تفكّك الدولة يعزز استباحة «الموساد» للساحة اللبنانية

تحقيقات محلية باغتيال «صرّاف» متهم بتحويل الأموال لـ«حماس»

مناصرون لـ«حزب الله» يشاركون بالضاحية الجنوبية في حفل تكريم لعناصر قتلوا في مواجهات مع إسرائيل (رويترز)
مناصرون لـ«حزب الله» يشاركون بالضاحية الجنوبية في حفل تكريم لعناصر قتلوا في مواجهات مع إسرائيل (رويترز)
TT

تفكّك الدولة يعزز استباحة «الموساد» للساحة اللبنانية

مناصرون لـ«حزب الله» يشاركون بالضاحية الجنوبية في حفل تكريم لعناصر قتلوا في مواجهات مع إسرائيل (رويترز)
مناصرون لـ«حزب الله» يشاركون بالضاحية الجنوبية في حفل تكريم لعناصر قتلوا في مواجهات مع إسرائيل (رويترز)

يبدو أن ترهل مؤسسات الدولة فتح أكثر من ثغرة سمحت لجهاز الموساد الإسرائيلي باستباحته للساحة اللبنانية، مستفيداً من تراجع قدرة الأجهزة الأمنية على مواجهته، خصوصاً أن هذه المؤسسات تدفع الثمن الأغلى لفاتورة الانهيار الاقتصادي والمالي.

وبدا لافتاً تمكّن الموساد في السنتين الأخيرتين من اختراق البيئة المحسوبة على «حزب الله»، ما سهّل عليه تنفيذ عمليات اغتيال عشرات القادة الميدانيين والكوادر منذ اشتعال الجبهة الجنوبية في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما قرر الحزب تحويلها إلى جبهة «مساندة» لغزة، وكان أبرزها اغتيال القيادي البارز في حركة «حماس» صالح العاروري في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت.

وأخيراً، طرحت الجريمة الغامضة التي أودت بحياة الصرّاف محمد سرور داخل فيلا في منطقة بيت مري (المتن الشمالي) فرضيّة تصفيته على يد المخابرات الإسرائيلية، وهو ما أشارت إليه الصحافة الإسرائيلية أيضاً، ويتقاطع مع ترجيحات مصادر قضائية لبنانية لهذه الفرضية، بالنظر لـ«المعلومات التي تتحدث عن دوره في نقل الأموال من إيران إلى (حزب الله) وحركة (حماس) في لبنان، ولكونه مدرجاً على قائمة العقوبات الأميركية».

وأكدت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن التحقيقات القضائية والأمنية «تضع فرضيات متعددة»، لافتة إلى أن «البحث عن أدلة تبيّن ما إذا كانت جهات خارجية تقف وراء الجريمة التي نفّذت بتخطيط واحتراف عاليين»، مشيرة إلى «تركيز الأجهزة على (داتا) الاتصالات، سواء التي تلقاها الضحية على هاتفه الخاص، أو حركة الاتصالات التي جرت في الموقع الجغرافي للمكان الذي عثر فيه على جثته».

تفكك الدولة

ويعزو كثيرون تنامي هذه الاختراقات إلى تفكّك الدولة وإضعاف مناعتها، ويعدّ الوزير السابق رشيد درباس أن جريمة بيت مري «حصلت بتوقيع من الموساد، وأن أي جريمة تقع في لبنان هي جريمة سياسية ونتاج طبيعي لتداعي الدولة وانهيار بنيتها».

ويؤكد درباس لـ«الشرق الأوسط» أنه «عندما يتفسّخ المنزل وتزيد تشققاته، لا يمكننا أن نستغرب كيف تعصف به الريح». ويقول: «لا يمكن لأي حزب أو كيان أو ميليشيات أن تحلّ مكان الدولة مهما قويت شوكتها»، معدّاً أن «تفكك الدولة سببه ازدواجية السلطة وسيطرة (حزب الله) عليها»، مضيفاً: «عندما حكم الفلسطينيون لبنان، تفككت الدولة وانهارت، واليوم مع تحكّم (حزب الله) بها نشهد على تمزيق شبكة الأمان المتمثلة بالوحدة الداخلية واتفاق الطائف والحماية العربية والدولية للبنان».

