الحرب الأهلية اللبنانية... تدخّل سوري وخطوط حمراء إسرائيلية

المسيحيون طلبوا المساعدة من الولايات المتحدة إما بقوات عسكرية أو بالسلاح... لكن واشنطن أبلغت الأسد أنها لا تدعمهم

الحرب الأهلية اللبنانية... تدخّل سوري وخطوط حمراء إسرائيلية
TT

الحرب الأهلية اللبنانية... تدخّل سوري وخطوط حمراء إسرائيلية

الحرب الأهلية اللبنانية... تدخّل سوري وخطوط حمراء إسرائيلية

زاد اتفاق فضّ الاشتباك الثّاني في سيناء، في سبتمبر (أيلول) 1975، من حدّة الصّراع في لبنان وشدّة التنافس فيه بين مصر وسوريا. شنّت إسرائيل غارات جوية في لبنان لاستباق أي ردٍّ فلسطيني عنيف على اتفاق سيناء الثّاني. سافر وزير الخارجية السّوري عبد الحليم خدّام إلى لبنان، لكنّه فشل في إقامة حوارٍ سياسي، أو وقف إطلاق النّار بين مختلف الفصائل اللبنانية والفلسطينيين. طلب المسيحيون اللبنانيون المساعدة من الولايات المتّحدة إمّا بقوّات عسكرية أو بالسّلاح. تسارعت وتيرة القتال في الحرب الأهلية في أكتوبر (تشرين الأوّل). استعرض فورد وكيسنجر الوضع في 9 و16 أكتوبر؛ وكانا يخشيان من أن يؤدّي التدخّل السّوري في لبنان إلى ردّ فعلٍ إسرائيلي. نُصح كيسنجر بإصرار ضد اعتماد خيار تدخّلٍ أميركي شبيه بعام 1958 عندما طرحه فورد. أعاد المسؤولون الأميركيون التأكيد على أنّ همّهم هو منع وقوع اشتباك سوري - إسرائيلي في لبنان، ما يعني منع أي من الجانبَين من نشر قوّات نظاميّة. ناقش الدّبلوماسيون الأميركيون المشكلة مع القيادات الإسرائيلية والسورية. وأكّد وزير الخارجيّة الإسرائيلي إيغال آلون أنّ إسرائيل لن تقوم بأي تحرّك من دون التشاور مع واشنطن. إنّ طبيعة أي عمليّة سورية وحجمها ومداها الجغرافي والغرض منها؛ ستحدّد ردّ فعل إسرائيل. أبلغ السّفير الأميركي ريتشارد مورفي (..) الأسد أنّ الولايات المتّحدة لا تدعم موقف المتشدّدين المسيحيين، وتحثّ إسرائيل على ضبط الّنفس، لكنّ إسرائيل قد تتحرّك بأي حال ضد تدخّل الجيش السّوري. وفي نوفمبر (تشرين الثاني)، أبلغ الأسد الولايات المتّحدة أنّه في حال طلب فرنجية قوّات سورية «فإنّها سوف تكون تحت تصرّفه». وفي ديسمبر (كانون الأول) 1975 ويناير (كانون الثاني) 1976 تحرّكت الميليشيات المسيحية ضد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الواقعة على خطوط إمدادهم حول بيروت. اِشتدّ النشاط السّوري في يناير، ونشرت سوريا في لبنان مقاتلين فلسطينيين موالين لدمشق. وأصدر كيسنجر تحذيراً ثانياً للأسد، معرباً عن شكوكه في أن تتمكّن الولايات المتّحدة من «منع الإسرائيليين من الردّ على ما قد يستنتجون أنه تدخّلٌ مباشر من قبل سوريا». اِستأنف خدّام المفاوضات بين اللبنانيين، التي أفضت في فبراير (شباط) 1976 إلى «الوثيقة الدستورية» التي وافق عليها الرّئيس فرنجية ورئيس الوزراء كرامي، ودعمتها الكتائب (الميليشيا المسيحية الرّئيسية). سبقت هذه الوثيقة اتفاق الطائف عام 1989 في توزيع المقاعد البرلمانية مناصفة بين المسلمين والمسيحيين. أرسلت الولايات المتّحدة إشارة إلى القادة اللبنانيين؛ تؤكّد دعمها للجهود السورية للإصلاح. رفَضها جنبلاط والفلسطينيون وحلفاؤهم بعدّها غير كافية، وانهار التحالف بين دمشق وحلفائها الفلسطينيين واللبنانيين، فحوّل الأسد شحنات الأسلحة من عرفات إلى ميليشيا عائلة فرنجية. أبلغ رابين فورد أنّه في حال دخول القوّات السورية لبنان، فإن الجيش الإسرائيلي سوف يتقدّم إلى الليطاني. في غضون ذلك، انقسم الجيش اللبناني على أسسٍ طائفية، بعدما فَقَد صورته الحياديّة.

غلاف الكتاب

استعدّ جنبلاط وحلفاؤه لهجومٍ ضد المسيحيين. وأصبحت سوريا الآن متحالفة مع المسيحيين، الذين دعموا الوثيقة الدستورية التي اقترحها الأسد. قدّرت الاستخبارات الأميركية أنّ الأسد قد يخسر السّلطة لمصلحة نظام أكثر تطرّفاً في حال تعثّر في لبنان. وفي منتصف مارس (آذار)، أرسل الجيش السّوري إلى لبنان، بناءً على طلب فرنجية، 1000 جندي نظامي يرتدون الزّي الفلسطيني، فشلوا في وقف الهجوم اليساري. وخلال مارس، أخبر الأميركيون المسؤولين السّوريين؛ أنّهم يدعمون جهود الأسد الدّبلوماسية، لكنّهم حذّروا مرّة جديدة من ردّ فعل إسرائيلي محتمل على التدخّل العسكري السّوري العلني. وفي 15 مارس، منعت الوحدات الفلسطينية الموالية للأسد اليساريين اللبنانيين من احتلال قصر فرنجية، في إشارة واضحة إلى أنّ الأسد سوف يتصرّف بحزمٍ ضد أي تهديد جذري لاستراتيجيته السّياسية في لبنان. في 23 مارس، أبلغ خدّام الولايات المتّحدة أنّ فرنجية «طلب رسمياً من سوريا إرسال قوّات للفصل بين الأطراف المتحاربة في لبنان». وفي 24 مارس، رسم مسؤولون إسرائيليون بعض «الخطوط الحمراء» لواشنطن، ما عنى ضمناً أنّ ما كان مرفوضاً، لم يعد مرفوضاً. ستعارض إسرائيل أي تحرّكٍ عسكري واضح أو علني للقوّات السورية في لبنان، أو لكلّ ما يتجاوز حجم لواء، أو ينقل أسلحة إلى السّاحل، أو يتجاوز الـ10 كيلومترات جنوب طريق بيروت - دمشق. فهم كيسنجر أنّ أي انتهاكٍ سيحمل الإسرائيليين على الاستيلاء على نقاطٍ استراتيجية في جنوب لبنان حتّى مغادرة القوّات السورية. عرض المسؤولون السّوريون السّاعون إلى موافقة الولايات المتّحدة تفاصيل مطمئنة عن خطّتهم في 25 مارس: «سوف تكون قوّاتهم قليلة، وسيبقون خارج الجنوب، ويغادرون خلال أشهر بمجرّد حلّ الأزمة السياسية». عرض الردُ الأميركي ما فهمتِ الولاياتُ المتّحدة أنّه قد يؤدّي إلى ردٍّ عسكري إسرائيلي، فقال الأسد إنّه سوف يبقى خارج الجنوب، لكنّه طلب من الولايات المتّحدة أن تُبقي إسرائيل خارجاً أيضاً.

