تستخدم إسرائيل تقنيات ذكاء اصطناعي جديدة ومتطورة على نطاق واسع في هجومها على غزة، الأمر الذي أثار التساؤلات والمخاوف بين نشطاء وجماعات حقوق الإنسان بشأن احتمالية «استخدام إسرائيل العشوائي» لهذه التكنولوجيا في الحرب، خصوصاً مع ازدياد عدد القتلى المدنيين.
وفي غاراته على غزة، اعتمد الجيش الإسرائيلي على نظام مدعوم بالذكاء الاصطناعي يسمى «غوسبل»، للمساعدة في تحديد الأهداف، والتي شملت المدارس ومكاتب منظمات الإغاثة وأماكن العبادة والمرافق الطبية، وفق مجلة «بوليتيكو» الأميركية.
وتقدّر وزارة الصحة في قطاع غزة أن أكثر من 30 ألف فلسطيني قُتلوا في الصراع، غالبيتهم العظمى من المدنيين؛ النساء والأطفال.
ومن غير الواضح ما إذا كان جزء من حصيلة الضحايا المدنيين في غزة هو نتيجة مباشرة لاستخدام إسرائيل الذكاء الاصطناعي، لكن النشطاء في المنطقة يطالبون بمزيد من الشفافية في هذا الشأن، مشيرين إلى الأخطاء المحتملة التي يمكن أن ترتكبها أنظمة الذكاء الاصطناعي، ويجادلون بأن نظام الاستهداف السريع الخاص الذي تتميز به هذه التقنية هو ما سمح لإسرائيل بقصف أجزاء كبيرة من غزة.
وقالت مجموعة «حملة» الفلسطينية للحقوق الرقمية، في ورقة حديثة، إن استخدام الأسلحة المُشغلة آلياً «automated weapons» في الحرب «يشكل التهديد الأكثر بشاعة للفلسطينيين».
وقدّمت أقدم وأكبر منظمة لحقوق الإنسان في إسرائيل؛ وهي جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل، طلباً إلى القسم القانوني في الجيش الإسرائيلي، خلال ديسمبر (كانون الأول)، تطالب فيه بمزيد من الشفافية بشأن استخدام أنظمة الاستهداف الآلي في غزة.
وقالت هايدي خلاف، المديرة الهندسية للتعلم الآلي بشركة «Trail of Bits» للأمن السيبراني، ومقرُّها المملكة المتحدة: «بالنظر إلى سِجل معدلات الأخطاء المرتفعة في أنظمة الذكاء الاصطناعي، فإن الاعتماد على الاستهداف الآلي في الحرب سيؤدي إلى نتائج غير دقيقة ومتحيزة، ويصبح أقرب للاستهداف العشوائي».
استخدام الأسلحة المُشغلة آلياً في الحرب يشكل التهديد الأكثر بشاعة للفلسطينيين
مجموعة «حملة» الفلسطينية للحقوق الرقمية
ويستخدم نظام «غوسبل»، الذي قدّم الجيش الإسرائيلي قليلاً من التفاصيل عنه، التعلم الآلي لتحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة لإنشاء أهداف هجومية محتملة.
ورفض الجيش الإسرائيلي التعليق على استخدامه القنابل الموجهة بالذكاء الاصطناعي في غزة، أو أي استخدام آخر لهذه التقنية في الصراع.
وقال متحدث باسم الجيش، في بيان، خلال فبراير(شباط)، إنه بينما يجري استخدام «غوسبل» لتحديد الأهداف المحتملة، فإن القرار النهائي بتوجيه ضربةٍ ما يتخذه دائماً إنسان ويوافق عليه شخص آخر، على الأقل، في سلسلة القيادة.
ومع ذلك، أشار الجيش الإسرائيلي، في نوفمبر (تشرين الثاني)، إلى أنه «بالإضافة إلى زيادة الدقة، فإن نظام غوسبل يسمح باستخدام الأدوات الآلية لتحديد الأهداف بوتيرة سريعة». وجاء في البيان نفسه أن إسرائيل ضربت أكثر من 12 ألف هدف، في أول 27 يوماً من القتال.
وقال رون رايتر، المؤسس المشارك وكبير مسؤولي التكنولوجيا بشركة «سينترا» السيبرانية، ومقرُّها إسرائيل، وضابط المخابرات الإسرائيلي السابق، إنه لا يستطيع التحدث عن نسب أو احتمالات وجود أخطاء بنظام «غوسبل»، لكنه أكد أن «أنظمة الاستهداف الإسرائيلية بشكل عام دقيقة جداً، ويجري تنفيذها بدقة لغرض وحيد هو تقليل الخسائر في صفوف المدنيين».
وقال تقرير «بوليتيكو» إن الضغط من أجل الحصول على مزيد من الإجابات حول حرب الذكاء الاصطناعي التي تخوضها إسرائيل، من شأنه أن يتردد صداه في الولايات المتحدة، ويزيد المطالبات لأميركا بمراقبة كيفية استخدام حلفائها للتكنولوجيا، كما يضع مزيداً من العقبات أمام المُشرّعين الأميركيين الذين يتطلعون إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في ساحات القتال المستقبلية.
