مقتل قيادي من «القوات اللبنانية» يتخذ طابعاً سياسياً... وحزبه يركز على أثر سلاح «حزب الله»

البطريرك الماروني يدعو للتروي وضبط النفس

مناصرون لحزب «القوات اللبنانية» يقطعون الطريق الاثنين بعد خطف باسكال سليمان (رويترز)
مناصرون لحزب «القوات اللبنانية» يقطعون الطريق الاثنين بعد خطف باسكال سليمان (رويترز)
TT

مقتل قيادي من «القوات اللبنانية» يتخذ طابعاً سياسياً... وحزبه يركز على أثر سلاح «حزب الله»

مناصرون لحزب «القوات اللبنانية» يقطعون الطريق الاثنين بعد خطف باسكال سليمان (رويترز)
مناصرون لحزب «القوات اللبنانية» يقطعون الطريق الاثنين بعد خطف باسكال سليمان (رويترز)

لم تستقر جريمة خطف وقتل منسق حزب «القوات اللبنانية» في جبيل (شمال لبنان) باسكال سليمان، على إطارها الجنائي، إذ اتخذت طابعاً سياسياً عبر إضاءة «القوات» على «عوامل جوهرية» أدت إلى الجريمة، ويتمثل بعضها «بوجود (حزب الله) بالشكل الموجود فيه» في إشارة إلى سلاحه، و«الحدود السائبة التي حولها الحزب إلى خطّ استراتيجي بين طهران وبيروت»، وسط توتر دفع البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى «التروّي وضبط النفس».

وخطف مجهولون القيادي في «القوات» باسكال سليمان مساء الأحد، وأعلن الجيش اللبناني مساء الاثنين، أن خاطفيه قتلوه أثناء محاولتهم سرقة سيارته في منطقة جبيل، وأنهم نقلوا جثته إلى سوريا. وعُثر على الجثة في الأراضي السورية، وتبين أن الضالعين ينتمون إلى عصابة نفذت الكثير من عمليات سرقة لسيارات فخمة في لبنان. وتسلم الجيش اللبناني الجثة من السلطات السورية، ونقلها «الصليب الأحمر» إلى لبنان، حيث نُقلت إلى المستشفى العسكري المركزي للكشف عليها استكمالاً للتحقيقات، على أن تسلَّم إلى ذويه بعد ذلك.

توقيف 9 سوريين

وقالت مصادر قضائية مواكبة للتحقيقات لـ«الشرق الأوسط» إن مديرية المخابرات التي تسلمت الجثة تستكمل تحقيقاتها وجمع الأدلة الجنائية، مشيرة إلى أن القضاء «أعطى تعليمات للأطباء خلال تفقد الجثة وإعداد التقارير الطبية الشرعية، من بينها إجراء صور شعاعية وتصوير (سكانر) لمعرفة ما إذا كانت هناك كسور أو إطلاق رصاص وغير ذلك»، كذلك طلب «تحديد سبب الوفاة وتاريخه».

ونفت المصادر أن تكون هناك لجنة من الأطباء في «القوات» ستشارك في التحقيقات الطبية بالمستشفى العسكري، قائلة إن ذلك «يتعارض بالقانون مع عملنا كأجهزة رسمية»، وأضافت: «عندما ننتهي من عملنا كدولة، وتتسلم عائلته الجثة، عندها تتخذ العائلة القرار الذي تريده لجهة كشف أطباء من القوات على الجثة أم خلاف ذلك».

وبلغ عدد الموقوفين في القضية 9 سوريين، من بينهم اثنان يعتقد أنهما ضالعان مباشرة في عملية الخطف، فيما بينت التحقيقات أن هناك اثنين آخرين ضالعين مباشرة ايضاً وتلاحقهما الأجهزة الأمنية اللبنانية. ونفت المصادر القضائية أن يكون هناك أي لبناني بين الموقوفين.

وزير الداخلية

بالتزامن، نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مصدر عسكري قوله إن السلطات السورية سلّمت أجهزة الاستخبارات اللبنانية ثلاثة من المشتبه بهم في قتل باسكال سليمان. وأشار المصدر القضائي إلى أن الموقوفين «اعترفوا بأنهم ضربوه بأعقاب المسدسات على رأسه ووجهه حتى يتوقف عن مقاومتهم، ومن ثمّ وضعوه في صندوق سيارته (...) ودخلوا إلى سوريا». وأضاف: «عندما وصلوا إلى الأراضي السورية، تبين لهم أنه فارق الحياة».

