لبنان: جريمة جبيل تثير مخاوف سكانها وتدفعهم للتفكير بـ«الأمن الذاتي»

أحزابه تتفهم انفعالات السكان... وتؤكد الثقة بالدولة

مناصرون لحزب «القوات اللبنانية» يقطعون طرق جبيل احتجاجاً على خطف باسكال سليمان وقتله (إعلام القوات)
مناصرون لحزب «القوات اللبنانية» يقطعون طرق جبيل احتجاجاً على خطف باسكال سليمان وقتله (إعلام القوات)
TT

لبنان: جريمة جبيل تثير مخاوف سكانها وتدفعهم للتفكير بـ«الأمن الذاتي»

مناصرون لحزب «القوات اللبنانية» يقطعون طرق جبيل احتجاجاً على خطف باسكال سليمان وقتله (إعلام القوات)
مناصرون لحزب «القوات اللبنانية» يقطعون طرق جبيل احتجاجاً على خطف باسكال سليمان وقتله (إعلام القوات)

يشعر أهالي منطقة جبيل بالإحباط بعد خطف القيادي في «القوات اللبنانية»، باسكال سليمان، وقتله. وضاعفت هذه الحادثة مخاوفهم من تحول في المنطقة التي «لم تشهد اقتتالاً حتى في فترة الحرب الأهلية، وبقيت من أكثر المناطق أمناً».

ويقول ربيع مهنا، وهو لبناني من المنطقة، إن «ما حصل خطر جداً، وعمليتا الخطف والقتل وقعتا في منطقة معروفة بهدوئها، وكلها عائلات تربطها صلات قرابة»، ويضيف: «نحن خائفون ونرفض ما حصل». ويرى مهنا أن «ما حصل خطر، والفلتان الأمني ينبئ بغياب الدولة»، مؤكداً أن «الثقة بالدولة اهتزت اليوم، وهو شعور عام، ولكننا لم نفقد الأمل كليًّا، وما زلنا تحت جناح الدولة والجيش، ونؤمن بالأجهزة»، ويشدد على ضرورة «أن تقبض الأجهزة الأمنية على المجرم بعيداً من أي تدخل سياسي».

أمن ذاتي

وتطرح هذه الجريمة أسئلةً حول حضور الدولة في المنطقة، وهو ما يعتقده أبناء جبيل. ويقول جاك يوسف: «أصبح واضحاً غياب الدولة، وأدعو الدولة للقيام بعملها كي لا نضطر للجوء إلى الأمن الذاتي». ويضيف أن ما حصل للضحية باسكال سليمان هو «أكبر من سرقة سيارة».

ويستطرد يوسف قائلاً: «نحن المسيحيين مستهدفون، والأمور أصبحت مباحة، وما حصل هو طريقة إجرامية فادحة في وضح النهار، حصلت اليوم في جبيل، هذه المنطقة المسيحية، ومؤسف أن ما حصل أجبرنا على أن نتحدث بطريقة طائفية وعنصرية».

ودعا يوسف لأن تنتج حادثة خطف وقتل باسكال «مبادرة لإعادة السوريين النازحين وترحيلهم من أراضينا».

في المقابل، دعت عايدة عواد إلى «تعليق المشانق»، وأضافت: «المسيحيون مستهدفون، وما حصل يؤكد هذا الأمر، فدماء شبابنا تذهب هدراً». وقالت إنها «تؤيد الأمن الذاتي، لأننا إن لم نحمِ أنفسنا فليس هناك مَن يحمينا، ولا يوجد غير القدرة الإلهية لحمايتنا».

خطر قريب

وتقول ريتا، وهي مواطنة من جبيل تنتمي إلى حزب «الكتائب اللبنانية»: «بصفتي جبيليةً، لم أشعر يوماً أن هذا الخطر يمكن أن يكون قريباً مني، لأننا نعيش في منطقة آمنة على الرغم من أنها مختلطة، ولكن لم نشعر يوماً بأن الجريمة قريبة منا، وأنه سيأتي يوم نُقتل فيه على الطريق في وضح النهار». وتضيف: «أصبحت أشعر اليوم بأنه لم يعد توجد في لبنان منطقة آمنة ومنطقة غير آمنة، وأن الغدر عندما يأتي لا توقيت له ولا مكان».

وتابعت: «بدأت أشعر بالخطر، وأخاف أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، وأن ما كنا نسمع عنه في الحرب نعيشه اليوم من جديد. أخاف أن يتحمّس المواطنون، لأن التفلّت الحاصل في الدولة قد يجرنا لنقوم بخطوات كنا نحسبها من الماضي، مثل حمل السلاح لحماية أنفسنا. ولكننا في النهاية نؤمن بالدولة وبالأجهزة الأمنية وبالجيش اللبناني».

مواقف الأحزاب

حالة الانفعال تلك على المستوى الشعبي، يقابلها خطاب أكثر هدوءاً على المستوى السياسي في المنطقة، ولو أن الطرفين يتقاسمان الغضب نفسه.

