اللبنانيون يتأقلمون مع الحرب عند حدودهم... ويعيشون حياتهم يوماً بيوم

حياة السهر لم توقفها الصواريخ... والخوف من توسع الصراع لا يقلقهم كثيراً

مشاركون في عروض لمهرجان بيروت الدولي للرقص المعاصر (بايبود) الذي انطلق في بيروت بنسخته العشرين (أ.ف.ب)
مشاركون في عروض لمهرجان بيروت الدولي للرقص المعاصر (بايبود) الذي انطلق في بيروت بنسخته العشرين (أ.ف.ب)
TT

اللبنانيون يتأقلمون مع الحرب عند حدودهم... ويعيشون حياتهم يوماً بيوم

مشاركون في عروض لمهرجان بيروت الدولي للرقص المعاصر (بايبود) الذي انطلق في بيروت بنسخته العشرين (أ.ف.ب)
مشاركون في عروض لمهرجان بيروت الدولي للرقص المعاصر (بايبود) الذي انطلق في بيروت بنسخته العشرين (أ.ف.ب)

كانت المشاهد التي تم تداولها للبنانيين يرقصون على أنغام الموسيقى العالية، في حين تتطاير فوقهم صواريخ أطلقتها طائرات غربية لإسقاط مسيرات إيرانية استهدفت إسرائيل الأسبوع الماضي، نافرة في رأي الكثير ممن شاهدوها، لكنها في الوقت نفسه كانت تعبر عن تأقلم اللبنانيين الذين لا يعيشون في مناطق المواجهة مع الوضع القائم منذ أكثر من ستة أشهر، عندما دخل «حزب الله» على خط الحرب في غزة بعمليات تستهدف القوات الإسرائيلية على طول خط الحدود.

وتلاشى الخوف الذي دفع عدداً كبيراً منهم لمغادرة البلاد لفترة فور اندلاع المواجهات بين الحزب وإسرائيل، بمرور الوقت، حتى إن ما خزنوه خشية توسع الجبهات وانقطاع المواد الأولية لم يستخدموا شيئاً منه، لا بل عمد عدد منهم لتوزيعه على الأقارب.

وتقول رنا مطر (35 عاماً) إنها أقدمت فور اندلاع الحرب على شراء كميات كبيرة من الأرز والحليب والدواء، لكنها لم تستخدم شيئاً منها، وبقيت في الخزائن المخصصة للمواد التي يتم تجميعها لحالات الطوارئ، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنها أقدمت أخيراً على توزيع معظمها على الأقارب والمحتاجين، حتى ولو كانت تواريخ صلاحياتها تسمح باستخدامها بعد عام وأكثر.

وتضيف رنا: «يبدو واضحاً أنه لو كانت ستقع حرب كبيرة لوقعت، لكن هناك تفاهمات دولية كبيرة تمنع ذلك. من هنا عدنا لحياتنا الطبيعية منذ فترة».

والتأقلم الذي يعبر عنه كثيرون في معظم المناطق اللبنانية، خرقته أخيراً الخشية من اندلاع حرب إسرائيلية - إيرانية كبيرة في المنطقة، على خلفية قصف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق ورد طهران عليها. وقد تسببت الأخبار وقتها بنشر الذعر في صفوف كثيرين.

ويشير زاهي الخطيب (55 عاماً) إلى أنه لم يشعر بخوف من اندلاع حرب كبرى كما شعر ليل السبت - الأحد الماضي، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أننا مررنا بوقت عصيب السبت. وها نحن أمام مطب جديد بانتظار الرد الإسرائيلي. نحن نعيش في أجواء توتر دائم، وفي (أكشن) متواصل لا ينتهي».

قلق في المناطق الحدودية

ويقر أهالي المناطق الحدودية الجنوبية التي تشهد مواجهات عنيفة بتأقلمهم مع أصوات القذائف والمسيرات، إلا أن بعضهم يبدو في حالة من الاستياء العارم، وبخاصة في بعض البلدات المسيحية التي لا تتعرض للقصف، لكنها تواجه تحديات كبرى.

