحة تهريب الأشخاص والتهريب بشكل عام، وتعزيز حماية الحدود، وأيضاً ضبط الهجرة غير الشرعية».

ولفت إلى أن المجلس الأوروبي أوضح «أن التعاون مستمر مع المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة، وأنه يجب احترام شروط العودة الطوعية الآمنة والكريمة بالتعاون مع السلطات اللبنانية ليتمكن النازحون السوريون من العودة من لبنان إلى سوريا».

وأشار إلى أن «المجلس الأوروبي يريد أن يساعد باستقرار لبنان وأمنه عبر دعم إضافي للقوات المسلحة في لبنان، للجيش والأجهزة الأخرى التي تسهم في أمن واستقرار المنطقة».

والتقى فاريلي إضافة إلى ميقاتي كلاً من رئيس البرلمان نبيه بري ووزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب، الذي عبّر عن ارتياحه بعد اللقاء، «للتفهم الكبير للاتحاد الأوروبي لهواجس لبنان في موضوع النزوح والمقاربة المتطورة الهادفة إلى إيجاد حل مستدام يعيد السوريين بكرامة وأمان إلى وطنهم».

وكان الرئيس القبرصي قد قال، الأحد، إنه يجري العمل للتوصل لاتفاق مع لبنان، من أجل منع تدفق مزيد من اللاجئين السوريين إلى الاتحاد الأوروبي عبر لبنان، مشيراً إلى أن قبرص تريد مساعدة بيروت في التعامل مع اللاجئين بحيث لا يأتي المزيد منهم إلى قبرص، وأعلن أن بلاده دعت بصورة صريحة لتوصيف مناطق معينة في سوريا على أنها مناطق آمنة.

وقال خريستودوليديس إن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين سترافقه إلى بيروت للإعلان عن حزمة مالية ملموسة من الاتحاد الأوروبي، مع تأكيده أنها لن تتضمن فقط مساعدات مالية، ولكن أيضاً دعماً لمؤسسات لبنانية مثل القوات المسلحة التي تعد عاملاً باعثاً للاستقرار في البلاد.

ورقة «الاشتراكي»

ويتحدث النائب في «اللقاء الديمقراطي» هادي أبو الحسن الذي التقى ميقاتي، الاثنين، للبحث في أزمة النازحين، واطلاعه على ورقة العمل التي يعمل عليها الحزب «التقدمي الاشتراكي» في هذا الإطار، عن اهتمام إضافي من قبل المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي إزاء هذه القضية التي باتت تشكل عبئاً أيضاً على أوروبا، مشيراً إلى جهود كبيرة يقوم بها ميقاتي في هذا الإطار لا سيما في اتصالاته مع الاتحاد الأوروبي ومفوضية شؤون اللاجئين... وغيرهما.

ومع تأكيده أن المماطلة في هذه القضية لم تعد تنفع، ولا بد من اتخاذ إجراءات عملية، يتوقف أبو الحسن في حديثه لـ«الشرق الأوسط» عند نقطتين أساسيتين من شأنهما أن تسهما في تسهيل العودة، وهما، تصنيف النازحين بين اللاجئ والمقيم، ومن ثم تحديد الأماكن الآمنة في سوريا ليعود إليها النازحون، وهذا يتطلب بالدرجة الأولى التنسيق بين لبنان وسوريا. وهنا يقول أبو الحسن: «لا أعتقد أنه لدى ميقاتي مشكلة في التواصل مع الحكومة السورية شخصياً وإن كان هو الذي يدرك شكل هذا التواصل وآليته».

وفي ظل الإجماع الذي تحظى به قضية النازحين من قبل معظم الفرقاء اللبنانيين، رغم كل خلافاتهم على قضايا أخرى، يعمل «الاشتراكي» على ورقة عمل، تتقاطع في بنود عدة منها مع الخطة التي تعمل عليها الحكومة، وسيبحثها في الأيام المقبلة مع الفرقاء اللبنانيين. وأبرز نقاطها هي إحصاء عدد النازحين وتصنيفهم على أن يجري العمل على عودتهم إلى أماكن آمنة، وتقديم حوافز لهم في مكان إقامتهم في بلدهم، كما إعطاء حوافز للبنان، الدولة المضيفة لهم.