ويقول شربل أبي عقل، المولج بإدارة منطقة جبيل في حزب «القوات اللبنانية»، إن القتل القائم «لا يخص الجبيليين فقط»، مذكراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بـ«اغتيال رفيقنا إلياس الحصروني في قرية عين إبل الجنوبية بالطريقة نفسها والأسلوب نفسه. وبطبيعة الحال لم تصل التحقيقات إلى أي مكان؛ لأن المنفّذ محترف ولديه إمكانات تضاهي الدولة اللبنانية، وبالتالي فإن الاستهداف ليس لمنطقة أو لطائفة، إنما للمواطن اللبناني الحر على كامل الأراضي اللبنانية».

ويضيف أبي عقل: «من هنا أتت صرختنا ودعوتنا للنزول إلى الأرض»، لافتاً إلى أن «الاعتراض يصب بهذه الخانة، وليس فقط بخانة الاستهداف الجبيلي فقط».

وعن الدعوات للأمن الذاتي يقول أبي عقل: «ردة الفعل الغرائزية يمكن أن تخرج عن طورها وتذهب في اتجاهات غير مقبولة، وما حصل في جبيل هو ردة فعل غرائزية، لكن بصفتنا حزب (القوات اللبنانية) ما زلنا مؤمنين بالدولة اللبنانية، ونريدها، ولكن إن لم تقم الدولة بواجباتها، وفي ظل وجود حزب يطغى عليها ويدير أمورها كما يريد، سيذهب المواطنون طبعاً إلى حماية أنفسهم على المستويات كافة، وليس فقط على المستوى الأمني، أي اقتصادياً واجتماعياً أيضاً؛ لأن هذه الأمور كلها مرتبطة بالملف السياسي».

من جهته، يقول المسؤول في «التيار الوطني الحر» جان صوما، إن «هذا الاستهداف من السوريين لباسكال يطال اللبنانيين كلهم. وكان «التيار الوطني الحر» أول حزب وقف ضد حركة النزوح (السوري)، واتُّهم آنذاك بالعنصرية».

وأضاف: «نحن نشعر بأننا مستهدفون أكثر؛ لأن الجرائم تحصل في مناطقنا، ولكن خطر النزوح يطال اللبنانيين كلهم وليس فقط المسيحيين، بل كذلك المسلمين. من هنا، على الجميع الوقوف صفاً واحداً في الدعوة لعودة النازحين السوريين».

وتابع: «نحن ضد الأمن الذاتي، ومنذ التسعينات طالبنا بحل الميليشيات، وأن يكون الجميع تحت جناح الدولة اللبنانية، لا سيما أن الأجهزة الأمنية ما زالت قوية وتقوم بعملها، والدليل أن أكبر الجرائم وأفظعها تُكشف خلال ساعات، وهذا ما نثني عليه».


مقالات ذات صلة

بري: نطوي مرحلة تاريخية كانت الأخطر على لبنان

المشرق العربي طفل يقف بالقرب من المراتب بينما يحزم النازحون أمتعتهم للعودة إلى قراهم بجنوب لبنان في ملجأ بصيدا (رويترز)

بري: نطوي مرحلة تاريخية كانت الأخطر على لبنان

قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إن الحرب مع إسرائيل مثّلت «مرحلة تاريخية كانت الأخطر» التي يمر بها لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على هامش أعمال «القمة العربية الإسلامية» الأخيرة بالرياض (الرئاسة المصرية)

دعم مصري للبنان... تحركات سياسية وإنسانية تعزز مسار التهدئة بالمنطقة

تحركات مصرية مكثفة سياسية وإنسانية لدعم لبنان في إطار علاقات توصف من الجانبين بـ«التاريخية» وسط اتصالات ومشاورات وزيارات لم تنقطع منذ بدء الحرب مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي النواب في جلسة تشريعية سابقة للبرلمان اللبناني (الوكالة الوطنية للإعلام)

التمديد لقائد الجيش اللبناني ورؤساء الأجهزة «محسوم»

يعقد البرلمان اللبناني جلسة تشريعية الخميس لإقرار اقتراحات قوانين تكتسب صفة «تشريع الضرورة» أبرزها قانون التمديد مرّة ثانية لقائد الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي تصاعد السحب الدخانية نتيجة القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية في بيروت (رويترز) play-circle 00:25

الجيش الإسرائيلي: قصفنا 25 هدفاً للمجلس التنفيذي ﻟ«حزب الله» خلال ساعة واحدة

قال الجيش الإسرائيلي، الاثنين)، إن قواته الجوية نفذت خلال الساعة الماضية ضربات على ما يقرب من 25 هدفاً تابعاً للمجلس التنفيذي لجماعة «حزب الله» في لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر من خدمة الإسعاف الإسرائيلية في موقع إصابة شخص في نهاريا بشظايا صواريخ أطلقت من لبنان (نجمة داود الحمراء عبر منصة «إكس»)

