أعاد تفجير بعبوة ناسفة، شمال العاصمة العراقية بغداد، التذكير بالتوتر الأمني الذي شهدته المنطقة في السنوات القليلة الماضية، رغم العمليات التي نفّذتها السلطات هناك، وأثار مخاوف من عودة نشاط «داعش» الذي سيطر ذات يوم على أجزاء واسعة من البلاد.
وأسفر التفجير الذي استهدف، الجمعة، قافلة عسكرية في بلدة الطارمية، عن مقتل اثنين وإصابة 10 آخرين بينهم آمر فوج.
وعدَّ مراقبون العملية دليلاً على وجود بيئة حاضنة لفلول التنظيم في المنطقة، وحذّروا من تفاقم الوضع الأمني في البلدة.
وتقع الطارمية شمال بغداد على امتداد نهر دجلة بين بعقوبة شرقاً، والتاجي جنوباً، والدجيل شمالاً، وهي من المناطق المهمة إدارياً لأنها تربط أربع محافظات: بغداد وصلاح الدين وديالى والأنبار، لكنّ القضاء الذي يمتاز بكثافة أراضيه الزراعية كان دائماً «خاصرة رخوة» يستغلها مقاتلو «داعش» حتى بعد عمليات التحرير من سيطرة التنظيم.
ونقلت وكالة وكالة أنباء «العالم العربي»، عن رئيس لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، أن «استمرار الخروق الأمنية في الطارمية يؤكد وجود خلايا لتنظيم (داعش) داخل القضاء وتوفُّر ملاذات آمنة لهم، وهذا يشكل تهديداً على العاصمة بغداد كلها وليس على البلدة فحسب».
وأضاف المحمداوي: «فرْض الأمن في الطارمية يتطلب جهداً استخباراتياً مكثفاً لكشف ملاذات الإرهاب ومَن يوفر الحماية للإرهابيين في بعض البساتين، إذ لا يمكن السكوت أكثر عن تكرار هذه الخروق التي دائماً ما تُسفر عن قتلى وجرحى في صفوف القوات العراقية».
وبعد الحادث، زار وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي قضاء الطارمية وأمر بفتح تحقيق في الواقعة.
عملية أمنية
من جهته، دعا القيادي في تحالف الإطار التنسيقي الداعم للحكومة علي الفتلاوي، إلى «إطلاق عملية أمنية واسعة في مناطق الطارمية، خصوصاً الزراعية منها، للحد من الخروق المتكررة فيه وفرض الأمن بشكل كامل كحال باقي المدن الخطرة التي تمت السيطرة عليها».
وقال الفتلاوي: «بقاء الطارمية دون حلول أمنية وعسكرية حقيقية يجعلها بمستوى من الخطورة لا يقل عن خطورة جرف الصخر (في محافظة بابل جنوبي بغداد) خصوصاً أن هناك مناطق في الطارمية ما زالت غير مؤمَّنة بشكل كامل».
وجرف الصخر من أشد المناطق خطورة قبل تحريرها من «داعش» عام 2014 لوعورة أرضها وكثافة البساتين والأشجار التي يحتمي بها مقاتلو التنظيم، وكانت منطلقاً للسيارات المفخخة وعمليات التفجير التي كانت تضرب وسط وجنوب البلاد.
والعام الماضي، حثَّ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أهالي الطارمية على التعاون وعدم السماح لـ«المنحرفين والإرهابيين» بالتسلل وإذكاء الفتن.
وزير الدفاع يأمر بفتح تحقيق بشأن حادثة تفجير عبوة ناسفة على دورية للجيش في الطارميةتفقد وزير الدفاع، السيد ثابت محمد العباسي، يوم الجمعة الموافق ١ آذار ٢٠٢٤، قاطع الفرقة السادسة في قضاء الطارمية، يرافقه عدد من كبار ضباط وزارة الدفاع، وكان في استقباله قائد عمليات بغداد.واطلع... pic.twitter.com/ojOjinBAUB
— وزارة الدفاع العراقية (@modmiliq) March 1, 2024
ورأى المحلل الأمني عدنان الكناني، أن تكرار الخروق الأمنية في هذه المنطقة «يدل على وجود خلل وفشل أمني».
وأضاف الكناني، وفقاً لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، أن «هناك تضليلاً في تصريحات بعض المسؤولين الحكوميين والعسكريين بخصوص الادّعاء بأن الأجهزة الأمنية مسيطرة بشكل كامل على قضاء الطارمية، فهذا غير صحيح».
وتعرض منزل في قضاء الطارمية الأسبوع الماضي، لهجوم بالرصاص وبقذائف «آر بي جي»، مما ألحق به أضراراً كبيرة لكن لم تَرد أنباء عن وقوع ضحايا.
جغرافية صعبة
ورأى الخبير العسكري سرمد البياتي، أن السيطرة الأمنية الكاملة على قضاء الطارمية صعبة «بسبب انفتاح القضاء وحدوده شرقاً وغرباً وشمالاً ووجود مناطق زراعية فيها بساتين وأشجار كثيفة وهذا يُصعّب السيطرة الأمنية الكاملة على كل المناطق».
وقال البياتي: «كثافة المناطق الزراعية داخل قضاء الطارمية تحجب الرؤية في بعض المناطق إلى متر أو مترين، مما يسبب صعوبة أمنية وعسكرية في القضاء على خلايا تنظيم (داعش)، وفي الوقت نفسه يسهم في تنفيذ عمليات إجرامية ضد القطاعات العسكرية بين حين وآخر».
وأضاف: «ملاحقة خلايا (داعش) في قضاء الطارمية أشبه بحرب العصابات، وهذه المعركة تتطلب وقتاً طويلاً، والحل الأنسب لضبط الأمن داخل الطارمية هو تشكيل أفواج من أهالي المناطق ذاتها لكي يتحملوا هم بالأساس مسؤولية حمايتها وضبط الأمن فيها».
وتقول السلطات العراقية إن قدرة الأجهزة الأمنية تطورت كثيراً خلال السنوات الماضية، وهي قادرة على مكافحة التنظيم دون الحاجة إلى قوات أجنبية، وهو دفعها، تحت ضغط سياسي من فصائل موالية لإيران، إلى مطالبة «التحالف الدولي» بإنهاء مهمته في البلاد.