توجيهات براونظهرت مشكلة في السّفارة الأميركية في بيروت. تم تشخيص سرطان الحلْق لدى غودلي، فغادر منصبه في يناير عام 1976. وبغيابه، افتقرت السّفارة إلى الاتّصالات والمعلومات والتأثير. هذا العامل، والمأزق السّياسي، والعملية السورية الوشيكة، والردّ الإسرائيلي المحتمل، دفعت جميعها كيسنجر إلى إرسال براون مبعوثاً. عدّ كيسنجر مصالح الولايات المتّحدة تقتضي «أننا لا نستطيع السّماح لإسرائيل بالدخول إلى جنوب لبنان»، لأنّ ذلك يعرّض للخطر مقاربته الشّاملة لـ«الشرق الأوسط»، المبنية على التقدّم المتدرّج في ملف السّلام العربي - الإسرائيلي، واحتواء النفوذ السّوفياتي. كما بقي معارضاً للاحتلال السّوري المباشر للبنان، إذ كان، من جهة، يخشى أن يؤدّي ذلك إلى تحرّكٍ إسرائيلي، ومن جهة ثانية، يعدّ التقارب بين واشنطن ودمشق النّاشئ في تلك اللحظة عن المصلحة المشتركة في احتواء منظّمة التحرير الفلسطينية واليساريين اللبنانيين، موقّتاً. لكن ثمّة وجهة نظر أكثر دقّة عن الموقف الإسرائيلي المحتمل قُدّمت إلى كيسنجر. أعرب السّفير الأميركي لدى إسرائيل مالكولم تون في 31 مارس 1976، عن اعتقاده أنّ المسؤولين الإسرائيليين كانوا يصوّرون لكيسنجر موقفاً أكثر تشدّداً ضدّ التدخّل السّوري مما هو في الواقع، فبرأيه؛ سوف يتسامح الإسرائيليون مع الحراك السّوري طالما أنّ إسرائيل لديها إشعار مسبق بالخطط السورية، وأنّ الهدف استعادة الاستقرار، وأنّ القوّات السورية لم تدخل جنوب لبنان.

أعطى كيسنجر توجيهاته إلى براون في 31 مارس. كان عليه أن يساعد في وقف إطلاق النّار، ويدعم الخطّة السّياسية السورية مع إبقاء قوّاتهم خارج لبنان، ويتّصل بمنظّمة التحرير الفلسطينية ويحاول كسر تحالفها مع جنبلاط، ويحول دون الانهيار المسيحي. كُلّف براون أيضاً بإقناع جنبلاط بالتوصّل إلى تسوية، وقبول رزمة الإصلاحات السورية. التقى جنبلاط أوّل مرّة في 2 أبريل (نيسان)، عندما حدّد الزّعيم الدرزي أهدافه المتعلّقة بالإصلاح السّياسي والاجتماعي، بما في ذلك الحكم العلماني. أجاب براون بأنّ هذه الأهداف كانت غير واقعيّة، وأن الولايات المتّحدة تدعم المبادرة السّياسية السورية التي بإمكانها أن تضمن عدم فوز اليساريين إذا لم يتعاونوا. وقال له براون: «إن القبول بالإصلاحات المتواضعة هو السّبيل الوحيد لتجنّب التدخّل السّوري».

ركّز براون على إطلاق المفاوضات بشأن وقف إطلاق النّار، وخروج فرنجية مبكّراً من منصبه قبل أن تنتهي ولايته في سبتمبر (أيلول)، وانتخاب رئيس جديد. واعتقد براون أنّ هذه المقاربة هي الطّريقة الوحيدة الممكنة لمنع دخول القوّات السورية، وقد وافقت واشنطن على ذلك. لكنّه أطلع كيسنجر بشكلٍ منفصل على تشكيكه بقدرة اللبنانيين على التوصّل إلى تسوية. ونصح، في حال ثبتت صحّة وجهة النّظر هذه: «إمّا بحمل إسرائيل على قبول الانتشار السّوري أو التحدّث مباشرة مع عرفات». رفض كيسنجر فكرة براون بالعمل مع عرفات رغم توجيهه الأوّلي بالاتّصال بمنظّمة التحرير الفلسطينية. في 7 أبريل، عارض كيسنجر خلال اجتماع مجلس الأمن القومي الأميركي القبول الضّمني بعملية عسكرية سورية في لبنان، لأنّه لا يزال يخشى من أن تؤدّي حلقة تصعيدٍ مع إسرائيل إلى حظرٍ محتمل للنّفط العربي، وتدخّلٍ سوفياتي للدّفاع عن سوريا. وقال مستشار الأمن القومي الأميركي برنت سكوكروف، إن «الوجود السّوري القوي في لبنان قد يكون السّبيل الوحيد لإنهاء الاقتتال». وفي 10 أبريل، انتشر المزيد من القوّات السورية في لبنان متنكّرين بزي فلسطيني. نقلت الولايات المتّحدة إلى دمشق الموقف الإسرائيلي بأنّ هذا العمل تجاوز الخطّ الذي يستوجب من إسرائيل اتّخاذ إجراءات خاصة بها. رفض السّوريون الإنذار.

(...) اشتكى كيسنجر من أنّ إسرائيل تريد أن يسيطر السّوريون على الفلسطينيين في الجنوب من دون السّماح لهم بالانتشار هناك للقيام بذلك. وأبلغ المسؤولون الأميركيون نظراءهم السّوريين واللبنانيين بأنّهم لا يستطيعون ضمان ردّ فعل إسرائيل على الانتشار السّوري. استمرّت هذه التبادلات حتّى انتهت ولاية فورد. لم ينتشر السّوريون في الجنوب. وكان أحد التداعيات غير المقصودة لهذا الأمر خلق فراغ أمني طويل الأمد في جنوب لبنان، سوف يملأه لاحقاً «حزب الله» المدعوم من إيران.