وقال وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي بعد ترؤسه مجلس الأمن المركزي أنّ جريمة قتل باسكال سليمان «ارتكبها سوريون»، موضحاً أنّ «التحقيقات بوشرت منذ اللحظات الأولى وكل الأجهزة الأمنية والعسكرية تنسّق مع بعضها»، مشيراً إلى أنّ «السيارة المُستخدمة في العمليّة سُرقت من الرابية قبل أيّام». وشدد على أنّ «البلد لا يحتمل مشكلات أكثر مما هو يواجهها، ولا يحتمل فتناً»، داعياً إلى «التعقل والاتكال على الأجهزة الأمنية والقضاء»، وموضحاً: «إننا لن نقبل إلّا بكشف خيوط الجريمة كاملة وإصدار القرار العادل بحق المرتكبين».

إسقاطات سياسية

ولم تبقَ الجريمة التي أثارت ضجة في لبنان، عند إطارها الجنائي بمعزل عن الإسقاطات السياسية، وأكدت الدائرة الإعلاميّة في حزب «القوات اللبنانية» أنّ «التحقيق في جريمة قتل الشهيد باسكال سليمان يجب أن يكون واضحاً وشفافاً وعلنيّاً وصريحاً ودقيقاً بوقائعه وحيثيّاته، وحتى صدور نتائج هذا التحقيق نعد أنّ باسكال سليمان تعرّض لعملية اغتيال سياسيّة».

وتحدث «القوات» عن عوامل جوهرية وأساسية أدت إلى عملية الاغتيال، يتمثل أولها بوجود «حزب الله» «بالشكل الموجود فيه بحجة ما يسمى مقاومة أو حجج أخرى، وهذا الوجود غير الشرعي للحزب أدى إلى تعطيل دور الدولة وفعالية هذا الدور، الأمر الذي أفسح في المجال أمام عصابات السلاح والفلتان المسلّح». وأضاف: «المشكلة الأساس إذن تكمن في جزيرة (حزب الله) المولِّدة للفوضى، وما لم يعالَج وضع هذه الجزيرة، فعبثاً السعي إلى ضبط جزر الفلتان. فهذه العصابات موجودة ولكنها تتغذى من عامل تغييب الدولة».

أما العامل الثاني بحسب «القوات»، فيتمثّل «في الحدود السائبة التي حولها (حزب الله) إلى خطّ استراتيجي بين طهران وبيروت تحت عنوان وحدة الساحات فألغى الحدود، وما لم تُقفل المعابر غير الشرعية وتُضبط المعابر الشرعية فستبقى هذه الحدود معبراً للجريمة السياسيّة والجنائيّة وتهريب المخدرات والممنوعات، وبالتالي مَن يُبقي الحدود سائبة و(فلتانة) هو المسؤول عن الجرائم التي ترتكب إما بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر».

أما العامل الثالث فيتمثّل حسب «القوات» في «خصي» إدارات الدولة القضائية والأمنية والعسكرية وغيرها «من خلال منعها من العمل في مناطق معينة، أو في قضايا معينة، أو في أي أمر يتعلق بأي شخص ينتمي إلى محور الممانعة».

وأكدت أنّها «تنتظر انتهاء التحقيق وبأسرع وقت لتبني على الشيء مقتضاه، ولكنها في الوقت نفسه تدعو اللبنانيين إلى مواصلة النضال سعياً إلى إنهاء مسبِّبات الاغتيال والجرائم على أنواعها، الأمر الذي يستحيل تحقيقه إلا من خلال العبور إلى الدولة الفعلية التي تبسط فيها وحدها سيادتها على كل أراضيها، والتي لها وحدها حصرية السلاح، وليس محرَّماً عليها لا الدخول إلى أي منطقة تريد، ولا التحقيق في أيّ أمر تريده».

الراعي

في غضون ذلك، دعا البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى ضبط النفس، والتقى قائد الجيش العماد جوزيف عون، كما التقى عضوي تكتل «الجمهورية القوية» النائبين زياد حواط وملحم رياشي لمتابعة قضيّة سليمان. وقال الراعي في بيان: «في هذا الظرف الدقيق والمتوتر سياسياً وأمنياً واجتماعياً ندعو إلى التروي وضبط النفس، طالبين من القضاء والقوى الأمنية القيام بالواجب اللازم وإنزال أشد العقوبات بالمجرمين، ونطلب من وسائل الإعلام مشكورة عدم إطلاق تفسيرات مغلوطة وتأجيج نار الفتنة».

ودان عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب مروان حمادة، الجريمة، آملاً أن «تكشف ملابسات هذه الجريمة بالكامل وجلاء الحقيقة»، ومشدداً على أنه «لم يعد جائزاً أن تكون هناك أي قطبة مخفية أو علامات استفهام، بل أن تظهر الحقيقة كاملة». وتمنى أن «تكون الدولة وحدها دون سواها، من يحفظ الأمن والاستقرار وتعزيز دورها وحضورها، لأن تجارب الماضي علمتنا الكثير منذ منتصف السبعينات إلى اليوم، فلا مجال إلا بسلاح شرعي واحد، ودولة مركزية ومؤسسات وإدارات تابعة لها، ليكون لنا بلد يحلم به الأبناء والأحفاد، فهذه الجرائم التي تتوالى فصولها تعيدنا إلى حقبة الماضي، وبالتالي لا أحد يريد الحرب».