واللافت أن شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي تمكنت في السنتين الأخيرتين، من القبض على ما يقارب 20 عميلاً إسرائيلياً بينهم من ينضوي في صفوف «حزب الله»، وبعضهم مسؤولون سابقون وأبناء مسؤولين حاليين وسابقين، وكشفت المعلومات أن جهاز الموساد «كان يغري هؤلاء بالأموال ويتواصل معهم عبر شبكة اتصالات غير مراقبة، ويعقد اجتماعات معهم في دول مثل تركيا واليونان وقبرص وأفريقيا، ويكلّفهم بالمهمات الأمنية المطلوبة منهم».

هذا الاختراق له مبرراته، بحسب الوزير درباس وهو نقيب المحامين الأسبق في طرابلس، ويرى أن لبنان «تحوّل إلى ساحة مستباحة، والمؤسف أن الحزب وبدل أن يشكّل مصدر قلق لإسرائيل، بات حملاً ثقيلاً على الدولة، بدليل أن رئيس الحكومة (نجيب ميقاتي) أعلن مؤخراً أن قرار الحرب والسلم لم يعد بيد الدولة، وهذا يعني تلاشي النظام».

لوحة تجمع قادة عسكريين إيرانيين وفلسطينيين ولبنانيين في السفارة الإيرانية في بيروت (أ.ب)

حرب أمنية

بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان صيف عام 2000، تحوّل الصراع معها إلى حربٍ أمنية وبدأت مطاردة شبكات العملاء. ويشير رئيس المحكمة العسكرية السابق العميد خليل إبراهيم، الذي سبق له وحاكم المئات من هؤلاء العملاء، إلى أن «النشاط الأمني للموساد في لبنان لم يتوقّف أبداً، لكن انحساره لفترة كان بسبب يقظة الأجهزة الأمنية وقدرتها على تفكيك عشرات الشبكات». ويوضح أن إسرائيل «لديها شبكات تجسس تنشط في بلدٍ مفتوح أمنياً، ومشرّعة أبوابه إلى حدّ كبير، خصوصاً بعد الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها السلبية جداً على المؤسسات العسكرية والأمنية وقدرتها الفنية والعملانية والاستخباراتية».

ويؤكد إبراهيم لـ«الشرق الأوسط» أن «العدو الإسرائيلي عزّر قدراته التجسسية، فبات يملك قاعدة معلومات متطوّرة ومتقدمة جداً في استخدام واستثمار الذكاء الاصطناعي إلى الحدّ الأقصى، بالإضافة إلى استثماره في قطاع الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي والبصمات الصوتية وتحديد المواقع والأشخاص بدقّة عالية»، معدّاً أن ذلك كلّه «ترافق مع ضعف لبناني في الوحدة الوطنية وانقسام عمودي وأفقي غير مسبوق».

تجنيد مقابل بدل مالي

وتعاني الأجهزة الأمنية أوضاعاً صعبة، ما انعكس سلباً على أدائها في مكافحة الجريمة وتعقّب عملاء إسرائيل، حيث تمكّنت إسرائيل من تجنيدهم لقاء مبالغ مالية. ويقول العميد إبراهيم: «لا شكّ أن انهيار الوضع الاقتصادي سهّل على إسرائيل تجنيد العملاء بإغراءات مالية، كما أن الموساد استخدم برامج إلكترونية معقدة وغير معروفة حتى تاريخه، مما يصعّب على الدولة اللبنانية عمليتي المراقبة والاختراق».

وعن إمكانية وقوف إسرائيل خلف جريمة قتل الصرّاف محمد سرور، رأى العميد إبراهيم، أنه «من المبكر الحكم على هذه الحادثة، قبل إجراء تحقيق جدّي، وتوفّر معلومات قاطعة عن هوية منفذيها وأسبابها».


