شهود على «مجزرة الجوعى» في غزة يروون لحظات الموت والرعب والفوضى

فلسطينيون ينقلون ضحايا «مجزرة الجوعى» على طريق «الرشيد» الساحلية في مدينة غزة (رويترز)
فلسطينيون ينقلون ضحايا «مجزرة الجوعى» على طريق «الرشيد» الساحلية في مدينة غزة (رويترز)
TT

شهود على «مجزرة الجوعى» في غزة يروون لحظات الموت والرعب والفوضى

فلسطينيون ينقلون ضحايا «مجزرة الجوعى» على طريق «الرشيد» الساحلية في مدينة غزة (رويترز)
فلسطينيون ينقلون ضحايا «مجزرة الجوعى» على طريق «الرشيد» الساحلية في مدينة غزة (رويترز)

«لقد رأيت أشياء لم أكن أعتقد أنني سأراها أبداً»... يقول محمد الشولي، الذي خيم طوال الليل على طول طريق «الرشيد» الساحلية في غزة الباردة للحصول على فرصة للحصول على الطعام لعائلته قبل الليلة الدامية التي لُقبت بــ«مجزرة الجوعى».

ويتابع الشولي لصحيفة «نيويورك تايمز»: «رأيت أشخاصاً يسقطون على الأرض بعد إطلاق النار عليهم، وآخرين أخذوا ببساطة المواد الغذائية التي كانت معهم واستمروا في الهروب للنجاة بحياتهم».

وكان الآلاف خرجوا وخيموا طوال الليل على طول الطريق الساحلية في ليلة غزة الباردة، متجمعين معاً وسط نيران صغيرة، في انتظار وصول الإمدادات حتى يتمكنوا من إطعام أسرهم، وسط مجاعة تشتد في قطاع غزة.

صورة من فيديو أعلن عنه الجيش الإسرائيلي يظهر ما يقول الجيش إنه تدافع الفلسطينيين حول المساعدات الذي أدى لمقتل 104 أشخاص الخميس (أ.ف.ب)

وواجه المئات الموت والإصابة، وفقاً لشهود عيان وطبيب عالج الجرحى، عندما فتحت القوات الإسرائيلية النار على الفلسطينيين اليائسين الذين تقدموا للأمام عندما وصلت شاحنات المساعدات أخيراً قبل فجر يوم الخميس.

ويصف شهود عيان رؤية أشخاص يطلقون النار في حين أطلق الجنود الإسرائيليون النار على الحشود المتدفقة حول قافلة المساعدات، وقال أحد شهود العيان للصحيفة: «لا يمكن أن يحدث ذلك». وتابع: «لا ينبغي إطلاق النار على المدنيين اليائسين الذين يحاولون إطعام أسرهم الجائعة».

وقال الشولي، وهو سائق سيارة أجرة يبلغ من العمر 34 عاماً، إنه ذهب لاستقبال قافلة المساعدات لأنه وأسرته، بمن في ذلك ثلاثة أطفال صغار، كانوا يعيشون على ما يزيد قليلاً عن البهارات والقمح المفروم والخضر البرية التي يمكنهم العثور عليها. وكان قد سمع الشولي يوم الأربعاء أن الناس حصلوا على أكياس الطحين من شاحنات المساعدات، وكانت هناك شائعات عن وصول قافلة أخرى. فذهب إلى دوار المرور مع الأصدقاء للانتظار. وقال إنه لم يرَ قَطّ هذا العدد من الناس مجتمعين في مكان واحد.

وقال الشولي في إشارة إلى الدبابات الإسرائيلية: «قبل وصول الشاحنات مباشرة، بدأت دبابة بالتحرك نحونا - كانت الساعة نحو 3:30 صباحاً - وأطلقت بضع طلقات في الهواء»، وأردف: «أطلقت تلك الدبابة قذيفة واحدة على الأقل. كان الظلام قد حل، فركضت عائداً نحو مبنى مدمر ولجأت إلى هناك».

اقرأ أيضاً: غوتيريش يندد بقتل أشخاص في غزة خلال انتظار «المساعدات المنقذة للحياة»

وقال محمد حمودة، المصور في مدينة غزة، لصحيفة «نيويورك تايمز»، إنه عندما وصلت الشاحنات بعد فترة وجيزة «ركض الناس نحوها للحصول على الطعام والشراب وأي شيء آخر يمكنهم الحصول عليه». ولكن عندما وصل الناس إلى الشاحنات، كما قال، «بدأت الدبابات بإطلاق النار مباشرة على الناس».

