هل يتجه اليمن نحو تصعيد عسكري مع الولايات المتحدة وحلفائها؟

الأطراف ما زالت تتمسك بخريطة السلام التي ترعاها الأمم المتحدة

الفرقاطة الألمانية «هيسين» تصدت لمسيرتين حوثيتين في البحر الأحمر في أول عملية لها (أ.ف.ب)
الفرقاطة الألمانية «هيسين» تصدت لمسيرتين حوثيتين في البحر الأحمر في أول عملية لها (أ.ف.ب)
TT

هل يتجه اليمن نحو تصعيد عسكري مع الولايات المتحدة وحلفائها؟

الفرقاطة الألمانية «هيسين» تصدت لمسيرتين حوثيتين في البحر الأحمر في أول عملية لها (أ.ف.ب)
الفرقاطة الألمانية «هيسين» تصدت لمسيرتين حوثيتين في البحر الأحمر في أول عملية لها (أ.ف.ب)

تبدو الصورة ضبابية وغير واضحة لما ستؤول إليه الأمور في اليمن، في ظل استمرار الهجمات الحوثية على الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن، في الوقت الذي يحشدون فيه عسكرياً على امتداد الجبهات الداخلية.

ويرى مسؤولون وخبراء، أن الاستراتيجية الحوثية - الإيرانية في اليمن تتجه نحو التصعيد العسكري مع الولايات المتحدة وحلفائها، محذرين من أن الموقف قد يخرج عن السيطرة في حال حدوث خسائر بشرية أو مادية كبيرة.

وتتمسك الأطراف اليمنية حتى الآن - بشكل غير رسمي - بخريطة سلام (من ثلاث مراحل) تم الاتفاق عليها برعاية الأمم المتحدة، وجاءت ثمرة جهود سعودية وعمانية طيلة الأشهر الماضية.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال اجتماع سابق في الرياض مع المبعوث الأممي (سبأ)

في موازاة ذلك، قال مصدر في وزارة الدفاع اليمنية لـ«الشرق الأوسط» إن جماعة الحوثي الإرهابية استغلت أحداث غزة وهجماتها في البحر الأحمر لإعادة التحشيد من أبناء القبائل، وإرسال مزيد من القوات باتجاه مأرب الغنية بالنفط.

وتقول الحكومة اليمنية إن الجماعة الحوثية تتخذ من الحرب في غزة وسيلة للهروب من استحقاقات السلام الذي تقوده الأمم المتحدة، إلى جانب محاولة تبييض جرائمها المستمرة ضد اليمنيين، بما في ذلك قطع الطرقات، ومنع تصدير النفط وحصار تعز.

وكان المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبرغ أعلن في أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي توصله إلى التزامات من الحكومة اليمنية والحوثيين نحو السلام وصياغة خريطة طريق ودعم تنفيذها.

وتحدث المبعوث حينها عن توصل الأطراف لالتزام مجموعة من التدابير تتضمن تنفيذ وقف إطلاق نار يشمل عموم اليمن، وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية، والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة. لكن غروندبرغ اعترف بأن جهود الوساطة في اليمن لا يمكن عزلها بشكل كامل عمّا يحدث إقليمياً، وقال في تصريحات سابقة إن «تصاعد التوترات الإقليمية المرتبطة بالحرب في غزة، وبشكل خاص التصعيد العسكري في البحر الأحمر، يؤدي إلى تباطؤ وتيرة جهود السلام في اليمن»، معبراً عن مخاوفه من «زيادة التهديدات بعودة القتال في البلاد».

توعدت الجماعة الحوثية باستمرار الهجمات البحرية بزعم نصرة الفلسطينيين في غزة (أ.ف.ب)

من جانبه، يرى الدكتور عبد العزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث أن السعودية «يعنيها استمرار العملية السلميّة في اليمن»، إلا أن «تصعيد المواجهة الحوثية مع الأميركيين في سنة انتخابية قد يخرج الموقف عن السيطرة، خاصة في حال حدوث خسائر بشرية أو مادية كبيرة».

بدوره، وصف مسؤول يمني رفيع المشهد في الوقت الراهن بأنه «ضبابي»، مبيناً أن «البلاد تعيش حالة اللاحرب واللاسلم».

