«فتح» تهاجم إيران... لماذا الآن؟

على وقع اشتباكات بين أمن السلطة ومسلحين مرتبطين بـ«الجهاد»

المرشد الإيراني على خامنئي يستقبل قائد حركة «حماس» إسماعيل هنية ووفداً من الحركة (وكالة إرنا)
المرشد الإيراني على خامنئي يستقبل قائد حركة «حماس» إسماعيل هنية ووفداً من الحركة (وكالة إرنا)
TT

«فتح» تهاجم إيران... لماذا الآن؟

المرشد الإيراني على خامنئي يستقبل قائد حركة «حماس» إسماعيل هنية ووفداً من الحركة (وكالة إرنا)
المرشد الإيراني على خامنئي يستقبل قائد حركة «حماس» إسماعيل هنية ووفداً من الحركة (وكالة إرنا)

أثار هُجوم كبير شنته حركة «فتح»، التي يتزعمها رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس أبو مازن، ضد إيران، تساؤلات محلية وإقليمية بشأن خلفياته ورسائله، خصوصاً أنه تزامن مع حرب إسرائيلية متواصلة ضد قطاع غزة، ويتواكب مع حالة انفلات وفوضى في الضفة الغربية.

واتهمت «فتح» إيران بـ«إحداث الفوضى والفلتان والعبث في الساحة الداخلية الفلسطينية، بطريقة لا يستفيد منها سوى الاحتلال الإسرائيلي»، وقالت الحركة الفلسطينية، في بيان أصدرته، مساء الثلاثاء، إنها «ترفض هذه التدخلات الإيرانية، ولن تسمح باستغلال القضية، ودماء الفلسطينيين أو استخدامها ورقة لصالح مشاريع مشبوهة لا علاقة لها بشعبنا الفلسطيني ولا قضيتنا الوطنية».

بيان «فتح»، جاء بعد اشتباكات عنيفة بين مسلحين فلسطينيين (تابعين لما يعرف بكتيبة طولكرم) والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في طولكرم شمال الضفة الغربية، وأدت إلى وفيات وإصابات، فاقمت التوتر المكبوت في الضفة.

وقالت «فتح» من دون أن تحدد جهة بعينها إنها ستكون بالمرصاد «لهؤلاء العابثين، وستُقطع اليد التي تمتد للعبث بساحتنا أو المساس بأجهزتنا الأمنية أو أي من مؤسساتنا الوطنية».

وجددت «فتح» ثقتها في الأجهزة الأمنية، وقدرتها على قطع «دابر الفتنة والتصدي لكل هؤلاء العابثين».

عصيان مدني

وتفجرت المواجهات بين المسلحين التابعين لكتيبة طولكرم المتهمة من قبل إسرائيل بتنفيذ عمليات، وأجهزة السلطة، قتل خلالها أحد أفراد الكتيبة التي أعلنت لاحقاً العصيان المدني في وجه السلطة، في مشهد تكرر في الآونة الأخيرة في مناطق شمال الضفة التي تقول إسرائيل إن السلطة فقدت السيطرة فيها لصالح «حماس» و«الجهاد الإسلامي».

متظاهرون فلسطينيون في الضفة الغربية خلال مسيرة لدعم غزة (رويترز)

وفيما اتهمت الأجهزة الأمنية مسلحين بالمبادرة لإطلاق النار عليهم، نعت كتيبة طولكرم التابعة لـ«سرايا القدس» (الجناح المسلح لـ«حركة الجهاد الإسلامي»)، أحد قادتها الميدانيين الذين قُتلوا برصاص الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

وقالت الكتيبة: «نزف الشهيد المشتبك والقائد الميداني في كتيبة طولكرم، ابن (مخيم نور شمس) معتصم خالد العارف، الذي ارتقى على يد الأجهزة الأمنية»، وفق بيان الكتيبة، التي أعلنت في أعقاب ذلك «عصياناً مدنياً» بإغلاق جميع مداخل طولكرم، وبشكل خاص مداخل مخيم نور شمس، بالسواتر الترابية والعبوات الناسفة حتى تضع الحرب أوزارها.

وبحسب مصادر السلطة، فإن «المسلحين هم من بدأوا بإطلاق النار» لكن «كتائب طولكرم» اتهمت الأجهزة الأمنية بـ«التمادي في ملاحقة المقاومين».

مواجهات متكررة

وأظهرت مشاهد بثتها منصات محلية فلسطينية مواجهات عنيفة مسلحة بين الطرفين، في تكرار لمواجهات اندلعت، قبل أسبوعين، في جنين شمال الضفة بعد اغتيال إسرائيل مطلوبين لها، بينما تحول الغضب الفلسطيني نحو السلطة، فحاصر مسلحون مبنى المقاطعة، حينها، واندلعت اشتباكات هناك بدعوى أنه يجب على السلطة إطلاق سراح معتقلين لديها.

وتتفجر بين الفينة والأخرى اشتباكات بين مسلحين وقوات أمنية فلسطينية في الضفة، وهي ترجمة لحرب أخرى تبدو أكثر شراسة على منصات التواصل الاجتماعي.