وقال حمودة إنه على الرغم من الذعر في مكان الحادث، فإن الكثيرين ما زالوا يهرعون للحصول على الإمدادات. وأضاف: «كان الناس مرعوبين، ولكن ليس الجميع». وتابع: «كان هناك من خاطروا بالموت لمجرد الحصول على الطعام. إنهم يريدون فقط أن يعيشوا».

وأضاف: «رأيتهم يطلقون النار بشكل مباشر من أسلحة رشاشة».

وقال الشهود إن الدبابات الإسرائيلية أطلقت النار على الناس حتى عندما بدأوا بالفرار. وإن القوات الإسرائيلية واصلت إطلاق النار بانتظام على سكان غزة بين الساعة 3 صباحاً و4 صباحاً، عند وصولهم لأول مرة، حتى نحو الساعة 7 صباحاً، على حد قول الشهود.

فلسطينيون يصلون صلاة الجنازة على أحد الشهداء في «مجزرة الجوعى» في مستشفى «كمال عدوان» في بيت لاهيا (أ.ف.ب)

وقالت السلطات الصحية في غزة إن القوات الإسرائيلية قتلت أكثر من 100 شخص وأصابت 700 آخرين في «مذبحة» أثناء سير القافلة على طريق مظلم، وهي رواية نفتها إسرائيل.

وقال الدكتور عيد صباح، مدير التمريض في مستشفى «كمال عدوان»، إن نحو 150 جريحاً و12 من القتلى نُقلوا إلى المستشفى الواقع في شمال غزة. وقال إن نحو 95 بالمائة من الإصابات كانت نتيجة طلقات نارية في الصدر والبطن.

ويواجه الفلسطينيون، وخاصة في شمال غزة، المجاعة ويتجمعون بشكل منتظم أمام شاحنات المساعدات القليلة نسبياً التي دخلت المنطقة. واتهمت جماعات الإغاثة والأمم المتحدة إسرائيل بمنع وصول المساعدات إلى شمال غزة، وهو ما نفته إسرائيل. كما أبلغت جماعات الإغاثة عن تفشي نهب شاحنات المساعدات في المنطقة.

وقال محمود أحمد إنه انتظر منذ مساء الأربعاء القافلة التي وصلت صباح الخميس، وإن الجوع أجبره على المخاطرة بالذهاب إلى مكان وصول الشاحنات على أمل الحصول على الطحين لأطفاله، ومع وصول شاحنات المساعدات إلى شمال غزة، توجه نحوها، لكن دبابة وطائرة مسيّرة، على حد قوله، بدأتا في إطلاق النار.

وقال: «رحنا (ذهبنا) من الساعة سبعة العشا وتمينا (وظللنا هناك) لثاني يوم الساعة خمسة الصبح، ولما انه مرقت (جاءت) المساعدات رحت الي هو (ثم) بدأت الدبابة والكوادكابتر (الطائرة المسيّرة) اطخ (تطلق النار) فتصاوبت (أصبت) في طلقين بظهري وضليتني (ظللت) أنزف لمدة ساعة لحد ما أجى أحد من أقربائي يوديني ع (ينقلني إلى) مستشفى».

وأضاف لوكالة «رويترز» للأنباء: «من حد ما (حين) دخلت المساعدات بدأت الدبابة وطائرة الكوادكابتر (مسيّرة) بطخ (تطلقان النيران) على الناس الموجودين غادة (تجاه) الناس اللي رايحة تجيب لقمة عيشها، لقمة أولادها، بدأت تطخ عليهم».

وقال جهاد محمد إنه كان ينتظر عند دوار النابلسي على طريق «الرشيد» الساحلية، وهي طريق التوصيل الرئيسية إلى شمال غزة. وأضاف: «رحنا استنينا الشاحنات تدخل ما درينا إلا الطخ صار على كل الناس على أبو جنب وكان من نصيبي كل هالطلق (هذه الطلقات)».

وحين سئل عما كان الجيش تعمد إطلاق النار، أجاب جهاد محمد: «صحيح سواء دبابة أو جنود أو طيارة كله كان يطخ (يطلق النيران)».

وكان سامي محمد ممن جاءوا على طريق «الرشيد» مع ابنه انتظاراً لوصول قافلة المساعدات. وقال: «كنا على خط (الرشيد) منستنى (ننتظر) المساعدات الساعة تلاتة ونص (ثلاثة ونصف) إلا هم (حتى) صاروا يرموا (يطلقون) قذائف ويطخوا على الناس، فكنا على الشط، عاود ابني جري على الشط إلا هو (حتى) طخوه طلقين واحد في جنب راسه أجى شعط (خدش رأسه) وواحد أجى (أصابه) في صدره». وكان الولد يرقد في سرير المستشفى والضمادات على صدره وذراعه، وفي وجهه جرح ظاهر.