وأضاف المسؤول الذي رفض الإفصاح عن هويته في حديث لـ«الشرق الأوسط» بقوله: «الوضع داكن وغير واضح حتى الآن». وفي رده على سؤال بشأن زيارة عضو مجلس القيادة الرئاسي للعاصمة البريطانية لندن، وما إذا كانت هناك نقاشات حول دعم الشرعية أجاب بقوله: «الزيارة عادية وكانت مرتباً لها قبل أحداث البحر الأحمر».

وكان محمد عبد السلام، كبير المفاوضين الحوثيين، أكد في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط» أن مشهد السلام في اليمن «يسير بشكل جيد، سواء منذ بدء الهدنة الأممية في أبريل (نيسان) 2022 الموافق لشهر رمضان آنذاك، أو كذلك من خلال النقاشات مع الجانب السعودي برعاية عمانية، وهي تسير بشكل جيد حتى الآن».

جهود سعودية كبيرة بُذلت خلال الفترة الماضية لتقريب وجهات النظر بين الأطراف اليمنية والتوصل لخريطة سلام (واس)

التطمينات الحوثية، تقابلها تحذيرات متكررة من جانب الحكومة الشرعية بعدم جدية الحوثيين في السلام، والعمل على شراء الوقت وإعادة ترتيب صفوفهم ومن ثم الهجوم مجدداً في الجبهات الداخلية.

بالعودة للمصدر بوزارة الدفاع اليمنية، فقد أكد أن «الحوثيين لن يتوقفوا عن ضرب السفن في البحر الأحمر وخليج عدن». وأضاف المصدر الذي فضّل عدم ذكر اسمه، قائلاً: «الحوثي مستمر في الحشد والتدريب مستغلاً أحداث غزة وتعاطف القبائل مع القضية الفلسطينية، بعد أن كان قد خسر تأييد الناس ووصل إلى حالة فقد فيها شعبيته».

وتابع: «لقد استعاد شعبيته من جديد بظهوره كمدافع عن غزة، وهذا يساعده في التحشيد أكثر (...). قام بالحشد باسم نصرة غزة ووجهم إلى مأرب التي يقول إن طريق غزة يأتي عبرها، لكن الجيش الوطني وأبناء القبائل لهم بالمرصاد». ويضيف: «في حال حصلت الشرعية على دعم عسكري واقتصادي من التحالف سيتم القضاء على الحوثي في الميدان (...). نعرفهم جيداً لا يلتزمون بأي اتفاق، كيف نتوقع السلام من ميليشيات أُسست على القتل والخراب والدمار».

الفرقاطة الألمانية «هيسين» تصدت لمسيرتين حوثيتين في البحر الأحمر في أول عملية لها (أ.ف.ب)

الأمور تتجه للتصعيد العسكري

يعتقد الدكتور عبد العزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث، ومقره جدة، أن الأمور تتجه إلى التصعيد العسكري الميداني مع الولايات المتحدة وحلفائها ضمن الاستراتيجية الإيرانية - الحوثية في اليمن.

ولفت بن صقر في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «هناك إصراراً حوثياً على استمرار وتصعيد الهجمات البحرية، ونية معلنة بتعميق الخسائر البشرية والمادية، كما لا تزال وسائل الردع والدفاع الأميركية غير مؤثرة على الاستراتيجية الإيرانية في اليمن».

د. عبد العزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث (الشرق الأوسط)

وتابع: «الضربات الجوية الأميركية في العمق اليمني ما زالت محدودة في طبيعتها وكثافتها ولم تعد عنصراً لتهديد السيطرة الحوثية على البلاد. التصعيد الأميركي لكي يكون مؤثراً يجب أن يشمل ضرب البنية التحتية لنظام الحوثيين بكاملها العسكرية والأمنية والسياسية، وهذا ما سيغير الحسابات الإيرانية - الحوثية».

شروط إنهاء المواجهة البحرية

تحدث رئيس مركز الخليج للأبحاث عن تغيير واضح في سقف الشروط الحوثية - الإيرانية لإنهاء المواجهة البحرية في اليمن، مشيراً إلى أن الشرط الأول هو إنهاء القتال في غزة.

أما الشرط الثاني - بحسب بن صقر - فهو «انسحاب جميع القطع البحرية الأميركية والغربية من منطقة بحر العرب والبحر الأحمر». وهي «شروط تعجيزية لدولة كبرى مثل الولايات المتحدة»، على حد تعبيره.

