بغداد تفض بالقوة أعنف نزاع عشائري في الجنوب

إنزال جوي لقوة عسكرية خاصة في الناصرية أنهى معركة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة

صورة وزعها الأمن العراقي للقوة الخاصة التي سيطرت على النزاع العشائري في ذي قار
صورة وزعها الأمن العراقي للقوة الخاصة التي سيطرت على النزاع العشائري في ذي قار
TT

بغداد تفض بالقوة أعنف نزاع عشائري في الجنوب

صورة وزعها الأمن العراقي للقوة الخاصة التي سيطرت على النزاع العشائري في ذي قار
صورة وزعها الأمن العراقي للقوة الخاصة التي سيطرت على النزاع العشائري في ذي قار

قالت الداخلية العراقية إنها وضعت «خطة صارمة» لفرض القانون في محافظة ذي قار، بعدما نجحت في السيطرة على «أعنف نزاع عشائري» في جنوب البلاد.

وقال مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط»، إن «عمليات فرض القانون في قضاء الإصلاح شرقي مدينة الناصرية، انتهت بشكل رسمي باعتقال 120 شخصاً، بينهم ضباط وعناصر أمن في وزارة الداخلية، فضلاً عن مصادرة المئات من قطع السلاح المتنوع لدى عشيرتي آل عمر والرميض».

العملية الأمنية في ذي قار انتهت باعتقال عدد من المسلحين

فرض القانون

وأضاف أن «عمليات فرض القانون انتقلت لمرحلة ثانية، وهي في قضاء الشطرة شمالي المحافظة، لغرض ملاحقة الخارجين عن القانون، والبحث عن السلاح غير الحكومي لدى العشائر ومصادرته».

وأشار المصدر إلى أن «القوات الأمنية ستلاحق من يسعى لإثارة النزاعات، وأنها تقف على مسافة واحدة من جميع العشائر، ولن تسمح بزعزعة الهدوء في ذي قار».

يأتي ذلك بعد أيام من اندلاع نزاع بين عشيرتين في محافظة ذي قار سبق لهما أن أعلنتا في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 الالتزام بمبادرةٍ للسلام أطلقها المرجع الديني علي السيستاني، بعد خلافات مستمرة منذ فترة طويلة، سرعان ما كانت تتحول إلى قتال بينهما يقع ضحيته قتلى وجرحى من الجانبين.

وكان آخر نزاع بينهما وقع الأسبوع الماضي، استخدمت فيه أسلحة ثقيلة ومتوسطة، وأدى لحرق عدد من المنازل السكنية، وخلال النزاع، قتل مدير شعبة استخبارات ومكافحة الإرهاب بذي قار العقيد عزيز فيصل.

ونتيجة لتوسع رقعة النزاع وانهيار الهدنة بين الطرفين، اضطرت الحكومة إلى الإعلان عن تخصيص طائرات حربية ومسيرة لفض النزاع.

وكان الطيران العسكري يجوب تلك المنطقة التي شهدت القتال بين العشيرتين بأوامر مباشرة من وزير الداخلية الفريق عبد الأمير الشمري الذي أشرف بنفسه على عملية البحث عن المطلوبين الهاربين في مناطق الأهوار.

ورغم تمكن الطيران الجوي من السيطرة على النزاع، لكنه تعرض لإطلاق نار في أثناء تنفيذ عمليات الإنزال في مناطق النزاع.

مصادر أمنية قالت إن القوة الخاصة تعرضت إلى نيران عدائية من المسلحين (إعلام أمني)

تداخل سلاحين

ومع القيود المفروضة على حيازة وحمل الأسلحة حتى البسيطة منها، فإنه عند كل نزاع عشائري تستخدم أسلحة متوسطة وأحياناً ثقيلة خصوصاً في النزاعات بعد عام 2003.

وبعد عام 2003 تمكنت عشائر من الاستيلاء على كميات كبيرة من أسلحة الجيش العراقي السابق بعد حله، والهجمات التي تعرضت لها معسكراته ومخازنه المنتشرة في مختلف أنحاء العراق.

وبينما تم الحصول على كميات كبيرة منه، حيث تحولت العملية إلى تجارة مربحة، فإنه بعد بدء المقاومة المسلحة ضد الجيش الأميركي سواء من قبل العشائر أو الجماعات المسلحة، فقد بات من الواضح التداخل بين شتى أنواع الأسلحة الشرعية منها التي تعود ملكيتها إلى الدولة أو تلك التي أصبحت في عهدة العشائر وتستخدمها عند حصول أي نزاع مع أي عشيرة أخرى في ظل تراخي قبضة الحكومة خلال السنوات الماضية.

شراء السلاح

وفي مسعى من الحكومة الحالية لحصر السلاح بيد الدولة، بعد أن فشلت كل المحاولات السابقة، أعلنت وزارة الداخلية العام الماضي، استعدادها لإطلاق مشروع «حصر السلاح بيد الدولة»، يتضمن شراء الأسلحة من المواطنين، في إطار البرنامج الحكومي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

وطبقاً لما أعلنته الداخلية، تم إطلاق مشروع حصر السلاح بيد الدولة، عبر بوابة «أور» الإلكترونية، مبينة أن 697 مركزاً لشراء الأسلحة من المواطنين بات جاهزاً.

وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد تعهد بعد شهر من توليه السلطة خلال أكتوبر 2022 بإنهاء ظاهرة «السلاح المنفلت»، وفقاً لبرنامجه الحكومي.


مقالات ذات صلة

السوداني يتحرك لحل أزمة محافظ كركوك

المشرق العربي 
السوداني خلال استقباله نواباً من كركوك يمثلون المكون التركماني (إعلام حكومي)

السوداني يتحرك لحل أزمة محافظ كركوك

تحرك رئيس الحكومة العراقية لحل أزمة انتخاب محافظ كركوك، بالتزامن مع هجوم بأسلحة خفيفة على مقر «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، الذي يتزعمه مسعود بارزاني.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي جندي من قوات التحالف الدولي خلال دورية قرب قاعدة «عين الأسد» الجوية في العراق (أرشيفية - سانتاكوم)

لماذا استأنفت الميليشيات العراقية عملياتها ضد الأميركيين؟

الهجوم على قاعدتين تضمّان قوات للتحالف الدولي أعاد التساؤل عن الأسباب التي تقف وراء «التحرشات» الجديدة بالقوات الأميركية في العراق وسوريا.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)

هجوم مسلح بـ«رسالة سياسية» على مقر بارزاني في كركوك

تعرض مقر «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، الذي يتزعمه مسعود بارزاني، فجر السبت، لهجوم بأسلحة خفيفة من قبل مجهولين في محافظة كركوك.

فاضل النشمي (بغداد)
شؤون إقليمية تركيا أكدت استمرار «المخلب القفل» شمال العراق بالتنسيق مع بغداد وأربيل (الدفاع التركية)

غارات تركية على مواقع لـ«العمال» في كردستان العراق

نفذت القوات التركية غارات جوية استهدفت مواقع لحزب «العمال» الكردستاني في مناطق شمال العراق، أسفرت عن تدمير 25 موقعاً.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
رياضة عالمية سجاد غانم (الأولمبية العراقية)

«الأولمبية العراقية»: لن نقف مكتوفي الأيدي بعد سقوط غانم في اختبار المنشطات

قرر عقيل مفتن، رئيس اللجنة الأولمبية العراقية، اليوم (السبت) فتح تحقيق لكشف ملابسات سقوط مصارع الجودو سجاد غانم في اختبار منشطات.

«الشرق الأوسط» (باريس)

أنفاق «حزب الله»... ملاذه الآمن لصدّ هجوم برّي إسرائيلي

TT

أنفاق «حزب الله»... ملاذه الآمن لصدّ هجوم برّي إسرائيلي

جندي إسرائيلي عند مدخل نفق اكتُشف عام 2019 على حدود لبنان (أ.ف.ب)
جندي إسرائيلي عند مدخل نفق اكتُشف عام 2019 على حدود لبنان (أ.ف.ب)

جدّدت إسرائيل مخاوفها من شبكة الأنفاق التي يمتلكها «حزب الله» في جنوب لبنان، واحتفاظه بها كواحدة من أهم أوراقه الرابحة، وذلك في ذروة التهديد بحرب واسعة على الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية.

يمكن عطف هذه المخاوف على التقارير الأمنية، وآخرها ما نشرته صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، في 21 فبراير (شباط) الماضي، وكشفت فيه أن «(حزب الله) اللبناني لديه شبكة أنفاق سرية أكثر تطوراً من تلك التي لدى (حماس) في غزة». وقالت إن الحزب «يمتلك أنفاقاً يبلغ طولها مئات الكيلومترات، ولها تشعبات تصل إلى إسرائيل، وربما أبعد من ذلك، وصولاً إلى سوريا»، في وقت وصفها خبراء بأنها ستتحول «إلى مستنقع للجيش الإسرائيلي إذا ما قرر اجتياح جنوب لبنان».

جندي إسرائيلي عند مدخل نفق اكتُشف عام 2019 على حدود لبنان (أ.ف.ب)

ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي، العميد الدكتور حسن جوني، أن «شبكات الأنفاق الموجودة لدى (حزب الله) كما حركة (حماس)، تقع ضمن الاستراتيجية الخاصة لمواجهة الهجمات الإسرائيلية، كونها تؤمّن وسيلة انتقال محمي وآمن». ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «شبكات الأنفاق ساهمت في إنشاء توازن بين باطن الأرض والسماء لمواجهة التفوق الجوي الإسرائيلي، ما جعل القتال عمودياً أكثر منه أفقياً».

ويقول جوني، الذي كان يشغل منصب قائد كليّة القيادة والأركان في الجيش اللبناني، إن «استراتيجية الأنفاق تعدّ من أهم أوراق القوة التي يحتفظ بها (حزب الله) وتضمن له حرية المناورة تحت الأرض»، معتبراً أن «شبكات الأنفاق الأخطبوطية تم حفرها بشكل يجعلها تتكامل مع العمليات العسكرية فوق الأرض، خصوصاً لجهة نقل المقاتلين والأسلحة والصواريخ إلى نقاط أخرى تشكل مفاجآت صادمة في الميدان».