وتقول إحدى النساء (66 عاماً) التي فضلت عدم كشف هويتها: «تم جرنا لحرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل. صبرنا وقلنا تنتهي هذه الدوامة خلال أسابيع أو أشهر، وإذا بها متواصلة منذ أكثر من 6 أشهر من دون أفق، وقد تستمر عاماً إضافياً». وتشير المرأة الستينية إلى أن معظم أهالي بلدتها غادروها، لكن هناك المئات الذين يتمسكون بالبقاء حفاظاً على أرضهم وأرزاقهم، «مع أن الوضع بات صعباً جداً في غياب كل مقومات الحياة».

«حياة طبيعية» في مناطق نفوذ «حزب الله»

أما الساكنون في مناطق نفوذ «حزب الله» في الجنوب فيعيشون حياة طبيعية. فالمطاعم والمقاهي في مدينة صور مثلاً تعج باستمرار بالرواد والزبائن. ويقول محمد ن. (24 عاماً)، العامل في أحد هذه المطاعم: «نحن خُلقنا لنتعايش مع الحروب والمشاكل، وبتنا خبراء في هذا المجال»، مضيفاً: «بالرغم من وجودنا في مكان قريب من ساحات المواجهة، فإننا نواصل حياتنا بشكل طبيعي».

زحمة في الضاحية

من جهتها، تشهد الضاحية الجنوبية لبيروت زحمة كبيرة منذ أشهر، وتعج محالها التجارية يومياً بالزبائن، مع نزوح الآلاف إليها من قرى الجنوب. فكثيرون انتقلوا إلى منازل يملكونها هناك أو حلوا ضيوفاً على أقاربهم.

وتقول ريما ح. (43 عاماً) التي تعيش في الضاحية، إن «الوضع أكثر من طبيعي، والزحمة تؤشر إلى ازدهار اقتصادي في منطقتنا. لكننا نخشى أن توسع إسرائيل قصفها ليشمل الضاحية، ونحن نستعد دائماً لأبشع السيناريوهات».

أما في مناطق جبل لبنان والقسم الكبير من مناطق بيروت، فكثير من السكان يبدون وكأنهم نسوا أن هناك حرباً قائمة جنوباً.

ويشير جوني رزق (47 عاماً) إلى أن «الوضع هنا أكثر من طبيعي، ولو لم نكن نتابع الأخبار ليلاً لنسينا أن هناك جبهة مفتوحة جنوباً مع إسرائيل». ويضيف: «هناك من أقحم نفسه في هذه الحرب وهو يدفع الثمن، وللأسف يجعل كل أهالي الجنوب يدفعون الثمن».

اللبناني يتناسى الحرب كي لا ينكسر

لكن، هل تأقلم اللبنانيين مع ما يجري واحتمال انفجار حرب شاملة تطالهم جميعاً، يدخل في باب السلبية واللامبالاة، أو الاعتياد، أو الاستسلام لقدر لا قدرة لهم على تغييره؟

تقول الدكتورة منى فياض، أستاذة علم النفس في الجامعة اللبنانية في بيروت، إن «لبنان مهدد بالحرب كل يوم، ومنذ سنوات، وبالتالي فإن اللبناني لا يستطيع أن يبقى مشدوداً مترقباً الانفجار، وإلا لكان انهار وانكسر منذ زمن»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «يتعامل مع الأمور على أن التهديدات مستمرة، ولكن كي يستمر يفترض أن يعيش حياة يومية طبيعية، لذلك نرى مظاهر السهر والاحتفالات للتعويض عن التهديدات المتواصلة والبؤس الذي يعيش اللبناني فيه».

وفي تفسيرها للتفاوت في ردود فعل اللبنانيين إزاء احتمال الحرب الشاملة، تقول فياض: «ليس هناك ثقافتان في لبنان: ثقافة موت وثقافة حياة، إنما مجموعة من اللبنانيين تمارس التهديد والقمع الآيديولوجي والديكتاتوري، ومجموعة أخرى مستسلمة».


مقالات ذات صلة

نعمت عون حملت مسؤوليات «بحجم جبال»... ما نعرفه عن السيدة اللبنانية الأولى

المشرق العربي السيدة الأولى نعمت عون إلى جانب زوجها الرئيس جوزيف عون في بعبدا (رويترز)

نعمت عون حملت مسؤوليات «بحجم جبال»... ما نعرفه عن السيدة اللبنانية الأولى

مع فوز قائد الجيش جوزيف عون بالرئاسة، برز اسم زوجته السيدة الأولى نعمت عون، التي لعبت دوراً في دعم زوجها خلال مسيرته المهنية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس عون مستقبلاً ميقاتي في بعبدا (الوكالة الوطنية للإعلام)