وتبنّت جماعة الحوثي إطلاق 403 صواريخ وطائرات مسيرة في 96 هجوماً ضد سفن الشحن والأخرى العسكرية، في حين أقرت الجماعة بتلقي أكثر من 450 غارة أميركية وبريطانية؛ إذ أطلقت الولايات المتحدة تحالفاً دولياً في ديسمبر الماضي، سمته «حارس الازدهار»؛ لحماية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها على الأرض ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) الماضي.


مقالات ذات صلة

الإرياني: الحوثيون يخفون 2406 مدنيين بشكل قسري

المشرق العربي أسرى يمنيون أُفرج عنهم سابقاً على متن طائرة مستأجرة للجنة الدولية للصليب الأحمر في مطار مأرب (رويترز)

الإرياني: الحوثيون يخفون 2406 مدنيين بشكل قسري

تقوم جماعة الحوثي بجريمة الإخفاء القسري لأكثر من 2400 مدني، منهم 133 امرأة، و117 طفلاً، في 17 محافظة يمنية منذ يناير (كانون الثاني) 2017.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي الحرائق مستمرة على متن ناقلة «سونيون» اليونانية منذ أسبوع (إ.ب.أ)

الحوثيون يوافقون على قطْر ناقلة النفط «سونيون» بضوء أخضر إيراني

وافق الحوثيون على قطر ناقلة النفط اليونانية «سونيون» المشتعلة في جنوب البحر الأحمر، بعد ضوء أخضر إيراني.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي سيول جارفة أدت إلى وفاة عشرات اليمنيين في محافظة المحويت (إ.ب.أ)

تغيير الحوثيين التقويم المدرسي يهدد حياة طلبة المدارس

تهدد الأمطار الموسمية طلبة المدارس في اليمن؛ بسبب قيام الحوثيين بتغيير التقويم الدراسي إلى السنة الهجرية بدلاً عن الميلادية، بينما تسببت السيول في خسائر كبيرة.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي جهاز الأمن والمخابرات الحوثي يسعى إلى توسيع رقابته على السكان (إعلام حوثي)

انقلابيو اليمن يشدّدون أعمال الرقابة والتجسس على السكان

شدّدت الجماعة الحوثية قبضتها الأمنية لتوسيع نفوذها وسطوتها على سكان مناطق سيطرتها، حيث تتجه لإنشاء أنظمة استخبارية جديدة؛ مع تعزيز رقابتها على السكان

وضاح الجليل (عدن)
خاص المتحدث الإقليمي للخارجية الأميركية باللغة العربية سام وريبرغ (تصوير سعد العنزي) play-circle 01:24

خاص واشنطن: لا مستقبل لـ«حماس» في حكم غزة بعد الحرب

وصف مسؤول رفيع في الخارجية الأميركية انتقال المفاوضات بين حركة «حماس» وإسرائيل إلى مجموعات عمل تضم متخصصين لبحث الاتفاق بـ«التقدم الإيجابي».

عبد الهادي حبتور (الرياض)

فلسطينيون يسارعون إلى تطعيم أطفالهم ضد شلل الأطفال في قطاع غزة

بدء حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في قطاع غزة (أ.ب)
بدء حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في قطاع غزة (أ.ب)
TT

فلسطينيون يسارعون إلى تطعيم أطفالهم ضد شلل الأطفال في قطاع غزة

بدء حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في قطاع غزة (أ.ب)
بدء حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في قطاع غزة (أ.ب)

في مركز طبي بمخيم الزوايدة وسط قطاع غزة، لا تخفي الفلسطينية بسمة البطش فرحتها بوصول اللقاحات ضد شلل الأطفال التي ستمكّن أطفالها وآلاف الأطفال الآخرين من الحصول على مناعة ضد المرض الذي عاد إلى القطاع المحاصر والمدمّر.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، تجمّع عشرات الأهالي مع أطفالهم أمام المركز ينتظرون حصول الأطفال على التطعيم على أيدي أفراد طواقم طبية موزعين في المكان. وكانوا قد تلقوا صباحاً رسائل نصية على هواتفهم تطلب منهم إحضار أطفالهم.

ويفتح أحد الأطفال فمه قبل أن يقوم العامل الطبي بتنقيط قطرتين من الطُّعم في فمه. وتقول البطش: «أشعر بالفرح والارتياح... كنت خائفة على أطفالي من الشلل والأمراض». وتضيف: «لكن الحمد لله، أنا الآن سعيدة؛ لأن أولادي سوف يحصلون على التطعيم».