وقال عبد الله جحا إنه ذهب إلى هناك محاولاً الحصول على الطحين لوالديه. وأضاف: «رايح أجيب كيس طحين أطعم أهلي، إحنا (نحن) ميتين من الجوع... فيش حاجة موفر النا (لا يوجد شيء لدينا) ولا عنا أكل ولا نأكل أشي... خشوا علينا طخوا علينا وقذائف وهجموا علينا وفعصونا».

وأصيب جحا، الذي وضعت كمادة على وجهه، برصاصة في الرأس، وأضاف: «أخوي الصغير والله بعيطلي بدي أكل بدي أكل من وين أجيبله (أجلب له طعاماً) أروح أنا؟».

تنديد عالمي بالمجزرة

وأثارت «مجزرة الجوعى» غضباً عالمياً وكثفت الضغوط على إسرائيل للموافقة على وقف إطلاق النار في القطاع، والذي من شأنه أن يسمح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة.

وعدّت «نيويورك تايمز» الفيديو الذي أصدره الجيش الإسرائيلي لـ«مجزرة الجوعى»، أنه «لا يفسر بشكل كامل تسلسل الأحداث»، في الوقت الذي شكك فيه الجيش الإسرائيلي في أرقام القتلى، وقالت إسرائيل إن معظم القتلى ماتوا في تدافع أو دهستهم شاحنات الإغاثة.

وقال دانيال هاغاري المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن العشرات دُهسوا بالأقدام حتى الموت أو أُصيبوا خلال اشتباك لإنزال الإمدادات من الشاحنات، وذكر هاغاري أن الدبابات المرافقة للشاحنات أطلقت طلقات تحذيرية لتفريق الجمع وتراجعت حينما بدأت الأحداث في الخروج عن السيطرة. وأضاف: «لم ينفذ جيش الدفاع الإسرائيلي هجوماً على قافلة المساعدات».

ودعا وزير الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورنيه، إلى إجراء تحقيق مستقل، وقال إن أعمال العنف المحيطة بالقافلة كانت نتيجة لكارثة إنسانية جعلت الناس «يقاتلون من أجل الغذاء»، وقال سيجورنيه لإذاعة «فرنس إنتر» يوم الجمعة: «ما يحدث لا يمكن تبريره. يجب أن تكون إسرائيل قادرة على سماع ذلك، ويجب أن تتوقف».

ودعت أنالينا بيربوك، وزيرة الخارجية الألمانية، الجيش الإسرائيلي إلى تقديم «تفسير كامل» لعمليات القتل، وانضمت إلى الدعوات لوقف إطلاق النار.

وقال وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، إن إسرائيل ملزمة بضمان وصول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في غزة، وقال في بيان: «الوقف المستمر للقتال هو السبيل الوحيدة لتوصيل المساعدات المنقذة للحياة بالحجم المطلوب وتحرير الرهائن الذين تحتجزهم (حماس) بقسوة».

وفي سياق متصل، قال الاتحاد الأوروبي أمس (الجمعة) إنه يعتزم زيادة التمويل بشكل كبير هذا العام لـ«الأونروا» وسيمنحها 50 مليون يورو، أو نحو 54 مليون دولار، الأسبوع المقبل.

وتظهر البيانات أن عدد شاحنات المساعدات التي تدخل غزة انخفض بشكل كبير في فبراير (شباط)، حتى مع تحذير قادة المنظمات الإنسانية من المجاعة، وقالوا إن بعض الناس لجأوا إلى أكل بذور الطيور وأوراقها.

ودخل ما متوسطه 96 شاحنة يومياً إلى غزة حتى 27 فبراير، وهو انخفاض بنسبة 30 بالمائة عن متوسط يناير (كانون الثاني) وأدنى متوسط شهري منذ ما قبل وقف إطلاق النار في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني)، وفقاً لـ«الأونروا». وقبل الحرب، كان يدخل غزة نحو 500 شاحنة مساعدات يومياً.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يعلنون استهداف 193 سفينة على مدى عام من الحرب في غزة

العالم العربي صورة نشرتها جماعة الحوثي تُظهر اشتعال النيران في ناقلة نفط بعد إصابتها بصاروخ في البحر الأحمر (رويترز)

