زيارة إردوغان للعراق... دلالات على مرحلة جديدة من التعاون بين الجارين

مخاوف من إيران ورسالة إلى طالباني

TT

زيارة إردوغان للعراق... دلالات على مرحلة جديدة من التعاون بين الجارين

السوداني مستقبلاً إردوغان في بغداد الاثنين (أ.ف.ب)
السوداني مستقبلاً إردوغان في بغداد الاثنين (أ.ف.ب)

حملت زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للعراق كثيراً من الدلالات على انطلاق مرحلة جديدة من علاقات التعاون بين البلدين الجارين على المستويات الأمنية والاقتصادية والتجارية والتنموية مع مقاربة مشتركة في ملف المياه والطاقة.

وأظهر تشكيل الوفد المرافق لإردوغان، في زيارته إلى كل من بغداد وأربيل، طبيعة الملفات التي عمل عليها البلدان خلال الأشهر الأخيرة، حيث ضم وزراء الخارجية والدفاع والداخلية والنقل والبنية التحتية والطاقة والتجارة والزراعة والغابات والصناعة والتكنولوجيا، إلى جانب كبير مستشاري الرئيس للسياسة الخارجية والأمن عاكف تشاغتاي كيليتش.

نموذج للتنمية

وعشية الزيارة، قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إنه سيتم توقيع أكثر من 20 اتفاقية مع العراق خلال الزيارة، التي تعد الأولى لرئيس الجمهورية التركي منذ 15 عاماً، عندما زار الرئيس السابق عبد الله غل بغداد في 2009، كما تعد الأولى لإردوغان منذ 13 عاماً عندما كان رئيساً للوزراء، حيث قام بـ3 زيارات للعراق في أعوام 2008 و2009 و2011.

وقال فيدان: «هدفنا تطوير العلاقات مع العراق، بحيث يكون الاستقرار الإقليمي والازدهار والتنمية ممكناً، وإضفاء طابع مؤسسي على علاقاتنا، وبذل ما بوسعنا لتطوير النظام والازدهار في المنطقة».

ولفت إلى الأعمال الجارية منذ فترة طويلة بين البلدين في مجالات مثل الأمن والطاقة والمياه والزراعة والصحة والتعليم، قائلاً: «أتممنا الاتفاقات الأولية لتوقيع أكثر من 20 اتفاقية خلال زيارة إردوغان».

وأكد فيدان أهمية التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي في العراق، وأنهم لا يريدون أن تذكر المنطقة والعراق بالاضطرابات الداخلية والصراعات والحروب، معرباً عن اعتقاده بأن العلاقات التركية - العراقية ستكون نموذجاً مهماً في المنطقة، وبخاصة مع تنفيذ مشروع «طريق التنمية» الذي يوليه الرئيس إردوغان، أهمية كبيرة.

قضايا رئيسية

والتقى إردوغان عقب وصوله إلى بغداد، الاثنين، الرئيس عبد اللطيف رشيد، ثم عقد جلسة مباحثات مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أعقبها اجتماع موسع ضم وفدي البلدين.

السوداني مستقبلاً إردوغان في بغداد الاثنين (أ.ف.ب)

وعدّ خبراء أن أهم بعدين في زيارة إردوغان إلى العراق هما الأمن والاقتصاد، مؤكدين أن العمل المشترك بين البلدين في مجال الأمن أمر بالغ الأهمية بالنسبة للمنطقة.

وقال فاروق كايا، الأستاذ بجامعة يدي تبه في إسطنبول، إن تركيا تولي أهمية بالغة للتعاون مع العراق في إنهاء نشاط حزب العمال الكردستاني وتشكيل منطقة آمنة تشمل الحدود الجنوبية مع العراق وسوريا بعمق من 30 إلى 40 كيلومتراً، متوقعاً اتخاذ خطوات جادة في هذا الشأن خلال الزيارة.

وأضاف كايا لـ«الشرق الأوسط» أن زيارة إردوغان ستشكل نقلة نوعية للتعاون بين البلدين الجارين، وأن مشروع «طريق التنمية»، الذي تبلغ استثماراته 17 مليار دولار سيكون محوراً مهماً من محاور التعاون بين تركيا والعراق.

