كشفت حركة «سلام الآن» الإسرائيلية أن حكومة بنيامين نتنياهو، تتجاهل الموقف الدولي من موضوع الاستيطان والعقوبات التي فرضتها دول عدة في العالم الغربي على غلاة المستوطنين، وهي تستغل الانشغال العام بالحرب على غزة، لمضاعفة كميات الاستيطان اليهودي.
وقالت الحركة إن الأموال التي ترصدها الحكومة الإسرائيلية لتشجيع الاستيطان، والقوانين الجديدة التي تسنها وكذلك التعديلات على القوانين القديمة، تؤدي إلى محو الخط الأخضر.
وأكدت الحركة، المعروفة برصد مشروعات الاستيطان ومعارضتها، وتزويد معارضيها بالمعلومات عنها، أن وزير المال بتسلئيل سموتريتش يعمل، منذ توليه وزارة ثانية في وزارة الدفاع مخصصة لكي يتولى مسؤولية الاستيطان وكل نشاطات السلطة الحكومية على المنطقة «ج» في الضفة الغربية، بشكل حثيث على تغيير الواقع الجيو-سياسي والديموغرافي فيها، حتى يعرقل إمكانية التوصل إلى سلام وإقامة دولة فلسطينية. فقد سن عدة مشروعات قوانين خطيرة ومثيرة للحفيظة دخلت منذ الآن سجل القوانين. اثنان منها يقرران، للمرة الأولى، أن تحوّل أموال «الارنونا» (الضريبة البلدية) التي تجبيها بلدات إسرائيل الغنية إلى المستوطنات أيضاً، كأنها بلدات شرعية. وتعمل الحكومة بلا كلل على تطبيع المستوطنات في ظل تشبيه ظروف المستوطنين بظروف عموم سكان إسرائيل كأنه لا يجري الحديث عن مناطق محتلة.
فعلى سبيل المثال، طلب الوزير شلومو كرعي (من حزب الليكود) وحصل مؤخراً على أوامر من قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي تقضي بأن تفرض عقوبات على شركات خلوية لا تحرص على تغطية 95 في المائة في المناطق خلف الخط الأخضر، وقد رصد مبلغ 50 مليون شيقل (15 مليون دولار) لتوسيع التغطية الخلوية. ورصدت وزيرة المواصلات، ميري ريغف (وهي أيضاً من الليكود)، مبلغاً يضاهي 20 في المائة من ميزانية خطة البنى التحتية في وزارة المواصلات للمستوطنات بالضفة الغربية، بما يعادل 3 مليارات شيقل (890 مليون دولار). كما أن خطة توسيع البناء بلغت في 2023 أعلى مستوى لها منذ اتفاقات أوسلو في تسعينات القرن الماضي.
وقالت الحركة: «تشكيل حكومة نتنياهو في ديسمبر (كانون الأول) 2022، أدى إلى نشوء ظروف غير مسبوقة لتوسيع المستوطنات بأرقام قياسية. وتمثل ذلك في طرح عدد قياسي من خطط البناء، والحد الأدنى من إنفاذ القانون ضد النشاط الاستيطاني غير القانوني، ورصد ميزانيات كبيرة، والأهم من ذلك، الدعم السياسي غير المشروط تقريباً للمستوطنين، حتى في الحالات التي تنطوي على أعمال عنف ضد الفلسطينيين».
وأوضحت: «في عام 2023، أنشأ المستوطنون ما لا يقل عن 26 بؤرة استيطانية جديدة غير قانونية، منها ما لا يقل عن 10 أقيمت خلال الحرب منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، و18 منها على الأقل عبارة عن بؤر استيطانية زراعية. وفي ارتباط مباشر بهذه البؤر، اضطر نحو 1345 فلسطينياً إلى الهروب من منازلهم، بسبب الهجمات العنيفة التي نفذها المستوطنون. وتم تهجير واقتلاع 21 تجمعاً فلسطينياً، 16 منها خلال الحرب منذ 7 أكتوبر، و5 تجمعات قبل ذلك. وتم في العام ذاته الترويج لعدد قياسي بلغ 12349 وحدة سكنية في مستوطنات الضفة الغربية بما لا يشمل المستوطنات في القدس الشرقية».
وقال يوني مزراحي، رئيس فريق مراقبة المستوطنات في «سلام الآن»، إن «منصب سموتريتش بوزارة الدفاع، يسمح له بالعمل في المنطقة (ج) في الضفة الغربية، التي تخضع للسيطرة المدنية والعسكرية الإسرائيلية، في ظروف مشابهة لضم فعلي. فقد تمكن من السيطرة على أنشطة الجيش كما يشاء، وأقام مستوطنات في جميع أنحاء الضفة الغربية. وكلما طالت مدة بقائه في المنصب، ازدادت إشكالية الواقع على الأرض. ومع اقتراب المستوطنات من البلدات والقرى الفلسطينية، خصوصاً البؤر الاستيطانية غير القانونية، سنشهد مزيداً من الاحتكاك بين الشعبين، ومعه العنف الذي يمارسه المستوطنون، والذي يحظى دائماً بدعم أجزاء من اليمين والحكومة».
وبحسب منظمة «هيومن رايتس ووتش»، وصلت حوادث عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم إلى أعلى متوسط يومي لها، منذ أن بدأت الأمم المتحدة بتسجيل هذه البيانات عام 2006. ففي حين بلغ المعدل حادثي عنف اثنين يومياً عام 2022، وواحداً في اليوم سنة 2021، ارتفع إلى 3 اعتداءات في سنة 2023، و5 اعتداءات خلال الحرب الحالية في غزة.
وفي أعقاب هذه التقارير، نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً افتتاحياً بعنوان «وداعاً للخط الأخضر»، قالت فيه إن «حكومة الخراب تضحي بإسرائيل السيادية على مذبح مشروع الاستيطان. فأسياد البلاد منشغلون هذه السنة بقوة أعظم بشطب مكثف، اقتصادياً ومادياً، للخط الأخضر حتى وقت الحرب». وقالت: «الحكومة الحالية ليست الأولى التي تساعد (الاستيطان الفتي)، لكن السنة الأخيرة أثبتت أن هذه الحكومة فقدت الكوابح تماماً. إذا لم يتوقف المستوطنون فإنهم سيواصلون تعميق السيطرة على الفلسطينيين، تخريب إمكانية الوصول إلى حل إقليمي وتسريع مسيرة التدهور في مكانة إسرائيل في العالم لدرجة أن يجعلوها دولة منبوذة بلا حلفاء».
يُذكر أنه وفقاً لمعطيات «سلام الآن»، فإن نحو نصف مليون مستوطن يهودي يقيمون في 146 مستوطنة كبيرة، و144 بؤرة استيطانية مقامة على أراضي الضفة الغربية بما لا يشمل القدس الشرقية المحتلة. ويجمع المجتمع الدولي على أن المستوطنات غير شرعية وتشكل عقبة أمام تطبيق حل الدولتين القاضي بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. ويتوقع تقرير جديد نشرته مجموعة داعمة للاستيطان استند إلى إحصاءات السكان من الحكومة الإسرائيلية، ازدياداً متسارعاً خلال السنوات المقبلة لعدد المستوطنين بالضفة، قد يتجاوز 600 ألف بحلول عام 2030. ويشير التقرير إلى أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة زاد بنسبة 3 في المائة تقريباً خلال عام 2023.