لقرار سياسي موحد

وقضية النازحين بما فيها التواصل مع الحكومة السورية، كانت أيضاً محور جلسة لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات النيابية التي عُقدت برئاسة النائب جهاد الصمد وحضور وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري الذي دعا إلى اتخاذ القرار السياسي، ومدير المخابرات في الجيش أنطوان قهوجي وممثلين عن القادة الأمنية.

واستمعت اللجنة في موضوع النزوح السوري، إلى المدير العام للأمن العام بالإنابة الذي طالب «بإحياء مذكرة التفاهم مع مفوضية شؤون اللاجئين عام 2003، ما يسمح لنا بتطبيق القوانين اللبنانية، وعدم التنازع مع القوانين الدولية»، وقال: «نحن كأمن عام نطالب بقرار سياسي موحد يتعامل مع موضوع النزوح السوري بخطة وطنية موحدة تكون لنا غطاءً لتنفيذ ما يجب علينا تنفيذه».

وبعد الجلسة، دعا الصمد باسم اللجنة إلى إصدار قانون شبيه بمذكرة التفاهم مع المفوضية عام 2003، بما يتناسب مع حجم النزوح السوري في لبنان، مع مراعاة المتغيرات التي طرأت بما يسمح للدولة اللبنانية بالمشاركة في تحديد مستحقي صفة طالبي لجوء الذين هم بحاجة فعلية للحماية الدولية المؤقتة في لبنان بانتظار إعادة توطينهم لدى بلد ثالث.

وأكد المجتمعون ضرورة إيجاد استراتيجية حكومية شاملة وموحدة تضم كل الوزارات المعنية والإدارات تحظى بالغطاء السياسي من كل الأطياف السياسية، إضافة إلى ضرورة العمل والتواصل والتنسيق مع الدولة السورية في سبيل الوصول إلى عودة أكبر عدد من النازحين إلى بلدهم.


مقالات ذات صلة

إصابة 4 من جنود «اليونيفيل» الإيطاليين في لبنان وروما تُحمّل «حزب الله» المسؤولية

المشرق العربي جندي من قوات «اليونيفيل» في برج مراقبة قرب قرية مارون الراس اللبنانية (إ.ب.أ)

إصابة 4 من جنود «اليونيفيل» الإيطاليين في لبنان وروما تُحمّل «حزب الله» المسؤولية

أصيب 4 جنود إيطاليين في هجوم على مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة بلبنان «اليونيفيل» ببلدة شمع جنوب لبنان، وفق ما أعلن مصدران حكوميان، الجمعة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عاملا صحة يعتنيان بمصابة جراء الحرب في أحد مستشفيات لبنان 15 يوليو 2024 (أ.ب)

الصحة العالمية: مقتل 226 عاملاً صحياً ومريضاً في لبنان منذ بدء حرب 7 أكتوبر

قالت منظمة الصحة العالمية، اليوم (الجمعة)، إن 226 عاملاً صحياً ومريضاً قُتلوا في لبنان، فيما أصيب 199 آخرون جراء الهجمات الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة 22 نوفمبر 2024 (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يجدد الغارات على ضاحية بيروت بعد إنذارات بالإخلاء

تجدَّدت الغارات الإسرائيلية، صباح الجمعة، على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات وجَّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء 3 مواقع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رجال إنقاذ وسكان يتجمعون حول أنقاض مبنى دمّرته غارة إسرائيلية على قرية يونين بسهل البقاع شرق لبنان في 21 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

مقتل 47 في غارات إسرائيلية على شرق لبنان

قال مسؤول لبناني إن 47 شخصاً على الأقل، قُتلوا في غارات إسرائيلية على شرق لبنان، اليوم الخميس، لتُواصل إسرائيل بذلك حملة على جماعة «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.