مقالات ذات صلة

المشرق العربي دمار في ضاحية بيروت الجنوبية حيث اغتيل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ف.ب)

طوفان من نار يستبق وقف النار

استبقت إسرائيل الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بينها وبين «حزب الله» الذي يبدأ سريانه الرابعة فجر اليوم (الأربعاء) بتوقيت بيروت وتل أبيب (الثانية بتوقت غرينتش.

المشرق العربي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي يتحدث خلال مؤتمر صحافي بالقصر الحكومي في بيروت 28 ديسمبر 2021 (رويترز)

ميقاتي: وقف إطلاق النار خطوة أساسية نحو الاستقرار بلبنان

تلقى رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي اتصالاً من الرئيس الأميركي جو بايدن، تشاورا خلاله في الوضع الراهن وقرار وقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة في القدس... 3 يناير 2023 (رويترز)

بن غفير يصف وقف إطلاق النار مع «حزب الله» بأنه «خطأ تاريخي»

قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، إنه سيعارض اتفاق وقف إطلاق النار مع «حزب الله»، ووصفه بأنه «خطأ تاريخي».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في اجتماع مؤتمر الحزب الجمهوري 13 نوفمبر 2024 في واشنطن (أ.ب)

فريق ترمب ينظر إيجابياً إلى اتفاق وقف النار في لبنان

ذكرت شبكة «سي بي إس نيوز» الإخبارية الأميركية، اليوم الثلاثاء، أن فريق الرئيس المنتخب دونالد ترمب اطلع على خطة وقف إطلاق النار في لبنان وينظر إليها بشكل إيجابي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

طوفان من نار يستبق وقف النار

دمار في ضاحية بيروت الجنوبية حيث اغتيل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ف.ب)
دمار في ضاحية بيروت الجنوبية حيث اغتيل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ف.ب)
TT

طوفان من نار يستبق وقف النار

دمار في ضاحية بيروت الجنوبية حيث اغتيل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ف.ب)
دمار في ضاحية بيروت الجنوبية حيث اغتيل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ف.ب)

استبقت إسرائيل الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بينها وبين «حزب الله» الذي يبدأ سريانه الرابعة فجر اليوم (الأربعاء) بتوقيت بيروت وتل أبيب (الثانية بتوقت غرينتش)، بـ«طوفان من نار»، إذ شنت أعنف غاراتها وهجماتها على معظم المناطق اللبنانية، خصوصاً العاصمة بيروت، وصولاً إلى الداخل السوري. ورد «حزب الله» من جانبه بعشرات الصواريخ باتجاه شمال إسرايل ووسطها.

وفيما أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أمس، موافقة إسرائيل ولبنان على بنود الاتفاق وأن بلاده «ستقدم الدعم لضمان تنفيذ وقف إطلاق النار في لبنان بالتعاون مع فرنسا»، علمت «الشرق الأوسط» أن اللجنة الخماسية التي تقودها الولايات المتحدة، وتضم أيضاً فرنسا، بالإضافة إلى لبنان وإسرائيل و«يونيفيل»، ستشرف على تنفيذ عمليات إخلاء «حزب الله» من مناطق الجنوب «على 3 مراحل، تتألف كل منها من 20 يوماً، على أن تبدأ الأولى من القطاع الغربي»، وأن الاتفاق حظي بموافقة الرئيس المتنخب دونالد ترامب. وحدد بايدن الرابعة بتوقيت بيروت وتل أبيب موعداً لبدء سريان الاتفاق.

وتلقى رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي اتصالا من بايدن تشاورا خلاله في الوضع الراهن وقرار وقف إطلاق النار.

وقبيل ساعات من عرض اتفاق وقف النار على مجلس حكومته مساء أمس، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إنه «سيرد بقوة على أي انتهاك». وأضاف، في خطاب تلفزيوني: «سننفذ الاتفاق ونردّ بقوة على أي انتهاك. وسنواصل العمل معاً حتى النصر». وتابع: «هناك 3 أسباب للسعي إلى وقف إطلاق النار، هي: التركيز على إيران، وتجديد إمدادات الأسلحة المستنفدة، مع منح الجيش قسطاً من الراحة، وأخيراً عزل حركة «حماس». وعاش اللبنانيون حالة من الرعب والخوف، أمس (الثلاثاء)، في يوم هو الأعنف منذ بدء التصعيد في 23 سبتمبر (أيلول) الماضي.

وامتدّت كرة النار الإسرائيلية إلى سوريا، حيث أفيد عن قصف طال جسوراً وطرقات في منطقة القصير بمحافظة حمص، حيث يعتقد أن «حزب الله» ينشط بشكل واسع.