كارتر و«المأساة» اللبنانيةكان لهذا الوضع غير الواضح في جنوب لبنان نتيجة متوقّعة: عزّز الفدائيون أنفسهم في المكان الوحيد المتبقّي لهم، وهو الجنوب. وفي مايو (أيار) 1977، فاز حزب الليكود اليميني في إسرائيل بأوّل انتخابات للكنيست، وأصبح مناحيم بيغن رئيساً للوزراء. تصرّفت هذه الحكومة الجديدة في جنوب لبنان بشكل أكثر عدوانية من سابقتها، واتّخذت خطوات للسّيطرة على المنطقة من خلال جيش لبنان الجنوبي. وفي مواجهة بيغن المتشدّد، والضّغط السّوري، وتهميشه في عملية السّلام المصرية - الإسرائيلية، والمعارضة الدّاخلية الدّائمة، لجأ عرفات إلى العنف لإثبات وجوده. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 1977، قصفت فتح بلدة نهاريا الإسرائيلية بالصّواريخ. فقامت الزوارق الحربية الإسرائيلية بهجومٍ مضاد في جنوب لبنان. في 11 مارس 1978، هاجم إرهابيو فتح إسرائيل عن طريق البحر، ونزلوا في جنوب حيفا، واختطفوا حافلة، وأطلقوا النّار باتّجاه تل أبيب. وقتلت الشّرطة تسعة من الإرهابيين الأحد عشر. وقُتل أربعة وثلاثون إسرائيلياً وأميركياً. وعُدّت العملية إشارة من عرفات إلى أنّ استبعاد المصالح الفلسطينية من محادثات السّلام لن يؤدّي إلى السّلام.

كان من المقرّر أن يزور بيغن واشنطن في 14 مارس 1978، لكنّه أجّل سفره في الوقت الذي كان فيه الجيش الإسرائيلي يتحرّك إلى جنوب لبنان لتدمير قواعد منظّمة التحرير الفلسطينية. أدلى كارتر بتعليقٍ غاضب على الغزو في سيرته الذاتية، عكس إحباطه من بيغن ومضيعة الوقت في منطقة الشرق الأوسط، وكتب «إن ذلك تعارض مع خمس عشرة أولويّة أخرى. تراوحت هذه الأولويّات بين دفع مجلس الشّيوخ إلى التصويت على معاهدة قناة بنما، والتعامل مع إضراب عمّال المناجم على الصّعيد الوطني، إلى وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق الحدّ من الأسلحة الاستراتيجية SALT II مع موسكو، وإعداد زيارة رسمية للديكتاتور اليوغوسلافي جوزيف تيتو». بدأت العملية الإسرائيلية «حجر الحكمة»، في 15 مارس. وفي نهاية اليوم الأوّل، كان الجيش الإسرائيلي قد أمّن منطقة عازلة بعمقٍ يتراوح بين 5 و20 كيلومتراً. وصف كارتر العملية بأنّها «ردّ فعل مبالغ فيه رهيب»، أسفر عن مقتل 1000 مدني وتشريد 100 ألف شخص.

أخبر وزير الخارجية الأميركي سايروس فانس الإسرائيليين أنّ الولايات المتّحدة ستسعى إلى استصدار قرار عن مجلس الأمن ضدّ ما قاموا به، وقال إن «كارتر منزعج بشكلٍ خاص من استخدام الأسلحة الأميركية، بما في ذلك القنابل العنقودية، لأنّه خرق لاتفاق مسبق، وللقانون الأميركي». وتقرّر التصويت في الأمم المتّحدة في 19 مارس. دعا النّص الأميركي إلى إنهاء فوري لعمل الجيش الإسرائيلي والانسحاب الكامل، وإنشاء القوات الدّولية العاملة في لبنان (اليونيفيل). استغلّ الجيش الإسرائيلي فارق التوقيت، وتقدّم، قبل موعد التصويت يوم الأحد، إلى نهر الليطاني، واستولى على أكبر قدرٍ ممكن من الأراضي قبل صدور القرار 425، معزّزاً بذلك موقع إسرائيل التفاوضي. التقى مسؤولو وزارة الدّفاع الإسرائيلية مع قائد اليونيفيل الجديد في 20 مارس. تنازلوا لليونيفيل عن الأراضي المحتلّة في 19 مارس مقابل حزامٍ أمني على طول الحدود لميليشيا حدّاد، وطلبوا وقتاً لانسحاب إسرائيلي بطيء. غادرت القوّات الإسرائيلية لبنان في يونيو (حزيران).

بعد ذلك، علم المسؤولون الأميركيون أنّ الجيش الإسرائيلي قدّم عتاداً عسكرياً أميركياً إلى جيش لبنان الجنوبي. نفت الحكومة الإسرائيلية ذلك، ما دفع كارتر إلى إرسال مذكّرة «مقتضبة وصريحة» إلى بيغن تطلب منه إزالة المعدّات، تحت طائلة إبلاغ الكونغرس بالمخالفة، وهذا ما يمكن أن يعرّض المساعدة العسكرية لإسرائيل للخطر. مرّت المذكّرة عبر قناة شخصية، فاسحة المجال أمام بيغن لسحب المعدّات بهدوء.

خلال مأدبة عشاء في أثناء محادثات كامب ديفيد في سبتمبر (أيلول) 1978، سأل السّادات كارتر عمّا إذا كان قد خصّص كثيراً من الوقت للبنان. وأجاب كارتر بأنّ «الاهتمام الأميركي أثير في المقام الأوّل في لحظات الأزمات، (لذلك) لم نبذل جهوداً متضافرة لإيجاد حلٍّ دائم للمأساة اللبنانية المستمرّة». ولم يخض كارتر في التفاصيل. يوحي هذا التعليق بأنّ اهتماماً أميركياً أكبر بلبنان قبل اندلاع الأزمات المتعلّقة بالأمن الإسرائيلي؛ قد يخدم المصالح الأميركية بشكل أفضل. وصف باحثان مقاربة كارتر: «كان لبنان وعاءً يغلي، وهو يحاول إبقاء الغطاء عليه، حتّى لا يفسد الطّبق الرئيسي: السّلام الشامل». عشية كامب ديفيد، كان القلق شديداً من أن يستغلّ السّوريون القمة لتوسيع سيطرتهم على لبنان. أرسل فانس رسالة إلى الأسد: «نحثّ الإسرائيليين على ممارسة أقصى درجات ضبط النّفس والحكمة لتجنّب الصّراع مع القوّات السورية، ونحثّ سوريا على فعل الشّيء نفسه».

