دبلوماسيون لـ«الشرق الأوسط»: يجب احتواء الوضع الخطير للغاية

جلسة أممية طارئة بطلب إسرائيلي وسط تحذير إيراني... وأميركا تعوّل على الدبلوماسية

صورة عامة لمجلس الأمن خلال أحد اجتماعاته (د.ب.أ)
صورة عامة لمجلس الأمن خلال أحد اجتماعاته (د.ب.أ)
TT

دبلوماسيون لـ«الشرق الأوسط»: يجب احتواء الوضع الخطير للغاية

صورة عامة لمجلس الأمن خلال أحد اجتماعاته (د.ب.أ)
صورة عامة لمجلس الأمن خلال أحد اجتماعاته (د.ب.أ)

سعى المسؤولون في الأمم المتحدة، والدبلوماسيون في مجلس الأمن، الأحد، إلى لجم تصعيد «الوضع الخطير للغاية» في الشرق الأوسط غداة الرد الإيراني المباشر على استهداف إسرائيل أحد المباني القنصلية التابعة لإيران في دمشق، وإعادة الاشتباك إلى الجبهة الدبلوماسية عوض توسيع نطاق الحرب.

ووسط حالة الترقب لما يمكن أن يكون سباقاً بين الدبلوماسية والتحركات العسكرية، ولأي رد محتمل من إسرائيل على وابل من مئات الصواريخ الباليستية و«كروز» والطائرات المسيرة التي أطلقتها إيران في اتجاه أهداف إسرائيلية، اتّجهت الأنظار إلى الجلسة الطارئة التي يعقدها مجلس الأمن بعد ظهر الأحد بطلب من رئيسة المجلس للشهر الحالي؛ المندوبة المالطية الدائمة للمنظمة الدولية فانيسا فرايزر. وتناقش الجلسة ما وصفه دبلوماسيون لـ«الشرق الأوسط» بأنه «وضع خطير للغاية»، يمكن أن يشهد مزيداً من التصعيد «إذا لم يجر وضع حد له» أولاً من خلال «ممارسة أقصى درجات ضبط النفس» من الجانبين الإسرائيلي والإيراني.

وقالت فرايزر لـ«الشرق الأوسط» إنها طلبت عقد الجلسة الطارئة لمجلس الأمن بناءً على الرسالة التي تلقتها من المندوب الإسرائيلي، مضيفة أن «الغاية من الاجتماع هي خفض التصعيد، واستعادة الأمن في المنطقة التي تعاني» منذ أشهر من الحرب في غزة بين إسرائيل و«حماس»، بعد هجمات الأخيرة ضد المستوطنات الإسرائيلية في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

رئيسة مجلس الأمن لشهر أبريل المندوبة المالطية لدى الأمم المتحدة فانيسا فرايزر (صور الأمم المتحدة)

احتواء التصعيد

وكانت الدبلوماسية المالطية أشارت إلى تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي سارع ليل السبت إلى «التنديد بشدة بالتصعيد الخطير المتمثل بالهجوم الواسع النطاق الذي شنته إيران على إسرائيل»، داعياً إلى «وقف فوري لهذه الأعمال العدائية». وإذ عبّر عن «جزعه العميق حيال الخطر الواقعي للغاية من تصعيد إقليمي واسع ومدمر»، حضّ كل الأطراف على ممارسة أقصى درجة من ضبط النفس لتلافي أي عمل يمكن أن يقود إلى مواجهات عسكرية رئيسية على جبهات متعددة في الشرق الأوسط، مذكّراً بتشديده على أنه «لا المنطقة ولا العالم يمكنهما تحمل حرب أخرى».

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (صور الأمم المتحدة)

ووفقاً لمعلومات خاصة بـ«الشرق الأوسط»، من المقرر أن يكرر كبير الموظفين الدوليين رسائله هذه خلال إحاطته أمام أعضاء مجلس الأمن في جلستهم الطارئة، مع إضفاء «طابع الإلحاح» على «ضرورة إعطاء هامش واسع للجهود الدبلوماسية الجارية» عبر العواصم لـ«منع خروج الوضع عن السيطرة».

ولاحظ دبلوماسي أن طلب انعقاد الجلسة الطارئة لم يأت من جانب الولايات المتحدة، التي شدد مسؤولوها خلال الساعات القليلة الماضية على ثلاث نقاط رئيسية: الأولى تتمثل بإعلان الرئيس الأميركي جو بايدن التزام الولايات المتحدة «الثابت والراسخ» أمن إسرائيل والدفاع عنها «في مواجهة التهديدات من إيران ووكلائها» في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن، والثانية في محاولة إقناع المسؤولين الإسرائيليين، ولا سيما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بأن «أنظمة الدفاع الإسرائيلية سجلت نجاحاً استثنائياً في صد الهجوم الإيراني الواسع النطاق»، وبالتالي «لا توجد ضرورة فعلية لرد إسرائيلي»، والثالث يتضح من إعلان الولايات المتحدة أنها ستقود «الحملة الدبلوماسية» ضد إيران مع الدول الحليفة، وفي مقدمتها «مجموعة السبع» للدول الصناعية الكبرى، وكذلك من تسريبات كبار المسؤولين في إدارة بايدن حيال «عدم رغبة الولايات المتحدة في الانخراط مباشرة» في المواجهة مع إيران.