وعدّ خبير الأمن ومكافحة الإرهاب، جوشكون باشبوغ، أن هناك 3 عوامل رئيسية تعكس أهمية توقيت الزيارة، الأول: مشروع طريق التنمية، الذي يجب تنفيذه في أسرع وقت ممكن في ظل ظهور مشروعات بديلة، والثاني الاتفاق على التعاون في تأمين الحدود الجنوبية لتركيا وإنشاء مركز العمليات التركي - العراقي المشترك، لافتاً إلى أن تركيا عملت على هذه القضية لفترة طويلة، لكن التطورات الأخيرة في المنطقة الناجمة عن حرب غزة جعلت الأمر أكثر إلحاحاً.

وأضاف أن هناك عاملاً إضافياً في هذا الشأن، وهو ما يتردد عن احتمالات انسحاب أميركا من المنطقة، وهو ما يدفع تركيا للتحرك بسرعة لسد الفجوة التي ستنشأ في المنطقة.

وتابع أن قضيتي المياه والطاقة تعدان من أهم القضايا على جدول أعمال البلدين، متوقعاً أن يتم التوصل إلى حلول مرضية بين الجانبين على ضوء زيارة إردوغان.

وفيما يتعلق بطريق التنمية، قال وزير المواصلات والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو، عشية الزيارة، إنه عند اكتمال مشروع طريق التنمية الذي يمر من العراق والأراضي التركية، فإن مدة نقل البضائع بين المنطقة وأوروبا، ستنخفض إلى 25 يوماً.

وأشار إلى أن حركة السفن التي تمر عبر قناة السويس تستغرق 35 يوماً، وعبر طريق الرجاء الصالح أكثر من 45 يوماً وعند اكتمال طريق التنمية، فإن الوقت سينخفض إلى 25 يوماً.

الجانبان القطري والتركي خلال توقيع المذكرة الرباعية في بغداد الاثنين (أ.ف.ب)

وأضاف أن المرحلة الأولى من المشروع سيتم تشغيلها العام المقبل، مشيراً إلى أنهم يخططون لبناء 1200 كم من السكك الحديدية والطرق السريعة ونقل الطاقة وخط للاتصالات ضمن نطاق المشروع، وسيتم إنشاء خط سكة حديد من قرية «أوفاكوي» الحدودية مع العراق في جنوب شرقي تركيا إلى أوروبا، مؤكداً أن مشروعات النقل الوطنية والدولية لها أهمية حيوية لتركيا.

وذكر أورال أوغلو أن مشروع طريق التنمية يسير بشكل أسرع من المتوقع، وأن تقدماً كبيراً يتم إحرازه من خلال الزيارات المتبادلة كل شهر بين البلدين.

ملف المياه

وفي ملف المياه، قال رئيس جمعية سياسة المياه في تركيا، دورسون يلدز، إن العراق يلبي معظم احتياجاته المائية من نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من تركيا، وطلب إطلاق مزيد من المياه من نهر دجلة مرات عدة خلال فترات الجفاف، واستجابت تركيا باستمرار، بل أجلت عملية احتجاز المياه في سد إليسو على نهر دجلة 3 مرات بناء على طلب العراق.

وأضاف أنه مع ازدياد تأثير تغير المناخ، يجب جعل استخدام المياه في العراق أكثر كفاءة، لأن جميع التقارير المعدة حول التغير المناخي في حوضي الفرات ودجلة توضح أن نقص المياه في المنطقة سيزداد بشكل كبير في عام 2050، وأن إدارة المياه ستصبح صعبة للغاية.

ولفت إلى أنه لهذا السبب فإن قضايا المياه، مثلها مثل الأمن والطاقة تتصدر أجندة الرئيس إردوغان في العراق، وتحاول تركيا المساعدة في تطوير مشروعات مختلفة في العراق منذ فترة طويلة لاستخدام المياه بكفاءة وتقليل خسائر المياه، كما أنها مستعدة لتوجيه القطاع الخاص في العراق فيما يتعلق بأنظمة ومعدات الري الموفرة للمياه، ويجري تنظيم برامج تدريبية وتطبيقية لمهندسي وفنيي الري العراقيين.