مدرعات إسرائيلية بعد مداهمة مخيم للاجئين الفلسطينيين قرب طولكرم في الضفة الغربية (أ.ف.ب)

ويمكن رصد تحريض كبير ضد السلطة الفلسطينية في منصات «تلغرام» تركز على أن السلطة «شريك للإسرائيليين في مواجهة المقاتلين في الضفة». وهو تحريض ترى السلطة أنه منظم وليس شعبوياً.

وقال الناطق باسم «فتح» جمال نزال، إن «بصمات إيران في الواقع الفلسطيني موجودة ومدمرة، إذ توجد بؤر إيرانية في مناطق بالضفة الغربية مثل طولكرم».

والاتهامات لإيران ليست جديدة، لكنها جاءت في ظل ظرف معقد، وحساس مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والضفة الغربية، وتكشف مدى سوء العلاقة مع «حماس» بالأساس التي تتهم السلطة إيران بدعمها، وتعزيز الانقسام.

وقال مصدر أمني كبير لـ«الشرق الأوسط» إن «(حماس) تحرض ضد السلطة في الضفة الغربية، كما تحرض ضد السلطة في المملكة الأردنية وفي كل مكان»، وفق قوله.

وأضاف: «رغم ذلك لا تحارب السلطة (حماس) بل تحارب الفوضى والانفلات الذي تدفع إليه إسرائيل. ومسلحون عن قصد أو جهل. لا يخدم سوى إسرائيل». وحذر المصدر من أن «الفوضى تضعف السلطة وتدمر الحياة المجتمعية. وليس مطلوباً (وجود) موت ودمار في غزة، وفوضى وانفلات في الضفة... لن نسمح بذلك».

ودعا المصدر «حماس» إلى أن «تُركز مع الاحتلال الذي استباح كل غزة ويستبيح الضفة والقدس. وليس مع السلطة الفلسطينية».

مخاوف السلطة

ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عملت «حماس» على دفع الضفة نحو مواجهة أكبر مع إسرائيل، وأطلقت دعوات صريحة من أجل مواجهة مفتوحة، وهي دعوات انضمت إليها كذلك «حركة الجهاد الإسلامي»، لكن التجاوب كان أقل من التوقعات.

ونفذ مسلحون هجمات ضد إسرائيل في الضفة، لكنها لم ترق لمستوى انتفاضة أو هبّة يُمكن البناء عليها.

ولا تدعم السلطة هذه الهجمات، على قاعدة أنها ستكون مدمرة، وقد تساعد إسرائيل على الفتك أكثر بالفلسطينيين في الضفة، وترى أن السهام بدأت بالتوجه إليها بدلاً من إسرائيل.

الرئيس الفلسطيني خلال مراسم أداء الحكومة الجديدة ليمين تولي المنصب (إ.ب.أ)

وتصر «فتح» على أن «ما يحدث في الضفة هو محاولة لحرف البوصلة في ظرف حساس، وهي محاولة امتدت كذلك للمملكة الأردنية». ورفضت «فتح» استغلال القضية الفلسطينية من أجل «تجييش الشارع الأردني، وإحداث فوضى هناك، وضرب الأمن كذلك».

ومخاوف السلطة من مخطط واسع في الضفة جاءت في وقت تعاني فيه من مشكلات أمنية واقتصادية على حد سواء، تظهرها ضعيفة أو شبه غائبة أو ضد المزاج الشعبي في أحيان كثيرة.

وكانت السلطة أطلقت خطة تغيير واسعة طالت الحكومة ومحافظين ومديري أجهزة أمنية، في محاولة لاستعادة الهيبة والسيطرة، استعداداً كذلك لمرحلة من شأنها أن تفاقم التحديات والخلافات على حد سواء، وهي العمل في قطاع غزة الذي ما زالت تسيطر عليه جهتان ترفضان السلطة حتى الآن وهما: «إسرائيل فوق الأرض، و(حماس) تحت الأرض».


مقالات ذات صلة

محادثات «حماس» و«فتح» بالقاهرة إلى «مشاورات أوسع» بشأن «لجنة إدارة غزة»

العالم العربي فلسطينيون يشاهدون الدخان يتصاعد بعد الضربات الإسرائيلية في النصيرات بوسط قطاع غزة (رويترز)

محادثات «حماس» و«فتح» بالقاهرة إلى «مشاورات أوسع» بشأن «لجنة إدارة غزة»

مشاورات موسعة تتجه لها محادثات حركتي «حماس» و«فتح» بالقاهرة، بعد اتفاق أولي على تشكيل لجنة إدارة لقطاع غزة، واختلاف بشأن وضع إطار مؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي نازحة فلسطينية فرّت من جباليا تجلس وسط الأنقاض في مدينة غزة (رويترز)

محادثات «فتح» و«حماس» تسابق «الإملاءات» والانتخابات الأميركية

واصلت محادثات حركتي «حماس» و«فتح» بالقاهرة مناقشة تفاصيل إعلان إنشاء لجنة مجتمعية لإدارة قطاع غزة، ستصدر بمرسوم من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الموجود بمصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا فلسطينيون يسيرون بين أنقاض منازل مدمّرة في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