ميقاتي يلتقي عون: نحن أمام مرحلة جديدة لسحب السلاح من جنوب الليطاني

في أوّل لقاء رسمي له كرئيس لجمهورية لبنان، استقبل جوزيف عون، رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي، في قصر بعبدا.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي سفراء الدول والدبلوماسيون حاضرون في جلسة انتخاب الرئيس اللبناني (رويترز)

ترحيب عربي ودولي واسع بانتخاب عون رئيساً للبنان

لاقى انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للبنان ردود فعل دولية وعربية مرحبّة ومشددة على أهمية أن تستعيد البلاد الأمن والاستقرار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي قائد الجيش اللبناني جوزيف عون يسير في القصر الرئاسي بعد انتخابه رئيساً (رويترز) play-circle 01:12

البرلمان اللبناني ينتخب عون رئيساً... و«تعديل ضمني» للدستور

انتخب البرلمان اللبناني قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً بـ99 صوتاً، وذلك بعد أكثر من عامين من الفراغ في سدة الرئاسة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي خلال عملية فرز أصوات النواب في جلسة انتخاب رئيس للجمهورية (د.ب.أ)

مفاوضات ما بين الجولتين تضم «الثنائي الشيعي» إلى التوافق النيابي

لم يكن إخراج انتخاب الرئيس جوزيف عون سهلاً، بسبب العائق الدستوري المتمثل في نص «المادة 49»، الذي يمنع انتخاب موظفي الفئة الأولى قبل مرور سنتين على استقالتهم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

ماكرون قريباً في لبنان... وتأكيد فرنسي على دعم «غير مشروط» بعد انتخاب عون

الرئيس الجديد جوزيف عون جالساً على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا لأول مرة بعد انتخابه الخميس (أ.ف.ب)
الرئيس الجديد جوزيف عون جالساً على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا لأول مرة بعد انتخابه الخميس (أ.ف.ب)
TT

ماكرون قريباً في لبنان... وتأكيد فرنسي على دعم «غير مشروط» بعد انتخاب عون

الرئيس الجديد جوزيف عون جالساً على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا لأول مرة بعد انتخابه الخميس (أ.ف.ب)
الرئيس الجديد جوزيف عون جالساً على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا لأول مرة بعد انتخابه الخميس (أ.ف.ب)

عجلت فرنسا في الإعراب عن سرورها بانتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية في الجولة الثانية من جلسة مجلس النواب، وعدّت أن وصوله إلى «قصر بعبدا» يأتي «في لحظة تاريخية وحاسمة بالنسبة إلى لبنان، هذا الانتخاب يضع حداً لسنتين من الشغور الرئاسي الذي أضعف لبنان. ويفتح صفحة جديدة للبنانيين، وينبغي أن يكون الانتخاب مصدر أمل لهم ولجميع شركاء لبنان وأصدقائه»، فيما أعلن «الإليزيه» أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيزور «لبنان قريبا جدا»، بعد اتصال هاتفي جمعه مع الرئيس عون وتمنّى فيه الرئيس الفرنسي «كل النجاح» لنظيره اللبناني.

وكانت وزارة الخارجية الفرنسية، قد قالت بعد دقائق قليلة من انتهاء العملية الانتخابية، في بيان قرأه كريستوف لوموان، الناطق باسمها، إن انتخاب الرئيس الجديد «مصدر تشجيع لفرنسا، التي عملت جاهدةً على إعادة تشغيل المؤسسات اللبنانية عبر التعبئة الكاملة للوزير جان نويل بارو، وبعثة المساعي الحميدة التي يقودها منذ يونيو (حزيران) 2023 الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية في لبنان، جان إيف لودريان، بالتعاون الوثيق، بالطبع، مع شركائنا في (اللجنة الخماسية)».