نظام «غوسبل» يسمح باستخدام الأدوات الآلية لتحديد الأهداف بوتيرة سريعة
الجيش الإسرائيلي
ويقول بعض النشطاء، الذين يتابعون سياسة حرب الذكاء الاصطناعي بالولايات المتحدة، إن إسرائيل تُشوّه غرض التكنولوجيا، حيث تستخدمها لتوسيع قوائم الأهداف، بدلاً من حماية المدنيين. ويؤكد أولئك النشطاء أن الولايات المتحدة يجب أن تُدين الجيش الإسرائيلي بسبب هذا الانتهاك الأخلاقي.
وقالت نانسي عقيل، رئيسة مركز السياسة الدولية بواشنطن: «لقد كان من الواضح أن إسرائيل تستخدم الذكاء الاصطناعي للحصول على ما يسمونه (أهداف القوة)، لذا فهم يستخدمونه عمداً لاستهداف المدنيين، وذلك على عكس استخدامه ودوره المزعوم؛ وهو زيادة الدقة في تحديد الأهداف».
وأضافت أن الجيش الإسرائيلي قام بتوسيع تعريف «أهداف القوة» هذه، والتي تُعرّفها شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بأنها «أهداف ذات أهمية أمنية تابعة لحماس أو حركة (الجهاد الإسلامي) الفلسطينية».
من جهته، قال شان شيخ، نائب مدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن: «مع وجود أكثر من 30 ألف ضحية في غزة، من الصعب معرفة ما إذا كان الجيش الإسرائيلي يستخدم الذكاء الاصطناعي عالي التقنية لتحديد الأهداف، أو لتوسيع رقعة هجومه في غزة».
وتابع: «يجب على الولايات المتحدة استخدام نفوذها غير المستغل للتحكم في هذه العمليات، لكن حتى الآن، يبدو أن إدارة الرئيس جو بايدن لم تكن مستعدة للقيام بذلك».
وذكرت «بوليتيكو» أن منظمات الإغاثة والمرافق الطبية في غزة تعرضت للقصف، حتى بعد تقديم إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي «GPS» الخاصة بها إلى السلطات الإسرائيلية. وقالت إسرائيل إنها تعد البنية التحتية المدنية، مثل المستشفيات والمدارس، «هدفاً عادلاً لأن (حماس) تُخفي مقاتلين وأسلحة في هذه المباني».
نحن قلقون حقاً بشأن أنظمة الذكاء الاصطناعي
آن نويبرغر كبيرة مستشاري البيت الأبيض لقضايا الأمن السيبراني
ويقول البعض إن عدم حصول هذه التكنولوجيا على الاهتمام اللازم في واشنطن يرجع إلى «الطبيعة الغامضة للعمليات العسكرية الإسرائيلية».
وقالت سارة ياغر، مديرة مكتب «هيومن رايتس ووتش» في واشنطن: «لا أحد لديه أي فكرة، بما في ذلك صُناع السياسة الأميركيون، عن كيفية إدارة إسرائيل هذه الحرب».
وأضافت: «نحن نرى نتائج القصف في الضحايا المدنيين والمباني المدمرة، لكن فيما يتعلق بالتكنولوجيا المستخدَمة، ليس لدينا أي فكرة بشأنها، إنها مثل الصندوق الأسود».
ولم تُوقّع إسرائيل على معاهدة تدعمها الولايات المتحدة تدعو إلى الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي في الحرب، والتي وقّعتها أكثر من 50 دولة؛ من بينها المملكة المتحدة، وألمانيا، وأوكرانيا.
وتجنّب المسؤولون الأميركيون إلى حد كبير التطرق إلى استخدام إسرائيل الذكاء الاصطناعي.
وعند سؤالها عن حجم استخدام إسرائيل لاستهداف الذكاء الاصطناعي في الحرب، سارعت كبيرة مستشاري البيت الأبيض لقضايا الأمن السيبراني، آن نويبرغر، إلى التركيز على سرد مخاطر التكنولوجيا في الحرب بشكل عام.
وقالت نويبرغر: «نحن قلقون حقاً بشأن أنظمة الذكاء الاصطناعي، لهذا السبب عمل الرئيس بايدن بسرعة كبيرة لإصدار أمره التنفيذي بشأن الذكاء الاصطناعي».
ووقّع الرئيس الأميركي أمراً تنفيذياً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لفرض رقابة حاسمة على شركات الذكاء الاصطناعي، في خطوة قال إنها تستهدف مواجهة المخاوف المتزايدة التي تشكلها التكنولوجيا على القوى العاملة الأميركية والخصوصية والأمن القومي.
ويقول البعض إن عدم حصول هذه التكنولوجيا على الاهتمام اللازم في واشنطن يرجع إلى «الطبيعة الغامضة للعمليات العسكرية الإسرائيلية».
وقالت سارة ياغر، مديرة مكتب «هيومن رايتس ووتش» في واشنطن: «لا أحد لديه أي فكرة، بما في ذلك صُناع السياسة الأميركيون، عن كيفية إدارة إسرائيل هذه الحرب».
وأضافت: «نحن نرى نتائج القصف في الضحايا المدنيين والمباني المدمرة، لكن فيما يتعلق بالتكنولوجيا المستخدَمة، ليس لدينا أي فكرة بشأنها، إنها مثل الصندوق الأسود».
ولم تُوقّع إسرائيل على معاهدة تدعمها الولايات المتحدة تدعو إلى الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي في الحرب، والتي وقّعتها أكثر من 50 دولة؛ من بينها المملكة المتحدة، وألمانيا، وأوكرانيا.