مخاوف من إيران

وعد الكاتب في صحيفة «حرييت»، القريبة من الحكومة، عبد القادر سيلفي، أن العلاقات التركية - العراقية تتطور في اتجاه إيجابي، وفي طريقها لتصبح نموذجاً إقليمياً، وعلى حد تعريف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان فإن العلاقات بين البلدين الجارين ستكون «رؤية التنمية الإقليمية».

وقال سليفي إن البلدين لا يتحدثان عن الحرب ضد الإرهاب وحزب العمال الكردستاني، فحسب، بل يعملان برؤية إقليمية تقوم على التنمية المشتركة، وتقرر إنشاء لجان وزارية مشتركة في مجالات التجارة والزراعة والطاقة والمياه والصحة والنقل.

وأضاف: «في منطقتنا، المعروفة بالإرهاب والحروب الأهلية، الهدف هو جعل الرخاء والتنمية قاسماً مشتركاً، وإذا نجح هذا المفهوم بين تركيا والعراق، فإن الهدف هو ضم إيران، وسيكون اندماج إيران مهماً، لكنني أخاف من أنها قد تقوم بتخريب مثل هذه الخطط».

عملية كبرى ضد «الكردستاني»

ولفت الكاتب التركي إلى أن إحدى النقاط المهمة في زيارة إردوغان للعراق هي «عملية العراق الكبرى» ضد حزب «العمال الكردستاني»، قائلاً إن بغداد لم تصنف «الكردستاني» منظمة إرهابية، بل صنفته منظمة «محظورة»، وهي خطوة مهمة تنتظر مصادقة البرلمان عليها.

وأضاف: «سيكون مفهوم هذه العملية مختلفاً، لأن تركيا تخطط لتنفيذها مع حكومة بغداد المركزية وإدارة أربيل والحشد الشعبي، وستنفذها القوات التركية على الأرض، بدعم جوي، لإنشاء خط آمن (منطقة عازلة) على عمق من 30 إلى 40 كيلومتراً من حدودنا مع العراق التي يبلغ طولها 378 كيلومتراً».

وتابع: «الهجمات على القواعد التركية في منطقة عمليات (المخلب - القفل) بشمال العراق في 22 و23 ديسمبر (كانون الأول) و24 يناير (كانون الثاني) الماضيين، جعلت إنشاء المنطقة العازلة أمراً لا مفر منه».

وقال سيلفي، نقلاً عن مصادر مطلعة، إنه عند بدء العملية، ستتم السيطرة على الحدود العراقية - السورية في وقت واحد، وبالتالي، سيتم منع حزب «العمال الكردستاني» من نقل قيادته من العراق إلى سوريا، ومن المقرر أن تتولى الحكومة المركزية في بغداد والحشد الشعبي هذه المهمة، وستقدم تركيا الدعم على مستوى تقني.

رسالة لطالباني

وأضافت المصادر أنه سيتم اتخاذ إجراءات ضد «العمال الكردستاني» في السليمانية وسنجار ومخيم مخمور، وستقدم بغداد وأربيل الدعم الاستخباراتي في هذه المرحلة، إلى جانب العمل ضد التهديدات المقبلة من السليمانية التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني.

وقال سيلفي إن عائلة بارزاني كانت تصر بشدة على أن يقوم الرئيس إردوغان بزيارة أربيل، ووافق إردوغان، وبطبيعة الحال هناك دعم هنا لإدارة أربيل للتعاون مع تركيا، لكن هناك أيضاً رسالة للاتحاد الوطني الكردستاني وبافل طالباني بشأن التعاون القائم مع حزب «العمال الكردستاني» في السليمانية، مفادها أن «تركيا بلد يبعث الثقة في أصدقائه والخوف في أعدائه».


مقالات ذات صلة

معركة «محاكم» و«تغريدات» بين هوشيار زيباري ومحمد الحلبوسي

المشرق العربي احتفال قومي كردي في أربيل (أ.ف.ب)

معركة «محاكم» و«تغريدات» بين هوشيار زيباري ومحمد الحلبوسي

يبدو أن الخلافات السياسية القديمة - الجديدة بين «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، وحزب «تقدُّم»، تقف وراء «المعركة» بين هوشيار زيباري ومحمد الحلبوسي.