شكوى إسرائيلية

وبالإضافة إلى عدم مشاركة الولايات المتحدة في طلب عقد الجلسة الطارئة لمجلس الأمن، أكد دبلوماسيون غربيون لـ«الشرق الأوسط» أن «أي دولة لم تقترح حتى الآن مشروع قرار أو بيان حول التطورات في الشرق الأوسط»، رغم أن المندوب الإسرائيلي جلعاد إردان وجّه رسالة عاجلة إلى رئاسة مجلس الأمن يعبر فيها عن «سخطه» حيال الهجوم الإيراني الذي يأتي «بعد ستة أشهر من الهجوم الإرهابي الدامي لـ(حماس)» في 7 أكتوبر الماضي، متهماً النظام الإيراني بأنه «يقوض قرارات مجلس الأمن، ويرعى زعزعة الاستقرار، ويمثل تهديداً خطيراً للأمن والسلم الدوليين».

ووصف إردان الهجوم الإيراني بأنه «خرق واضح لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي»، مؤكداً أن الهجوم ضد إسرائيل «تصعيد خطير وحاد». وأضاف أن إيران «تواصل انتهاك واجباتها الدولية»، بما في ذلك القرار 2231، وكذلك «تسريع وتيرة نقليات الأسلحة إلى (حزب الله)» في انتهاك للقرار 1701، فضلاً عن أن إيران «مهندسة زعزعة الاستقرار منذ سنوات، من خلال (حماس)، والحوثيين، و(حزب الله) وغيرهم من الوكلاء». وعدّ أن «الوقت حان لكي يقوم مجلس الأمن بعمل ملموس ضد التهديد الإيراني». وكذلك قال إن طلب انعقاد مجلس الأمن هو «للتنديد بشكل مطلق بإيران على هذه الانتهاكات الخطيرة والعمل فوراً على تصنيف (الحرس الثوري) الإيراني منظمة إرهابية».

بقايا محرك من صاروخ إيراني أطلق في اتجاه إسرائيل (رويترز)

تحذير إيراني

وكان المندوب الإيراني الدائم لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد عرفاني، وجّه رسالة إلى كل من رئيسة مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة حتى قبل انتهاء الهجوم الإيراني، مذكراً بالهجوم الإسرائيلي على المنشأة الدبلوماسية لإيران في دمشق. وإذ أشار «إخفاق مجلس الأمن في وظيفته وهي صون الأمن والسلم الدوليين»، عدّ أن ذلك «سمح للنظام الإسرائيلي بتجاوز الخطوط الحمراء، وانتهاك المبادئ الأساسية للقانون الدولي»، محذراً من «أي استفزازات عسكرية» أخرى. وأكد عرفاني أن إيران «مصممة على الدفاع عن شعبها وأمنها القومي ومصالحها وسلامة أراضيها ضد أي تهديد أو أعمال عدوانية، والرد (...) عليها بقوة». وكذلك أكد أن إيران «لن تتردد في ممارسة حقها المشروع في الدفاع عن النفس حين تستدعي الحاجة»، مؤكداً أنه إذا قامت إسرائيل «بأي عدوان عسكري مجدداً، فإن رد إيران سيكون بالتأكيد وبحزم أقوى وأكثر تصميماً».


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية (الجامعة)

أبو الغيط: الموقف الأميركي «ضوء أخضر» لاستمرار «الحملة الدموية» الإسرائيلية

استنكر أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، الخميس، استخدام الولايات المتحدة «الفيتو» لعرقلة قرار بمجلس الأمن يطالب بوقف إطلاق النار في غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي المندوب الأميركي البديل لدى الأمم المتحدة روبرت وود يرفع يده لنقض مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة خلال اجتماع لمجلس الأمن (أ.ف.ب)

أميركا تحبط الإجماع الدولي على المطالبة بوقف إطلاق النار فوراً في غزة

خرجت الولايات المتحدة عن إجماع بقية أعضاء مجلس الأمن لتعطيل مشروع قرار للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي نازحون فلسطينيون يبحثون وسط الأنقاض بعد غارة إسرائيلية أصابت مدرسة تديرها الأمم المتحدة لجأ إليها الناس في مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

«حماس»: واشنطن شريك مباشر بحرب الإبادة في غزة

أكدت حركة «حماس» أن واشنطن «شريك مباشر بحرب الإبادة» في غزة بعد «الفيتو» بمجلس الأمن.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ جلس الأمن التابع للأمم المتحدة مجتمعا (أ.ف.ب)

«فيتو» أميركي على مشروع قرار بمجلس الأمن لوقف إطلاق النار في غزة

عطَّلت الولايات المتحدة، اليوم (الأربعاء)، صدور قرار من مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف «فوري وغير مشروط ودائم» لإطلاق النار في غزة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.