هذا وذكرت الرئاسة الفرنسية أن الرئيس ماكرون «أبلغ الرئيس عون بأنّ فرنسا ستواصل جهودها الرامية للتوصل سريعاً إلى تشكيل حكومة قادرة على جمع اللبنانيين وتلبية تطلعاتهم واحتياجاتهم وإجراء الإصلاحات اللازمة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار والاستقرار والأمن وسيادة لبنان».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً لسفراء بلده عبر العالم الاثنين الماضي... وقد لعب دوراً ميسِّراً ساهم في انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية اللبنانية (أ.ف.ب)

بيد أن الدور الفرنسي لم يتوقف عند بارو وبعثة لودريان؛ إذ إن الرئيس إيمانويل ماكرون أدى درواً خاصاً وفاعلاً عبر الاتصالات الكثيرة التي أجراها مع المسؤولين اللبنانيين، الذين دعا بعضهم إلى باريس، والبعض الآخر تواصل معه عبر الهاتف، حتى في الأيام الأخيرة. فضلاً عن ذلك، أجرى ماكرون مشاورات عدة مع الجانب الأميركي ومع أطراف عربية، خصوصاً مع المملكة العربية السعودية، وكذلك مع مصر والأردن وقطر والإمارات. كذلك لعبت الخلية الدبلوماسية في «قصر الإليزيه» دوراً مهماً، ممثلة في مانويل بون، مستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية، وآن كلير لو جاندر، مستشارته لشؤون الشرق الأوسط والعالم العربي.

باريس تدعو لتعجيل تشكيل حكومة داعمة للرئيس الجديد

لم تكتف باريس بالتهنئة؛ بل وجهت مجموعة من الرسائل؛ أولاها دعوة السلطات والسياسيين اللبنانيين إلى «الانخراط في إنهاض مستدام» للبنان الغارق منذ سنوات في أزمات متعددة الأشكال سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً، فضلاً عن إعادة إعمار ما تهدم بسبب الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» وما نتج عنها من دمار مخيف. والطريق إلى ذلك، يمر، وفق «الخارجية» الفرنسية، عبر «تشكيل حكومة قوية، وداعمة لرئيس الجمهورية، وقادرة على لمّ شمل اللبنانيين والاستجابة لتطلعاتهم واحتياجاتهم، وإجراء الإصلاحات اللازمة لانتعاش لبنان الاقتصادي واستقراره وأمنه وسيادته».

وسبق لفرنسا أن أسدت، مع دول رئيسية أخرى، هذه النصائح للبنان منذ سنوات كثيرة وقبل الشغور الرئاسي؛ لا بل إنها دعت منذ عام 2018 السلطات اللبنانية إلى القيام بإصلاحات سياسية (الحوكمة) واقتصادية يحتاجها لبنان، ويطالب بها المجتمع الدولي والمؤسسات المالية والاقتصادية الإقليمية والدولية؛ لمد يد العون والمساعدة للبنان. ويتعين التذكير بأن مؤتمر «سيدر» الذي دعت إليه فرنسا واستضافته في عام 2018، وعد بتقديم 11 مليار دولار للبنان قروضاً ومساعدات؛ شرط إتمام الإصلاحات، وهو الأمر الذي لم يحدث.

الرئيس اللبناني الجديد مستعرضاً الحرس الجمهوري لدى وصوله إلى قصر بعبدا الخميس (د.ب.أ)

دعم غير مشروط للبنان

ترى باريس أن انتخاب العماد عون يمكن أن يساهم في أمرين؛ الأول: الذهاب إلى استقرار لبنان من جهة؛ وثانياً، من جهة أخرى، «التنفيذ السليم، في المستقبل القريب، لوقف إطلاق النار» بين لبنان وإسرائيل بموجب الاتفاق المبرم في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الذي دفعت باريس إليه بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية.

بيد أن الرسالة الأخرى التي شددت عليها وزارة الخارجية الفرنسية عنوانها أن باريس «ملتزمة بحزم» بتحقيق هذا الأمر (احترام وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار الدولي رقم «1701»)، وذلك «إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية و(قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان - يونيفيل)».

وزيرا خارجية فرنسا والولايات المتحدة يتحدثان للصحافة بمقر وزارة الخارجية الفرنسية الأربعاء (أ.ف.ب)

وبكلام قاطع، أرادت فرنسا أن تقول إنها إذا كان لها دور عبر مشاركتها في «اللجنة الخماسية» وفي دفع الطبقة السياسية اللبنانية إلى الوصول لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، إلا إنها لن تتخلى عن لبنان مستقبلاً. وجاء في بيان «الخارجية» أن فرنسا «وقفت إلى جانب لبنان والشعب اللبناني، وستواصل القيام بذلك، وهو الأمر الذي يعلم به رئيس الجمهورية اللبنانية الجديد جوزيف عون».