سوريا وأميركا... تلاقي مصالح في لبنانتميّزت هذه الفترة بالتلاقي الأوّل بين المصالح الأميركية والسورية في لبنان. كانت تعليمات براون بتسهيل التسوية السّياسية السورية لدى اللبنانيين والفلسطينيين من أجل تفادي نشر القوّات السورية التي قد تؤدّي إلى غزوٍ إسرائيلي، وحربٍ أوسع نطاقاً. حقّقت هذه المقاربة نجاحات قصيرة الأجل في تحقيق الاستقرار في لبنان وإضعاف منظّمة التحرير الفلسطينية. بأي حال، احتلّت سوريا جزءاً كبيراً من لبنان، ما أنهى على المدى الطويل سيادة لبنان؛ لكن ليس حربه الأهلية. أدّى هذا العنف وعدم الاستقرار إلى مشكلات أمنيّة وطنيّة لعقود عدّة لإسرائيل والولايات المتّحدة، وخلقِ وكيلٍ إيراني على المتوسّط بعد ست سنوات فقط من مهمّة براون، كما لاحظ أحد الباحثين «عدم معالجة صلب القضايا التي يعاني منها لبنان، وبدلاً من محاولة احتوائها عبر القوّة السورية، ربما تكون إدارة فورد قد فاقمت من مشكلات طويلة الأجل في الشرق الأوسط».

ربما كان الدّعم السّريع العملي والرمزي لمؤسّسات الدولة اللبنانية عامَي 1968 و1969 قد أفضى إلى تصلّب الرّئيس (شارل) حلو في الوقت الذي كان يقاوم فيه الضّغوط لمنح عرفات والفدائيين حرّيات أكبر. لم تلقَ طلباته للحصول على الدّعم الدّبلوماسي والمساعدات العسكرية استجابة في واشنطن والعواصم العربية المعتدلة، ما جعله معزولاً سياسياً في المنطقة، على الرّغم من نجاح الجيش اللبناني حتّى ذلك الحين في احتواء الفدائيين. ونظراً لافتقاره إلى الدّعم الخارجي الذي يتمتّع به الفلسطينيون، لم يجد حلو خياراً قابلاً للتّطبيق سوى التسوية. ومكّن اتفاق القاهرة الفلسطينيين من بناء دولة داخل الدّولة اللبنانية، بالتحالف مع المسلمين واليساريين الذين يسعون إلى تغيير ميزان القوى الذي يحكم لبنان منذ عام 1943. كانت للحرب الأهلية في لبنان أسباب عديدة، لكن الانحدار نحوها تسارع في القاهرة عام 1969.

كانت لدى واشنطن انشغالات مختلفة. سعى نيكسون وكيسنجر إلى تجنّب التورّط في الشرق الأوسط، وقد جرى التعبير عن الأولويّة المنخفضة بوضوح من خلال تفويض البيت الأبيض وزارة الخارجية بهذه السّاحة، وهو نادراً ما يحصل. ركّز روجرز على إطلاق مقاربة شاملة لتحقيق السّلام العربي - الإسرائيلي. لم تحظَ خطّته الطّموح بدعمٍ لا في المنطقة ولا في واشنطن. وتلاشت، كما أمَلُ اللبنانيين في التخلّص من العبء الفلسطيني، وأتت المساعدة القليلة التي قدّمتها الولايات المتّحدة لمساندة الجيش اللبناني في تلك المرحلة متأخّرة جداً.

اعتقد كيسنجر أنّ الشرق الأوسط يحتاج إلى أن يختمر حتّى تنجح المبادرة الدبلوماسية الأميركية. إلّا أنّ ما اختمر كان حرباً مفاجئة عام 1973؛ انحدر لبنان بها إلى حربٍ أهلية سنة 1975. أعطت دبلوماسيّة الخطوة خطوة الأولويّة للانسحابات الإسرائيلية المحدودة في سيناء ومرتفعات الجولان مقابل اتفاقات موقّتة لوقف إطلاق النّار. وأمل كيسنجر، عبر تحقيق أهداف غير مستحيلة، في خلق مناخ مواتٍ للتّصدّي للقضايا الأكثر صعوبة المتعلّقة بالضّفّة الغربية وغزة، في وقت لاحق. كانت مقاربته مذهلة من حيث واقعيتها ونفعها، وتشكيلها أساساً لجميع جهود السّلام اللاحقة. لكنّ الفلسطينيين المهمّشين الذين فقدوا صبرهم، أحكموا قبضتهم على لبنان.

عندما بدأت الحرب الأهلية في لبنان؛ كان التركيز الأميركي في مكانٍ آخر؛ كان على سقوط سايغون. أمل كيسنجر في احتواء القتال في لبنان حتّى لا يضرّ باتفاقات إسرائيل الموقّتة مع مصر وسوريا. عندما اشتدّ خطر نشوب حرب إسرائيلية - سورية في لبنان، أرسل كيسنجر مبعوثاً مخضرماً، دين براون. فور وصوله، حوّل براون التوجيهات الأوّلية المعطاة له إلى أهدافٍ عملية وقابلة للتّحقيق. ملأ الفراغ الذي خلّفته علاقات غودلي المتوتّرة بفرنجية وإجلاؤه الطبي. وساعد في إقناع فرنجية باتّخاذ مسار يخفّف من حدة المأزق السّياسي في البلد، فالدبلوماسية المبنية على المعرفة الوافية والعلاقة المباشرة والحضور الجسدي تُحدث فرقاً. لكن بينما تمّ تجنّب الاشتباك الإسرائيلي - السّوري؛ قبلت إدارة فورد بالاحتلال السّوري للبنان بعدما انكشف هذا التدخّل. تحقّق الاستقرار على المدى القصير، لكن المشكلات التي بقيت بلا حلول تفاقمت على المدى الطّويل، لا سيّما مصير الحركة الفلسطينية، ومطالب المسلمين واليساريين اللبنانيين بالإصلاح. لم تستطع إدارة فورد الضّعيفة إقناع المسؤولين الإسرائيليين بالسّماح للجيش السّوري بتطهير جنوب لبنان من المسلّحين الفلسطينيين، فاستمرت حالة انعدام الأمن هناك إلى حين لم يعد القادة الإسرائيليون قادرين على تحمّلها بحلول أوائل الثّمانينات.