شبكة أنفاق إقليمية

وأشار مركز «ألما» للأبحاث، الذي يركّز على التهديدات الشمالية، إلى أنه «بعد حرب لبنان الثانية عام 2006، أنشأ (حزب الله)، بمساعدة الكوريين الشماليين والإيرانيين، مشروعاً لتشكيل شبكة من الأنفاق الإقليمية في لبنان، وهي شبكة أكبر من (مترو حماس)»، معتبراً أن «جنوب لبنان ليس غزّة، حيث لديه نوع مختلف من التضاريس، بما في ذلك التلال الصخرية والوديان، وبالتالي التقديرات الإسرائيلية لا تتقبل مجرد فكرة أن (حزب الله) نجح في حفر أنفاق حتى 10 كيلومترات في العمق الإسرائيلي، إذ إن مثل هذا الأمر يحتاج إلى جهود خارقة، فالحديث هنا عن أرض صخرية صلبة وجبال، والنجاح في حفرها سيكون (فضيحة عسكرية) وليس إخفاقاً عادياً».

من جولات القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان (رويترز)

عند كلّ مواجهة مع «حزب الله»، تحدد إسرائيل بنك أهدافها، وتزعم أنه مواقع عسكرية أو منصات صواريخ أو مخازن أسلحة، لكنها تبقى عاجزة عن امتلاك خريطة الأنفاق أو توفر معلومات كافية عنها. ويعبّر الخبير العسكري حسن جوني عن اعتقاده بأن الحزب «بنى أنفاقه بطريقة متطورة جداً، لتصبح جزءاً مهماً من منظومته الدفاعية، خصوصاً أنه بناها في ظروف مريحة، وضمن بيئة جغرافية ملائمة، بخلاف قطاع غزّة الذي لطالما كان محاصراً ومراقباً أمنياً وجوياً بشكل متواصل». ويعتقد أن الحزب «استفاد من خبرات واسعة في مجال حفر الأنفاق، ويتردد أنه استفاد من وسائل حفر متطورة، ربما تكون استقدمت من كوريا الشمالية، وهذا سيضاعف حتماً من قدرته على مقارعة إسرائيل، حيث تساهم الأنفاق بتطوير عمليات حرب العصابات». ولا يستبعد جوني «إمكانية استخدام هذه الأنفاق لتنفيذ عمليات هجومية، وليس دفاعية فقط، أي أن هناك احتمالاً أن يكون لها امتداد إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة».

شبكة نقل آمنة

بخلاف الإعلام العسكري لدى «حماس»، الذي أطلق حملة دعائية مصورة عن أهمية الأنفاق، لم يتبع «حزب الله» هذا الأسلوب، رغم ارتفاع وتيرة التهديدات الإسرائيلية والتلويح باجتياح برّي لجنوب لبنان، وهو ما عزّز قناعة الخبراء والمتابعين بعدم امتلاك إسرائيل معلومات كافية عنها، وتخشى مفاجآت بشأنها. ويشير مدير مؤسسة «الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري»، الدكتور رياض قهوجي، إلى أن «كل المعلومات والمعطيات تفيد بأن (حزب الله) لديه شبكة أنفاق كبيرة، تتيح له التنقّل بأمان تحت الأرض، في ظلّ امتلاك إسرائيل تفوقاً جوياً كبيراً يجعلها قادرة على رصد أي ترك فوق الأرض».

ويقول قهوجي لـ«الشرق الأوسط»: «كلما كبرت الأنفاق وسمحت بعبور الآليات والسيارات داخلها، كما ازدادت أهميتها، وكما شاهدنا في غزّة كيف أن الأنفاق تربط منطقة بأخرى، وأن هناك أنفاقاً تستخدم لتخزين الأسلحة، وبعضها لتصنيع الأسلحة، والبعض الآخر تحول إلى مراكز لإطلاق الصواريخ، فإن (حزب الله) لديه شبكة أكبر وأكثر تطوراً وتعقيداً».

سفراء يجولون في أحد الأنفاق الحدودية التي اكتشفها الجيش الإسرائيلي على الحدود مع لبنان (أ.ف.ب)

أنفاق قتالية

لا يغفل قهوجي، وهو خبير في شؤون الأمن والتسلّح، الدور الذي تلعبه الأنفاق إذا ما قامت إسرائيل باجتياح برّي، متحدثاً عن «وجود أنفاق قتالية على الخطوط الأمامية للمواجهة، يستخدم أغلبها في العمليات التكتيكية ونصب الكمائن، وهذا سيفاقم من تكلفة الخسائر البشرية لدى الجيش الإسرائيلي». ويضيف قهوجي: «صحيح أن إسرائيل تملك قدرات عسكرية هائلة لتنفيذ هجوم برّي، لكنها بالتأكيد تحسب ألف حساب للتكلفة الكبيرة التي ستدفعها، وبالتأكيد ستكون الأنفاق مستنقعها الأكبر لأن (حزب الله) سيستخدمها بحرفية قتالية كبيرة».