«حماس» و«فتح» في القاهرة... و«اقتراب» من اتفاق بشأن «إدارة غزة»

محادثات جديدة تجمع حركتي «حماس» و«فتح» في القاهرة، بعد أخرى قبل نحو 3 أسابيع، تتناول ملف «إدارة قطاع غزة»، عشية زيارة للرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي اجتماع سابق للفصائل الفلسطينية في الصين انتهى بتوقيع إعلان بكين لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الفلسطينية (أرشيفية - رويترز)

القاهرة: «فتح» و«حماس» أبدتا مرونةً تجاه إنشاء لجنة لإدارة شؤون قطاع غزة

قال مصدر أمني مصري إن حركتي «فتح» و«حماس» أبدتا، خلال اجتماع في القاهرة، مرونةً إزاء إنشاء لجنة لإدارة شؤون قطاع غزة ستصدر بمرسوم من الرئيس الفلسطيني.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي صورة أرشيفية لمحاكمة مروان البرغوثي في إسرائيل (رويترز)

القيادي في «فتح» مروان البرغوثي يتعرض «لاعتداء خطير» في السجن

تعرّض القيادي في حركة «فتح» مروان البرغوثي «لاعتداء وحشي وخطير» من جانب إدارة السجون الإسرائيلية في سبتمبر (أيلول)، وفق ما ذكرت منظمات غير حكومية.

«الشرق الأوسط» (رام الله)

إسرائيل تستهدف أحياء مسيحية ملاصقة للضاحية الجنوبية لبيروت

الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تستهدف أحياء مسيحية ملاصقة للضاحية الجنوبية لبيروت

الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)

تجدّدت الغارات الإسرائيلية، الجمعة، على الأحياء المسيحية المقابلة لضاحية بيروت الجنوبية، عقب إنذارات وجّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء خمسة أبنية، يقع أحدها في شارع مكتظ.

وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام بشن الطيران الحربي الإسرائيلي غارتين، بعد ظهر الجمعة، على مبنيين يقعان على أطراف ضاحية بيروت الجنوبية في منطقة الشياح المعروفة باسم «طريق صيدا القديمة»، التي تفصل الشياح عن عين الرمانة، وهي خطوط التماس القديمة، خلال الحرب اللبنانية. كما قصف، مساء، مبنى يقع خلف خط بولفار كميل شمعون، الذي يفصل الضاحية الجنوبية عن المناطق ذات الغالبية المسيحية التي يقع فيها المبنى المستهدف.

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)

ويضمّ المبنى، في طوابقه الأربعة الأولى، مؤسسات تجارية عدة ونادياً رياضياً ومختبراً، بينما الطوابق السبعة الأخرى سكنية. واستهدف الصاروخ القسم السكني من المبنى، ما أدى إلى انهياره، بينما صمدت الطوابق الأولى. وجاء استهداف المبنيين بعد إنذار إسرائيلي لسكانهما ومحيطهما بالإخلاء، قالت الوكالة الوطنية إنه أسفر عن «حركة نزوح ملحوظة» من منطقة عين الرمانة المتاخمة للشياح، والتي تقطنها غالبية مسيحية. وجاءت الضربات بعد غارات مماثلة استهدفت، صباح الجمعة، ثلاثة أبنية في منطقتي الحدث وحارة حريك، بعد إنذار إسرائيلي.

وأظهر البث المباشر لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، سحب دخان وغبار تتصاعد على أثر الغارات الثلاث على المنطقة. وأفادت الوكالة بأن غارتين شنّهما «الطيران الحربي المُعادي» استهدفتا منطقة الكفاءات في الحدث، مشيرة إلى «تصاعد الدخان بشكل كثيف من محيط الجامعة اللبنانية». وأعلن الجيش الإسرائيلي، في وقت لاحق، أن مقاتلاته الحربية «أتمّت جولة جديدة من الضربات» على ضاحية بيروت الجنوبية.

امرأة وأطفال ينزحون من موقع قريب لمبنى دمرته غارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية (أ.ف.ب)

وجاءت غارات الجمعة، غداة شنّ إسرائيل سلسلة غارات كثيفة استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية وجنوب لبنان وشرقه. وشنت إسرائيل ضربات على مناطق عدة في جنوب لبنان، بعد أوامر إخلاء للسكان شملت مبنى في مدينة صور الساحلية، وبلدتين في محيطها. وارتفعت وتيرة الغارات الإسرائيلية على مناطق عدة في لبنان، منذ إنهاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين زيارته إلى بيروت، الأربعاء، في إطار وساطة يتولاها للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل. وللمرة الأولى منذ بدء عملياتها البرية، توغّلت القوات الإسرائيلية إلى داخل بلدة دير ميماس، وفق ما أوردت الوكالة الوطنية، مشيرة إلى أن «طائرة استطلاع معادية» حلقت فوق البلدة، وهي «تطلب من المواطنين عدم الخروج من منازلهم». وأعلن «حزب الله»، الجمعة، استهدافه، مرتين، جنوداً إسرائيليين عند أطراف كفركلا، «بقذائف المدفعية».