الحوثيون يعلنون استهداف 193 سفينة على مدى عام من الحرب في غزة

أعلن زعيم المتمردين الحوثيين في اليمن عبد الملك الحوثي، اليوم (الأحد)، استهداف 193 سفينة مرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا «إسناداً لغزة» منذ عام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في غزة خليل الحية (أرشيفية - رويترز)

«حماس»: إسرائيل تعرقل مساعي التوصل لوقف إطلاق النار

قال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في غزة، خليل الحية، اليوم (الأحد)، إن إسرائيل لا تزال تعرقل مساعي التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية عائلات المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة يتظاهرون ضد حكومة نتنياهو (أرشيفية - رويترز)

بعد عام من 7 أكتوبر... تضارب روايتي أسر القتلى الإسرائيليين والحكومة «حول ما حدث»

تقيم عائلات إسرائيلية، الاثنين، مراسم تأبين مباشرة لذويها الذين سقطوا في هجوم «حماس» على إسرائيل في أكتوبر الماضي، بينما ستبث الحكومة مراسم مسجلة إحياء للذكرى.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس (أ.ب)

شولتس يدعو لوقف إطلاق النار في الشرق الأوسط

دعا المستشار الألماني أولاف شولتس، مجدّداً، الأحد، إلى وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط، عشية الذكرى الأولى لهجوم حركة «حماس» على إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (برلين)
تحليل إخباري نتنياهو يصافح ماكرون في القدس أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

تحليل إخباري ماذا وراء الخلاف الحاد بين نتنياهو وماكرون؟

أزمة حادة بين ماكرون ونتنياهو، والإليزيه يسعى لتطويقها... ورسالة فرنسية ضمنية إلى بايدن تدعوه «للانسجام» في المواقف.

ميشال أبونجم (باريس)

«الشرق الأوسط» ترصد عودة السوريين من «جحيم الحرب»

نازحون سوريون من لبنان يفترشون حديقة في المرجة وسط دمشق (الشرق الأوسط)
نازحون سوريون من لبنان يفترشون حديقة في المرجة وسط دمشق (الشرق الأوسط)
TT

«الشرق الأوسط» ترصد عودة السوريين من «جحيم الحرب»

نازحون سوريون من لبنان يفترشون حديقة في المرجة وسط دمشق (الشرق الأوسط)
نازحون سوريون من لبنان يفترشون حديقة في المرجة وسط دمشق (الشرق الأوسط)

حياة مأساوية مريرة تعيشها عائلات سورية في دمشق، بعد أن اضطرت للهرب من جحيم الحرب في لبنان، وفي حين لم يحُدّ قطع طريق بيروت - دمشق، بسبب استهدافه من قبل إسرائيل، من تدفق الوافدين سيراً على الأقدام، وانتقل الضغط إلى معبر العريضة في محافظة طرطوس الساحلية، وارتفعت أجور النقل عبره بشكل خيالي.

في حديقة منطقة ساحة المرجة، وسط دمشق، تفترش عدة عائلات عائدة من لبنان، الأرض، مع أمتعتها المحيطة بها منذ أيام، وقد بدا التعب والبؤس واضحاً على وجوه أفرادها، رغم أن الحكومة السورية وضعت خطة استجابة سريعة للتعامل مع أي احتياجات محتملة للوافدين من لبنان.

يروي شاب في العقد الثاني من العمر، بعد شربه الماء براحتي كفيه من صنبور ماء في الحديقة، أن عائلته التي تضم 7 أفراد عانت الأمرين حتى استطاعت مغادرة جنوب لبنان بسبب الغارات الإسرائيلية العنيفة.

يحملون أمتعتهم أثناء عبورهم لسوريا عبر حفرة ناجمة عن غارات جوية إسرائيلية قطعت الطريق بين بيروت ودمشق عند معبر المصنع (إ.ب)

يوضح الشاب: «في كل لحظة كنا نعتقد أننا سنموت، حتى وصلنا إلى (منطقة) المصنع قبل يوم فقط من قصف إسرائيل له، وعبرنا إلى سوريا، وهنا، كما ترى، نعاني كثيراً، فمنذ وصولنا لم يكترث بنا أحد. نقيم وننام ونأكل ونشرب في هذه الحديقة».

ويؤكد الشاب أن عائلته التي تنحدر من ريف محافظة حماة وسط سوريا، لا تستطيع العودة إلى قريتها؛ لأن الحرب دمرت أغلب منازلها، كما لا يوجد لهم في دمشق أقارب كي تلجأ إليهم، مشدداً بألم: «استنفدنا معظم ما نملكه من مال في رحلة الهروب من جحيم الحرب في لبنان».