مقالات ذات صلة

تسوية سياسة «جزئية» تسمح بقبول ضباط في الكلية الحربية بلبنان

المشرق العربي ميقاتي مترئساً مجلس الوزراء الذي عُقد الخميس (الوكالة الوطنية للإعلام)

تسوية سياسة «جزئية» تسمح بقبول ضباط في الكلية الحربية بلبنان

أقرّ مجلس الوزراء اللبناني إجراء مباراة جديدة لاختيار ضباط جدد وإلحاقهم بالدورة السابقة التي عرقلها الخلاف بين وزير الدفاع وقائد الجيش.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي خلال تشييع الأطفال السوريين الثلاثة الذين قُتلوا بجنوب لبنان نتيجة القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

تصاعُد في الخسائر المدنية بجنوب لبنان... و«حزب الله» يستهدف مستعمرات

يتزايد في اليومين الأخيرين عدد القتلى المدنيين جنوب لبنان نتيجة القصف الإسرائيلي، الذي نتج عنه يوم الثلاثاء مقتل 5 سوريين، بينهم 3 أطفال.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ملتقياً المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكستين في زيارة سابقة له إلى بيروت (إ.ب.أ)

إسرائيل تتبع التدمير البطيء جنوباً لتطبيق الـ«1701» على طريقتها

يتخوف اللبنانيون من تراجع الاهتمام الدولي ببلدهم بخلاف ما يتوهمه البعض من أهل السياسة نظراً لانشغال الدول بمشاكلها الداخلية.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي أعضاء في «كشافة المهدي» يحملون صورة لنصرالله خلال الاحتفال بذكرى عاشوراء في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

نصرالله يعد مناصريه بإعمار القرى الجنوبية اللبنانية المدمرة

قال أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله إن الجهة التي تفاوض باسم لبنان هي الدولة اللبنانية، نافياً وجود اتفاق جاهز للوضع في الجنوب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مواطنون من جنوب لبنان أمام المنازل المدمر نتيجة القصف الإسرائيلي (إ.ب.أ)

مقتل 5 أشخاص خلال ساعات في جنوب لبنان

قُتل شخصان في قصف إسرائيلي استهدف دراجة نارية كانا يستقلانها في النبطية، في جنوب لبنان بعد ساعات على مقتل 3 أشخاص هم عنصر في «حزب الله» وشقيقتاه.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

سوريا: نسبة المشاركة في انتخابات مجلس الشعب بلغت قرابة 38%

مواطنون يدلون بأصواتهم في أحد مراكز الاقتراع في دمشق (إ.ب.أ)
مواطنون يدلون بأصواتهم في أحد مراكز الاقتراع في دمشق (إ.ب.أ)
TT

سوريا: نسبة المشاركة في انتخابات مجلس الشعب بلغت قرابة 38%

مواطنون يدلون بأصواتهم في أحد مراكز الاقتراع في دمشق (إ.ب.أ)
مواطنون يدلون بأصواتهم في أحد مراكز الاقتراع في دمشق (إ.ب.أ)

أعلنت اللجنة القضائية العليا للانتخابات في سوريا، اليوم (الخميس)، نتائج انتخابات مجلس الشعب للدور التشريعي الرابع، والتي جرت يوم الاثنين الماضي.

ونقلت «الوكالة العربية السورية» (سانا) عن رئيس اللجنة القاضي جهاد مراد قوله، في مؤتمر صحافي بمبنى وزارة العدل تلا خلاله أسماء الفائزين بالانتخابات، إن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 38.16 في المائة.

ولفت إلى أنه يمكن للمرشحين تقديم الطعون بنتائج الانتخابات إلى المحكمة الدستورية العليا أيام الجمعة والسبت والأحد.

ناخب يدلي بصوته في مركز اقتراع خلال الانتخابات البرلمانية السورية لعام 2024 (أ.ف.ب)

وأضاف أن «اللجنة حرصت على توفير مناخ ديمقراطي من خلال اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لضمان حرية الناخبين ونزاهة الانتخابات، وكانت على مسافة واحدة من جميع المرشحين والأحزاب مع معاملة الجميع على قدم المساواة وبحياد تام، بما يضمن تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص فيما بينهم أثناء فترة الحملة الانتخابية».

وأشار إلى تفاعل المواطنين وحرصهم على ممارسة حقهم الانتخابي في اختيار ممثليهم لعضوية مجلس الشعب، موضحا أن الانتخابات جرت بإشراف قضائي كامل بدءا من الترشيح وحتى إعلان نتائج الانتخابات.

ناخبون يدلون بأصواتهم في أحد مراكز الاقتراع خلال الانتخابات البرلمانية السورية 2024 (أ.ف.ب)

وأوضح أن الفائزين بالعضوية يمتلكون الكفاءات العلمية والخبرات المختلفة والحيثية الاجتماعية، الأمر الذي يتيح للمجلس الجديد أداء دوره على أكمل وجه.