مقالات ذات صلة

المثقفون والرأسمالية: حبٌّ أم كراهية؟

كتب المثقفون والرأسمالية: حبٌّ أم كراهية؟

المثقفون والرأسمالية: حبٌّ أم كراهية؟

يتناول هذا المقال موقف المثقفين ورؤاهم من الرأسمالية... وترى الكاتبة أنهم متباينون في رؤاهم تبايناً كبيراً ينعكس في القطبية المتنافرة لما يكتبونه بين أقصى اليمين وأقصى اليسار

لطفية الدليمي
كتب «الأشجار تمشي في الإسكندرية»... رواية جديدة لعلاء الأسواني

«الأشجار تمشي في الإسكندرية»... رواية جديدة لعلاء الأسواني

تتناول الرواية أجواء مدينة الإسكندرية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر مركّزةً على التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي واكبت التحوّل خلال تلك الفترة

«الشرق الأوسط» (بيروت)
كتب صفحات مجهولة من تاريخ مصر

صفحات مجهولة من تاريخ مصر

صفحات مجهولة من تاريخ مصر السياسي والاجتماعي ترويها المؤلفة، وهي ناشطة نسوية بداية من نشأتها بمنتصف القرن الماضي في أسرة يهودية مصرية لأب وأم اعتنقا الإسلام، وتأثرها بوالدها المحامي الشهير في انحيازه لقضايا العمال والفقراء، وتعرفها على كوكبة من المناضلين المصريين

رشا أحمد (القاهرة)
كتب مونرو تقول: «بدأت بكتابة الأقاصيص لأن الحياة لم تترك لي وقتاً للرواية» (أ.ب)

نالت جائزة نوبل... رحيل الكاتبة آليس مونرو «سيدة فن الأقصوصة المعاصر»

وفاة الكاتبة الكندية الكبيرة آليس مونرو التي برزت في فن الأقصوصة الأدبي وفازت بجائزة نوبل للآداب عام 2013.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
كتب الكاتب السعودي أسامة مسلم خلال حواره مع التلفزيون المغربي (الشرق الأوسط)

الكاتب السعودي أسامة المسلم يصنع الحدث في معرض الرباط للكتاب

صنع الكاتب السعودي أسامة المسلم الحدث خلال فعاليات معرض الرباط الدولي بالمغرب للكتاب الذي يمتد إلى 19 مايو (أيار) الحالي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)

«كتائب القسام» تعلن قتلها 15 جندياً إسرائيلياً شرق رفح

دبابة إسرائيلية بالقرب من جباليا في قطاع غزة أول من أمس (إ.ب.أ)
دبابة إسرائيلية بالقرب من جباليا في قطاع غزة أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

«كتائب القسام» تعلن قتلها 15 جندياً إسرائيلياً شرق رفح

دبابة إسرائيلية بالقرب من جباليا في قطاع غزة أول من أمس (إ.ب.أ)
دبابة إسرائيلية بالقرب من جباليا في قطاع غزة أول من أمس (إ.ب.أ)

أعلنت «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس»، اليوم (السبت)، «الإجهاز» على 15 جندياً إسرائيلياً شرق رفح جنوب غزة.

وقالت «القسام»، في منشور أوردته وكالة الصحافة الفلسطينية (صفا) على منصة «إكس» اليوم: «تمكن مجاهدونا من الإجهاز على 15 جندياً صهيونياً بعد اقتحام مجموعة قسامية لمنزل تحصن فيه عدد كبير من الجنود واشتبكوا معهم من مسافة الصفر، وبعدها فجّر مجاهدونا عبوة مضادة للأفراد في منطقة حي التنور شرق مدينة رفح جنوب القطاع».

وأشارت إلى «استهداف دبابة صهيونية من نوع (ميركفاه 4) بقذيفة (الياسين 105) في نفس المنطقة»، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وبدأ الجيش الإسرائيلي عملية في شرق مدينة رفح، يوم الاثنين قبل الماضي، وسط تحذيرات إقليمية ودولية من تداعيات شن عملية عسكرية في المدينة التي يوجد بها قرابة 1.5 مليون فلسطيني نزحوا من أنحاء القطاع جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية.

وفي سياق متصل، أوردت الوكالة أن قوات الجيش الإسرائيلي تواصل اجتياحها مخيم جباليا لليوم السابع؛ إذ تجدد القصف المدفعي على المناطق الغربية لمخيم جباليا عند الساعة 9:30 بالتوقيت المحلي صباح اليوم. وأوردت وكالة «صفا» أنه لا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلي تمنع الطواقم الطبية من الوصول للقتلى في الشوارع منذ أيام.


الأمم المتحدة: لم يبق شيء لتوزيعه في غزة

أم تحمل طفلها في مخيم مؤقت برفح (أ.ف.ب)
أم تحمل طفلها في مخيم مؤقت برفح (أ.ف.ب)
TT

الأمم المتحدة: لم يبق شيء لتوزيعه في غزة

أم تحمل طفلها في مخيم مؤقت برفح (أ.ف.ب)
أم تحمل طفلها في مخيم مؤقت برفح (أ.ف.ب)

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، اليوم السبت، أنه «لم يبق شيء تقريباً لتوزيعه في قطاع غزة».

ونقلت وكالة «معاً» الفلسطينية عن المكتب قوله، عبر حسابه على منصة «إكس»، إن «وضع المياه والصرف الصحي يتدهور بسرعة، ومع حظر دخول المساعدات، لا يمكن للسكان اللجوء إلا إلى استخدام الأنقاض والنفايات لسد احتياجاتهم».

كانت القوات الإسرائيلية احتلت في السابع من الشهر الحالي الجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدودي، وأوقفت تدفق المساعدات إلى القطاع، فيما تواصل منذ أسبوعين تقريباً إغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري جنوب شرقي مدينة رفح، وتمنع إدخال المساعدات الإنسانية، والطبية، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية غير مسبوقة.


إطلاق نار كثيف وانفجارات جنوب غرب مدينة غزة

جنود إسرائيليون خلال عمليات عسكرية في قطاع غزة (ا.ف.ب)
جنود إسرائيليون خلال عمليات عسكرية في قطاع غزة (ا.ف.ب)
TT

إطلاق نار كثيف وانفجارات جنوب غرب مدينة غزة

جنود إسرائيليون خلال عمليات عسكرية في قطاع غزة (ا.ف.ب)
جنود إسرائيليون خلال عمليات عسكرية في قطاع غزة (ا.ف.ب)

قال المركز الفلسطيني للإعلام إن أصوات إطلاق نار كثيف وانفجارات دوت في جنوب غرب مدينة غزة في شمال القطاع صباح اليوم السبت.

وأضاف المركز أن اشتباكات ضارية تدور أيضاً بين الفصائل والقوات الإسرائيلية في مخيم جباليا بشمال القطاع، حيث تواصل القوات الإسرائيلية عملية عسكرية منذ عدة أيام.

وفي رفح جنوب قطاع غزة، تعرضت مناطق جنوب وشرق مدينة رفح لقصف مدفعي مكثف وهجمات بطائرات الهليكوبتر.

كما استهدفت غارة إسرائيلية منطقة الفراحين شرق بلدة عبسان الكبيرة في خان يونس.

وفي وقت سابق، قال تلفزيون الأقصى إن شخصين قُتلا مساء أمس جراء استهداف طائرات إسرائيلية لمنزل بوسط رفح.