هل يصمدون طويلاً في ساحة المرجة بعد هروبهم من جحيم الحرب بلبنان (الشرق الأوسط)

عجوز يقول بغضب، وهو ممدد على أرض الحديقة، وأفراد أسرته يحيطون به: «الناس تقول إن الحكومة فتحت مراكز إيواء، لماذا لا يأتون ويأخذوننا إليها؟ هي فقط للمدللين (النازحين اللبنانيين) الذين لديهم دولارات». يضيف العجوز بمرارة وعيناه مغرورقتان بالدموع، وكذلك عينا فتاة تجلس إلى جانبه: «إلنا الله. ننتظر الفرج منه».

نازحون سوريون مع أمتعتهم في ساحة المرجة لعدم وجود مأوى آخر (الشرق الأوسط)

وفي مشهد يدل على شدة معاناة تلك العائلات، وحالة العوز والفقر التي وصلت إليها، لا يتردد أغلب أفرادها بالطلب من المارة السماح لهم بإجراء اتصالات من هواتفهم الجوالة مع معارف وأقارب لهم لمساعدتهم، في حين تبدو الحسرة واضحة في وجوه كثير منهم وهم ينظرون إلى بسطات بيع الشاي والقهوة والسجائر المنتشرة على أرصفة الحديقة، لكونهم لا يستطيعون شراء حتى كوب من الشاي.

ومع زيادة توافد اللبنانيين والعائدين السوريين منذ 24 سبتمبر (أيلول)، وضعت الحكومة السورية خطة استجابة سريعة للتعامل مع أي احتياجات محتملة للوافدين من لبنان، تضمنت رفع حالة الجاهزية في كل المنشآت الصحية والنقاط الطبية على المعابر الحدودية مع لبنان؛ لاستقبال جميع الحالات الوافدة، وتقديم الخدمات الصحية اللازمة لهم.

كما جهّزت كثيراً من مراكز الإيواء التي تتسع لعشرات آلاف الأشخاص في محافظات حمص ودمشق وريف دمشق وطرطوس وحماة.

سوريون نازحون من لبنان عند معبر جوسية الأربعاء (رويترز)

ويواصل وزراء في الحكومة القيام بزيارات لمراكز الإيواء للاطلاع على أحوال الوافدين، وكذلك المعابر الحدودية للحض على «تبسيط الإجراءات، وانسياب حركة القدوم والمغادرة، وإنجاز المعاملات بالسرعة المطلوبة».

ولم تحدّ الغارات الإسرائيلية على المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان منذ بدء الضربات الإسرائيلية لـ«حزب الله» في لبنان، من تدفق الوافدين اليومي من لبنان إلى سوريا، ليتجاوز العدد الإجمالي للوافدين اللبنانيين منذ 24 سبتمبر (أيلول) حتى السبت الماضي، أكثر 82 ألف وافد، وأكثر من 226 ألف عائد سوري، وفق أرقام إدارة الهجرة والجوازات السورية.

توافد الأسر اللبنانية والسورية النازحة عبر معبر العريضة بطرطوس (إكس)

ووفق سائق تاكسي كان يعمل على خط دمشق - بيروت قبل استهداف طيران الاحتلال الإسرائيلي للطريق الدولي قرب معبر المصنع، فجر الجمعة، وخروج الطريق عن الخدمة؛ فإن دخول الوافدين من لبنان عبر معبر جديدة يابوس المقابل لمعبر المصنع استمر سيراً على الأقدام، ولكن بأعداد أقل بكثير من السابق.

وكشف السائق لـ«الشرق الأوسط»، أن حركة العبور إلى الأراضي السورية بعد خروج طريق بيروت - دمشق عن الخدمة؛ تكثفت في معبر العريضة بمحافظة طرطوس على الساحل السوري والحدودي مع لبنان والمقابل لمعبر العريضة في الجانب اللبناني.

وذكر السائق أن أغلبية من كانوا يعملون على خط دمشق - بيروت انتقلوا للعمل على خط العريضة، وتحدّث السائق عن أجور خيالية لطلبات نقل الركاب من دمشق إلى طرطوس ومنها إلى لبنان عبر معبر العريضة، لافتاً إلى أن أجرة الطلب من دمشق تصل إلى ما بين 3 – 4 ملايين ليرة سورية، في حين كانت من معبر جديدة يابوس ما بين مليون ومليون ومائتي ألف.