فاضل النشمي (بغداد)
يوميات الشرق حوار ثقافي سعودي عراقي في المجال الموسيقي (وزارة الثقافة)

«بين ثقافتين» التقاء الثقافتين السعودية والعراقية في الرياض

يقدم مهرجان «بين ثقافتين» الذي أطلقته وزارة الثقافة في مدينة الرياض، رحلة ثريّة تمزج بين التجارب الحسيّة، والبصريّة.

عمر البدوي (الرياض)
المشرق العربي دورية عسكرية عراقية بمحاذاة السياج الحدودي مع سوريا (رويترز)

واشنطن تعلن عديد قواتها في العراق بعد تراجع جدل الانسحاب

فيما أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني حاجة بلاده إلى تنويع مصادر التسليح لقواتها المسلحة، كشفت واشنطن عن العدد الحقيقي لقواتها في العراق.

حمزة مصطفى (بغداد)
رياضة عربية خيسوس كاساس مدرب العراق (منتخب العراق)

فوضى في مؤتمر مدرب العراق... وكاساس: منتخب البحرين «يشبهنا»

أكد الإسباني خيسوس كاساس، مدرب العراق، أن فريقه سيلعب بطريقة مختلفة في المواجهة المرتقبة أمام البحرين ضمن الجولة الثانية للمجموعة الثانية كأس الخليج لكرة القدم.

علي القطان (الكويت)
الولايات المتحدة​ جندي أميركي يقف حاملاً سلاحه في قاعدة عسكرية قرب الموصل بالعراق (أرشيفية - رويترز)

«البنتاغون» يعترف بوجود أكثر من 2500 جندي أميركي في العراق

اعترفت وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» بوجود أكثر من 2500 جندي أميركي في العراق، وهو العدد الذي يجري إعلانه عادة بشكل دوري.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«التحالف» يسعى لوقف النار بين أنقرة و«قسد»

عناصر من قوات «قسد» تتمركز في أحد ميادين الرقة (أ.ب)
عناصر من قوات «قسد» تتمركز في أحد ميادين الرقة (أ.ب)
TT

«التحالف» يسعى لوقف النار بين أنقرة و«قسد»

عناصر من قوات «قسد» تتمركز في أحد ميادين الرقة (أ.ب)
عناصر من قوات «قسد» تتمركز في أحد ميادين الرقة (أ.ب)

سيّر التحالف الدولي للحرب على «داعش»، بقيادة أميركا، دورية في عين العرب (كوباني) في شمال شرقي سوريا، وأنشأ مركزاً للإشراف على مفاوضات وقف إطلاق النار بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والقوات التركية وفصائل الجيش الوطني السوري الموالية لها، التي تسعى للسيطرة على المدينة.

في الوقت ذاته، تقدمت «قسد» باتجاه مدينة منبج، في محافظة حلب، وسيطرت على عدد من القرى، خلال المعارك مع فصائل الجيش الوطني السوري في مسعى لاستعادة السيطرة على المدينة.

وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن قوات التحالف الدولي سيّرت دورية مؤلفة من عربات عسكرية عدة، الثلاثاء، في عين العرب (كوباني)، وأنشأت عناصر الدورية مبنى مؤقتاً من أجل الإشراف على المفاوضات والوساطة بين القوات التركية والفصائل الموالية وقسد، للحد من التصعيد في المنطقة وتجنيبها الدمار.

دورية أميركية في عين العرب (المرصد السوري)

وكان قائد قوات التحالف الدولي أكد خلال اجتماع في 17 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، مع قائد «قسد» مظلوم عبدي، ووجهاء مدينة الرقة ومجلسها المحلي، استمرار بقاء قوات التحالف مدينة الرقة وريفها.

مفاوضات وتصعيد

ولا تزال المفاوضات جارية، بالنسبة لمدينة عين العرب التي تحاول الفصائل الموالية لتركيا السيطرة عليها. ويقول التحالف الدولي إنها حققت تقدماً كبيراً في الآونة الأخيرة، دون الكشف عن تفاصيل إضافية.