كما أطلقت طائرات إسرائيلية عدة صواريخ صوب مدرسة فيصل بن فهد غرب مخيم جباليا، مما أدى لمقتل مواطن وإصابة آخرين.


معارك غزة تحتدم مع بدء تشغيل «الميناء الأميركي»

صورة وزعتها القيادة المركزية الأميركية للرصيف العائم قبالة غزة مع بدء استقباله المساعدات الإغاثية لسكان القطاع (سنتكوم - أ.ف.ب)
صورة وزعتها القيادة المركزية الأميركية للرصيف العائم قبالة غزة مع بدء استقباله المساعدات الإغاثية لسكان القطاع (سنتكوم - أ.ف.ب)
TT

معارك غزة تحتدم مع بدء تشغيل «الميناء الأميركي»

صورة وزعتها القيادة المركزية الأميركية للرصيف العائم قبالة غزة مع بدء استقباله المساعدات الإغاثية لسكان القطاع (سنتكوم - أ.ف.ب)
صورة وزعتها القيادة المركزية الأميركية للرصيف العائم قبالة غزة مع بدء استقباله المساعدات الإغاثية لسكان القطاع (سنتكوم - أ.ف.ب)

بدأت أولى الشاحنات المحمّلة مساعدات جرى نقلها إلى الميناء الأميركي العائم قبالة غزة، توزيع حمولاتها في القطاع المحاصر، بينما قال الجيش الإسرائيلي إنَّ قتالاً يدور في جباليا شمال القطاع «ربما يكون الأكثر ضراوة» في المنطقة منذ بدء هجومه البري في 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

في هذه الأجواء، يشعر المسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بأنَّهم استنفدوا فرص إقناع تل أبيب بتبني رؤية واشنطن حول كيفية إنهاء الحرب في غزة، وتحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط، وصار الجانبان أكثر تباعداً من أي وقت مضى.

وأفيد، الجمعة، بأنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وافق على البحث عن بديل لخطته التي تتضمن فرض حكم عسكري على القطاع، وذلك بسبب تقرير للجيش يُظهر أنَّ حكماً عسكرياً سيكلف نحو 5.4 مليار دولار في السنة، بالإضافة إلى خسائر بشرية.


تطوّر «تكتيكي» في عمليات «حزب الله»

جنود لبنانيون ومتطوعو الصليب الأحمر ببلدة النجارية حيث شنّ الطيران الإسرائيلي غارة أدت إلى مقتل طفلين سوريين وعنصر في «حزب الله» (أ.ب)
جنود لبنانيون ومتطوعو الصليب الأحمر ببلدة النجارية حيث شنّ الطيران الإسرائيلي غارة أدت إلى مقتل طفلين سوريين وعنصر في «حزب الله» (أ.ب)
TT

تطوّر «تكتيكي» في عمليات «حزب الله»

جنود لبنانيون ومتطوعو الصليب الأحمر ببلدة النجارية حيث شنّ الطيران الإسرائيلي غارة أدت إلى مقتل طفلين سوريين وعنصر في «حزب الله» (أ.ب)
جنود لبنانيون ومتطوعو الصليب الأحمر ببلدة النجارية حيث شنّ الطيران الإسرائيلي غارة أدت إلى مقتل طفلين سوريين وعنصر في «حزب الله» (أ.ب)

تشهد المواجهات بين «حزب الله» وإسرائيل تصعيداً غير مسبوق مع تسجيل تطوّر «تكتيكي» في عمليات الحزب اللبناني، لكن ذلك يبقى، كما يبدو، «تحت سقف الحرب الواسعة».

وسُجّل، في الساعات الماضية، عمليتا اغتيال في مناطق بالعمق اللبناني؛ الأولى في الجنوب بقضاء صيدا، والثانية في البقاع على الطريق الدولية التي تصل لبنان بسوريا.

وأدت الغارة الأولى إلى مقتل عنصر في «حزب الله» وطفلين سوريين، في حين استهدفت الغارة الثانية في مجدل عنجر مسؤولاً في «كتائب القسام»، وفق ما أشارت المعلومات المتوافرة. وردّ «حزب الله» على الاغتيالات، بعمليات عدة، استهدفت إحداها، عبر هجوم جوي بالمُسيّرات الانقضاضية، مقر كتيبة ‏المدفعية في جعتون، وأخرى قاعدة تسنوبار اللوجستية في الجولان السوري بـ50 صاروخ ‏كاتيوشا.

ويبدو التصعيد، الذي تشهده الجبهة الجنوبية اللبنانية، متوقعاً، وفق ما يرى خبراء، مع تأكيدهم أن ذلك سيبقى تحت «سقف الحرب الواسعة» لأسباب مرتبطة بالقرارين الأميركي والإيراني المعارضين لتوسعها.


أسلحة جديدة يستخدمها «حزب الله» في هجماته على إسرائيل... ما هي؟

صاروخ «ألماس» الإيراني (أرشيفية)
صاروخ «ألماس» الإيراني (أرشيفية)
TT

أسلحة جديدة يستخدمها «حزب الله» في هجماته على إسرائيل... ما هي؟

صاروخ «ألماس» الإيراني (أرشيفية)
صاروخ «ألماس» الإيراني (أرشيفية)

يعلن «حزب الله» اللبناني بين الحين والآخر عن أسلحة جديدة في نزاعه مع إسرائيل، كان آخرها الخميس، مسيّرة تطلق صواريخ قبل الانقضاض على أهدافها استخدمها للمرة الأولى منذ بدء التصعيد قبل 7 أشهر، فما أبرز هذه الأسلحة الجديدة؟

مسيّرات هجوميّة مسلّحة

وأعلن «حزب الله»، الخميس، تنفيذ عملية «بمسيّرة هجوميّة مسلّحة» مزوّدة بصاروخين من طراز «إس - 5» على موقع عسكري في المطلة في إسرائيل، قبل أن تنفجر. ونشر مقطع فيديو يوثّق تحليق المسيّرة باتجاه الموقع حيث توجد دبابات، ولحظة إطلاقها الصاروخين ثم انفجارها.

مواصفات الصاروخ «إس - 5» (وسائل إعلام تابعة لـ«حزب الله»)

وهي المرّة الأولى التي يعلن فيها الحزب استخدام سلاح مماثل منذ بدء تبادل القصف مع إسرائيل غداة اندلاع الحرب في قطاع غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) بين إسرائيل وحركة «حماس». وقال الجيش الإسرائيلي إن 3 جنود أصيبوا، الخميس، جراء انفجار المسيّرة.

وذكرت تقارير وزّعها إعلام «حزب الله» أن وزن الرأس الحربي للمسيرة يتراوح بين 25 و30 كيلوغراماً من المواد شديدة الانفجار.

