تبقى الأنظار السياسية شاخصة إلى سفراء الدول الأعضاء في «اللجنة الخماسية» مع معاودة تحركهم لاستكمال لقاءاتهم برؤساء الكتل النيابية والنواب من مستقلين وتغييرين، لإخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزم بانتخاب رئيس للجمهورية، كونهم يشكلون مجموعة دعم ومساندة للنواب لتسهيل انتخابه، وهذه المرة بجرعة لافتة من الدعم تقضي بتزخيم تحركهم من خلال توسيعهم لمروحة اتصالاتهم، على حد قول سفيرة الولايات المتحدة الأميركية ليزا جونسون لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، عندما التقته أول من أمس، للوقوف على ما لديه من معطيات جديدة طوال عطلة العيد التي كانت وراء تعليق اجتماعات السفراء، لاضطرار بعضهم لتمضيتها خارج لبنان.
فسفراء «الخماسية» استأنفوا لقاءاتهم أمس، باجتماع عقدوه في دارة السفير المصري علاء موسى، وحضره، إضافة إلى جونسون، سفراء المملكة العربية السعودية وليد البخاري، وفرنسا هرفيه ماغرو، وقطر سعود بن عبد الرحمن آل ثاني، وأعقبوه باجتماع مع تكتل «الوفاق الوطني»، ضمّ النواب فيصل كرامي، حسن مراد، عدنان الطرابلسي، طه ناجي، محمد يحيى، وأعقبته سلسلة من اللقاءات، على أن يلتقي السفراء اليوم زعيم تيار «المردة»، النائب السابق سليمان فرنجية، ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، بغياب السفيرة جونسون، كونه مشمولاً بالعقوبات المفروضة عليه من الخزانة الأميركية.
كما يُفترض أن يختتم السفراء الجولة الأولى من اجتماعاتهم بلقاء رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» محمد رعد، بغياب السفيرة جونسون، على خلفية أن اسمه مُدرج على لائحة الإرهاب، وربما يغيب عنه السفير البخاري، وأيضاً بلقاء رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل، وكتلتي «التجدُّد» وحزب «الطاشناق»، وأخيراً كتلة «الاعتدال» التي كانت تقدّمت بمبادرة قوبلت بترحيب من السفراء.
تسريع انتخاب الرئيس لمواجهة الظروف الاستثنائية
في هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية أن سفراء «الخماسية» أكدوا لمن التقوهم أنهم سيواصلون لقاءاتهم ومشاوراتهم مع الكتل النيابية للوصول إلى مخرج يمكن أن يفتح الباب أمام إنهاء الشغور الرئاسي لتسريع انتخاب الرئيس، نظراً لأن الظروف الاستثنائية التي تمر فيها المنطقة بشكل عام، ولبنان خصوصاً، تستدعي إعادة الانتظام للمؤسسات الدستورية، الذي لن يتحقق إلا بدءاً بانتخابه.
وكشفت المصادر النيابية أن سفراء «الخماسية» أكدوا في لقاءاتهم أنهم يودون الاستماع لجميع المعنيين بانتخاب الرئيس، للوقوف على ما لديهم من آراء، وصولاً لإيجاد القواسم المشتركة لإنهاء الشغور الرئاسي. ونقلت عن السفراء قولهم إنه لا مرشح لديهم، وإن دورهم يتمحور حول دعم كل الجهود الرامية لتسهيل انتخاب الرئيس، وإنه لا نية لديهم لتغليب فريق على آخر وإشعار أي منهما بأنه مكسور، بمقدار ما أنهم يتطلعون لتكوين رؤية موحدة تكون بمثابة أفكار جامعة للتوفيق بين الكتل النيابية، من دون دخولهم في الأسماء، وإنهم يستمرون بالتواصل مع الكتل النيابية، وما قاموا به حتى الآن ما هو إلا جولة أولى ستتبعها لقاءات متتالية.
فلقاء السفراء بكتلة «الاعتدال» خُصّص للاطلاع منها على ردود الفعل النيابية حيال مبادرتها الرئاسية، بعد أن تلقت من كتلة «الوفاء للمقاومة» ردّها عليها.
«الوفاء للمقاومة»: مع الحوار برئاسة بري
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية في كتلة «الاعتدال» أن اجتماعها الثاني بكتلة «الوفاء للمقاومة» لم يكن نسخة طبق الأصل عن اجتماعها الأول بها، الذي غلب عليه طابع التشدُّد والإصرار على دعم ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية، وإن كانت تحبّذ التريّث ريثما تتّضح معالم المرحلة السياسية في المنطقة، ليكون في وسع الحزب أن يبني على الشيء مقتضاه.
ومع أن الحزب لا يربط بموقف واضح انتخاب الرئيس بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، فإن ما قاله، بصورة غير مباشرة، ينم عن عدم استعداده لفك الارتباط بينهما، بخلاف الانفتاح والمرونة التي أبداها في اجتماعه الثاني.
فـ«حزب الله» لم يأتِ على ذكر تمسكه بدعم ترشيح فرنجية، وهو يؤيد الحوار، شرط أن يرعاه الرئيس بري، وتمنى على كتلة «الاعتدال» أن تستمر في مبادرتها، لأن إخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزّم في حاجة إلى مبادرة لبنانية - لبنانية، مع «تقديرنا للدور الذي تقوم به اللجنة الخماسية، وهي مشكورة على مسعاها، لكنها لم تتمكن حتى الساعة من تحقيق تقدم يدفع باتجاه تسريع انتخاب الرئيس».
وكان لافتاً أن الحزب لم يطلق أي إشارة سياسية يُفهم منها أنه يدعم التوجه نحو ترجيح كفة الخيار الرئاسي الثالث، فيما تنقل مصادر نيابية عن الرئيس بري ارتياحه لتحرك سفراء «الخماسية» ومبادرة كتلة «الاعتدال».
تناغم بين بري و«الخماسية»
وتؤكد مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» أن التناغم على أشده بين الرئيس بري وسفراء «الخماسية» وكتلة «الاعتدال»، وتقول إنه يترقب ما سيؤول إليه تحرك السفراء نحو قوى المعارضة، لأنه لا مفر من الحوار.
وتلفت إلى أن الرئيس بري باقٍ على موقفه بدعم ترشيح فرنجية، وتقول إنه سيكون مرتاحاً لانتخابه، لكنه يبدي مرونة في تعاطيه مع الملف الرئاسي، وبالتالي لن يقف عائقاً أمام التوافق على رئيس للجمهورية، وكان السبّاق عندما دعا للحوار بقوله إنه قد يؤدي للتوافق على الرئيس.
وتُدرج المصادر نفسها زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان لواشنطن، واجتماعه بوزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، والوسيط الرئاسي أموس هوكستين، في سياق استكشافه عن كثب للموقف الأميركي حيال انتخاب رئيس للجمهورية، وتؤكد أن زيارته طبيعية، وكان يُفترض أن يقوم بها بالتزامن مع جولته على الدول الأعضاء في اللجنة «الخماسية»، وأن حصولها، ولو متأخرة، لا بد منه، لعلها تؤدي إلى تبديد كل ما يقال عن وجود خلاف فرنسي - أميركي في مقاربة الملف الرئاسي.