في وقت تؤكد بغداد استمرار حوارها الثنائي مع التحالف الدولي لتنظيم وجوده، من جهة، ولسحب ما تبقى قواته، من جهة أخرى، أكد الزعيم الكردي بافل طالباني، رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، اليوم (الاثنين)، أن جنود التحالف الدولي في العراق «ليسوا غزاة».
وقال طالباني، في إطار مشاركته في فعاليات «ملتقى الرافدين للحوار» المنعقد حالياً في بغداد: إن «تدهور الوضع الأمني في العراق في الآونة الأخيرة جاء نتيجة رفض الوجود الأميركي على الأراضي العراقية»، مشيراً إلى أن «استغلال أميركا وجودها لضرب أهداف عراقية للدفاع عن مصالحها يهدد أمن البلد»، في إشارة إلى غارات أميركية استهدفت قادة ومواقع لفصائل شيعية مدعومة من إيران، وتُلقى عليها مسؤولية شن هجمات على التحالف الدولي.
ودعا طالباني الحكومة العراقية إلى تركيز جهودها لمتابعة ضبط الملف الأمني، عادّاً أن «هناك حاجة إلى استيعاب فكرة أن القوات الأميركية الموجودة ضمن التحالف الدولي ليسوا بالغزاة، وعلينا أن نُشعرهم بالأمان أيضاً». وأشار أيضاً إلى أن «إيران تعدّ شريكاً جيداً للعراقيين على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وعلى الولايات المتحدة أن تستوعب هذه العلاقات ما دام أنها تصبّ في مصلحة العراق».
وبشأن العلاقة بين أربيل وبغداد، أكد بافل طالباني: «إذا كانت علاقتنا قوية مع بغداد تكون الأوضاع أفضل في الإقليم (إقليم كردستان)».
بين بغداد وواشنطن
وعلى الرغم من الخلافات بين الحزبين الكرديين «الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني»، برئاسة بافل طالباني، فإنهما يتفقان تماماً على صعيد أهمية بقاء علاقتهما قوية مع الولايات المتحدة. في المقابل، يُعدّ الاتحاد الوطني الكردستاني ورئيسه بافل طالباني أقرب إلى بغداد من الحزب الديمقراطي الكردستاني وزعيمه مسعود بارزاني.
وكان رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني قام مؤخراً بزيارة وُصفت في الأوساط الكردية بأنها «ناجحة»، إلى الولايات المتحدة حيث التقى الكثير من كبار الشخصيات في إدارة الرئيس بايدن، بينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان وأعضاء في الكونغرس.
وفي هذا السياق، تقول الدكتورة فيان صبري، عضو البرلمان العراقي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: إن «زيارة رئيس حكومة إقليم كردستان إلى الولايات المتحدة رسالة تجديد للدعم الأميركي لإقليم كردستان كحليف استراتيجي وشريك طويل الأمد»، مشيرة إلى أن الزيارة أتت بدعوة رسمية من قِبل وزارة الخارجية الأميركية. وأضافت أن بارزاني «عقد سلسلة لقاءات موسعة في البيت الأبيض ووزارة الخارجية والكونغرس، تم فيها بحث محور توثيق العلاقات الثنائية بين إقليم كردستان والولايات المتحدة في مختلف المجالات السياسية الأمنية والعسكرية والاقتصادية، كما نوقشت المستجدات والتطورات في العراق والمنطقة بشكل عام والتحديات والضغوط التي يتعرض لها إقليم كردستان». وتابعت أنه «تم التأكيد من قِبل الإدارة الأميركية على أن حماية أمن واستقرار إقليم كردستان هي من أمن واستقرار الولايات المتحدة، وأن إقليم كردستان والولايات المتحدة ملتزمان بشراكتهما الاستراتيجية والتزاماتهما الثنائية».
وأكدت الدكتورة فيان صبري أن «وزير الخارجية أنتوني بلينكن قال بنص التعبير إن إقليم كردستان الصامد يعدّ حجر الزاوية في علاقة الولايات المتحدة مع العراق». وأوضحت أن «رئيس وزراء الإقليم أكد على الحقوق الدستورية لإقليم كردستان العراق وأهمية دعم الولايات المتحدة لكردستان قوية ودعم الاستقرار والسلام والأمن في المنطقة».
وتختلف بغداد وأربيل في خصوص الكثير من الملفات، ومن بينها رواتب موظفي إقليم كردستان بعد انهيار اتفاق تسليم الرواتب مقابل النفط. وتعقدت العلاقة أكثر بعد سلسلة قرارات اتخذتها المحكمة الاتحادية العليا عدّتها حكومة الإقليم بأنها غير عادلة، وآخرها قرار توطين رواتب موظفي الإقليم. وفي هذا السياق، أكد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، الدكتور عصام فيلي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «مسألة توطين رواتب موظفي الإقليم جاءت بعد شكوى تقدمت بها الكثير من القوى الكردية والتي ترى أن هناك حقوقاً للمواطن الكردي مثلما هناك حقوق للمواطن العربي، وبالتالي ذهبت بهذا الاتجاه مع أن هذا يتناقض من وجهة النظر الرسمية للإقليم الذي يرى أنه يتمتع باستقلالية مالية وبالتالي هو من يرسم سياسته المالية». وأضاف أن «المحكمة الاتحادية كانت قد أخذت في قرارها البعد الإنساني طالما هناك شكاوى قُدمت إليها من قوى من داخل الإقليم».
ورداً على سؤال بشأن توجه الأكراد نحو واشنطن وأنقرة، قال فيلي: إن «من البديهي أن الأكراد علاقتهم إستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 1991 حتى أنه عندما حصل الخلاف بين الحزبين الكرديين في تسعينات القرن الماضي تدخلت واشنطن بينهما لصالح حل الأزمة التي كانت بلغت حد المواجهة المسلحة». وأضاف: «في الوقت نفسه الأكراد لا ينظرون بعين الثقة بشأن العلاقة مع بغداد، حيث يتهمون جهات داخل العاصمة العراقية بخلق مشكلة مستدامة مع أربيل». وأشار إلى أن أنقرة «شريك استراتيجي» لإقليم كردستان، حيث توجد أكثر من 1500 شركة تركية تعمل في كردستان. وتشنّ تركيا بين وقت وآخر غارات على أهداف كردية تتهمها بأنها تابعة لحزب العمال الكردستاني المصنف جماعة إرهابية في أنقرة.