وبدأت، الأحد، رسمياً حملة تطعيم ضد شلل الأطفال في قطاع غزة، وفق ما أعلن مسؤول صحي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت أن الحملة ستجري على مراحل في كل مناطق القطاع الفلسطيني الذي يشهد حرباً مدمّرة منذ قرابة أحد عشر شهراً، وستترافق مع «هدن إنسانية» لم تتضح شروطها تماماً.

وأعلنت الأمم المتحدة عن حملة التطعيم بعد أن سُجلت، الشهر الماضي، أول حالة شلل أطفال منذ ربع قرن في قطاع غزة. وقد أصيب بها طفل يبلغ من العمر 10 أشهر. وقالت عائلته التي اضطُرت للنزوح مراراً بسبب الحرب، إنهم لم يتمكنوا قط من تطعيمه حاله حال كثير من الأطفال في القطاع.

وأكّدت متحدثة باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) لويز ووتردج تطعيم نحو 2000 طفل في عيادة في دير البلح، الأحد. وأوضحت أن هناك فرقاً متنقلة بين الخيام، وتوضع علامة بالحبر على إبهام الطفل الذي حصل على التطعيم.

«حصلوا على التطعيم»

ينتشر فيروس شلل الأطفال في أغلب الأحيان عن طريق مياه الصرف الصحي والمياه الملوثة، وهو شديد العدوى. ويمكن أن يسبب تشوّهات وشللاً دائماً، وقد يصبح مميتاً. وهو يصيب بشكل رئيسي الأطفال دون سن الخامسة.

وأرسلت الأمم المتحدة 1.26 مليون جرعة من اللقاحات التي تُعطى بالفم.

وتقول غدير حجي إنها شعرت بالخوف عندما سمعت عن تسجيل حالة إصابة بشلل الأطفال. وتضيف: «شعرنا بالخوف على أطفالنا، وطالبنا بضرورة توفير تطعيم لهم». وبحسب حجي: «تلقينا رسائل من وزارة الصحة، وأتينا إلى هنا فوراً»، وتقول الأم لخمسة: «حصلوا جميعهم على التطعيم».

في المركز الطبي في الزوايدة، كُتب على صناديق التطعيم المكدسة في إحدى الغرف، اسم منظمة «يونيسيف».

في الخارج، كان أحدهم يوزّع كتيبات بعنوان «أسئلة وأجوبة حول شلل الأطفال»، في حين علّقت على جدران المركز ملصقات حول الحملة. وتلقّى عدد من الأطفال، السبت، قبل بدء الحملة رسمياً، لقاحات في خان يونس في جنوب القطاع.

«أسئلة وأجوبة»

أعلنت منظمة الصحة العالمية أن إسرائيل وافقت على سلسلة «هدن إنسانية» تستمر كلّ منها 3 أيام في وسط القطاع وجنوبه وشماله لتنفيذ حملة تلقيح تشمل 640 ألف طفل في أنحاء غزة. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شدّد على أن هذه الهدن الموقتة «ليست وقفاً لإطلاق النار».

وأعلن المدير الطبي لمستشفى العودة (وسط) ياسر شعبان أن التطعيم اليوم عند التاسعة صباحاً (6 بتوقيت غرينتش).

ولم تشر التقارير الميدانية، الأحد، إلى قصف أو عمليات عسكرية حتى الساعة الثانية بعد الظهر، وهو الوقت المحدّد مبدئياً لانتهاء هدنة اليوم.

إلا أن شعبان تحدّث عن «تحليق مكثّف لطائرات مسيّرة إسرائيلية في أجواء المحافظة الوسطى»، متمنياً أن «تتمّ عملية تطعيم أبنائنا الأطفال وسط جو من الطمأنينة والهدوء».

وقالت ووتردج إنها سمعت بعض أصوات إطلاق النار في وسط غزة بعد السادسة صباحاً، لكن بعد ذلك عمّ الهدوء المنطقة.

وأضافت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «صعب جداً أن تنتقل من العيش في خوف مطلق في كل ثانية من يومك من الاستيقاظ وحتى النوم، إلى أن تطمئن فجأة إلى أن الأمر على ما يرام الآن».

وحدّدت وزارة الصحة في قطاع غزة ووكالات الأمم المتحدة 67 مركزاً للتطعيم، في مستشفيات ومستوصفات ومدارس في وسط القطاع الفلسطيني الصغير، و59 مركزاً في الجنوب، و33 مركزاً في الشمال الذي بات غير مأهول إلى حدّ كبير، على أن تنتقل الحملة إلى الجنوب والشمال في مرحلتين ثانية وثالثة.