ويقول المحلّل العسكري العميد المتقاعد خليل حلو لوكالة «الصحافة الفرنسية»، إن أهمية هذه المسيّرة هي في قدرتها على شنّ هجمات من داخل الأراضي الإسرائيلية، لافتاً إلى أن الحزب يستفيد من قدرته على إرسال «مسيّرات يتمّ التحكّم بها بسهولة وتحلّق ببطء على علو منخفض من دون أن تلتقطها الرادارات».

كان الحزب أعلن، الأربعاء، تنفيذ هجوم «بعدد من الطائرات المسيّرة الانقضاضية» على قاعدة إسرائيلية غرب مدينة طبريا على مسافة أكثر من 30 كيلومتراً من الحدود مع لبنان، في هجوم يقول محللون إنه الأكثر عمقاً داخل الأراضي الإسرائيلية منذ بدء تبادل القصف.

صواريخ موجهة وثقيلة

وخلال الأسابيع الأخيرة، أعلن الحزب شنّ هجمات يصفها بـ«المركّبة» استخدم فيها مسيّرات انقضاضية مع صواريخ موجّهة تستهدف مواقع عسكرية وتحركات جنود وآليات.

كما أعلن مؤخراً استخدام صواريخ موجّهة وأخرى ثقيلة من نوع «بركان» و«ألماس» الإيرانية و«جهاد مغنية»، نسبة إلى قيادي في الحزب قُتل عام 2015 في سوريا.

صاروخ «بركان» الإيراني (وسائل إعلام تابعة لجماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع طهران)

ورغم ذلك، يقول حلو إن «حزب الله» لا يزال يعتمد بالدرجة الأولى في هجماته على صواريخ «كورنيت» المضادة للدروع، والتي يتراوح مجالها بين 5 و8 كيلومترات، وقد يستخدمها لمسافة أبعد.

ويستخدم الحزب كذلك صاروخ «كونكورس» الروسي، وهو أيضاً من الصواريخ الموجهة المضادة للدروع والتي تتخطى القبة الحديدية ويمكن اعتراضها بالدبابات فقط.

ويمتلك «حزب الله» ترسانة أسلحة ضخمة، وإن كان لا يُعرف حجمها، إلا أنها تطورت وتوسعت على مدى السنوات الماضية. وأعلن في مناسبات عدّة أنه بات يمتلك أسلحة وصواريخ متطورة عدة قادرة على بلوغ عمق إسرائيل.

ومنذ 7 أشهر، يخوض «حزب الله» وإسرائيل حرب «استنزاف» يومية، كما يصفها محللون، اختبر خلالها الطرفان بعضهما وأساليب الهجمات والتكتيكات العسكرية.


مقتل أحد قادة «كتيبة جنين» بقصف جوي إسرائيلي على جنين

مسلحان فلسطينيان خلال تشييع فتى قُتل بنيران إسرائيلية في جنين خلال أبريل الماضي (رويترز)
مسلحان فلسطينيان خلال تشييع فتى قُتل بنيران إسرائيلية في جنين خلال أبريل الماضي (رويترز)
TT

مقتل أحد قادة «كتيبة جنين» بقصف جوي إسرائيلي على جنين

مسلحان فلسطينيان خلال تشييع فتى قُتل بنيران إسرائيلية في جنين خلال أبريل الماضي (رويترز)
مسلحان فلسطينيان خلال تشييع فتى قُتل بنيران إسرائيلية في جنين خلال أبريل الماضي (رويترز)

أعلن الجيش الإسرائيلي، مساء الجمعة، أن طائرة حربية قصفت منزلاً في مخيم جنين بالضفة الغربية.

وبحسب وسائل إعلام اسرائيلية، فإن القصف في جنين استهدف خلية كانت تخطط لهجوم. وأفادت وسائل إعلام فلسطينية لاحقاً بأن القتيل هو أحد قادة «كتيبة جنين» ويُدعى إسلام خمايسة.

وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن مسلحاً فلسطينياً قُتل وأُصيب ثمانية آخرون في الغارة الإسرائيلية على مخيم جنين للاجئين بالضفة الغربية المحتلة.

وأعلن الجناح المسلح لحركة «الجهاد الإسلامي» في بيان مقتل «القائد إسلام خمايسي».

وأضافت الوزارة في بيان، أن المصابين الثمانية «حالتهم مستقرة»، ويتلقون العلاج في مستشفيين.

وذكر البيان: «خمس إصابات بشظايا حالتهم مستقرة وصلت إلى مستشفى جنين الحكومي، كما وصلت ثلاث إصابات بحالة مستقرة إلى مستشفى ابن سينا»

وقال الجيش الإسرائيلي إن الغارة نفذت بطائرة مقاتلة وأخرى هليكوبتر وهو أمر نادر الحدوث في الضفة الغربية التي شهدت تصاعداً في أعمال العنف قبل فترة طويلة من اندلاع الحرب في غزة.

وقالت إسرائيل إنها قصفت مجمعاً يستخدمه مسلحون مركزاً للعمليات وأكدت مقتل خمايسي، قائلة إنه مسؤول عن عدة هجمات على إسرائيليين.

وأضافت أن الضربة "نُفذت لإزالة تهديد وشيك"، دون الإفصاح عنه.


واشنطن تُجلي 17 طبيباً أميركياً من غزة

أشخاص وشاحنات تحمل مساعدات إنسانية بالقرب من معبر كرم أبو سالم (أ.ب)
أشخاص وشاحنات تحمل مساعدات إنسانية بالقرب من معبر كرم أبو سالم (أ.ب)
TT

واشنطن تُجلي 17 طبيباً أميركياً من غزة

أشخاص وشاحنات تحمل مساعدات إنسانية بالقرب من معبر كرم أبو سالم (أ.ب)
أشخاص وشاحنات تحمل مساعدات إنسانية بالقرب من معبر كرم أبو سالم (أ.ب)

أجلت الولايات المتحدة، اليوم (الجمعة)، 17 طبيباً أميركياً كانوا عالقين في قطاع غزة منذ أن سيطرت إسرائيل على معبر رفح الحدودي مع مصر، حسبما قال مسؤولون.

وقال مسؤول أميركي، فضّل عدم الكشف عن هويته، إن دبلوماسيين أميركيين رتّبوا عملية مغادرة الأطباء الـ17 عبر معبر كرم أبو سالم باتجاه إسرائيل.

وأوضح ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية أن «بعض الأطباء الأميركيين الذين كانوا عالقين في غزة غادروا الآن بأمان ووصلوا إلى بر الأمان بمساعدة السفارة الأميركية في القدس».