إصابة شخص في إسرائيل بعد إطلاق 20 صاروخاً من لبنان

أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية، الإثنين، إصابة شخص بعد إطلاق 20 صاروخا من لبنان نحو مناطق الجليل الأعلى والغربي

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«حماس»: ملتزمون بالتعاون مع أي جهود لوقف إطلاق النار في غزة

فلسطينيون ينعون أقاربهم الذين قُتلوا في غارة جوية إسرائيلية بمستشفى الأهلي العربي (المعمداني) بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون ينعون أقاربهم الذين قُتلوا في غارة جوية إسرائيلية بمستشفى الأهلي العربي (المعمداني) بغزة (أ.ف.ب)
TT

«حماس»: ملتزمون بالتعاون مع أي جهود لوقف إطلاق النار في غزة

فلسطينيون ينعون أقاربهم الذين قُتلوا في غارة جوية إسرائيلية بمستشفى الأهلي العربي (المعمداني) بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون ينعون أقاربهم الذين قُتلوا في غارة جوية إسرائيلية بمستشفى الأهلي العربي (المعمداني) بغزة (أ.ف.ب)

قالت حركة (حماس) اليوم الأربعاء إنها ملتزمة بالتعاون مع أي جهود لوقف إطلاق النار في قطاع غزة حيث تخوض قتالاً مع القوات الإسرائيلية منذ أكثر من عام. وأضافت «حماس» في بيان صدر بعد موافقة إسرائيل وجماعة «حزب الله» اللبنانية على وقف إطلاق النار في لبنان «نعرب عن التزامنا بالتعاون مع أي جهود لوقف إطلاق النار في غزة، ومعنيون بوقف العدوان على شعبنا، ضمن محددات وقف العدوان على غزة التي توافقنا عليها وطنياً؛ وهي وقف إطلاق النار، وانسحاب قوات الاحتلال، وعودة النازحين، وإنجاز صفقة تبادل للأسرى حقيقية وكاملة»، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء. وقالت «ندعو الدول العربية والإسلامية الشقيقة وقوى العالم الحر إلى حراك جاد وضاغط على واشنطن والاحتلال الصهيوني لوقف عدوانه الوحشي على شعبنا الفلسطيني، وإنهاء حرب الإبادة المتواصلة في قطاع غزة».

وفي وقت سابق اليوم، أكد مصدر قيادي في «حماس» أن الحركة الفلسطينية «جاهزة» لإبرام اتفاق مع إسرائيل بشأن هدنة في قطاع غزة، بعد بدء سريان وقف إطلاق النار بين الدولة العبرية و«حزب الله» في لبنان.

وقال القيادي، الذي طلب عدم كشف اسمه، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن وقف إطلاق النار في لبنان «انتصار وإنجاز كبير للمقاومة»، مشدداً على أن الحركة أبلغت «الوسطاء في مصر وقطر وتركيا أن (حماس) جاهزة لاتفاق وقف إطلاق النار وصفقة جادة لتبادل الأسرى، إذا التزم الاحتلال، لكن الاحتلال يعطل ويتهرب من الوصول لاتفاق ويواصل حرب الإبادة».

واندلعت الحرب في قطاع غزة، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، على أثر هجوم غير مسبوق لحركة «حماس» على جنوب إسرائيل. وأسفر الهجوم عن مقتل 1207 أشخاص؛ معظمهم مدنيون، وفق تعداد لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، استناداً إلى أرقام إسرائيلية رسمية. وتشمل هذه الحصيلة رهائن قتلوا أو لقوا حتفهم أثناء الاحتجاز في القطاع الفلسطيني. وخُطف أثناء الهجوم 251 شخصاً من داخل الدولة العبرية. ولا يزال 97 من هؤلاء محتجَزين في القطاع، بينهم 34 شخصاً أعلن الجيش الإسرائيلي أنهم قُتلوا. وتوصلت إسرائيل و«حماس» إلى هدنة وحيدة في حرب غزة، وذلك لمدة أسبوع في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، أتاحت الإفراج عن أكثر من 100 رهينة، مقابل أسرى في السجون الإسرائيلية. وأكد المصدر القيادي أن المسؤولين في الحركة «معنيون وحريصون على الوقف الفوري والدائم للعدوان وحرب الإبادة» في غزة، مشدداً على أن «المقاومة ستتواصل ما دام العدوان مستمراً». وفتح «حزب الله» جبهة «إسناد» لغزة، غداة اندلاع الحرب في القطاع. وبعد نحو عام من تبادل القصف عبر الحدود، كثّفت إسرائيل ضرباتها الجوية ضد «الحزب»، وبدأت عمليات برية في جنوب لبنان، ابتداء من أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي. وقال المصدر القيادي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن في (حماس) سعداء لاتفاق وقف العدوان وحرب الإبادة في لبنان؛ لأن (حزب الله) دائماً وقف إلى جانب شعبنا وفلسطين والمقاومة، وقدّم تضحيات كبيرة».