في الوقت ذاته، اندلعت اشتباكات بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة وقذائف الهاون بين قوات «قسد» ومجلس منبج العسكري التابع لها من جهة، وفصائل «الجيش الوطني» قرب قرية قبر إيمو شرق جسر قره قوزاق، من جهة أخرى. وأفادت وسائل إعلام تركية بمقتل 5 من عناصر الفصائل في الاشتباكات.

قوات «قسد» تتقدم باتجاه منبج مجدداً (المرصد السوري)

كما تقدمت قوات «قسد» لتسيطر على 4 قرى في محيط سد تشرين في ريف حلب الشرقي وباتت على بعد نحو 12 كيلومتراً من مدينة منبج.

ووقعت اشتباكات عنيفة، بعد منتصف ليل الاثنين – الثلاثاء، بين «قسد» والفصائل الموالية لتركيا على محور بلدة دير حافر جنوب شرقي حلب، ومحور جنوب حلب، حيث تمكنت «قسد» من السيطرة على محطة «بابيري» التي تضخ المياه لحلب.

وقصفت القوات التركية والفصائل بالمدفعية الثقيلة عدداً من القرى في ريفي عين عيسى وتل أبيض شمال محافظة الرقة. وقُتل اثنان من الفصائل الموالية لتركيا، خلال تصدي قوات مجلس الرقة العسكري لمحاولة تسلل على قرية أم البراميل شرق عين عيسى.

ودارت اشتباكات عنيفة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بين قوات «مجلس تل تمر العسكري»، التابعة لقسد، والفصائل المتمركزة بمنطقة «نبع السلام»، ما أدى لمقتل 3 عناصر من المهاجمين وجرح آخرين وتدمير سيارة عسكرية تحمل سلاح دوشكا.

وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن أوامر تركية صدرت بمنع مغادرة المئات من عناصر فصائل الجيش الوطني، مع عائلاتهم، للعودة إلى مناطقهم الأصلية في مناطق متفرقة من سوريا، ممن قدموا إلى مدينة رأس العين في منطقة «نبع السلام» في ريف الحسكة الشمالي الغربي خلال العملية العسكرية التركية التي حملت الاسم ذاته في أكتوبر (تشرين الأول) 2019.

كما تواجه العائلات المُهجّرة، التي نزحت إلى منطقة عفرين إبان عملية «غصن الزيتون» العسكرية التركية عام 2018، ضغوطاً متزايدة لعدم العودة إلى مناطقهم الأصلية، من قبل فصائل «الجيش الوطني» التي تضغط لإبقائهم في المنطقة ومنع عودة السكان الأصليين (غالبيتهم أكراد) إلى منازلهم.

ضرورة الحل السياسي

وبينما تستمر مفاوضات لوقف دائم لإطلاق النار بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، دعا الممثل الخاص للأمم المتحدة في سوريا، غير بيدرسن، إلى إنهاء التوتر بين الفصائل المدعومة من تركيا و«قسد» في شمال شرقي سوريا بالوسائل السياسية.

غير بيدرسن متحدثاً للصحافيين في دمشق الأسبوع الماضي (رويترز)

وقال بيدرسن لـ«رويترز»: «إذا لم يتم التعامل مع الوضع في الشمال الشرقي بشكل صحيح، فقد يكون هذا سيئاً للغاية بالنسبة لسوريا بأكملها، إذا فشلنا هنا، فستكون هناك عواقب وخيمة عندما يتعلق الأمر بإعادة نزوح الناس».

ولفت إلى أن الحل السياسي يتطلب «تنازلات جدية»، وأن قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، وعد، خلال لقائه معه في دمشق الأسبوع الماضي، بترتيبات انتقالية تشمل الجميع.

وأوضح أن الحل السياسي في شمال شرقي سوريا سيكون بمثابة اختبار لسوريا الجديدة بعد أكثر من 50 عاماً من حكم عائلة الأسد، وأن «مسألة إنشاء سوريا جديدة وحرة، بتعبير دبلوماسي، ستكون صعبة للغاية».

إصرار تركي

في المقابل، أكد، الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أن تركيا ستعمل «بالتأكيد» للقضاء على «هذه العصابة المجرمة» (يقصد «قسد» التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية غالبية قوامها)، ولن نسمح بأن تبقى مصدر تهديد لمنطقتنا.