وأضاف: «كنّا على اتصال وثيق بالمجموعات التي ينتمي إليها هؤلاء الأطباء الأميركيون وكنّا على اتصال بعائلات هؤلاء المواطنين الأميركيين»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال مصدر مطّلع على مجريات العملية إن ثلاثة أطباء أميركيين آخرين كانوا جزءاً من الفريق الطبي التطوعي قرروا البقاء رغم عدم اليقين بشأن الموعد الذي ستتاح لهم فيه فرصة جديدة للمغادرة.

ومنذ سيطرة القوات الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني من معبر رفح في 7 مايو (أيار)، لم تعد تمر أي مساعدات إنسانية من هناك.

وتهدد إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو منذ أشهر بشنّ هجوم في رفح، مؤكدة أنه ضروري لتحقيق هدف «القضاء» على حركة «حماس»، رغم التحذيرات الدولية، ومن بينها الأميركية، من تبعات هذا الهجوم على حياة المدنيين.


سقوط صاروخ من طائرة إسرائيلية على بلدة يهودية في غلاف غزة

جانب من الأضرار التي لحقت بالمستوطنات في غلاف غزة ضمن عملية «طوفان الأقصى» أكتوبر 2023 (رويترز)
جانب من الأضرار التي لحقت بالمستوطنات في غلاف غزة ضمن عملية «طوفان الأقصى» أكتوبر 2023 (رويترز)
TT

سقوط صاروخ من طائرة إسرائيلية على بلدة يهودية في غلاف غزة

جانب من الأضرار التي لحقت بالمستوطنات في غلاف غزة ضمن عملية «طوفان الأقصى» أكتوبر 2023 (رويترز)
جانب من الأضرار التي لحقت بالمستوطنات في غلاف غزة ضمن عملية «طوفان الأقصى» أكتوبر 2023 (رويترز)

بعد ثلاثة أيام من مقتل خمسة جنود إسرائيليين بأيدي رفاقهم الجنود في منطقة مخيم جلاليا بقطاع غزة، كُشف النقاب اليوم (الجمعة)، عن سقوط صاروخ من طائرة إسرائيلية مقاتلة في بلدة يهودية في غلاف القطاع. ووقع هذا الحادث، صباح الجمعة، إذ سقط صاروخ كبير زنته 500 كيلوغرام، من طائرة مقاتلة من طراز «إف 15» تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، بين المنازل في بلدة ياد بمنطقة أشكول.

وبحسب مصادر عسكرية، فإن الصاروخ كان يستهدف إحدى بلدات غزة، لكنه انحرف عن مساره وأصاب هدفاً إسرائيلياً من دون أن ينفجر. ووفقاً لشهود عيان، هرع محاربون وممثلون عن القوات الجوية إلى مكان الحادث لفحص ما إذا كان الصاروخ يحتوي على مواد متفجرة لم تنفجر.

وتستعد البلدة لتنفيذ تفجير محكم للصاروخ، ولذلك تم إبعاد السكان الذين يعيشون في دائرة قريبة من موقع الحادث، بتوجيه من الشرطة. وبدأت القوات الجوية تحقيقاً في الحادث لمعرفة أسبابه وتداعياته.

وجاء في رسالة سلمت للأهالي: «في ساعات الصباح، تم رصد سقوط صاروخ من طائرة تابعة لسلاح الجو في ساحة أحد المنازل في بلدة ياد. وتعمل القوات الأمنية على إخلاء مكان الحادث. تقييم الوضع يجري من قبل متخصصين». وعدّ الجيش هذا الحادث نادراً وخطيراً، فيما أكد خبراء أنه لو انفجر الصاروخ لكان تسبب في أضرار جسيمة وخسائر بشرية.


كاردينال القدس يوجه رسالة من غزة إلى العالم لوقف الحرب

الكاردينالية مع أطفال في غزة (صور البطريركية)
الكاردينالية مع أطفال في غزة (صور البطريركية)
TT

كاردينال القدس يوجه رسالة من غزة إلى العالم لوقف الحرب

الكاردينالية مع أطفال في غزة (صور البطريركية)
الكاردينالية مع أطفال في غزة (صور البطريركية)

في ختام الزيارة إلى مدينة غزة والتقاء المنكوبين فيها من جراء الحرب الإسرائيلية، وجه بطريرك القدس للاتين، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، رسالةً إلى قادة العالم يناشدهم فيها العمل من أجل وقف الحرب وتحقيق السلام العادل، الذي يلبي طموحات الشعب الفلسطيني.

وقالت اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين، إن زيارة الكاردينال بيتسابالا، في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل للشهر الثامن على التوالي، هي رسالة بالغة الأهمية تحظى بتقدير الفلسطينيين قيادةً وشعباً.

وأكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس اللجنة الرئاسية رمزي خوري، على «أهمية وأثر هذه الزيارة وانعكاسها على أبناء الشعب الفلسطيني، وبشكل خاص على المواطنين الذين لجأوا للكنائس منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية ضد شعبنا».

وتوجه خوري برسالة لقادة الكنائس في العالم، داعياً للصلاة من أجل الشعب الفلسطيني ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية لأنحاء القطاع كافة.

الكاردينال يترأس قداساً في كنيسة غزة (صور البطريركية)

وكان الكاردينال بيتسابالا قد وصل قطاع غزة، يوم الخميس، في زيارة رعوية إلى كنيسة العائلة المقدسة للاتين في مدينة غزة. ويتضمن الوفد المرافق للكاردينال كلاً من المسؤول في جمعية «فرسان مالطا» أليساندروا دي فرانسيس، وراعي كنيسة غزة الأب جبرائيل رومانيلي، وآخرين.

والتقى الكاردينال أبناء الرعيّة الذين يعانون من العدوان الإسرائيلي منذ أكثر من سبعة أشهر، والذين لجأوا إلى الكنيسة بعد أن دمرت بيوتهم، لتشجيعهم وإيصال رسالة أمل وتضامن ودعم.

وترأس الكاردينال قداساً في كنيسة العائلة المقدسة، والتقى فعاليات الكنيسة، كما زار كنيسة القديس بورفيريوس للروم الأرثوذكس، وتفقد الأضرار التي لحقت بالكنيستين ومحيطهما جراء القصف الإسرائيلي.

وتعدّ هذه الزيارة المرحلة الأولى لمهمة إنسانية مشتركة بين البطريركية اللاتينية ومنظمة «فرسان مالطا»، بالتعاون مع «منظمة مالتيزر الدولية» وشركاء آخرين، بهدف تقديم الغذاء والمساعدة الطبية للمواطنين في غزة.

وقال الكاردينال بيتسابلا في رسالة مسجلة لأبناء كنيسة العائلة المقدسة في غزة، نشرتها البطريركية اللاتينية خلال الزيارة: «أنا الآن معكم، أحبكم وأرافقكم وأتابع أخباركم. ثقوا تماماً أننا نعمل ونسعى من أجل سلام عادل وشامل وحقيقي».