تضاعف الانقسام اللبناني حول حرب الجنوب حيث يتبادل «حزب الله» والجيش الإسرائيلي إطلاق النار منذ نحو 5 أشهر. وانتقد البطريرك الماروني بشارة الراعي حرباً «لا دخل للبنانيّين ولأهلنا في الجنوب بها». ورد عليه بشكل غير مباشر، المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان بقوله إن «سيادة لبنان بالأمس واليوم رهن بما يقرره أهل الجنوب».
ويأتي الانقسام عشية وصول كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون أمن الطاقة آموس هوكستين إلى بيروت، حيث يتوقع أن يستأنف الاثنين محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين لتطويق أي تدحرج للحرب الآخذة بالتوسع في الجنوب إلى العمق. كما تأتي بموازاة حراك أوروبي على ضفتي الحدود للحيلولة دون انزلاق الأمور إلى مستوى حرب واسعة.
ونقلت مصادر لبنانية أجواء أوروبية مفادها بأن الحراك الدبلوماسي الغربي «لم يتوقف، ولن يتوقف، لمنع أي تصعيد إضافي، وأن الاتصالات الدبلوماسية الغربية تجري بزخم على ضفتي الحدود، لمنع أي توسع للحرب إلى الداخل اللبناني، وهذه الجهود متواصلة لتبريد الجبهة بالحلول الدبلوماسية».
ونجحت المحاولات حتى الآن، بعدم توسيع رقعة الاشتباك من منطقة الحدود إلى الداخل اللبناني، ولجم إسرائيل عن توسيع الحرب إلى العمق، رغم الضربات التي نفذتها في مناطق بعيدة عن الحدود، ووصلت في الأسبوع الماضي إلى بعلبك على مسافة أكثر من 100 كيلومتر عن الحدود الجنوبية.
الراعي وعودة
إلى ذلك، تواصل الانقسام اللبناني حول الحرب والذي لم يقتصر على القوى السياسية. وقال البطريرك الماروني بشارة الراعي في قداس الأحد: «نحن في لبنان يجب ألّا ينزلق أحدٌ بوطننا إلى الحرب والقتل والدمار والتهجير والتشريد، من دون فائدة، ولقضايا لا دخل للبنانيّين عامّةً بها ولأهلنا في الجنوب اللبنانيّ». وأضاف: «رسالة لبنان أن يكون أرض سلام، ورائد سلام بحكم تكوينه وتنوّعه الثقافيّ والدينيّ، وبحكم تاريخه ونظامه السياسيّ وميثاق عيشه المشترك، وليدرك اللبنانيّون، مسؤولين وشعباً أنّ السلام ثمرة العدالة».
وفي السياق نفسه، حذر متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة من «خطورة اتساع الحرب على لبنان». وقال: «كلنا نعرف أننا أمام عدو شرس مجرم لا يردعه ضمير ولا إنسانية، فهل نضع أنفسنا في فم التنين؟ إذا كنا نعرف أن لبناننا لا يحتمل نتائج وحشية هذا العدو، وقد شهدنا ما حل بغزة مما أدمى القلوب، أليس من الحكمة منع انزلاق لبنان إلى ما يشبه ما حل هناك؟».
وأكد عودة أن «مصلحة لبنان وأبنائه تعلو على كل المصالح»، وسأل: «هل يجوز لفئة من اللبنانيين أن تقرر عن الجميع وتتفرد باتخاذ قرارات لم يتوافق عليها جميع اللبنانيين، ولا تناسب مصلحتهم؟ وهل تقبل هذه الفئة أن تبادر فئة أخرى من الشعب إلى اتخاذ مواقف أو القيام بأعمال تزج بالجميع في أتون صراعات يدفع الجميع ثمنها؟ أين الدولة من كل هذا؟». ودعا «جميع اللبنانيين» إلى التأمل ملياً في الوضع الذي وصلنا إليه والعودة سريعاً إلى كنف لبنان والعمل الحثيث على إنقاذه.
«حزب الله» وقبلان
وفي المقابل، قال عضو كتلة «حزب الله» البرلمانية (الوفاء للمقاومة) النائب علي فياض في تصريح الأحد: «ما دام وجودنا مستهدفا وأرضنا محتلة وسيادتنا منتهكة، فإن حقنا في المقاومة لا نقاش فيه، وما دام الإسرائيلي يستهدف مدنيينا وقرانا وعمق المناطق اللبنانية فإن واجبنا هو الرد بهدف ردع العدو وكفّ يده وإعادة الأمن والاستقرار لقرانا ومناطقنا». وتابع: «لا نملك إلا خيار الدفاع عن أهلنا، فإذا تجاوز هذا العدو تجاوزنا وإذا أمعن أمعنا وإذا تمادى تمادينا وهذا حقنا الدفاعي الردعي لأن العدو هو المحتل وهو المعتدي ونحن من يُعتدى علينا».
من جانبه، قال المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان إن «سيادة لبنان بالأمس واليوم رهن بما يقرره أهل الجنوب بحسّهم الوطني والسيادي وهم أهل هذه الحرب وسادة ميادينها ودرع هذا البلد وسياج هذا الوطن وقرابينه»، مضيفاً في تصريح أن «ما تقوم به المقاومة على الجبهة الجنوبية للبنان ضرورة سيادية بحجم ضرورة المقاومة التي أنقذت لبنان ودولته ومؤسساته المختلفة من السيادة الصهيونية يوم تصهيَن لبنان». ورأى أن «السكوت جريمة، والحياد انحياز لصالح الصهيوني، والتنديد بأشرف وأهم جبهة قتال سيادي أخلاقي هدية مجانية للصهاينة وإضعاف علني لموقف لبنان».