إردوغان أكد استمرار العمليات التركية ضد «قسد» عقب اجتماع حكومته مساء الاثنين (الرئاسة التركية)

وشدد إردوغان، في تصريحات عقب ترؤسه اجتماع حكومته في أنقرة ليل الاثنين - الثلاثاء، على عزم تركيا على مواصلة تنفيذ «عمليات عسكرية دقيقة» ضد الإرهابيين (حزب العمال الكردستاني - الوحدات الكردية) في سوريا دون إلحاق أي ضرر بالمدنيين، ولن يكون لهم مكان في مستقبل سوريا.

والتقى إردوغان، الثلاثاء، الزعيم الدرزي اللبناني، وليد جنبلاط، بقصر الرئاسة في أنقرة، الثلاثاء، غداة لقاء جنبلاط مع الشرع في دمشق، الاثنين، وجرى بحث التطورات في سوريا في ظل تقارير عن وساطة يسعى إليها السياسي اللبناني بين تركيا و«قسد»، على خلفية علاقاته الجدية بالإدارة الذاتية الكردية في شمال شرقي سوريا.

وفي السياق، بحث وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، مع نظيره الأردني، أيمن الصفدي، ليل الاثنين - الثلاثاء، مستجدات الأوضاع في سوريا، بعد ساعات قليلة من لقاء الصفدي مع الشرع في دمشق، التي زارها فيدان أيضاً يوم الأحد، وأجرى مباحثات مماثلة.

ملف اللاجئين

على صعيد ملف اللاجئين السوريين في تركيا، أعلن وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، عن سلسلة إجراءات جديدة لتسهيل عودته إلى بلادهم بطريقة طوعية وآمنة.

وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا متحدثاً عن تسهيلات جديدة للسوريين في المغادرة (من حسابه في «إكس»)

وقال يرلي كايا، خلال لقاء مع محرري وكالة «الأناضول» التركية الرسمية، الثلاثاء، إن السوريين الراغبين في العودة إلى بلادهم يمكنهم أن ينقلوا معهم جميع ممتلكاتهم ومركباتهم.

وأضاف أن السوريين الراغبين في العودة يمكنهم تقديم طلب عبر الموقع الإلكتروني لرئاسة إدارة الهجرة وأخذُ موعد في اليوم نفسه، مشيراً إلى أنه، بتعليمات من الرئيس إردوغان، سيسمح لفرد واحد من كل عائلة سورية مقيمة في تركيا بعبور البوابات الحدودية بين تركيا وسوريا 3 مرات في الفترة من يناير (كانون الثاني) ويوليو (تموز) المقبلين، لتسهيل ترتيب أوضاع العائلات عند العودة إلى أماكن إقامتهم في سوريا.

السلطات التركية تسمح للسوريين باصطحاب أمتعتهم معهم عند المغادرة (أ.ف.ب)

وأضاف أنه سيتم إنشاء مكتب لإدارة الهجرة بسفارة تركيا في دمشق وقنصليتها في حلب لتسهيل أمور عودة السوريين.

في الوقت ذاته، أعلنت القنصلية السورية في إسطنبول البدء من، الثلاثاء، في منح تذاكر عبور للسوريين الذين لا يمتلكون جواز سفر أو كانت جوازاتهم منتهية الصلاحية، صالحة لمدة شهر واحد فقط وتستخدم مرة واحدة فقط.

وأشار وزير الداخلية التركي إلى عودة 763 ألفاً و443 سورياً إلى بلادهم بشكل طوعي وآمن ومنظم منذ عام 2017، وأن عدد العائدين إلى سوريا في آخر 15 يوماً تجاوز 25 ألف شخص.

ترسيم الحدود

على صعيد آخر، قال وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو إن بلاده تعتزم بدء مفاوضات مع سوريا
لترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط.
ونقلت وكالة «بلومبرغ» للأنباء عن أورال أوغلو قوله للصحافيين في أنقرة، الثلاثاء، إن مثل هذه الصفقة ستسمح للبلدين بـ«زيادة منطقة نفوذهما» في استكشاف الطاقة. وأوضح وزير النقل التركي أن أي اتفاق في المستقبل سيكون متوافقاً مع القانون الدولي.